قرار الصحراء في مجلس الأمن يُحدث تحوّلا مغاربيا.. هل فرضت واشنطن الأمر الواقع؟
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
رحّب المنتدى المغاربي للحوار بالقرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، بشأن قضية الصحراء، معتبراً أنه يمثل "تأكيداً دولياً جديداً على جدّية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية"، و"فرصة حقيقية لتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة المغاربية، وفتح آفاق جديدة للحوار والتعاون بين المغرب والجزائر".
دعم دولي لمبادرة الحكم الذاتي
وقد صادق مجلس الأمن بأغلبية أعضائه على القرار الأممي الجديد، الذي شدد على أولوية الحلّ السياسي الواقعي والدائم القائم على التفاوض، وجدّد دعمه للجهود المبذولة تحت رعاية الأمم المتحدة لتسوية النزاع في إطار الاحترام المتبادل والتعاون الإقليمي.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يأتي في سياق دولي متغير يعيد ترتيب أولويات الأمن الإقليمي والتكامل الاقتصادي في شمال إفريقيا، ما يعزز فرص تسوية هذا الملف الذي طال أمده.
خطاب ملكي يدعو إلى الحوار والوحدة
وفي أعقاب اعتماد القرار، ألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاباً وصفه المتابعون بـ"التاريخي"، أكد فيه أن "التحول الذي يشهده ملف الصحراء ليس انتصاراً ظرفياً للمغرب، بل هو انتصار لنهج السلم والاستقرار في المنطقة".
وشدد الملك على أن المملكة "لن تستغل هذا التطور لتأجيج الخلافات أو تغذية الصراعات"، موجهاً رسالة إنسانية إلى سكان المخيمات في تندوف دعاهم فيها إلى "اغتنام الفرصة التاريخية لجمع الشمل والاستفادة من إمكانات مشروع الحكم الذاتي في تدبير شؤونهم المحلية والمشاركة في بناء وطنهم ضمن مغرب موحد ومتضامن".
وأكد الملك أن "جميع المغاربة سواسية، ولا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وإخوانهم في مختلف ربوع الوطن"، داعياً في الوقت ذاته إلى "فتح صفحة جديدة من العلاقات المغربية الجزائرية، وإطلاق حوار أخوي صادق وبنّاء يقوم على حسن الجوار وروابط الأخوة، ويسعى إلى إعادة الروح إلى الاتحاد المغاربي".
المنتدى المغاربي: لحظة تاريخية لبناء الثقة
وفي بيان أصدره عقب اجتماع طارئ لمكتبه التنفيذي، وأرسل نسخة منه لـ "عربي21"، قال المنتدى المغاربي للحوار إنه "يرحب باعتماد قرار مجلس الأمن لما يمثله من دعم واضح لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها خياراً عملياً وواقعياً لإنهاء نزاع طال أمده وأعاق مسار التكامل المغاربي".
وأشاد المنتدى بـ"روح المسؤولية والانفتاح التي طبعت خطاب الملك محمد السادس، وخاصة في رسالته إلى سكان المخيمات بتندوف، والتي تحمل بُعداً إنسانياً ووطنياً عميقاً، يفتح الباب أمام مصالحة داخلية مغربية شاملة".
كما ثمّن المنتدى "دعوة الملك الصريحة إلى الحوار الأخوي الصادق مع الجزائر، بما يحمله ذلك من استعداد حقيقي لفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين، وإحياء الاتحاد المغاربي باعتباره الإطار الطبيعي لتعاون شعوب المنطقة وتكاملها الاقتصادي والسياسي".
دعوة إلى إطلاق مسار مغاربي جديد
ودعا المنتدى إلى "اغتنام هذه اللحظة التاريخية لبدء مسار حوار مغاربي شامل يضع أسس مصالحة حقيقية بين شعوب المنطقة، ويعيد الاعتبار لمشروع الاتحاد المغاربي كمحرّك للتنمية والاستقرار".
كما وجّه نداءً إلى سكان المخيمات وإلى الفاعلين السياسيين والمدنيين في المنطقة "للانخراط بإيجابية في مسار السلم والوحدة، وإعلاء صوت الحوار على كل أشكال الانقسام والاصطفاف".
وحثّ المنتدى النخب المغاربية من مفكرين وإعلاميين وأكاديميين ومنظمات مجتمع مدني على "دعم هذا التوجه البنّاء والعمل على تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب والدول من أجل بناء مستقبل مشترك يقوم على الأخوة والتضامن".
نحو مغربٍ كبير موحّد ومستقر
وختم المنتدى بيانه بالتأكيد على أن "ما يجري اليوم يمثل فرصة جديدة لاستقرار المنطقة المغاربية وتصحيح مسار العلاقات بين دولها، وأن بناء مستقبل مشترك لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الحوار الصادق والإرادة السياسية الشجاعة والتكامل الإقليمي".
كما دعا "جميع الأطراف إلى العمل معاً من أجل مغربٍ كبير موحد، متضامن ومزدهر، يكون نموذجاً للتعاون والوحدة في العالمين العربي والإفريقي".
من جهته قال الدبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت إن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء يعكس توجها أمريكيا واضحا نحو حسم النزاع المزمن في المنطقة بما يخدم الاستقرار المغاربي ومصالح واشنطن في شمال إفريقيا، معتبرا أن "القرار يمثل هزيمة سياسية ومعنوية كبيرة للنظام الجزائري والجنرالات الذين جعلوا من قضية الصحراء رهانا وجوديا منذ وصول شنقريحة إلى رأس المؤسسة العسكرية".
أمريكا تريد تهدئة التوتر بين المغرب والجزائر
وأوضح زيتوت، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن الولايات المتحدة باتت تعتبر استمرار التوتر بين المغرب والجزائر خطرا على مصالحها الإستراتيجية، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعرفها مناطق واسعة من القارة الإفريقية، قائلا: "ليبيا فيها مشاكل، وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو والكونغو وتنزانيا فيها مشاكل، وأثيوبيا ومصر متوترة، وأثيوبيا وإريتريا أيضا.. أكثر من نصف إفريقيا يعيش حروبا أهلية، لذلك فإن واشنطن ترى أن استمرار الخلاف المغربي الجزائري، على مقربة من أوروبا، لا يخدم مصالحها".
وأضاف أن الجزائر، رغم علاقاتها المعقدة مع روسيا وفرنسا، حسّنت علاقاتها مع أمريكا بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى توقيع "خمس اتفاقيات عسكرية سرية" بين الجانبين، وحديث متزايد عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في تامنراست.
وقال: "النظام الجزائري خاف من ترامب واعتقد أن تقديم تنازلات ومكاسب لواشنطن قد يؤدي إلى تجميد ملف الصحراء، لكن الأمريكيين يريدون اليوم أن يتفاهم المغرب والجزائر ويتعاونا ويكونا في خدمة استقرار المنطقة وفق رؤيتهم".
هزيمة للجنرالات وتغيير في الموقف الدولي
ورأى زيتوت أن القرار الأممي يمثل تحولا نوعيا في موازين المواقف الدولية، لافتا إلى أن دولا أوروبية مؤثرة مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا "غيّرت مواقفها وأصبحت أقرب إلى المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي".
وقال: "أمريكا قبلت ببعض التنازلات الجزائرية الشكلية، لكنها في الجوهر فرضت على الجميع الاعتراف بالأمر الواقع. لقد رفع الأمريكيون مطالبهم عاليا جدا في مجلس الأمن، وجعلوا من بعثة المينورسو تجدد كل سنة بدل ثلاث سنوات، مع بعض الإشارات إلى حقوق الإنسان، لتأكيد أنهم الممسكون بخيوط اللعبة".
وأكد الدبلوماسي السابق أن القرار شكّل "هزيمة منكرة" للنظام الجزائري الذي جعل من قضية الصحراء "قضية حياة أو موت"، مضيفا:
"منذ أن أتى شنقريحة إلى رأس الجيش، جعل من الصحراء قضية مركزية للنظام، بينما في عهد الشاذلي وبوضياف كان هناك سعي للحل. أما الآن فالأمر تحوّل إلى عقيدة صدامية كلّفت البلاد الكثير سياسيا وماليا ودبلوماسيا".
مصلحة الجزائر في مغرب كبير موحد
وشدد زيتوت على أن "مصلحة الجزائر في قيام مغرب كبير موحد، وفي وقف العداء بين الشعبين"، مضيفا: "الملك المغربي مدّ يده مجددا للحوار، وهذا يجب أن يُستغل بذكاء، لأن مصلحة الجزائر أن لا تصرف مئات المليارات في عداء عبثي، فالمغرب ليس عدوا، بل جار طبيعي يمكن أن يكون شريكا في التنمية والأمن".
وأشار إلى أن النظام الجزائري يعيش انقسامات داخلية حول ملف الصحراء، موضحا أن "الرئيس عبد المجيد تبون ضعيف، وهو في الحقيقة ليس مقتنعا بخطاب دعم الصحراء الغربية، لكن القرار بيد المؤسسة العسكرية".
تحولات إقليمية وضغوط أمريكية
وأوضح زيتوت أن القرار الأمريكي الأخير بتمرير اللائحة في مجلس الأمن هو جزء من استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب شمال إفريقيا ضمن الرؤية الأمريكية، قائلا: "الأمريكان مرّروا القرار ليصبح قانونا دوليا، وهم الآن في طور إنهاء هذا الملف. إنها ضربة للمافيا العسكرية في الجزائر، ولشنقريحة تحديدا، كما أنها ضربة لقيس سعيد الذي سار في ركاب النظام الجزائري".
وختم الدبلوماسي السابق بالقول إن "الحرب بين الجزائر والمغرب ليست قرارا محليا، بل قرار غربي في الأساس، وهؤلاء لن يسمحوا باندلاعها، لأن واشنطن لا تريد منطقة ملتهبة أخرى على حدود أوروبا"، مضيفا: "النظام الجزائري قد يراهن على أزمات داخلية أمريكية، لكن الأمور تسير في اتجاه نهاية مأساوية له إن لم يُغيّر نهجه"، وفق تعبيره.
انتصار للدبلوماسية الجزائرية
في المقابل، قدّمت صحيفة "الخبر" الجزائرية قراءة مغايرة للقرار الأممي، معتبرة أنه "انتصار للدبلوماسية الجزائرية" التي نجحت، بحسبها، في "إعادة مجلس الأمن إلى جادة الشرعية الدولية".
وقالت الصحيفة في تقريرها الصادر مساء الجمعة إن الجزائر "خاضت معركة سياسية ودبلوماسية شاقة داخل أروقة الأمم المتحدة لإفشال ما وصفته بالمخطط المغربي–الفرنسي–الإماراتي، الهادف إلى طمس المرجعية القانونية للقضية الصحراوية واستبدالها بصيغة تروج لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد".
وأضافت "الخبر" أن التحرك الجزائري "نجح في فرض تعديلات جوهرية على نص القرار، أبرزها التأكيد مجدداً على أن أي تسوية للنزاع يجب أن تقوم على اتفاق عادل ومتوازن بين الطرفين يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بحرية تامة"، مشيرة إلى أن الوفد الجزائري تمكّن كذلك من إدراج فقرة إنسانية تتعلق بأوضاع اللاجئين الصحراويين، بعد ضغط مارسه لإبراز الأزمة الإنسانية في المخيمات.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية أن الجزائر "تصدت لمحاولات تقليص فترة ولاية بعثة المينورسو إلى ثلاثة أشهر فقط، وتمكنت من الإبقاء على التمديد لمدة عام كامل، بما يكرّس الدور الأممي في مراقبة الوضع على الأرض".
وختمت "الخبر" تقريرها بالقول إن "الجزائر أثبتت مجدداً أنها الحصن المتقدم في الدفاع عن الشرعية الدولية وحقوق الشعوب، وأن القضية الصحراوية ليست ملفاً إقليمياً عابراً، بل اختبار حقيقي لمصداقية الأمم المتحدة في حماية مبدأ تقرير المصير".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مجلس الأمن الصحراء المغربية القرار المواقف المغرب مجلس الأمن مواقف الصحراء قرار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المغرب والجزائر النظام الجزائری الحکم الذاتی مجلس الأمن فی المنطقة على أن
إقرأ أيضاً:
احتفالات تعمّ المغرب بعد قرار مجلس الأمن الخاص بالصحراء
خرجت أعداد كبيرة من المغاربة إلى الشوارع في العاصمة الرباط وفي مختلف مدن البلاد احتفالا بتصويت مجلس الأمن الدولي الجمعة، وبمبادرة من الولايات المتحدة، لصالح دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية.
وعبّر المغاربة عن فرحتهم بالتصويت على دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، بمسيرات واحتفالات شملت مدن المغرب.
وأعرب العاهل المغربي الملك محمد السادس، الجمعة، عن ارتياحه لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
وقال العاهل المغربي في كلمة: "الأمم المتحدة اعتمدت مباردة الحكم الذاتي للصحراء باعتبارها الحل الأمثل للنزاع".
وأضاف الملك محمد السادس: "نشكر الرئيس الأميركي على جهوده لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية".
وتابع قائلا: "أدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق لبناء علاقات جديدة".
واختتم كلمته بالإشادة "بجميع الجهود الداعمة لوحدة التراب المغربي".
وكان مجلس الأمن يدعو حتى الآن المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2019 للتوصل إلى "حل سياسي واقعي ودائم ومقبول من الطرفين".
لكن مشروع القرار الأميركي الذي عُرض للتصويت الجمعة يتبنّى موقفا مؤيدا لخطة الرباط المقدّمة عام 2007، والتي تنص على منح الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، وهو منطقة غنية بالفوسفات وذو مياه بحرية غنية بالثروة السمكية.
وجاء في القرار الذي أُقرّ بـ11 صوتا مؤيدا من دون معارضة، مقابل 3 دول امتنعت عن التصويت، فيما رفضت الجزائر المشاركة، أن الخطة التي قدّمها المغرب عام 2007 وتقضي بمنح الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية "قد تمثل الحل الأكثر واقعية" ويمكن أن تشكل "الأساس" لمفاوضات مستقبلية لإنهاء نزاع مستمر منذ خمسة عقود.