إسرائيل وعملية الخطيئة والعقاب.. هل حقاً انتهت الحرب؟
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
بالرغم من خرقها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة عشرات المرات منذ سريانه في 11 أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 211، وإصابة 597، وذلك وفق أرقام وزارة الصحة في غزة، وبالرغم من إدخال 986 شاحنة مساعدات فقط، من أصل 6600 شاحنة، كان يجب أن تدخل خلال أول 11 يوما من بدء سريان وقف إطلاق النار، فقد أوعزت حكومة الاحتلال لجيشها للمرة الثانية بشن غارات قوية على قطاع غزة في أعقاب ادعاء حدث مفتعل، نفت المقاومة علاقتها به.
وكذلك في أعقاب تضخيم دولة الاحتلال الإسرائيلي، التأخرَ في إعادة جثث الأسرى الإسرائيليين (الذين قتلهم الاحتلال)، في تجاهل تام للظروف الكارثية والتعقيدات التي أحدثها الاحتلال نفسه في غزة.
وتحاول دولة الاحتلال من خلال هذا الفعل تفريغ الضغوط المتزايدة والانتقادات الداخلية الشديدة لها بالتبعية للولايات المتحدة، التي ضغطت عليها لإنجاز وقف إطلاق النار، كما تحاول تثبيت قواعد اشتباك تتيح بها لنفسها العدوان على غزة في أي وقت تشاؤُه.
الخطيئة والعقابأطلقت دولة الاحتلال الإسرائيلي اسم؛ "الخطيئة والعقاب"، على عمليتها العسكرية الأولى، والتي امتدت ليوم واحد فقط في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي شملت موجة من الغارات الجوية المكثفة في أماكن متفرقة من قطاع غزة، بعد أن زعمت أن مقاومين فلسطينيين دمروا آلية عسكرية إسرائيلية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة بصاروخ مضاد للدروع، وهو الأمر الذي نفت المقاومة الفلسطينية علاقتها به.
واستخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي هذا الحدث المزعوم ذريعة لتبرير ضربات موسعة ضد المقاومة والمدنيين في غزة، بالرغم من سريان المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، حيث اعتبرت ما حصل انتهاكا لاتفاق وقف إطلاق النار، يبرر ردها.
كما قام الاحتلال الإسرائيلي بالإعلان عن وقف دخول المساعدات الإنسانية، قبل أن يتراجع عن هذا القرار بعد ضغوط أميركية منعت أيضا من انهيار وقف إطلاق النار الهش.
إعلانفي أقل من 24 ساعة وردا على الحدث المزعوم الأول، قامت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بإلقاء أكثر من 153 طنا من القنابل على قطاع غزة، حيث شنت غارات على أكثر من 100 هدف، واستشهد في الغارات أكثر من 45 فلسطينيا.
وبالنظر إلى توقيت العملية وسرعة اتخاذ القرار وحجم النيران في الرد على هذا الحدث المزعوم، إضافة إلى تصريحات الوزراء الإسرائيليين خلال الأيام التي سبقت هذه العملية، فإن المؤشرات تشير إلى نية مبيتة لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي للقيام بهذه العملية.
وقد كان تقاطر مسؤولين أميركيين مثل مبعوثي ترامب ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ثم نائب الرئيس جيه دي فانس، وليس انتهاء بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، دليلا على الضغط الأميركي المتواصل على حكومة الاحتلال؛ لمنعها من تخريب الاتفاق.
البعد التوراتيحمل اسم العملية "الخطيئة والعقاب" بعدا توراتيا أيضا يقدم غزة على أنها ارتكبت خطيئة بهجومها على قوات الاحتلال، وأن الرد الإسرائيلي هو عقاب مبرر لمن فعلوا هذه الخطيئة.
وقد تناولت التوراة فكرة "الخطيئة والعقاب" عشرات المرات في سياقات كثيرة كقاعدة تفسيرية مركزية لكثير من الأحداث. واليوم يعيد اليمين الصهيوني المتأثر بهذه الأفكار تقديمها مرة أخرى، ولكن عمليا عبر قتل النساء والأطفال، كما حصل مع عائلة أبو شعبان، التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد؛ بحجة أن هذه العائلة اخترقت خط الهدنة المؤقت بسيارتها.
فيما يتعلق بتسمية الجيش، هذه العملية لم يعرف من قبل أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد استخدم كلمات هذا الاسم بشكل مباشر سواء الخطيئة أو العقاب لأسماء عمليات عسكرية، بالرغم من استخدام العقاب كسياسة في عمل الجيش في كثير من العمليات.
وفي تحليلات الكتاب الإسرائيليين لعمليات سابقة، برزت الكثير من تفسيرات عمليات الجيش الإسرائيلي كعقاب على أعمال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، بل فسرها بعضهم في كثير من الأحيان على أنها عقاب إلهي لإعطاء صبغة دينية.
وقد يكون اسم عملية "أيام الغضب" التي شنها جيش الاحتلال ضد شمال غزة في 2004، ربما اسم العملية الأكثر وضوحا في حمل البعد العقابي.
وعملياتيا ما من شك في أن الحكومة والجيش الإسرائيلي أرادا فرض قواعد جديدة في غزة بعد وقف إطلاق النار، تتيح له التدخل متى شاء من خلال افتعال أحداث معينة ولتقدم حكومة الاحتلال لجمهورها- وخاصة اليميني منها- شكلا استعراضيا لقدرتها على القتل والانتقام، حتى في حال وقفت الحرب، حيث إن اسم "الخطيئة والعقاب" يدغدغ مطالب اليمين الديني المتطرف، الذي كان لديه انتقادات كبيرة لاتفاق وقف إطلاق النار.
العقاب والردعمن زاوية أخرى يرتبط مفهوم العقاب بالردع، فالعقاب يقدم رسالة ردع، حيث إن العقاب هو رسالة عملية حول تكلفة الإقدام على عمل معادٍ مستقبلا، وإيصال رسالة بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي ما زال قادرا على الردع، خاصة بعد ظهور الخلل الجوهري في هذا المفهوم لدى الاحتلال بعد توقيع الاتفاق.
فبعد عودة الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، ضمن صفقة تبادل وليس من خلال القوة والفعل العسكري، أكدت هذه العودة بهذا الشكل عدم قدرة الجيش على تحقيق أهداف الحرب، ومنها إعادة الأسرى بالقوة، كما أن الأيام التي تلت وقف إطلاق النار أظهرت متانة بنية المقاومة الفلسطينية بالرغم من كل ما تعرضت له، خاصة من خلال القدرة على الانتشار لضبط الحالة الأمنية، أو من خلال القضاء على العصابات الإجرامية التي تعاونت مع الاحتلال خلال أشهر الحرب.
إعلانولم يخفِ قادة الاحتلال اختلال مفهوم الردع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، في رسالة وجهها خلال ذكرى مرور عامين على الهجوم، وفق التقويم العبري، أن الجيش الإسرائيلي "فشل في مهمته المتمثلة في حماية البلاد ومواطنيها" خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال: "التصحيح سيأتي من داخلنا، منا نحن. لا نملك القدرة على تغيير ما كان، لكننا نملك القدرة على النمو، كأفراد وكجيش، وتحمل المسؤولية والتعلم من الماضي؛ لتعزيز أمننا لأجيال قادمة".
كما أن مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي الذي أقيل من منصبه، الأسبوع الماضي، قال في بيان له: "الإخفاق المريع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي كنتُ جزءا منه، يجب أن يكون موضع تحقيق معمّق للتأكد من استخلاص العبر اللازمة؛ للمساعدة في إعادة الثقة المهزوزة".
إن استخدام كلمة العقاب في عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، تشير بوضوح إلى الحاجة الماسّة لتعزيز مفهوم الردع، وأن هناك احتياجا كبيرا له خاصة بعد المقاطع التي وثقت أداء المقاومين الفلسطينيين في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكيف كان المقاومون يتقدّمون نحو الآليات الإسرائيلية بكل شجاعة ويدمرونها.
تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي تقديم أعمال المقاومة الفلسطينية كخطيئة أو كجريمة، ولكن في الحقيقة لم تنجح على مدار عامين في تقديم المقاومة الفلسطينية كحركة إرهابية، أو كمجموعات إجرامية، فالعالم اليوم -حتى في الولايات المتحدة نفسها كأقرب حليف لدولة الاحتلال الإسرائيلي- بات يرى في المقاومة الفلسطينية حركة تحرر.
ولعل المتابع لجنون الكتاب والمحللين في دولة الاحتلال من بعض التصريحات التي أدلى بها ترامب والتي تشيد جزئيا بحركة حماس ومفاوضيها، وقدرة المقاومة على ضبط الحالة الأمنية على الأرض، يلمس عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على تمرير سرديته.
غياب الاسم في الحدث الثانيفي الحدث الثاني الانتقامي في 29 أكتوبر/تشرين الأول، أكمل الاحتلال الإسرائيلي سلسلة الخطيئة والعقاب 2، ولكنه هذه المرة لم يطلق على عملياته اسما بعينه، واكتفى بالحديث عن العودة لوقف إطلاق النار.
وهذا يرجع للضغط الأميركي الذي طبق عليه بعد الحدث الأول، حيث يحاول أن يظهر أمام المجتمع الدولي أنه ملتزم بالاتفاق، ولكنه في كل مرة ينفذ عملياته ويحقق أهدافه ويقتل مزيدا من الفلسطينيين، وبالتالي يمكن القول إن اسم العملية بقي حاضرا في عقول قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين، دون الإعلان عنه لتجنب الانتقادات والتبعات الدولية.
تغيير اسم الحربتزامت عملية "الخطيئة والعقاب" مع إقرار الحكومة الإسرائيلية بالإجماع، تغيير اسم الحرب التي شنتها على قطاع غزة منذ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 من حرب "السيوف الحديدية" إلى حرب "الانبعاث".
وقد قال نتنياهو إن هذه الحرب تمثل استمرارا مباشرا لحرب الاستقلال، وإنها حرب انبعاث الشعب، وترسيخ مشروع التجدد الوطني في أرض إسرائيل. إن إطلاق اسم جديد يعكس مسار الحرب وتحولها إلى معركة متعددة الجبهات، يُعتبر لحظة مفصلية في تاريخ الدولة.
وفي التأكيد هنا على تعدد الجبهات، فإن فكرة إدراج كلمة العقاب في اسم العملية العسكرية، لا تستهدف غزة فقط بل تستهدف كل الجبهات من لبنان إلى سوريا، ومن اليمن إلى إيران، وبالنظر إلى أن نتنياهو بحث أسماء بديلة كـ"حرب التكوين"، و"حرب غزة" و"حرب سمحاة توراة؛ أي فرحة نزول التوراة"، معتبِرا أن اسم السيوف الحديدية غير ملائم لحرب بهذا الحجم، وإنما لعملية عسكرية محدودة، لذا فإن هذه الأسماء تشير إلى النوايا التوسعية والتوراتية لدى صناع القرار في دولة الاحتلال، والاستمرار على ذات النهج بالرغم من كل ما حدث.
إعلانختاما؛ لم ترتكب إسرائيل خطيئة واحدة خلال العامين الماضيين بل سلسلة خطايا أخلاقية وإستراتيجية أفقدتها الكثير من رصيدها وفضحتها، وقامت بالعربدة في فلسطين وتجاه دول أخرى، مثل لبنان، وسوريا، وقطر، واليمن، وإيران.
وبالتالي فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي كان يجب أن تكون الأحرص على تجنب فكرة العقاب على الخطيئة؛ لأنها هي التي يتزايد الزخم والتحول الواضح في الدعوة لمحاسبتها على جرائمها في ارتكاب الإبادة الجماعية، واستخدام التجويع كسلاح واستهداف المدنيين.
لدى دولة الاحتلال سجل طويل من الإفلات من العقوبات يغريها بالتمادي لتقديم نفسها كمعاقب للآخرين، ولا بد لهذه المرحلة أن تنتهي، وأقتبس هنا ما قاله القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في خطابه صبيحة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول: "ليفهم العدو أنه قد انتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب فإننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى".
وبهذه الكلمات كان يعلن عن انتهاء زمن الإجرام بدون رادع ولا مساءلة، وزمن الاستثناء الذي كان يوفر لإسرائيل الهروب من العقاب.
ولما سبق فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي التي تستحق العقوبات على خطاياها وليس المكافأة لها بالتطبيع وإتاحة الفرصة لها لدمج نفسها وكأنها لم تقم بأي شيء، ولذلك يتوقع المرء ألا يُسمح لدولة الاحتلال الإسرائيلي بجني الثمار، وكأنها لم ترتكب إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات دولة الاحتلال الإسرائیلی جیش الاحتلال الإسرائیلی المقاومة الفلسطینیة أکتوبر تشرین الأول الجیش الإسرائیلی وقف إطلاق النار اسم العملیة بالرغم من قطاع غزة أکثر من من خلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
عضو المجلس الوطني الفلسطيني: إسرائيل تتعمد خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار بغزة
قال الدكتور تحسين الأسطل، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، إن الحكومة الإسرائيلية منذ البداية تسعى إلى التهرب من أي اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن هذا السلوك كان معلنًا من خلال تصريحات وزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وأيضًا عبر الممارسات والجرائم المتكررة التي ارتكبها الاحتلال خلال تصعيدين متتاليين منذ بدء الاتفاق.
وأضاف الأسطل، خلال مداخلة مع الإعلامي أحمد أبو زيد، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار أدى إلى مقتل أكثر من 104 مواطنين، أغلبهم من الأطفال والنساء، وشمل استهداف عائلات بالكامل داخل السجن المدني، مؤكدًا أن هذه الأحداث تدل على أن إسرائيل تسعى لإعادة الوضع إلى مربع العنف والجرائم الجماعية ضد الفلسطينيين.
ضغوط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكاتوأشار إلى أن المجتمع الدولي، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، مدعو لممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات، لكنه لفت إلى أن الإدارة الأمريكية لم تبدِ جدية كافية في الضغط على الاحتلال.