الشارقة - الرؤية

أكد كتّاب وروائيون أن الحكاية تمثل ذاكرة الأمم وجسرها نحو المستقبل، مشيرين إلى أنها ليست وسيلة للترفيه فحسب، بل أداة تربط الأجيال بجذورها وتعزز حضور اللغة والثقافة في الوعي الجمعي.
 

جاء ذلك خلال ندوة بعنوان «الحفاظ على الثقافة والتراث من خلال رواية القصص»، ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، شارك فيها كل من شازيا خان وبشاير العيسى والدكتور أحمد الخوري، حيث تناول المتحدثون دور السرد في ترسيخ القيم وتعزيز الهوية الثقافية ونقل التراث بأسلوب يجمع بين التعليم والإبداع.

 

استهلت الكاتبة شازيا خان حديثها بالقول إن تجربتها في كتابة قصص الأطفال انطلقت من واقع عملها في التعليم داخل بيئة متعددة الثقافات، موضحة أنها لاحظت غياب كتب باللغة الإنجليزية تعكس تفاصيل الحياة اليومية في الإمارات، وأضافت: «كنت أبحث عن قصص يرى فيها الأطفال أنفسهم، فكتبت أعمالاً تدور أحداثها في البيوت والمزارع والصحراء، وتحتفي بالعادات المحلية كالكرم واستقبال الضيوف»، مؤكدة أن القصة قادرة على جعل القراءة امتداداً للحياة لا انفصالاً عنها.

 

من جانبها، تحدثت الكاتبة بشاير العيسى عن تجربتها في الكتابة باللهجة الخليجية، معتبرة أن استخدامها للغة اليومية يقرّب الطفل من القصة ويعزز إحساسه بالانتماء، وقالت: «لاحظت أن أطفالي لا يتفاعلون مع القصص العربية المطبوعة لأن مفرداتها بعيدة عن لغتهم، فقررت أن أكتب باللهجة التي يسمعونها في البيت، ليتعرّفوا على لغتهم المحلية ويكتشفوا تنوع اللهجات الخليجية»، مشددة على أن القيمة التربوية للنص لا تتعارض مع اللهجة، بل تتكامل معها في بناء الهوية.

 

أما الكاتب الدكتور أحمد الخوري، فاستعاد محطات من ذاكرة الإمارات وتحولاتها منذ خمسينيات القرن الماضي، قائلاً: «عشت رحلة الإمارات من الصحراء إلى الحاضر، وأردت أن أوثقها في كتابي ‹حيث لا تغيب الشمس›، لأن الذاكرة الجماعية تحتاج إلى من يسردها للأجيال»، مضيفاً أن القصة تبقى الجسر الأعمق بين الماضي والحاضر، تحفظ ذاكرة المكان وتغرس الانتماء في النفوس، مؤكداً: «علينا أن نحكي لأبنائنا كيف كانت الإمارات قبل النفط، وكيف صُنعت النهضة بالعزيمة والاتحاد، فالحكايات ترسّخ ما لا تحفظه الوثائق».

 

وفي ختام الجلسة، أجمع المشاركون على أهمية دمج الأدب القصصي في المناهج التعليمية وتوسيع حضور الحكايات المحلية في المدارس، مؤكدين أن القصة ليست ترفاً ثقافياً، بل أداة لبناء الوعي وصون الذاكرة الوطنية، لأن الأمم التي تروي قصصها تبقى قادرة على تجديد ذاتها في وجدان أبنائها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جلسة أدبية تناقش الرواية كمساحة للتمرد والبحث عن المعنى في الشارقة للكتاب

(عمان): شارك الروائي العُماني زهران القاسمي مساء أمس في جلسة نقاشية بعنوان "الرواية مساحة للتمرد والبحث عن المعنى" ضمن فعاليات الدورة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، إلى جانب كل من الدكتورة بديعة الهاشمي، والدكتورة ريم البسيوني، والروائي محمد سمير ندا، حيث تناولت الجلسة موقع الرواية العربية اليوم بين التمرد والتجريب، ودورها في التعبير عن تحولات الإنسان المعاصر وسط عالم تتغير فيه المفاهيم بسرعة مذهلة.

وفي مداخلته، أكد الروائي زهران القاسمي أن المكان يمثل أحد أعمدة التكوين السردي في العمل الروائي، إذ لا يمكن للشخصيات أن تتشكل أو تتطور بمعزل عن فضائها المكاني والبيئي، مشيرا إلى أن للمكان ذاكرة خاصة وإيقاعا يفرض نفسه على السرد ويمنح النص نكهته الإنسانية. وقال القاسمي: حين نكتب عن قرية جبلية أو عن ساحل، فإن هذا الاختلاف الجغرافي لا يغيّر فقط ملامح المكان، بل يصوغ ملامح الشخصيات وتفاصيلها الداخلية، لأن المكان ليس مجرد خلفية للأحداث، بل روحٌ تتسلّل إلى اللغة، وتعيد تشكيلها وفق نبضه وخصوصيته.

وأوضح "القاسمي" الذي تشكل البيئة العُمانية بكل ما تحمله من تضاريس ومفردات وموروث ثقافي حضورا عميقا في رواياته، أن العلاقة بين الواقع والنص علاقة جدلية لا تقوم على النقل المباشر بل على التحوير والإبداع، وقال:هناك خيط رفيع بين الحياة التي نعيشها والرواية التي نكتبها. الكاتب لا ينسخ الواقع، بل يختبره ويعيد صياغته بما يخدم الفكرة والرؤية، ليخرج بنصّ ينقل التجربة الإنسانية بلغة الفن لا بلغة التقرير.

وأضاف "القاسمي" أن الإبداع الحقيقي لا يُختزل في تقنيات الكتابة أو أدواتها، بل في صدق التجربة التي يعيشها الكاتب، وفي قدرته على التقاط التفاصيل الإنسانية التي تمرّ على الآخرين دون أن يلتفتوا إليها. وبيّن أن الشعر يشكل في تجربته السردية بُعدا لغويا وفكريا عميقا، إذ يتيح له التعبير عن المشاعر الداخلية بطريقة أكثر شفافية وتأملا، دون أن يفقد السرد تماسكه. مؤكدا أن الرواية العربية اليوم باتت أكثر قدرة على تمثيل واقع الإنسان العربي بكل تناقضاته، وأنها لم تعد مجرد فن حكائي تقليدي بل مساحة مفتوحة للبحث عن الذات والهوية، وقال: الرواية الحديثة تمرد على الأشكال القديمة، ومحاولة لتفكيك القوالب الجامدة التي كبّلت السرد طويلا. لذلك نرى اليوم كتّابا يعيدون تعريف حدود الرواية وغاياتها، لتصبح ساحة حوار مفتوحة بين الإنسان والعالم.

وفي سياق الجلسة، تحدثت الدكتورة بديعة الهاشمي عن تحوّلات الرواية العربية المعاصرة، مشيرة إلى أن مصطلح "الرواية الجديدة" لا يُعبّر عن مرحلة زمنية محددة بقدر ما يعبّر عن روح التجريب والرغبة في كسر القوالب التقليدية للسرد والبناء القصصي. وقالت: الرواية الجديدة تركّز على تعدد الأصوات، وتمنح الكاتب مساحة أكبر للتأمل والرمزية وتوظيف الأسطورة، وتقترب من الغرائبي والفلسفي. إنها انعكاس لحيوية الأدب وقدرته على التجدد، فالرواية كائن حي يتطور مع الزمن ويستجيب لتغيّرات العالم من حوله.

وعن أثر الذكاء الاصطناعي على الأدب، أوضحت "الهاشمية" أن الأدب في جوهره قائم على المشاعر والتجربة الإنسانية، مضيفة: الذكاء الاصطناعي قد يساعد في ترتيب النصوص أو توليد الأفكار، لكنه لا يستطيع أن يكتب من القلب، لأن الإبداع الحقيقي لا يُصنع بالخوارزميات. غاية الأدب هي التعبير عن الإنسان، فكيف يمكن لآلة أن تعبّر عن مشاعر لم تختبرها؟.

من جانبها، تحدثت الدكتورة ريم البسيوني عن رحلتها مع الكتابة الروائية التي بدأت منذ سن مبكرة، مشيرة إلى أنها كتبت في السادسة عشرة رواية تاريخية عن فتح الأندلس، ثم تحوّلت لاحقا إلى الرواية الواقعية، قبل أن تعود إلى التاريخ في أعمال مثل "ثلاثية المماليك" و"رواية الحلواني"، التي تناولت فيها تشكل الهوية المصرية وتحولات الفكر الصوفي.

وقالت البسيوني: أنا أكتب الرواية التاريخية لا للهروب من الواقع، بل للبحث عن الإنسان في أزمنة مختلفة، فالتاريخ بالنسبة لي مرآة نرى فيها الحاضر... وإذا فقد النص حرارته الإنسانية فلن يلامس القارئ مهما بلغت حرفيته، لذلك فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يقتل الروح التي تمنح النص الحياة.

أما الروائي محمد سمير ندا فاعتبر أن مهمة الكاتب هي أن يكون شاهدا على عصره، يلتقط ما يتوارى خلف الخطاب العام من خيبات وتحولات، وقال: الكاتب لا يكتب ليصف العالم فقط، بل ليعيد تأويله. العمل التاريخي أو الواقعي لا يُقاس بمدى التزامه بالوقائع، بل بقدرته على تحريك التفكير في قضايا الإنسان والمجتمع.

وأشار ندا إلى أن خطر الذكاء الاصطناعي على الإبداع حقيقي، إذ يمكنه كتابة نصوص في دقائق بينما يستغرق الكاتب سنوات في إنجاز روايته، لكنه استدرك قائلا: مهما تقدمت الآلة، ستبقى الرواية الإنسانية أكثر صدقا وجمالا لأنها مكتوبة من قلب عاش وتألّم وتأمل.

وجاءت هذه الجلسة ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب عاكسة حيوية المشهد السردي العربي وتعدده، ولتؤكد أن الرواية اليوم أصبحت فضاء للتعبير الحرّ، وللتفكير في الذات والآخر والوجود، في زمن تتقاطع فيه الأسئلة الكبرى حول الهوية والمعنى، ويمثل حضور الروائي العُماني زهران القاسمي في مثل هذه المنصات الثقافية العربية تتويجا لمسيرة إبداعية غنية تعكس صوت الأدب العُماني المتجدد، وقدرته على المساهمة في النقاش العربي حول قضايا السرد والتجريب، وتأكيدا على أن الرواية العُمانية اليوم لم تعد معزولة عن محيطها العربي والعالمي لكنها تشارك بفاعلية في صياغة أسئلته الكبرى وتحدياته الفكرية والجمالية.

مقالات مشابهة

  • «من التمثيل إلى التأليف».. جلسة حوارية في «الشارقة للكتاب»
  • جناح "بيت الحكمة" في "الشارقة الدولي للكتاب" 2025 يوثق رحلة التفاعل بين الحضارتين العربية واليونانية
  • جلسة أدبية تناقش الرواية كمساحة للتمرد والبحث عن المعنى في الشارقة للكتاب
  • «في البحث عن الإنسان»... جلسة بـ «الشارقة للكتاب»
  • كتّاب وباحثون يؤكدون: الرحلات والروايات التاريخية تكشف أن الحكاية البشرية واحدة مهما تعدد الرواة والأوطان والأزمان
  • جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ تشارك بمعرض الشارقة للكتاب
  • بدور القاسمي تكرِّم الفائزين بجوائز معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025
  • «الأرشيف والمكتبة الوطنية» يستعرض أبرز إصداراته ومشاريعه بمعرض الشارقة للكتاب
  • جلسة في «الشارقة الدولي للكتاب»: الحبّ والحزم والحوار مفاتيح لتربية متوازنة