حشيمة «بش محود إلون».. وداعا
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
يصعب على المرء التعبير عن الحزن ووقعه، فما بالك بمن فقد أمه التي أرضعته وربته وساهمت بشكل أو بآخر في بناء ذاته وذاكرته وشخصيته، ففي مجتمع الرعاة تكون لدى الطفل في الغالب أمٌ أخرى غير أمه البيولوجية، إذ جرت العادة عند الرعاة أن ترضع الأمهات طفل المرأة التي تغيب عن طفلها أو تنشغل بظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يكابدها الرعاة المتنقلون وخاصة رعاة الإبل، إذ يحملون أمتعتهم على ظهورهم ويتنقلون بين الأودية والهضاب في مسالك جبلية وعرة يندر وجود الماء فيها ناهيك عن الطعام، ويكاد يكون الحليب هو المشروب المغذي الوحيد الذي يحصلون عليه في أغلب أيام السنة.
إن الأم المرضعة التي فقدتها منذ يومين وأجدني عاجزا عن التعبير عن رحيلها أو ما تمثله في حياتي هي المرحومة حشيمة بنت محمد سهيل متكي العمري (بش محود إلون)، فعند ذكرها تختلط عليّ العبارات والعبرات في التعبير عنها وعن والدها المرحوم (محود إلون) المشهور بالكرم وإيواء الجياع، وقد أشرت له سابقا في أكثر من مقال، ومهما كتبت عنه فلن أوفيه حقه، فهو الوحيد الذي أشعر تجاهه بحب وتقدير من نوع خاص، ليس لأننا مدينون له بالكثير، ولكن لأنه كان الشخص الذي رمت أمي بقايا حبلي السري خلفه لكي أحمل صفاته كما جرت العادة في الميثولوجيا القديمة، إذ تُرمى سُرر الأطفال خلف الناس الذين يرغب الآباء أن يتشبّه بهم أطفالهم، وللحبل السري قيمة في ثقافة الشعوب القديمة، إذ يُعتقد أنه يحمل سر حياة المولود لهذا يُدفن الحبل السري للأطفال خوفا من وقوعه بين أيدي السحرة أو من يريدون إلحاق الأذى بالمولود، وأحيانا يوضع الحبل السري مع الذهب أو النقود اعتقادا بأن الطفل يُمكن أن يُحاط بالمال والذهب، ولدينا في ظفار مثل يقول «فلان ضاع حبله السري هناك» حينما يرون شخصا مرتبطا بمكان ما أو موضوع ما.
لكني شخصيا خالفت ناموس الميثولوجيا القديمة فلم أصبح راعيا للإبل، ولم يشهد الناس لي بالمعرفة والبراعة في شؤون الرعي وتدبير قطاع النوق، فكيف ضاعت سُرتي خلف الرجل في معطان الإبل؟!
أخذني السرد بعيدا عن فقدان أمي المرضعة، مع أنني في الواقع قد فقدتها منذ سنوات حين محا الزهايمر ذاكرتها وأدخلها في غيبوبة لعدة سنوات، الزهايمر ذاته الذي محا (باري) من ذاكرة عبدالله، بطلي رواية «ورددت الجبال الصدى» للكاتب والطبيب الأفغاني الأمريكي خالد حسيني، إذ لم يتعرف عبدالله على شقيقته باري، هو الذي عاهد نفسه على ألا ينسى شقيقته التي كان بمثابة الحارس الشخصي لها. لكن لا الزهايمر ولا النسيان قادران على محو أمي حشيمة من ذاكرتي، فما أن يمر ذكرها على البال حتى أرى وجه المرأة الحليبي المغطى بالثوب النيلي وابتسامتها الشهيرة، وشهرتها في تقديم العون والمساعدة، وتدبير خِدرها الذي يضرب به المثل في الترتيب والتنظيم وسعته للناس، وذكر لي صديق الوالد المرحوم مبارك سالم باعويضان- من تجار سدح- أنه حين يقبل الخريف ويغلق البحر أمام المراكب، يذهب إلى الجبل عند والدي الذي يكون وقتها مع إبله مخالطا بيت محود إلون، حيث (خدار) الأم حشيمة وبهجة الرعاة وسرورهم وأجواء الخريف.
لم تكن أمي من الرضاعة تحكي لنا الكثير من القصص فهي مشغولة دائما إما بجلب الماء على ظهرها من مسافات بعيدة وإما بالبحث عن ناقة مفقودة أو مساعدة أسرة أخرى انتقلت إلى مكان آخر، فتقدم العون طوال وقتها لمن يحتاجه.
حين طالعت وجهها قبل تكفينه بدقائق طافت بي الذاكرة في الأمكنة الجميلة التي رأيتها فيها، وتذكرت أن والدها رحل أيضا في شهر سبتمبر 2002، وقبل أن يغطي الكفن الأبيض وجه أمي تذكرت بيت المتنبي الشهير:
«صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ
عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا
لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ
وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ»
رحم الله وجوها كانت معنا وفارقتنا، ورحم الله أمهات أرضعننا مع الحليب حب الآخرين وسيرهم العطرة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قصة الممثل المصري المسيحي الذي ألقى خطبة الجمعة على زملائه
حلّت يوم 24 يونيو ، ذكرى وفاة الفنان الكوميدي يوسف داود الذى قدم العديد من الأعمال الفنية التي ستظل علامة في تاريخ السينما المصرية، ولقبه البعض بـ “مهندس الكوميديا” كونه خريج الهندسة.
ونرصد فى السطور التالية أبرز المحطات فى حياة يوسف داود.
بداية يوسف داود الفنية
هو يوسف جرجس صليب الشهير بـ يوسف داود، ولد في 10 مارس 1938 بمحافظة الإسكندرية.
تخرج يوسف داود في كلية الهندسة، قسم الكهرباء، عام 1960.
عمل يوسف داود مهندسا في البداية حتى عام 1985.
بدأ يوسف داود مسيرته الفنية بمشاركته في مسرحية “زقاق المدق”.
أبرز أعماله الفنية
احترف يوسف داود التمثيل وهو في سن 47 عاما.
وشارك داود في أعمال سينمائية عدة، منها أفلام “سيداتي آنساتي”، و”حنفى الأبهة”، و”بخيت وعديلة”، و”حلق حوش”، و”عسل أسود”، و”عمارة يعقوبيان”.
وشارك داود في مسلسلات “رأفت الهجان”، و”السيرة الهلالية”، و”فارس بلا جواد”، و”العمدة هانم”.
منذ دخوله الوسط الفني في عام 1985، وهو ينتمي لعالم الكوميديا، فصنف كممثل مصري كوميدي، مثلّ في حوالي 40 فيلما وعدد من مسلسلات التليفزيون، كما أنه لم يترك المسرح وحيدًا بل اتجه للتمثيل على خشبة المسرح وكانت أغلب أعماله مع الزعيم عادل إمام.
قصة يوسف داود مع خطبة الجمعة
ظل يوسف داود يؤدي خدمته العسكرية بالجيش لمدة ٧ سنوات بسبب الحرب ، ورغم كونه مسيحيا الا ان هناك قصة شهيرة مرتبطة باسم النجم الراحل يوسف داود حين قام بإلقاء خطبة الجمعة بشكل مميز ، و روت ابنته الوحيدة هذه القصة في إحدى لقاءاتها التليفزيونية.
ذات يوم جمعة أثناء خدمة يوسف داود بالجيش، اجتمع زملائه بالمسجد لأداء صلاة الجمعة والاستماع للخطبة ، لكن الإمام قد غاب ولم يتمكن من الحضور، فطرأت في أذهان زملاء يوسف داود فكرة وطلبوا منه ان يقوم هو بإلقاء خطبة الجمعة بدلا من الامام .
يوسف داود كان معروفا بفصاحته باللغة العربية واتقانها جيدا ، كما انه كان يقرأ كثيرا في الدين الاسلامي ولديه معلومات دينية واسعة، فوافق على اقتراح زملائه و صعد على المنبر وبدأ في القاء خطبة الجمعة بدلا من الامام لكن هذا المشهد لم ينتهي نهاية سعيدة كما توقع يوسف داود، وشاهده قائد الكتيبة واخبر زملائه لانه مسيحيا عواقبه على هذا الامر.
وفاة يوسف داود
توفي “داود” في الـ 24 من شهر يونيو عام 2012، بعد صراعه مع المرض وكان عمره يناهز 74 عاما، وحالته كانت سيئة جدًا في الأسبوع الأخير من مرضه، ومن ثم انتقل إلى مستشفى في محافظة الإسكندرية، وتوفي فور نقله.
صدى البلد
إنضم لقناة النيلين على واتساب