لجريدة عمان:
2025-11-01@02:01:58 GMT

حشيمة «بش محود إلون».. وداعا

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

يصعب على المرء التعبير عن الحزن ووقعه، فما بالك بمن فقد أمه التي أرضعته وربته وساهمت بشكل أو بآخر في بناء ذاته وذاكرته وشخصيته، ففي مجتمع الرعاة تكون لدى الطفل في الغالب أمٌ أخرى غير أمه البيولوجية، إذ جرت العادة عند الرعاة أن ترضع الأمهات طفل المرأة التي تغيب عن طفلها أو تنشغل بظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يكابدها الرعاة المتنقلون وخاصة رعاة الإبل، إذ يحملون أمتعتهم على ظهورهم ويتنقلون بين الأودية والهضاب في مسالك جبلية وعرة يندر وجود الماء فيها ناهيك عن الطعام، ويكاد يكون الحليب هو المشروب المغذي الوحيد الذي يحصلون عليه في أغلب أيام السنة.

ينتج عن اختلاط الرعاة وتعاون الأمهات في إرضاع الأطفال علاقات من الأخوة تُنسج بين الأسر والأهالي. إن عادة إرضاع الأطفال منتشرة في الظروف التي تنشغل فيها المرأة عن طفلها سواء في المجتمعات الزراعية أو المجتمعات القائمة على الترحال والتنقل، وهي أيضا عادة عربية قديمة، فقد رضع النبي- صلى الله عليه وسلم- من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وبعد غزوة حنين حين قسمت الغنائم على المسلمين خرج زهير بن صرد من بني سعد يطلب من النبي العفو عن الأسرى ففيهن عماته وخالاته وحواضنه اللاتي كن يكفلنه، كما ورد في السير.

إن الأم المرضعة التي فقدتها منذ يومين وأجدني عاجزا عن التعبير عن رحيلها أو ما تمثله في حياتي هي المرحومة حشيمة بنت محمد سهيل متكي العمري (بش محود إلون)، فعند ذكرها تختلط عليّ العبارات والعبرات في التعبير عنها وعن والدها المرحوم (محود إلون) المشهور بالكرم وإيواء الجياع، وقد أشرت له سابقا في أكثر من مقال، ومهما كتبت عنه فلن أوفيه حقه، فهو الوحيد الذي أشعر تجاهه بحب وتقدير من نوع خاص، ليس لأننا مدينون له بالكثير، ولكن لأنه كان الشخص الذي رمت أمي بقايا حبلي السري خلفه لكي أحمل صفاته كما جرت العادة في الميثولوجيا القديمة، إذ تُرمى سُرر الأطفال خلف الناس الذين يرغب الآباء أن يتشبّه بهم أطفالهم، وللحبل السري قيمة في ثقافة الشعوب القديمة، إذ يُعتقد أنه يحمل سر حياة المولود لهذا يُدفن الحبل السري للأطفال خوفا من وقوعه بين أيدي السحرة أو من يريدون إلحاق الأذى بالمولود، وأحيانا يوضع الحبل السري مع الذهب أو النقود اعتقادا بأن الطفل يُمكن أن يُحاط بالمال والذهب، ولدينا في ظفار مثل يقول «فلان ضاع حبله السري هناك» حينما يرون شخصا مرتبطا بمكان ما أو موضوع ما.

لكني شخصيا خالفت ناموس الميثولوجيا القديمة فلم أصبح راعيا للإبل، ولم يشهد الناس لي بالمعرفة والبراعة في شؤون الرعي وتدبير قطاع النوق، فكيف ضاعت سُرتي خلف الرجل في معطان الإبل؟!

أخذني السرد بعيدا عن فقدان أمي المرضعة، مع أنني في الواقع قد فقدتها منذ سنوات حين محا الزهايمر ذاكرتها وأدخلها في غيبوبة لعدة سنوات، الزهايمر ذاته الذي محا (باري) من ذاكرة عبدالله، بطلي رواية «ورددت الجبال الصدى» للكاتب والطبيب الأفغاني الأمريكي خالد حسيني، إذ لم يتعرف عبدالله على شقيقته باري، هو الذي عاهد نفسه على ألا ينسى شقيقته التي كان بمثابة الحارس الشخصي لها. لكن لا الزهايمر ولا النسيان قادران على محو أمي حشيمة من ذاكرتي، فما أن يمر ذكرها على البال حتى أرى وجه المرأة الحليبي المغطى بالثوب النيلي وابتسامتها الشهيرة، وشهرتها في تقديم العون والمساعدة، وتدبير خِدرها الذي يضرب به المثل في الترتيب والتنظيم وسعته للناس، وذكر لي صديق الوالد المرحوم مبارك سالم باعويضان- من تجار سدح- أنه حين يقبل الخريف ويغلق البحر أمام المراكب، يذهب إلى الجبل عند والدي الذي يكون وقتها مع إبله مخالطا بيت محود إلون، حيث (خدار) الأم حشيمة وبهجة الرعاة وسرورهم وأجواء الخريف.

لم تكن أمي من الرضاعة تحكي لنا الكثير من القصص فهي مشغولة دائما إما بجلب الماء على ظهرها من مسافات بعيدة وإما بالبحث عن ناقة مفقودة أو مساعدة أسرة أخرى انتقلت إلى مكان آخر، فتقدم العون طوال وقتها لمن يحتاجه.

حين طالعت وجهها قبل تكفينه بدقائق طافت بي الذاكرة في الأمكنة الجميلة التي رأيتها فيها، وتذكرت أن والدها رحل أيضا في شهر سبتمبر 2002، وقبل أن يغطي الكفن الأبيض وجه أمي تذكرت بيت المتنبي الشهير:

«صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ

عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا

لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ

وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ»

رحم الله وجوها كانت معنا وفارقتنا، ورحم الله أمهات أرضعننا مع الحليب حب الآخرين وسيرهم العطرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من هو أبو اللولو الذي قتل ألفي أسير وأعزل؟

متابعات تاق برس- مشاهد قتل المدنيين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور و تصويرهم خلال سيطرة مليشيا الدعم السريع التي استباحت المدينة فتح الباب حول شخصية القاتل الذي وثق بهاتفه انتهاكاته وقتله للمواطنين بعد الحديث معهم وسبهم، في مشهد هز الضمير الانساني، فمن هو القاتل أبو اللولو؟

 

فاتح عبدالله إدريس، الملقّب بـ(أبو لولو) يُعدّ من أبرز عناصر الدعم السريع وأكثرهم قربًا من الدائرة العائلية لآل دقلو وينتمي إلى قبيلة الماهرية التي تُسيطر على مفاصل الدعم السريع.

 

تاريخ القاتل مع المليشيا:

 

انضم أبو لولو إلى الدعم السريع في العام 2013 بعد أن تلقى تدريبًا عسكريًا في معسكر الجيلي، وحصل على رتبة رقيب بعد ترقية شقيقه الأكبر إلى رتبة ضابط. ساعدته صلته الأسرية المباشرة بـحميدتي على الصعود السريع داخل المنظومة، حيث أُلحق بالقوات الخاصة وشارك في عملية السيف الحازم، ثم أُرسل إلى اليمن عدة مرات ضمن أولى الدفعات المشاركة هناك.

 

عمل في مكتب الرياض:

 

بعد عودته إلى السودان، نُقل إلى مكتب الاستخبارات الذي كان يديره مضوي في منطقة الرياض، ما عزّز مكانته داخل الجهاز الأمني. ومع تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع، أصبح من أفراد الحراسة الخاصة لعبدالرحيم دقلو.

 

فاصيل مشاركته في عمليات الخرطوم:

 

شارك أبو لولو في عدة معارك داخل الخرطوم، أبرزها الهجوم على سلاح الإشارة ببحري، وهي العملية التي فقد فيها شقيقه الأكبر. لاحقًا، ذاع صيته بعد ظهوره في مقاطع مصوّرة تُوثّق تصفية أسرى، كان أولها في الجيلي، حيث ظهر وهو يشرف على تنفيذ الإعدامات الميدانية.

 

عقب تلك الحادثة، استدعاه عبدالرحيم دقلو وضمّه إلى مجموعة “أبو أنجلك”، وهي وحدة لا تشارك في القتال المباشر، وإنما تتولى مهام التصفية وجمع المعلومات من الأسرى بعد المعارك.

 

 

 

 

اصابة صديقه زادت من الثأر:

 

وخلال الهجوم الأخير على المدينة، أُصيب أبو أنجلك بجروح خطيرة ونُقل إلى نيالا، الأمر الذي دفع أبو لولو إلى تنفيذ حملة انتقامية قال إنها “ثأر لإصابة أبو أنجلك”، حيث وثّق بنفسه عمليات قتل جماعية ضد المدنيين، واعترف لاحقًا بقتل أكثر من ألفي شخص.

أبو اللولوالدعم السريعانتهاكات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • فضيحة مشروع نيمبوس.. اتهامات لأمازون وجوجل بالتعاون السري مع إسرائيل
  • مستوطنون يمنعون الرعاة من الوصول لمراعيهم شرق القدس
  • من هو أبو اللولو الذي قتل ألفي أسير وأعزل؟
  • جنوبًا.. إلقاء قنبلة إسرائيلية بالقرب من أحد الرعاة واستهداف منزل
  • قمة تاريخية بين ترامب وشي.. ما الذي اتفق عليه الرئيسان؟
  • رحمة محسن تعلق لأول مرة على أزمة الفيديوهات المسربة وزواجها السري
  • وداعا ChatGPT.. واتساب يطرد روبوتات الذكاء الاصطناعي من منصته
  • وداعا للمتبرعين.. القلب القادم من صنع البشر
  • «زانا» الذي رأى كل شيء
  • إلى أين يقودنا الصراع حول حرية التعبير؟