فؤاد البطاينة بداية، ليعلم كل من يحكم أو ينادل أو يرتزق بعمل سياسي أن قضية فلسطين هي قضية الشعوب العربية والإسلامية وتسمو بعدالتها وكارثية تجاهلها أو النيل منها، وبطبيعتها وطبيعة أعدائها على كل قضايا الشعوب التي لا تتعدى درء خطر أو تحقيق مصلحة. وبأنها المحدِّدُ الثابت لمصير شعوبنا والضابط لمواقفها وسلوكها، فعلى مذبحها نكون أو لا نكون، ويكون الأمن والاستقرار على المعمورة أو لا يكون.
إنها المعيار لصلاحية كل خُلُق أو سياسة أو نمط تفكير، والمعيار لمصداقية القيم ومدعيها. والسامية بالتالي على كل أيدولوجيا أو سلوك انساني أو بشري يتجاوزها بأي اتجاه كان. ولنا في بلاد العرب والمسلمين هي معيار الشرعية للحاكم والمشروعية للقانون. فمن يؤمن أو يحاجج بالخلق والقيم والعدل والحرية والمساواة في الحقوق الإنسانية ويسعى اليها من نظام أو كيان أو شخص، عليه أن يتوقف مع نفسه وضميره ويتفحص مردود موقفه وفعله وقوله على القضية الفلسطينية. والعربي الذي يبكي حال بلده ويبحث عن الترياق فهو في صندوق فلسطين وقضيتها. فالعدو وبالمنطق العلمي معني جداً بأن لا تكون دولة عربية أو إسلامية بخير ما دام استهداف فلسطين قائماً. وما دامت هي وشعبها تحت الإستهداف، فستكون بالضرورة أقطار العرب وشعوبها تحت الإستهداف. ذلك لأن الصهيوني يُدرك بأن احتلال فلسطين هو احتلال لجزء من كل هو الجسم العربي، وبأنه احتلال لا يمكن أن يستقر في المحصلة وهناك دولة عربية واحدة قوية أو منافسة بقوتها. ولا يمكن للعدو المراهنة في هذا على تطبيع حكام عملاء وهناك شعوب لا يُمكن تطبيعها، هذا إذا افترضنا تنازل الصهيونية اليهودية عن المشروع التوراتي الممتد، وافترضنا أن الكيان لا يحتاج لبقائه لعمق جغرافي حيوي استراتيجي. ونحن ما فتئنا نشاهد نار فلسطين تحرق دولا عربية وتشرد شعوبا. ومع ذلك فإن فلسطين ما زالت خط الدفاع الأول عن العرب بصمود شعبها الأسطوري وبتحمله وحده مسؤولية الدفاع عن شرف الأمة ومواجهة فظائع العصابات الصهيونية عنهم، وهم هاربون بنفاق وجبن الشجب والإستنكار أو الترقب وكلها خيانة. وفيها ما هو أعظم حين اجتمع يوماً حقراء العرب وحثالة البشر في عام 2006 يتفرجون وينتظرون لشهر ونيف بمنتهى الكفر كيف سينهي جيش الاحتلال على
المقاومة الإسلامية في لبنان وباؤا بالخزي والعار والهزيمة لجيش الإحتلال وأمريكا. وكذا يفعلون في غزة والضفة، ومؤخراً انتظروا كيف سيسحق الصهيوني المدنيين والمقاومين في جنين ولكنها الجين الفلسطيني أعطت أمريكا والعالم والمطبعين درسا تاريخيا بانتصارها في الصمود وإفشال جيش الإحتلال ورهطه. نعود، فخيارات الصهيوني في ترسيخ احتلاله محصورة باثنين. الأول هو الإبقاء على الأقطار العربية وشعوبها في حالة تخلف اقتصادي وعلمي وعسكري وعدم استقرار وفرقه، ومحاربة الديمقراطية ودعم الدكتاتوريات العميلة وإحباط شعوبها وإلهائها بجوعها وأمنها، وبتسويق وفرض البدائل الثقافية عن ثقافتها وحتى عن عقيدتها. وهي تنجح في كل هذا الى حد بعيد. والأسباب لا نرميها على الحكام الموظفين بل على مؤسسات الشعب العربي وتمنع شعوبنا عن كسر قيودها. أما الخيار الثاني حصراً فهو العمل على شيطنة المقاومة ومحاربتها وتأليب الرأي العام الدولي والعربي عليها وصولا لنزع فكرتها من رؤوس المواطنين العرب لأنها وحدها القادرة على قلب الطاولة على الاحتلال وأدواته وحسم المسألة من أساسها. هزائمنا بالخيانة، وصمودنا بالمقاومة. لكن الخيانة في بلادنا مبرمجة وموجهة ومتطورة مرحلة وراء أخرى يقودها حكام بالإرادة الأمريكية. وانتقلت هذه الخيانة إلى ضرب رهيب من ضروب الخداع لتزوير إرادة شعوبنا بكتم صوتها وتقييد حركتها وحريتها حتى بتنا نشهدها تدافع عن نفسها وحقوقها في بلاد الغرب وتهتف لفلسطين وترفع علمها، بينما لا تفعل هذا في بلادها حيث فاعليتها معطلة. ذلك أن كل المحرمات والممنوعات والمحظورات بالقانون والعرف من أي نوع في أوروبا والغرب عامة مطلوب إباحتها في أقطارنا العربية على شعوبنا وأوطاننا من قبل حكام يحكمون ويستبدون بالوكالة بأنظمة عسكرية وأمنية تقوم بدور الإرهابيين لشعوبنا بكل وسائل القمع الوحشي واللا أخلاقية والتجويع مستندين لحماية ودعم أمريكا اللامحدود ولا مقيد بسقف. بل ويقدمون لها أوطاننا لإقامة معسكرات حشد وتدريب العصابات ومجاميع الإرهابيين من شتى أنحاء العالم، وإنشاء سجون غير شرعية ولا مشروعة على ترابنا، فلمتى ستبقى شعوبنا تتعايش مع قيود أنظمة هشة ومعزولة ومرعوبه. نعود للمقاومة الفلسطينية من وحي إنتاجيتها وأطرح تساؤلاً طالما يطرق في رأسي هو، هل المقاومة الفلسطينية تعتمد استراتيجية المواجهة المباشرة مع جيش يمتلك من الأسلحة النوعية ما تمتلكه الدول الكبرى واستدراجه احيانا بالاستعراضات العسكرية وكشف الأوراق ؟، أم تعتمد حرب العصابات التي تمتلك فيها زمام المبادرة، والعمليات الإستشهادية التي تختار فيها المكان والزمان وتضمن تفوقها على العدو في ميزان الربح والخسارة والاصابات المؤثرة، وتُفهمه ومستوطنيه بما يجب أن يفهموه ويحسون به من خسائر وفقدان الاستقرار والأمن على حياتهم وعلى جدوى الإحتلال؟ أليست المواجهة المسلحة المباشرة غير المتكافئة بكل المعايير مع هذا العدو هي لعبته، فلماذا لا تواجهه بلعبتها حرب العصابات وقواعدها كاستراتيجية لا كعمل فردي أو كردات فعل، وأليس الإعتماد على أسلحة خفيفة تمتلكها مع وسائل أخرى تجدها أمامها من كل مادة أو اداة متاحة هي التي تصنع الفرق والتفوق للمقاومة لا سيما في الحالة الفلسطينية المحاصرة بالجغرافيا والعتاد؟ لا قيود ولا محظورات ولا ممنوعات أمام حق الدفاع عن النفس وعن الأوطان والمقدسات والكرامات الإنسانية. ومن ناحية أخرى، نتمنى على حماس من واقع الآمال المعلقة عليها، أن تفسر لنا من جديد وبوضوح بعض النقاط الملتبسة على الكثيرين بصفتها أكبر تنظيم فلسطيني مقاوم وتتولى إدارة غزة وبما يشبه الحكم الذاتي. بدءاً بالسبب والأرضية التي على أساسها تتعامل أو تتحاور مع سلطة أوسلو، وهل تؤمن بخيارات أخرى للتحرير غير خيار المقاومة، كالخيار السلمي والتفاوض مع المحتل مثلاً، وهل ما زالت حركة تحرير وطني فلسطيني بمبادئها التي قامت عليها أم حصل تغيير عليها، وما هي استراتيجيتها للتحرير، أم أصبحت غزة لها محلاً لمشروع دولة ومن أجله تحتفظ بقوتها وأسلحتها لفرض وجودها السياسي وللمناورات السياسية مع كيان الإحتلال بواسطة دول التطبيع العربية؟ ولماذا لا تكون وحدة المقاومة وساحاتها أولوية لها تسمو على أي خلاف أو أيدويلوحية، وما مدى وطبيعة ارتباطها بتنظيم الإخوان. فنحن لنا تجربة مع فتح، أيقونة المقاومة كانت، وانتهت برموزها وقياداتها الى متعاونين وأجراء لدى قوة الاحتلال وتحولوا من هدف التحرير لهدف التعهير وجمع المال الفاسد، ومن مؤمنين لداعرين وسجانين لأحرار شعبهم.لا أولوية لأحرار فتح تسبق أولوية تنظيف قيادتهم الخائنة، ولا أولوية لقواعد حماس على أولوية التحاور والتعامل مع قيادتها بشأن محاولات اختطاف مقاومتهم ودماء الشهداء الغزيين . كاتب وباحث عربي اردني
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
كواليس انتخاب البابا الأمريكي: من هو؟ ولماذا اختير؟ ( كامل التفاصيل)
انتخب الكاردينال الأمريكي روبرت بريفوست بابا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح بذلك أول أمريكي يتولى هذا المنصب في تاريخ الفاتيكان.
إعلان تنصيب
البابا الجديد
تصاعد الدخان الأبيض من كنيسة سيستينا في الفاتيكان، مساء اليوم الخميس، ليعلن عن انتخاب البابا الجديد من قبل الكرادلة.
جاء ذلك في اليوم الثاني من الانتخابات بعد وفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل/نيسان الماضي. سيتم قريبًا الإعلان عن هوية البابا الجديد ولقبه.
تصاعد الدخان الأبيض من الكنيسة
واستغرق الكرادلة يومين فقط لاختيار خليفة البابا الراحل، وهو ما يتماشى مع الجدول الزمني الذي سارت عليه الانتخابات السابقة، مما يشير إلى أن المرشح المتقدم قد نال إعجاب زملائه بسرعة خلال المجمع السري.
جدير بالذكر أن انتخاب البابا فرنسيس وبابا بنديكتوس السادس عشر تم في اليوم الثاني من المجمع، في حين تم اختيار البابا يوحنا بولس الثاني، الذي يعتبر أطول بابا في العصر الحديث، في اليوم الثالث من المجمع في عام 1978.
ومع تصاعد الدخان الأبيض وتحديد خليفة البابا فرنسيس، تثير تساؤلات حول هوية هذا البابا المنتظر. في هذا السياق، يتردد اسم الكاردينال روبرت بريفوست، الكاردينال الأمريكي البارز، كأحد المرشحين البارزين لهذا المنصب.
لم يشهد تاريخ الكنيسة الكاثوليكية طوال 266 بابا تولوا زمام قيادتها، انتخاب بابا أمريكي. هذا الواقع الذي بقي راسخًا على مر العصور، يثير تساؤلات عديدة عن الأسباب التي أدت إلى غياب شخصية أمريكية عن هذا المنصب الرفيع. قد تطرأ العديد من الإجابات، ولكن أحد الأساقفة الأمريكيين البارزين، الأسقف روبرت بارون، يقدم تفسيرًا يلمح إلى أن الوضع السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة قد يكون من أبرز العوامل المؤثرة.
في الأسبوع الماضي، تم تعيين الأسقف روبرت بارون، أسقف أبرشية وينونا-روتشستر في ولاية مينيسوتا، من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لعضوية لجنة جديدة بالبيت الأبيض لشؤون الحرية الدينية. ولكن الآن، وبالتزامن مع وجوده في الفاتيكان، حيث اجتمع الكرادلة لاختيار خليفة البابا فرنسيس، يطرح بارون العديد من التساؤلات حول مستقبل الكنيسة، مع أنظار العالم شاخصة نحو الاختيار المنتظر.
يعيش بارون هذه الأيام في الفاتيكان، حيث يتنقل بين الحشود من الأساقفة، بينهم 133 من الناخبين الكرادلة الذين سيتخذون القرار المصيري حول من سيقود الكنيسة في المرحلة المقبلة. خلال أيامه في الفاتيكان، تحدث بارون مع العديد من الكرادلة.
مواقف البابا الجديد
وأوضح أن أحد مرشديه الكبار، الكاردينال جورج من شيكاغو، الذي توفي عام 2015، كان قد أخبره في وقت سابق قائلًا: "انظر، ما دام أن أمريكا تهيمن سياسيًا، فلن يكون هناك بابا أمريكي". وتابع بارون قائلًا إن أمريكا، كقوة عظمى تسيطر على السياسة والاقتصاد والثقافة، لا ترغب في أن تكون هي المسيطرة دينيًا أيضًا، وهو ما قد يفسر غياب البابا الأمريكي حتى الآن.
ومع ذلك، فإن الكاردينال روبرت بريفوست، الكاردينال الأمريكي البارز، يظل أحد الأسماء الأكثر تداولًا لخلافة البابا فرنسيس. بريفوست، الذي ينحدر من شيكاغو، يتمتع بمؤهلات لا غبار عليها لهذا المنصب. فشغل منصب رئيس دائرة الأساقفة في الكنيسة يضعه في موقع قوة، حيث يتحكم في اختيار الأساقفة الجدد.
إلى جانب ذلك، يتمتع بريفوست بجنسية مزدوجة، إذ يحمل الجنسية الأمريكية والبيروفية، حيث قضى سنوات طويلة في بيرو. تلك الخلفية الواسعة قد تمنحه ميزة فريدة في نظر الكرادلة، حتى وإن كان البعض قد يتردد في قبول جنسيته الأمريكية.
فيما يتعلق بالمواقف الاجتماعية، يُعتبر بريفوست شخصية وسطيّة في العديد من القضايا، إلا أن له مواقف تقدميّة في بعض المسائل. على غرار البابا فرنسيس، دافع بريفوست عن حقوق المجموعات المهمشة، من المهاجرين والفقراء، مما يعزز مكانته في قلب العديد من الكاثوليك. ومع ذلك، في القضايا العقائدية، يظل موقفه محافظًا، حيث يعارض سيامة النساء شماسات في الكنيسة، وهو ما يراه البعض تماهيًا مع التوجهات المحافظة التي يتبناها.
ورغم ما قد يثيره ترشح بريفوست من تساؤلات حول خلفيته الأمريكية، يبقى أن الكرادلة قد يجدون فيه شخصية قادرة على قيادة الكنيسة خلال تحديات العصر الحديث، مما يجعل أنظار العالم تتوجه إليه بشكل مكثف.