د.أحمد بن سعد آل مفرح*
الحرب على أهل غزة الأبرياء كشف الكثير والمثير عن سوءة المنظمات العالمية الإنسانية والحقوقية، وكشف عوار التواطؤ الحزبي ممن يدّعون الإسلام وفصائل الممانعة والمقاومة الوهمية، كشفت الحرب تنصل الدول الكبرى عن الإضطلاع بمسؤلياتها لحماية ميثاق الأمم المتحدة، وفشل مجلس الأمن وسقط أصحاب الفيتو في فخ العنصرية، وكشفت الحرب استمرار حنق البعض العربي على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية لعقود، وكشفت كذلك عودة نشاط القومية والعلمانية والليبرالية العربية الذين امتطوا صهوة الدفاع عن الحق الفلسطيني، وأما دعاة الثورات والاعتصامات التي لم تعط للمضطهدين حق أو ترفع عن المظلومين ظلم على الرغم من مسيراتهم المليونية، فلم يتجاوز زعيق أصواتهم حناجرهم، وكشفت الحرب عن وهن بيت العنكبوت الصهيوني، وكشفت أن عش الدبابير لم يكن سوى عش هلامي يخرج منه طنين يزعج الآذان فحسب، وحقيقة قوته دون الحسبان والتوقع بمراحل.
لقد كشفت الحرب أن أوعية التواصل أشد أثراً من الأداة الصهيونية الإعلامية التقليدية، فهي في كل يد وتصل كل عين وتحرك الضمير وتوقظ المشاعر.
إن ما يحدث في العالم اليوم جراء حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين له انعكاساته على شعوب العالم، وعلى الساسة المعتدلين وهذا يعتبر بمثابة غزوة فاعلة للضمائر الإنسانية لدى تلك الشعوب التي دون شك أن كثيراً منها نهض مناصراً للحق الإنساني وحق الشعوب الأخرى في العيش بسلام، حتى أن المعتدلين من اليهود أنفسهم وقفوا بوضوح ضد تلك الحرب العنصرية التي أبادت الأطفال قبل الكبار والنساء والضعفاء دون تمييز أو تفريق، مهما كان مبرر وادعاءات الماكنة الصهيونية الحربية ومنطلقاتها لشن هذه الحرب التي تجاوزت الدفاع عن النفس، فهي لم ترع الحق الديني الذي ينهى قتل الأنفس (shall not kill) كما في التوراة والإنجيل والقرآن وضمنت في الوصايا العشر
(The Ten Commandments ) التي هي جزء أساس من العقيدة اليهودية، وهي وصايا معتبرة في الإسلام، من هنا فلا دين ينهى الصهيونية ولا خلق ولا عرف ولا مواثيق دولية! فكيف ينتهون عن ذلك الانتهاك الصارخ للقانون والحقوق والحريات؟ وكيف يعطون الحق المشروع للفلسطينيين في إقامة دولتهم وبناء وطنهم وعودة اللاجئين؟، وهو ما تتمسك به المملكة العربية السعودية كشرط أساسي للسلام في العالم العربي، وبعد فشل كل أشكال السلام مع دولة الاحتلال وبعد حرب الإبادة هذه، فهل القوة وحدها هي السبيل إلى إيقاف نزف الدماء وإرجاع الحقوق لأهلها؟.
إن غزوة الضمير هذه تحمل رسالة واضحة لحكومة الاحتلال بأن عليها أن تدرك أن استمرار الحرب يعني خسارتهم للسلام والاستقرار والأمن، ويعني أنهم تعروا أمام الشعوب المحبة للسلام التي كانت تعتقد أن حكومة ودولة الاحتلال هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة! والواقع خلاف ذلك.
لقد أيقظت هذه الغزوة الغافلين الذين يظنون أن الحرب هنا حرب جزئية ضد منظمة أو حزب أو طائفة، وحقيقتها أنها حرب ضد فلسطين، أرض الإسراء والمعراج وما يمثل ذلك، وهي حرب ضد الإنسانية في ذات الوقت!
إن التعاطف مع أي حرب اليوم ليست كما كانت بالأمس عندما كانت تكمم الأفواه ويعصب على العيون وتنتهك الأعراض ويقتل الأبرياء، فالشعوب الأبية اليوم لن ترضى بهكذا إبادة للبشرية مهما كان المبرر.
وبالفعل، وكما قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال، أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما كان قبله، وهذه هي الحقيقية، والتي عليه أن يحسبها ولكن بشكل مغاير، فالضمير الإنساني العالمي الشعبي ليس كما كان حينذاك أيها الرئيس المحتل!
إنها بالفعل غزوة الضمير التي داهمت القلوب الحية في العالم واثبتت أن الدنيا ماتزال بخير، وأن شعور الإنسان بأخيه الإنسان هو شعور فطري أودعه الله في القلوب البشرية الخيرة، أما القلوب الشيطانيّة الشريرة فقد اعماها التكبر والكراهية والتعصب والعنصرية تاسياً بإمامهم الأكبر “إبليس” وجنده وفرعون وحاشيته ومن هم على شاكلتهم إلى قيام الساعة.
*كاتب سعودي
30 نوفمبر 2023 - 1:21 صباحًا شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد29 نوفمبر 2023 - 11:32 مساءًجوازات مطار الملك عبدالعزيز تضبط مسافرًا لانتحاله صفة غير صحيحة أبرز المواد29 نوفمبر 2023 - 11:24 مساءًالجيش الإسرائيلي: قتلنا 3 مقاتلين في غزة بعد “انتهاكهم” الهدنة أبرز المواد29 نوفمبر 2023 - 11:20 مساءًصدور نتائج الأهلية للدورة 73 في حساب المواطن أبرز المواد29 نوفمبر 2023 - 11:07 مساءًوزارة الثقافة تُمثل المملكة في معرض “أرتيجانو إن فييرا” بمدينة ميلان ديسمبر المقبل أبرز المواد29 نوفمبر 2023 - 11:05 مساءًصندوق التنمية السياحي شريك إستراتيجي لمنتدى جازان للاستثمار29 نوفمبر 2023 - 11:32 مساءًجوازات مطار الملك عبدالعزيز تضبط مسافرًا لانتحاله صفة غير صحيحة29 نوفمبر 2023 - 11:24 مساءًالجيش الإسرائيلي: قتلنا 3 مقاتلين في غزة بعد “انتهاكهم” الهدنة29 نوفمبر 2023 - 11:20 مساءًصدور نتائج الأهلية للدورة 73 في حساب المواطن29 نوفمبر 2023 - 11:07 مساءًوزارة الثقافة تُمثل المملكة في معرض “أرتيجانو إن فييرا” بمدينة ميلان ديسمبر المقبل29 نوفمبر 2023 - 11:05 مساءًصندوق التنمية السياحي شريك إستراتيجي لمنتدى جازان للاستثمار أرسنال يضرب لانس بسداسية ويتأهل لثمن نهائي دوري أبطال أوروبا تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2023 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXيوتيوبانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXيوتيوبانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عنالمصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: أبرز المواد29 نوفمبر 2023
إقرأ أيضاً:
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
عمر سيد أحمد
[email protected]
مايو 2025
من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد النهب
في السودان، لم يُولد اقتصاد الظل من فراغ، ولم ينشأ على هامش الدولة، بل تكوَّن داخل قلب السلطة، وتحوَّل إلى أداة محورية في يد منظومة مسلحة — تضم الجيش، وجهاز الأمن والمخابرات، والمليشيات — تحالفت لعقود مع منظومات الإسلام السياسي لتثبيت السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع تفجّر الثورة، ثم اندلاع الحرب، تكشّف الوجه الحقيقي لهذا الاقتصاد: ليس فقط مصدرًا للثراء غير المشروع، بل وقودًا للحرب، ومنصة لتشويه الوعي، ودرعًا يحمي شبكات السلطة من الانهيار.
اقتصاد بلا دولة… بل ضد الدولة
اقتصاد الظل في السودان لم يعد مجرد أنشطة غير رسمية كما في التعريف التقليدي، بل أصبح منظومة مهيكلة تعمل خارج إطار الدولة، تموّل وتُهرّب وتُصدر وتُجيّش بلا أي رقابة أو مساءلة. يتجلّى هذا الاقتصاد في تهريب الذهب من مناطق النزاع عبر مسارات محمية بالسلاح وعبر الحدود في كلزالاتجاهات وعبر المنفذ المحمي بالنافذين ، وتجارة العملة التي تغذي السوق الموازي بعيدًا عن النظام المصرفي، إلى جانب شبكة من الأنشطة التجارية الخارجية التي تدار لصالح قلة مرتبطة بأجهزة أمنية وشركات استيراد الوقود لطفيلي النظام السابق محمية من السلطة ، وتحويلات مالية غير رسمية تُستخدم في تمويل اقتصاد الحرب.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 50% إلى 80% من إنتاج الذهب في السودان يُهرّب خارج القنوات الرسمية. وتُقدّر خسائر السودان من تهريب الذهب خلال العقد الماضي بما لا يقل عن 23 مليار دولار في حدها الأدنى، وقد تصل إلى 36.8 مليار دولار . هذه الأرقام تُظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يمثّلها اقتصاد الظل، ومدى تحوّل الذهب من مورد وطني إلى مصدر تمويل خفي للحرب والنهب.
من العقوبات الاقتصادية إلى السيطرة: نشأة التحالف الخفي
خلال سنوات العقوبات الأميركية، نشأت شبكات بديلة لحركة المال والتجارة، قادها رجال أعمال ومؤسسات أمنية مرتبطة بالنظام. وبدل أن تواجه الدولة الأزمة ببناء بدائل وطنية، فُتحت السوق أمام فئة طفيلية نمت في الظل، وتحوّلت إلى ذراع اقتصادية للسلطة. وحتى بعد رفع العقوبات عام 2020، لم يُفكك هذا الهيكل، بل تعمّق. ومع انقلاب 25 أكتوبر، استعادت هذه الشبكات سيطرتها الكاملة على الأسواق والموارد، لتبدأ مرحلة جديدة: تحويل اقتصاد الظل إلى مصدر تمويل مباشر للحرب.
اقتصاد الريع: الأساس البنيوي لاقتصاد الظل
من أبرز الأسباب البنيوية التي مهدت لتضخم اقتصاد الظل في السودان هي هيمنة اقتصاد الريع، الذي مثّل النمط الغالب منذ الاستقلال. فقد اعتمد السودان تاريخيًا على تصدير المواد الخام دون أي قيمة تصنيعية مضافة، بدءًا من القطن والحبوب الزيتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالبترول في العقد الأول من الألفية، وانتهاءً بعصر الذهب بعد انفصال الجنوب عام 2011. هذا النمط الريعي جعل الاقتصاد السوداني مرتهنًا للأسواق الخارجية، ومفتقرًا لقاعدة إنتاجية وطنية مستقلة.
في ظل أنظمة شمولية وفساد مؤسسي، لم تُستثمر عائدات هذه الموارد في تنمية مستدامة، بل أعيد توزيعها عبر شبكات محسوبية وزبونية لصالح نخب الحكم والأجهزة الأمنية. وبدل أن يكون اقتصاد الريع رافعة للتنمية، تحوّل إلى بيئة حاضنة لاقتصاد الظل. والمفارقة أن هذا الاقتصاد لم ينشأ في الهوامش كما قد يُظن، بل نشأ وترعرع في المركز، داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبتواطؤ من النخبة الحاكمة، التي استخدمته أداة للتمويل غير الرسمي، ولتثبيت سلطتها السياسية والعسكرية.وهكذا، اندمج الريع مع الفساد والعسكرة، وخلق منظومة اقتصادية موازية، لا تقوم على الإنتاج بل على النهب، ولا تخضع للقانون بل تتحصن خلفه..
تجارة السلاح والمخدرات: الوجه المحرّم لاقتصاد الظل
من أخطر أوجه اقتصاد الظل، تورّط المنظومة المسيطرة في تجارة السلاح والمخدرات. فقد انتشرت تقارير موثقة عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل خلال عهد الإنقاذ، حول “كونتينرات المخدرات” التي وصلت البلاد أو عبرت نحو دول الجوار، تحت حماية أو تواطؤ من جهات أمنية. هذه التجارة، وإن ظلت في الظل، شكّلت مصدر تمويل خفي مكمل للحرب، ومنصة لتجنيد المليشيات، ومجالًا لتبييض الأموال وتوسيع سيطرة مراكز النفوذ.
معركة الوعي المُموّلة: الإعلام كسلاح في الحرب ضد المدنية
لا يقتصر دور اقتصاد الظل على تمويل السلاح فقط، بل يُغذي معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة السيطرة على الوعي. تُدار هذه الحملة الإعلامية من غرف خارج السودان، في عواصم مثل القاهرة، إسطنبول، دبي، والدوحة، بإشراف إعلاميين من بقايا نظام الإنقاذ وشبكات أمنية وإيديولوجية. وتنتج هذه الغرف محتوى ممولًا على وسائل التواصل الاجتماعي يبرر الحرب، ويشوّه قوى الثورة، ويُجيّش الرأي العام ضد التحول المدني، ويروّج لاستمرار الحرب التي شرّدت الملايين، وقتلت الآلاف، ودمّرت البلاد.
الهدف لا يقتصر على قمع الثورة المسلحة، بل يمتد إلى اغتيال فكرة الدولة المدنية ذاتها. تُصوَّر الديمقراطية كتهديد للاستقرار، وتُقدَّم السلطة العسكرية كخيار وحيد لضمان وحدة البلاد، في تجسيد صريح لعسكرة الدولة والمجتمع.
تفكيك المنظومة: ليس إصلاحًا إداريًا بل صراع طويل
لا يمكن الحديث عن تفكيك اقتصاد الظل في السودان بوصفه مجرّد قرار إداري أو إجراء قانوني، خاصة في ظل حرب مفتوحة، وانهيار مؤسسات الدولة، وسيطرة المنظومة المسلحة على مفاصل الاقتصاد. فهذه المنظومة لا تُفكَّك من خلال الانتصار الحاسم، بل من لحظة تآكل السيطرة المطلقة، حين تبدأ الشروخ في البنية الأمنية والاقتصادية للنظام القائم.
ورغم عسكرة الحياة اليومية، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى شلل في الفعل المدني أو استسلام لقوى الأمر الواقع. المطلوب هو العمل من داخل الحرب، لا على هامشها، لصياغة مشروع تحوّل واقعي وجذري. ويبدأ ذلك بخلق وعي جماهيري جديد، يفضح الترابط البنيوي بين السلاح والثروة، ويضع اقتصاد الظل في موضع المساءلة الشعبية والدولية.
يتطلب هذا المسار مراقبة دقيقة للسوق الموازي وتحليل آلياته، تمهيدًا لبلورة سياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تعيد تنظيم السوق وتكسر احتكار شبكات التهريب. كما أن توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، لا بد أن يتحول إلى ملفات قانونية وإعلامية قابلة للمساءلة، لا مجرد روايات متداولة.
إلى جانب ذلك، يبرز دور الإعلام البديل والمجتمعي كجبهة مقاومة مستقلة، تتصدى لخطاب التضليل الذي يُنتج خارج البلاد، وتواجه الرواية الرسمية التي تبرر الحرب وتشيطن التحول المدني. هذه المواجهة الإعلامية ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء رأي عام مقاوم ومتماسك.
وأخيرًا، فإن أي محاولة للتغيير لا تكتمل دون بناء شبكات وتحالفات مدنية، تطرح مشروعًا وطنيًا بديلًا يعيد تعريف الدولة، ويفكك الارتباط بين السلطة والثروة، وينقل الاقتصاد من يد المليشيات إلى يد المجتمع. هذا الطريق ليس خطة جاهزة، بل جبهة مفتوحة، تتطلب العمل اليومي، والمبادرة من داخل الشروخ التي فتحتها الحرب، لا انتظار نهايتها.
العمل وسط الحرب: لا وقت للانتظار
ورغم عسكرة الحياة واشتداد المعارك، لا ينبغي أن يكون الواقع ذريعة للتوقف عن الفعل أو الاستسلام للأمر الواقع. بل العكس هو الصحيح؛ المطلوب اليوم هو العمل من داخل الحرب، ومن بين شقوقها، لبناء بدايات جديدة تُمهّد لمسار تحوّل مدني حقيقي. فالتغيير في سياق مثل السودان لا يُنتظر حتى لحظة النصر، بل يُصنع من داخل المعركة، بخطوات واقعية ومدروسة، تستند إلى الفعل الجماهيري والإرادة الجمعية.
أدوات التغيير: من الوعي إلى التنظيم
هذا المسار يتطلب بناء أدوات جديدة، وخلق وعي جماهيري ناقد، يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل أيضًا اقتصادية وثقافية. ويبدأ ذلك بكشف البنية الاقتصادية للمنظومة المسلحة، وفضح العلاقة البنيوية بين السلاح والثروة، بما يتيح خلق ضغط داخلي وخارجي على مراكز النفوذ. كما ينبغي رصد نشاط السوق الموازي وتحليل آلياته، لتجهيزه للمواجهة لاحقًا بسياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تفكك احتكارات الظل وتستعيد الاقتصاد لحضن المجتمع.
في الوقت ذاته، يُعد توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، ضرورة لبناء ملفات قانونية وإعلامية يُمكن الرجوع إليها في لحظة المساءلة. وعلى الجانب الإعلامي، لا بد من دعم إعلام بديل، مستقل ومجتمعي، يواجه سرديات التضليل التي تُدار من غرف إعلامية في الخارج، ويقدم خطابًا مقاومًا ينبني على سردية الثورة، لا على خطاب الحرب.
وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على بناء تحالفات مدنية مرنة وواقعية، تطرح مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً، يعيد تعريف علاقة الدولة بالمجتمع والموارد، ويفكك ارتباط السلطة بالنهب والاحتكار.
جبهة مفتوحة: بداية لا نهاية
إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة تاريخية تتطلب إعادة صياغة المشروع الوطني من جذوره. وهذه ليست خطة جاهزة بقدر ما هي جبهة مفتوحة للتغيير التدريجي، تُصاغ من داخل لحظة الانهيار، لا من خارجها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في انتظار نهاية الحرب، بل في استثمار التصدعات التي خلقتها، وتحويلها إلى مسارات للمقاومة المدنية، وبدايات جديدة تُبنى فيها دولة ديمقراطية مدنية، عادلة ومنقذة، تعبّر عن طموحات الناس لا عن مصالح النخب المتغولة.
المصادر
1. Global Witness (2019). ‘The Ones Left Behind: Sudan’s Secret Gold Empire.’
2. International Crisis Group (2022). ‘The Militarization of Sudan’s Economy.’
3. Human Rights Watch (2020). ‘Entrenched Impunity: Gold Mining and the Darfur Conflict.’
4. United Nations Panel of Experts on the Sudan (2020–2023). Reports to the Security Council.
5. BBC Arabic & Al Jazeera Investigations (2021–2023). Coverage of Sudan’s illicit trade and media operations.
6. Radio Dabanga (2015–2023). Reports on drug trafficking and corruption during Al-Ingaz regime.
7. Sudan Tribune (2020). ‘Forex crisis and informal currency trading in Sudan.’
الوسوماقتصاد الظل السودان تحالفات الخفاء تمويل الحرب عمر سيد أحمد