الغرافيتي في اليمن: هنا فلسطين
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
يمانيون – متابعات
لا يخلو شارع من شوارع العاصمة صنعاء من جدران منقوش عليها لوحات غرافيتية تحمل في مضامينها أبعاداً سياسية وثقافية، وتأتي على هيئة قصص أو آراء أو الاثنين معاً، وإن كان ثمة عشوائية، فإن المضمون لا يمرّ من دون أن يكون له ارتباط بالوطن وقضايا الأمة ككل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وللرسم على الجدران في اليمن قصة تبدأ فصولها الأولى مع ظهور الكتابة القديمة لحضارة جنوب شبه الجزيرة العربية في الفترة ما بين القرنين 12-10 قبل الميلاد، بدلالة القطع الأثرية من البرونز والمرمر التي تم اكتشافها في مستويات أثرية تعود إلى تلك العصور في عدة مواقع من اليمن، لكنها في الغالب اعتمدت على الرسوم النصية المعروفة بالنقوش المسندية أو الحميرية المنحوتة على جدران المعابد والقلاع.
واللافت في الأمر أن النقوش اليمنية القديمة لم تغفل الحرب، بل وثق بعضها، كنقش “زيد عنان 57″، جزءاً من الحروب التي عايشها اليمن القديم، سواء ما تعلق منها بالصراعات الداخلية والانقلابات للوصول إلى الحكم في الممالك والقبائل، أو تلك التي ارتبطت بالغزو والحملات الرومانية والحبشية والفارسية.
ولعل ذلك الامتداد الثقافي المستمر حتى اليوم انعكاس لفكر النضال والثورة والمقاومة لدى اليمني في مختلف فصول التاريخ، خاصة واليمن واحد من البلدان التي لم يسبق لأي احتلال أن أخضعه بشكل كامل لسيطرته، بل عادة ما كانت تعاني الدول المحتلة من استمرار المقاومة فكراً وعملاً، وهو ما يفسر ثراء التراث المادي واللامادي بالشواهد الدالة على ذلك.
ومنذ إعلان العدوان على اليمن عام 2015 والفن التشكيلي يسجل حضوراً متواضعاً، على مستوى إقامة المعارض التشكيلية، لكنه عادة ما كان يعبر عن مظلومية الشعب اليمني، غير أن محدودية انتشاره يجعله حصراً على فئة معينة من الجمهور هم رواد المعارض، خلال فترة زمنية محدودة، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على مدى التأثير الناتج عنه. وذلك على عكس الغرافيتي الذي شهد اهتماماً متزايداً في صنعاء خلال ذات الفترة؛ باعتباره يأتي بالفن إلى الناس وليس العكس، من خلال تجاوزه جدران الصالات المغلقة لإيصال رسائل الفن إلى الجميع بواسطة الجدران الناطقة التي تضفي رونقاً جمالياً وبعداً ثقافياً للمدن.
الغرافيتي.. تحية ودعماً لغزة وفلسطين
مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، خرج اليمنيون للتعبير عن وقوفهم مع المقاومة الفلسطينية وغزة حتى النصر. موقف صاحبه نشاط سياسي وإعلامي وثقافي وفني واسع، كان الغرافيتي جزءاً منه، فتحولت الجدران الصامتة في الشوارع إلى حوامل فنية تتناول في الغالب جرائم الاحتلال في غزة والدور الأميركي فيها، كما تقدم المقاومة سبيلاً للخلاص.
يعزو الفنان التشكيلي محمد الحاشدي، انتشار الأعمال الجدارية في الآونة الأخيرة إلى إدراك تأثيرها في المجتمع، فاللوحة الواحدة يطالعها آلاف المارة بشكل يومي، وهذا يرسخ في الأذهان أبعاد ومضامين يضفيها الرسّام على القصص والصور المنقوشة بأسلوب يخاطب الوجدان والمشاعر والعاطفة.
ويقول في حديث إلى “الميادين الثقافية” إن: “الجدران السوريالية التي نقلنا بواسطتها مظلومية اليمن خلال 9 سنوات، نعمل اليوم على تحويلها إلى لوحات متضامنة مع غزة وفلسطين، لنعبر من خلالها عن تضامن اليمني مع أرض المسرى وغايته في إحداث التغيير في واقع المعادلة والمساهمة في إيقاف المذبحة”.
أما عن المضامين التي احتوتها الجداريات فيضيف الحاشدي: “إن كثيراً من المبدعين يجتهدون على إنتاج أعمال تحمل في مضمونها أثر الحرب والحصار على غزة، وقوة المقاومة ضد العدوان وثباتها في أذهان الأجيال كفكرة عصية على الموت، ومنها ما يحاكي توحد الأمة على أبواب القدس وعظمة دماء الشهداء وتجذر القضية الفلسطينية وأثر المقاطعة كسلاح فاعل، لكننا نحرص على عدم تجسيد الخذلان العربي على الجداريات؛ حتى لا نجعل من تلك الجريمة فكرة مستساغة”.
أكبر معرض غرافيتي
ظل الغرافيتي في اليمن، ولفترة طويلة، مقتصراً على المبادرات الذاتية لبعض الفنانين، بينما كانت الأنشطة الرسمية محصورة في المعارض التقليدية.
ويقول وكيل وزارة الثقافة اليمنية التشكيلي خالد الجنيد: “أقمنا الكثير من المعارض التي عبرت عن المأساة اليمنية وعن فلسطين الأرض والإنسان والقضية خلال 9 سنوات من العدوان على بلدنا، وكان عدد المشاركين في تلك التظاهرات لا يتجاوز 15 رساماً ورسامة، لكن محدودية التأثير جعلنا نلجأ إلى الجداريات للوصول إلى الجميع، فكانت البداية في جدار السفارة السعودية؛ لما يمثله من رمزية للدولة التي وقفت على رأس العدوان، وهو إلى ذلك يطل على شارع حيوي يتوسط العاصمة”.
ويضيف في حديث إلى “الميادين الثقافية”: “بعد نجاح تلك التجربة وتحول المكان إلى مزار للكثير من المارة الذين يقفون للتأمل في لوحاته، لجأنا إلى تحديد جدران أخرى في أماكن عدة، وتحولت الرسومات من تجسيدها للجرائم والمظلومية إلى التعبير عن التصدي للعدوان بقوة”، مردفاً “على الرغم من أن فلسطين كانت حاضرة في كل معارض اليمن التشكيلية إلا أنها تتفرد اليوم باهتمام التشكيلي اليمني الذي وصل إلى مرحلة كبيرة من الوعي والإدراك للعدو الحقيقي للأمة، بعد أن كان البعض مغيباً عن الحقيقة بفعل الأيديولوجية والانتماء”.
يذكر أن وزارتي الثقافة والشباب والرياضة أقامتا مؤخراً معرضاً تشكيلياً كبيراً يمتد بطول ميدان السبعين، أكبر شوارع صنعاء، ضم 250 لوحة فنية جسدت غالبيتها العزة والكرامة والقوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ورموز تاريخية وأخرى حية من أبطال المقاومة الفلسطينية في كتائب “القسام” و”سرايا القدس”. كما جسدت شخصيات متنوعة من محور المقاومة كالسيد حسين بدر الدين الحوثي والسيد حسن نصر الله والقائد قاسم سليماني وشهداء اليمن ومحور المقاومة على طريق القدس.
-الميادين نت / عبد القادر عثمان
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
ما هي الملفات التي تناولتها محادثات ترامب في الإمارات؟
ذكرت وسائل إعلام محلية، اليوم الجمعة، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ناقش العديد من القضايا والملفات المهمة خلال زيارته إلى الإمارات.
وأكدت أن الرئيس ترامب اختص ثلاث دول خليجية لزيارتها نظرا لأهميتها الجيو سياسية والاقتصادية، في ظل تحولات كبرى تشهدها المنطقة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ونقلت عن الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني نضال خضرة، أن “أبوظبي باتت تلعب دورا أكثر ديناميكية، متجاوزة الحدود الاقتصادية إلى التأثير السياسي والأمني في المنطقة”.
وخلال حديثه إلى قناة “سكاي نيوز عربية”، صباح اليوم الجمعة، أوضح خضرة أن “الزيارة تأتي ضمن سياق واضح لإعادة تموضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، معتبرا أن “الإمارات لم تعد مجرد حليف لوجستي أو مركز اقتصادي، بل باتت تشارك في بلورة استراتيجيات إقليمية وأمنية”.
وأوضح خضرة أن “الإمارات تتعامل الآن من منطلق الشراكة لا التبعية، وهي توازن بين الانفتاح السياسي والانخراط الأمني دون المغامرة أو التهور”، متابعا أن “التحول في دور الإمارات جاء نتيجة مسار طويل من تعزيز الكفاءة الدبلوماسية والاستثمار الذكي في الملفات الإقليمية الحساسة، ما جعل أبوظبي اليوم قادرة على التحدث بلغة المصالح مع جميع الأطراف، بما في ذلك واشنطن وطهران وموسكو”.
وحول الملفات المهمة التي ناقشها ترامب خلال زيارته إلى أبو ظبي، كان الحرب على قطاع غزة، حيث أفاد خضرة أن “الرئيس الأمريكي يتطلع بجدية إلى جائزة نوبل للسلام، وهو ما قد يفسر سعيه إلى طرح مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة”.
فيما نقلت القناة عن الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد الحسين، أن “ترامب عاد إلى الخليج ليؤكد أن الفراغ الذي تركته الإدارات السابقة لن يستمر، والزيارة لا تعني فقط دعما للعلاقات الثنائية، بل تحمل في طياتها رسائل أبعد، حيث يسعى إلى بناء محور جديد من الحلفاء الإقليميين”.
وأوضح عبد الحسين، أن الرئيس ترامب يسعى ببلادها إلى استخدام أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية لبناء تحالفات صلبة دون التورط العسكري المباشر، منوها إلى أن دول الخليج تملك أصولا سيادية تقارب 4.9 تريليون دولار، وتمثل نحو 37% من احتياطات النفط و33% من احتياطات الغاز العالمية، وهو ما يمكن أن يمثل دافعا قويا لزيادة العلاقات الأمريكية الخليجية.
أوضح عبد الحسين أن الإمارات باتت في مقدمة الدول عالميا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يفسر اهتمام ترامب بتعزيز الشراكة معها.والإمارات اليوم تحظى بإجماع سياسي دولي غير مسبوق. من بايدن إلى بوتين، من ماكرون إلى شي جينبينغ، الكل يصف الشيخ محمد بن زايد بأنه قائد استثنائي. وهذا يضع الإمارات في قلب معادلة الدبلوماسية العالمية الجديدة”.
وأشارت القناة إلى أن الملف الإيراني والسوري أيضا كان حاضرا على طاولة المباحثات الأمريكية في أبو ظبي، موضحة أن “ترامب يدرك أن إيران لم تتغير، وأن تقويض نفوذها في الخليج لا يكون عبر المواجهة المفتوحة، بل عبر تقوية الحلفاء وتعزيز منظومة الردع”.
ولفت المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، براين هوك، إلى أن “أبوظبي أصبحت أكثر من مجرد عاصمة اقتصادية، بل قاعدة متقدمة للردع الناعم، حيث تشارك بفاعلية في التصدي للتهديدات العابرة للحدود، وتستثمر في التكنولوجيا والدفاع والأمن السيبراني”.
وأكد هوك أن ترامب يرى أن الإمارات والسعودية تشكلان حجر الأساس في استراتيجية “المقاربة المزدوجة”، التي تجمع بين الردع الصارم والتحالفات الإقليمية الجديدة.
وقالت السفيرة الأمريكية السابقة في الإمارات، مارسيل وهبة، إن “سوريا كانت حاضرة بقوة في محادثات ترامب في أبوظبي، وإدارة ترامب تسعى إلى إشراك الإمارات في إعادة إعمار سوريا، وتعزيز الحلول السياسية التدريجية”.
وأضافت: “الإمارات باتت قناة تواصل فعالة مع دمشق، ويمكن أن تلعب دورا محوريًا في إعادة ربط سوريا بالمجتمع العربي، بعيدا عن النفوذ الإيراني”.
وفي السياق نفسه، أعلن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، أمس الخميس، أن بلاده ستستثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل.
وأعلن الرئيس الإماراتي أن الاستثمارات الإماراتية في أمريكا ستشمل قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصناعة، وستتم من خلال سندات استثمارية أمريكية بقيمة إجمالية تبلغ 1.4 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.
يذكر أن زيارة ترامب إلى الإمارات شهدت زيارته لمسجد الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، الذي نال إعجاب الرئيس الأمريكي، الذي عبر عن سعادته بعلاقته مع الإماراتيين وثقافتهم الرائعة.
وزار ترامب الإمارات ضمن جولة خليجية بدأها الثلاثاء، شملت السعودية وقطر أيضا.
وقال الرئيس الأمريكي للصحفيين، إنه من المرجح أن يعود إلى واشنطن، غدا الجمعة، بعد جولة شملت 3 دول خليجية، رغم إشارته في الوقت ذاته إلى أن “وجهته المقبلة مازالت غير معروفة حتى الآن”.
وكالة سبوتنيك
إنضم لقناة النيلين على واتساب