اغتصاب النساء سلاح فوضوي في السودان
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
أماني الطويل
ملخص
لا يستحق الشعب السوداني هذه الحرب ولا هذا الحجم الواسع من ممارسة الانتهاكات تحت مظلتها خصوصاً ما يتعلق باغتصاب النساء.
حجزت ظاهرة اغتصاب النساء موقعاً مقلقاً على مؤشرات فوضى الحرب في السودان، إذ تصنف في أدبيات الأمم المتحدة كأحد عناصر الإبادة الجماعية غير معزولة عن السياق العالمي خصوصاً في أفريقيا، حيث يستخدم من كل طرف لإذلال الآخر على الصعيد القبلي.
أما على الصعيد العالمي فجرى استخدام سلاح الاغتصاب من جانب الجيش الياباني مثلاً أثناء الحرب العالمية الثانية، كما مارسه الأميركيون في سجن أبو غريب بالعراق وذلك ضمن ممارسات الاستعباد الجسدي.
وبطبيعة الحال تزيد من وطأة ظاهرة الاغتصاب في السودان وغيره في منطقتنا طبيعة البيئة الثقافية والاجتماعية التي تعتبر النساء بممارساتهن الشخصية أو طبيعة التفاعل معهن كائنات مؤثرة سلباً أو إيجاباً في الوزن الاجتماعي للأسرة ومكانتها، وفي القلب من ذلك مكانة ووزن الرجال فيها، بينما تبدو آليات الردع والعقاب ضعيفة وغير قادرة على تحجيم قدرات المتورطين في الاعتداءات الجنسية بجميع أنواعها ومنها اغتصاب النساء لعدد من الأسباب منها طبيعة مظلة الهياكل القانونية المتآكلة بسبب ضعف الدولة بصورة عامة، وأيضاً عدم قدرتها الحالية على القيام بجميع وظائفها وكذلك طبيعة الثقافة الذكورية المعادية للنساء.
وزاد على هذه العوامل أخيراً اتساع رقعة الصراع المسلح وثقافة قوات “الدعم السريع” لمؤسسة على فكرة النهب والغنائم المتضمنة النساء إلى جانب بيوت الناس وممتلكاتهم، بينما تلعب الظروف الاقتصادية دوراً في هذه الظاهرة، إذ جرى تسليع المرأة وبيعها كأمة في أسواق بمناطق غرب السودان بعد اندلاع الحرب.
أما في النطاق السياسي فتوظف مسألة اغتصاب النساء السودانيات حالياً كعنصر حاسم من عناصر تغذية حالة التحريض والاستقطاب السياسي والعرقي على وسائل التواصل الاجتماعي والماثلة حالياً بين طرفي الصراع على الأرض أي قوات “الدعم السريع” والفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش.
كما يتداول السودانيون في مجالسهم في الداخل والخارج قصصاً وحكايات مؤلمة ومثقلة للضمير الإنساني كهذه الفتاة التي قتلها والدها بينما الأسرة في طريقها إلى مصر، حينما طلب عنصر “الدعم السريع” أن يصطحب الابنة مقابل سلامة الحافلة التي كانوا يستقلونها مع آخرين أو ممارسة فعل اغتصاب النساء أمام الأبناء والأزواج خصوصاً في ولاية الجزيرة.
وتحت وطأة هذا النوع من الانتهاكات المتزايدة وتيرتها وغيره من الأسباب لجأ الجيش السوداني أخيراً إلى تدريب النساء في معسكرات تابعة له بولاية البحر الأحمر، إذ سيتم مد النسوة بالسلاح وذلك للقيام بمهام الدفاع عن أنفسهن والمساهمة فيما يقول الجيش إنها عمليات دفاع محلية عن المدنيين ودورهم وممتلكاتهم في هذه الولاية المطلة على البحر الأحمر التي توليها القوات المسلحة السودانية أهمية فائقة نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية من زوايا متعددة.
وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع ظاهرة تسليح المدنيين في السودان وتداعياتها السياسية على السودان كدولة قادرة على الاستمرار، فإن مسألة تدريب النساء وحملهن السلاح تبدو مقبولة في السياقات الاجتماعية السودانية، خصوصاً في مناطق شمال وشرق السودان ضد هجمات “الدعم السريع” المحسوبين على غرب السودان، وذلك في ضوء الانقسامات العرقية والثقافية التي تلعب دوراً مؤثراً في الوقت الحالي.
ومن المؤسف أن تلعب ثلاثة عوامل في عدم وجود إحصاءات دقيقة في شأن حجم الانتهاكات التي تمارس ضد المدنيين في السودان، خصوصاً ظاهرة اغتصاب النساء باعتبارها مؤلمة ومؤثرة، ولعل أول هذه العوامل هي انشغال العالم والإدارات العالمية بصراعي أوكرانيا وغزة على اعتبار أنهما وثيقتا الصلة بظاهرة التنافس الدولي وأوزان الأقطاب في العالم، وهو مما ساعد على التوسع في اشتعال الصراع السوداني من ناحية دون انتباه خارجي والتوسع في ممارسة الانتهاكات من ناحية أخرى وذلك بمأمن نسبي عن إمكانية توقيع عقوبات على المتورطين.
أما العامل الثاني فهو اتساع حجم الصراع جغرافياً على الأرض بالسودان، فمن دارفور التي يزيد حجمها على فرنسا إلى وسط السودان ومناطق في كردفان مساحة هائلة يصعب متابعة كل الانتهاكات فيها وتوثيقها.
ثم العامل الثالث المتمثل في حالة الإنكار وعدم الاهتمام التي مارستها بعض القوى السياسية السودانية بالمراحل الأولى من الحرب في التعامل مع ظاهرة اغتصاب السودانيات، وهو مما نجحت النساء من النخب في مقاومته ورفضه بل والتشهير بالأطراف التي مارست فعل التجاهل.
في هذا السياق فإن القدرة على توثيق جريمة الاغتصاب وفضح المتورطين فيها ومحاولة ملاحقتهم قضائياً هي أحد أهم وسائل تطويق الظاهرة. من هنا يبدو دعم القدرات المحلية في شأن التوثيق مهم للغاية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي الذي تبلور في مجموعات قانونية وحقوقية سودانية، خصوصاً في دارفور الإقليم صاحب التاريخ الأقدم في المعاناة من الانتهاكات، وفي القلب منها اغتصاب النساء.
وتعمل المجموعات الحقوقية والقانونية المهتمة بالتوثيق في باقي أنحاء السودان باعتبارها حديثة مرتبطة بالصراع الراهن، وتعتمد في الغالب على شهادات السكان المحليين وتفتقر أحياناً إلى أدوات الرصد والتحليل.
ويبدو لنا أنه في ضوء ضعف فرص إنهاء الصراع العسكري السوداني حالياً، وإمكانية انفتاح البلاد على سيناريو الحرب الأهلية مع ما نعرفه من مخزون ثأري على أساس عرقي في السودان يكون من الضروري التفكير في وسائل ردع وتطويق لظاهرة اغتصاب النساء تكون مستفيدة من التراث العالمي ومواثيق الأمم المتحدة المدينة لهذا النوع من الانتهاكات، وكذلك مستفيدة من معدات العقاب في النطاقات العربية والأفريقية والعالمية.
من الضروري أيضاً رفع الوعي والإدراك الجمعي السوداني بظاهرة الاغتصاب على الصعيد العالمي والأطراف التي تورطت فيها تاريخياً، بما يخفف ربما على نفوس وأرواح الضحايا وطأة الممارسة وتداعياتها النفسية والجسدية.
في هذا السياق فإن نشر ثقافة التسامح مع النساء المنتهكات وضرورة رعايتهن يبدو لي فرض عين على الجميع، كما أن من الأساس التشجيع على الإبلاغ عن حالات الاغتصاب وتوثيقها، بل إنه من المطلوب الانتباه لرعاية هذه الأسر التي تقوم بهذه البلاغات على الصعيد الاجتماعي والمعنوي.
وفي ظني أن هذه المجهودات لا بد وأن يتضافر فيها الإقليم مع السودان من جهة تقديم المساعدات اللوجيستية في هذه المجالات بخاصة في ما يخص محتوى الدعم وكذلك التدريب عليه سواء لتقديم العون للضحايا من النساء وأسرهن على الصعيدين الطبي والنفسي، أو من جهة التدريب على وسائل توثيق الانتهاكات والمساعدة في الوصول إلى المنصات العقابية العالمية والاهتمام بالمتابعة القانونية فيها، وهو واجب ربما يكون منوطاً بالمؤسسات والمعدات الوطنية المعنية بحقوق المرأة في كل الدول العربية وخصوصاً مصر ودول شرق أفريقيا.
إجمالاً فإن ظواهر الانتهاكات ضد الإنسانية وفي القلب منها اغتصاب النساء لا بد أن تؤرق طرفي الصراع السوداني، ومن المفترض أن تدفعهما نحو التفاعل مع مجهودات وقف الحرب السودانية، ذلك أن التخلي عن هذا النداء الذي يطالب به الجميع داخلياً وخارجياً يقع تحت طائلة الإخلال بالمسؤوليات الإنسانية والأخلاقية إزاء الشعب السوداني الذي لا يستحق هذه الحرب ولا هذا الحجم الواسع من ممارسة الانتهاكات تحت مظلتها.
نقلا عن اندبندنت عربية
الوسومأماني الطويل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أماني الطويل اغتصاب النساء الدعم السریع فی السودان على الصعید
إقرأ أيضاً:
السودان وفروقات الوعي السياسي
أن الحرب تعتبر أعلى درجات الأزمة في أية مجتمع، و العقل السياسي الذي تسبب في الأزمة حتى وصلت إلي الحرب، لا يستطيع أن يحدث تغييرا في واقعها، إلا إذا استطاع تغيير طريقة تفكيره.. و التغيير لا ينتج بعقول خاملة لا تستطيع أن تنتج أفكار جديدة، فقط تعيد إنتاج ذات المقولات التي تسببت في الحرب.. المطلوب عقول جديدة، تنتج أفكار جديدة، تستطيع من خلالها أن تحدث تنشيط في الفعل السياسي يتجاوز سلبيات الماضي.. لكن محاولات إعادة ذات العقليات برفع ذات الشعارات القديمة سوف تعيد إنتاج الأزمة.. أن النخب السياسية السودانية تتخوف من نقد ممارساتها التي أوقعتها في الأخطاء التي قادت إلي الأزمة.. لذلك الكل يميل للتبرير الذي يغيب معرفة الأسباب و يعيد إنتاج الأزمة بصور مغايرة..
أن أغلبية النخب السودانية السياسية، أو المثقفة التي تدور في المحور السياسي، لا يفكرون إلا من خلال مصالحهم الخاصة، أو مصالح أحزبهم، لذلك ينظرون لواقع الأحداث من خلال عدسات ضيقة لا تساعد على النظرة الكلية للأزمة.. مثالا لذلك نشرت سودان اندبندنت خبرا يقول ( طالب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ز جعفر الميرغني رئيس الوزراء كامل إدريس بالعمل على تهيئة المناخ للانتخابات العامة في السودان) و أضاف قائلا ( إقامة مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات حرة و نزيهة) أن جعفر الميرغني لم يجد ما يقوله إلي رئيس الوزراء غير الانتخابات الأداة الموصلة للسلطة.. رغم أن البلد ماتزال الحرب مستمرة فيها، المؤامرات الخارجية تنوع في تحدياته.. فالعقل الذي لا ينظر للأزمة بكلياتها لا يكون مفيدا في معالجة الأزمة.. و أيضا هناك أحزاب و سياسيين متمسكين بالتفاوض ليس قناعة منهم إنه طريقا ناجعا للحل، بل لأنهم يعتقدون أن أنتصار الجيش على الميليشيا سوف يحدث واقعا سياسيا جديدا يصعب عليهم شروط الالتحاق به.. و أيضا هناك قوى سياسية تريد أن تنتهي الحرب لكي تواصل فعلها الثوري.. الأمر الذي يؤكد خمول العقل السياسي في إنتاج أفكار جديدة تتجاوز بها الأزمة..
أن الحرب ليست عملية سياحة للترفيه، أو حالة من حالات الغضب و بعدها ترجع الأشياء كما كانت قبل الحرب.. الحرب تستخدم فيها كل أدوات القتل و التدمير، و يظهر السلوك السالب بكل تفاصيله، و كلها أشياء سوف يكون لها انعكاسات على حياة الناس و سلوكهم و علي طريقة تفكيرهم.. الحرب حتما سوف تظهر قوى جديدة من الشباب الذين شاركوا في القتال، هؤلاء يجب أن يكون لهم دورا في مستقبل البلاد السياسي.. الجيش بعد الانتصار أيضا لديه مهمة أخرى.. هي حفظ الأمن و جمع السلاح من كل المقاتلين و فرض السلام الاجتماعي و السياسي في البلاد.. و وضع حد لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي السوداني.. و كلها قضايا في حاجة للتفكير العقلاني الموضوعي... و ليس التفكير القائم على المصالح الضيقة..
معلوم في الفكر السياسي أن عملية البناء و النهضة تؤسس عن طريقين.. الأول أن تكون هناك أحزاب ناضجة و فاعلة، على رأسها قيادة لها مشروع سياسي، يلتف حولها الشعب و تعمل بجد، و عمل إداري بخبرات عالية، و نزاهة و شفافية. و التزام قوى بتطبق القوانين، و استطاعت أن تنجح في ذلك حدث ذلك في البرازيل و الهند و تركيا و ماليزيا و رواندا.. و هناك دول نهضت من خلال حزب واحد أو قيادات عسكرية أيضا استطاعوا أن يلتزموا بمعايير النهضة.. المشروع السياسي و حسن الإدارة و النزاهة و الشفافية و تطبيق القوانين و حدث ذلك في الصين و سنغافورة و كوريا الجنوبية و فيتنام.. و النجاح في الثاني الرهان عليه في التحول غلي الديمقراطية مرتبط بالتطور الاقتصادي الذي يبرز طبقة أوسطى جديدة تقود إلي تحول ديمقراطي من خلال دورها السياسي و الفكري و الثقافي في المجتمع..
إذا أردنا أن نقارن العملية السياسية في السودان.. بالتطورات التي حدثت بعد ثورة ديسمبر نجد أن الشارع كان أكثر وعيا من القوى السياسية، التي فشلت في إدارة الأزمة السياسية، لأسباب عديدة.. اولا - أنها لم تكن لديها مشروعا سياسيا.. ثانيا - القيادات التي قدمتها للمواقع الدستورية " الوزارات" أغلبيتهم كانت ذات خبرات ضعيفة، و بعض منهم أول وظيفة له في حياته و حياتها كانت وزارة.. ثالثا - خسارتهم للشارع الذي جاء بهم للسلطة.. رابعا – راهنوا على الخارج أن يعيدهم للسلطة.. خامسا - تحالفهم مع الميليشيا و أصبحوا جناحها السياسي.. سادسا - فشلوا في تقييم التجربة و مايزالون يرهانوا حتى الآن لكيفية العودة للسلطة، دون أن يكون لهم تصورا مقنعا للشارع... سابعا – عندما تفشل قيادة الأحزاب في معركتها و تخسر الشارع تبدأ بتغيير قياداتها في محاولة من أجل كسب الشارع، لكن قلة الخبرة، و عدم وجود قيادات أفضل ظلت الأحزاب تصارع بذات القيادات التي باتت غير مقبولة في الشارع..
أن البلد ليس كما قال جعفر الميرغني (بإنها في حاجة إلي مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات) البلد حتى يكون فيها أحزاب قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية، هي في حاجة لتشريعات " قانون الأحزاب" أن تجرى الأحزاب مؤتمراتها قبل كل أنتخابات على أن لا يترشح أي عضو أكثر من دورتين.. و في الفترة الانتقالية أن تجري الأحزاب انتخاباتها مرتين قبل الانتخابات.. لكي يضمن الشعب ليس هناك احتكارية للأحزاب من قبل شلة أو مجموعات بعينها، أو بيوتات، أو أفراد، و بالتالي يضمن تداول القيادة في الأحزاب، و الانتخابات تضمن تجديد للأفكار و البرامج، و النافسة هي التي تخلق الوعي، و تقدم قيادات مدركة لدورها، إلي جانب مراقبة ألأموال حتى لا يتدخل النفوذ الخارجي عبر التمويل.. أن أهم خطوة قبل الانتخابات قانون الأحزاب.ز حتى تأتي قيادة ضعيفة القدرات لأنها لم تصعد لقمة الحزب إلا بسبب علاقة الأبوة و المحسوبية و الشللية و غيرها.. نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com