ما يحدث في الجزيرة واستمرار نسق العقاب الجماعي للمدنيين
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
محمد بدوي
ما يحدث في ولاية الجزيرة من انتهاكات في مواجهة المدنيين، هذا دون إستثناء مناطق القتال الآخري، لكن مع التركيز على الجزيرة، يمثل إمتداد لنسق الإنتهاكات التي ظلت تلازم الحروب السياسية السودانية منذ الاستقلال، والذي يعرف بالعقاب الجماعي للمدنيين، وظل هذا الشكل موجها للمدنيين المنحدرين من اصول مشتركة أو مناطقية مع القادة المنخرطين في القتال في الحالات.
في وقت مبكر من تدشين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق دمبيور، أسس الجيش للمليشيات على الشريط الحدودي بين إقليمي الشمال والجنوب آنذاك للقيام بذات الانتهاكات في مواجهة المدنيين داخل إقليم جنوب السودان، تحت ذريعة جنوبية الحركة الشعبية لتحرير السودان، تكرر الأمر مع المجموعات الزراعية المنحدرة من اصول مشتركة مع قادة حركات دارفور بدء من العام ٢٠٠٤.
العقاب الجماعي ظل يحمل كافة أشكال الانتهاكات المجرمة في القانون الدولي والقانون الدولي الانساني، هدفه هو كسر شوكة هذه المجموعات والحط من الكرامة الانسانية، كانتقام من القادة الذين يكونون بعيدين من مسرح القتال، مع اقتران الانتهاكات بخطاب الكراهية، يظل استمرار الانتهاكات محفزا بانتهاك الحقوق الاقتصادية كغنائم للحرب،كما يفرز حالة واسعة من اللجوء والنزوح، على الدوام قوامه الاكبر من النساء والصبيات والاطفال.
المراقب لسجل الانتهاكات في النزاعات السياسية المسلحة في فترة ما بعد الاستقلال، يقف على حقائق اساسية، تكوين وتسليح المليشيات ظل من قبل الدولة وتحت اشرافها، هنالك حالة انتقال لقادة أطراف النزاع بين طرفي القتال بمحفزات ودافع مختلفة، لأن تكتيك الطرفين يظل يعمل في مسرح اخر هو أضعاف الطرف الآخر بأحدث انقسامات داخله، لكن سرعان ما ينتج عن طرف جديد من أمراء الحرب، غياب المحاسبة والعدالة في السجل التاريخي للأحداث، عبر عقبه ترسانة الحصانات التي تمنح حتي للقوات الرديفة أو المليشيات في بداية تكوينها، غياب الرغبة في محاسبة القادة العسكريين، الأمر الذي يظهر في غياب نص مسئولية الرئيس عن المرؤؤس، امتد حتي للقوات الرديفة التي رسخ لها في التمتع بقوانين انشاء مجازة من البرلمان.
مجمل تلك الأسباب مع عوامل أخري سياسية في ظلت هي محركات الصراعات، لكن الجديد في الحرب الراهنة تعدد الأطراف الداخلية والخارجية في الصراع، وبروز التنافس السلطة والموارد بين الأطراف الداخلية والخارجية، وانتعاش أسواق الذهب والسلاح .
من ناحية أخري ظهر فتور المجتمع الدولي من الحالة قياسا بالموافق المعلنة خلال الفترة الانتقالية، بما يمكن يدفع بالقلق من سيناريوها قد تظهر في الأجندة، ليس تشاؤما فقد يكون بينها ما يهدد بقاء وحدة الدولة.
أخيرا: استمرار الحرب، وكذلك القتال الذي يمكن ان نلحظ بانه يتركز في المناطق الغنية بالموارد، وتوجيه العقاب الجماعي نحو المدنيين، وارتقاء خطاب الكراهية بكثافة، يعني انسداد أفق الحل، دون الانتباه إلي أن ما يحدث في الجزيرة لن يبقي في الجزيرة، بل ما يحدث في السودان لن يبقي في السودان كما سبق واشرنا إلي ذلك في مقام اخر، ولا سيما أن عنف صراع الموارد بلغ ذروته عقب الازمة المالية العالمية في ٢٠١٣. الوسوممحمد بدوي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: محمد بدوي ما یحدث فی
إقرأ أيضاً:
السرديات المضللة في حرب السودان
السرديات المضللة في حرب السودان
فيصل محمد صالح
ليستْ هناك سردية واحدة لأسباب وبدايات ومجريات حرب السودان، ليس فقط لاختلاف التفسيرات، ولكن للاختلاف حول الوقائع نفسها، بدايةً من قصة بداية الحرب حتى الآن. هذه السرديات تتعامل بانتقائية شديدة مع الأحداث والوقائع، تأخذ ما تريده وتركز عليه وتتجاهل بقية المعطيات، وترفض ربط الأحداث ببعضها البعض، كما أنها تتعامل بتبسيط مخل… «إما أن تأخذ بضاعتنا كما هي، أو أنك عدونا».
سردية بداية الحرب تتعرض كل يوم لامتحان قاسٍ، عبر الفيديوهات التي تحمل إشارات وأقوالاً مباشرةً وعبر الأسرار التي تتكشف كل يوم عمن خطط لهذه الحرب وأعد لها من قبل شهوراً طويلة. هناك ثروة من التسجيلات واللقاءات والتصريحات وبعضها بها اعتراف صحيح بالمسؤولية عن الحرب، إلا أنه ومن باب الأمانة، ليس ثمة طرف من هذه الأطراف كان يظن أن الحرب ستطول أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهذه جريمة أخرى. وكثير من التصريحات الحالية لقيادات عسكرية نظامية وأخرى ميليشياوية توضح أن «الدعم السريع» عدو ثانٍ، لكن عدوهم الأكبر هو كل من انتمى لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ودونك الحديث الأخير لقائد «كتائب الحركة الإسلامية» المصباح أبو زيد.
الحشد السياسي للحرب كان في قمته، لكن الاستعداد العسكري ثبت أنه كان في أدنى مستوياته، بدليل نتائج الحرب في أول أسابيع. خلال أيام انزوت كتائب الجيش في ثكناتها، المهندسين ووادي سيدنا في أم درمان، سلاح الإشارة ومعسكر حطاب في بحري، والمدرعات وجزء من القيادة في الخرطوم. وما فعلت كتائب الجيش ذلك عن جبن ولا عن استسلام، لكنها كانت بلا تسليح ولا إعداد كافٍ وبلا حتى مجموعات مشاة قتالية كافية.
في الوقت نفسه ثبت أن «الدعم السريع» استعدت للحرب وأعدت قواتها وخططها، تدفعها قبل كل ذلك الطموحات السياسية لقائدها، وكان منطقه البسيط يقول إن معارفه الفطرية من دون تعليم نظامي أو تأهيل عسكري قادته ليكون الرجل الثاني في الدولة، فما الذي يمنع أن يكون الرجل الأول…؟
انظر، من ناحية أخرى، إلى حوادث مهاجمة مدينة بورتسودان بمسيّرات «قوات الدعم السريع»، وما يمثله من تصعيد خطير للحرب ونقلها لمرحلة ثانية. المؤكد أن هذه المسيّرات استهدفت مواقع عسكرية في اليومين الأوائل، لكنها عادت بعد ذلك لتهاجم مواقع للخدمات، مثل خزانات النفط وميناءي بورتسودان وعثمان دقنة وأحد أكبر فنادق المدينة. هذا الهجوم يستحق الإدانة لأن فيه مخالفات واضحة للقانون الدولي الإنساني ولكل المواثيق وتقاليد الحروب في العصر الحديث، ونتائجه المباشرة ستتسبب في زيادة معاناة المواطنين المدنيين ومضاعفة المخاطر التي يتعرضون لها.
هل يجب أن يكون المبدأ أن استهداف المواقع والمنشآت المدنية مدان ومرفوض، وهو من جرائم الحرب، أينما كانت هذه المنشآت وأياً من كان يستهدفها، أم أن الأمر يمكن أن يخضع للانتقائية…؟
الحقيقة أننا شاهدنا الانتقائية وعدم الموضوعية من على منصات ومواقع وصفحات أفراد كثيرين. فقد سبق للطيران الحربي الحكومي أن هاجم منشآت مدنية وأسواقاً ممتلئة بالمدنيين وراح ضحية ذلك المئات بينهم نساء وأطفال. وكان من المقزز أن تقرأ للبعض وهو يصفق ويهلل ويسمي سلاح الطيران بـ«صانع الكباب» في الإشارة لجثث الضحايا المتراكمة فوق بعضها البعض. وكانت الكتابات التي تشجع وتدعو لتدمير المنشآت المدنية والبنيات الأساسية من جسور ومنشآت اقتصادية كبرى، مثل مصفاة البترول تتوالى كل يوم. بل إن أحد أهم أبطال السوشيال ميديا المؤيدة للحرب دعا في تسجيل شائع وموجود قيادة الجيش لمهاجمة أماكن اعتقال أسرى الجيش وقصفها وتصفيتهم «حتى لا يصبحوا ورقة ضغط في يد (الدعم السريع)».
من المؤكد أن سردية «قوات الدعم السريع» بأنها جاءت لمحاربة فلول النظام السابق ونصرة الديمقراطية وعودة الحكم المدني أضعف بكثير من أن يتعامل معها المرء بجدية ليعمل على تفنيدها، فقد ذاق المواطنون المدنيون ثمار ديمقراطيتهم هذه في الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق أخرى كثيرة، قتلاً ونهباً واغتصاباً. الحقيقة أنها ظلت طوال هذه الفترة عبارة عن بندقية تبحث عن قتيل، لا يسندها منطق ولا رؤية سياسية أو وطنية عامة. ولعل هذا ما دفع قيادة «الدعم السريع» للتحالف مع كيانات وأحزاب وحركات مسلحة لديها مشاريع سياسية، لعل وعسى. لكن ستظل الصور الدموية في ود النورة والتكينة والهلالية وقرى البطانة في الذاكرة دائماً، حتى يوم قريب يأخذ فيه كل مجرم ومنتهك، أياً كان موقعه أو منصبه، نصيبه من العقاب.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط المسيرات المصباح أبوزيد بورتسودان فيصل محمد صالح