شبكة انباء العراق:
2025-11-16@19:37:40 GMT

وحيد الاسود وفرانك سيناترا .. بـ( ربع ) !!

تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT

بقلم : فالح حسون الدراجي ..

بعد أن احتل صدام الكويت عام 1990، بدأت اسواقنا تعرض بضائع لم نكن قد رأيناها من قبل، ولا كنا سنراها في العراق قطعاً ! كأجهزة الفيديو وسيارات الكاديلاك والكابرس، وساعات الرولكس الثمينة ولوحات بيكاسو، وأنواع العطور الراقية التي كنا نراها في صور المجلات والدعايات الاجنبية فقط، لكن ذلك قد تحقق بفضل (القزو)، وبركة الفلتان الذي تلاه، بعد أن أصيبت المنظومة الصدامية اصابة قاتلة، خاصة بعد فرض الحصار، بحيث اصبح الوضع الرقابي (فيطي).

وفي تلك الفترة، عرفنا ان ثمة جهازاً اسمه (الفيديو) يمكنك اقتناؤه، ومشاهدة مختلف الأفلام والأغاني والمسلسلات والمباريات المصورة من خلاله، وأنت جالس في بيتك.. وهكذا شاهدنا حلقات مسلسل رأفت الهجان كاملة بدون تقطيع، وشاهدنا أعمالاً مسرحية كثيرة كان عرض بعضها في تلفزيون العراق يعد أمراً مستحيلاً آنذاك.. لقد بات شراء كل شيء سهلاً بعد آذار عام 1991 من السوق السوداء ..

وبما إنني من سكنة مدينة الثورة / قطاع 43، وبيتنا لا يبعد عن سوق مريدي أكثر من 800 متر، وبما أن عدداً من محلات هذا السوق تعود لأخوتي واقاربي واصدقائي ومعارفي، فقد كان من الطبيعي ان أمر باستمرار على هذه السوق.. وأتجول فيها عصراً أحياناً..

وفي ذات يوم، وأنا أبحث عن شريط لفيلم اسمه: النزوات (Freaks).

وهو فيلم أمريكي قديم، يسلط الضوء على عدد من الأقزام المشوهين، الذين يعملون بالعروض الثانوية للسيرك، والذين قرروا الثأر من الفتاة الجميلة انتقاماً لقائدهم.. ومن خلال ما كتبه النقاد عن هذا الفيلم، إذ أعدوه واحداً من أشهر افلام الرعب في تاريخ السينما.. وبسبب محتواه المخيف فقد مُنع من العرض في بريطانيا 30 عاماً، ولم يصبح متاحاً للعامة إلا عندما صدرت منه نسخة فيديو، طرحت في الأسواق العامة 1990، والفيلم من اخراج (تود براونينغ).

وبناءً على ما سمعته وقرأته عن الفيلم، تولدت لدي رغبة بمشاهدته عبر شريط الفيديو.. لذا رحت ابحث عنه بين عشرات الاشرطة المبعثرة أمام أحد الباعة في سوق مريدي.. أدقق جيداً في العناوين المدونة على ظهر الشريط بالإنگليزية، لأن الباعة كانوا يموهون تفادياً للمشاكل، فيضعون ورقة مكتوباً عليها باللغة العربية: (فيلم أبي فوق الشجرة / عبد الحليم حافظ)، لكنك لن تجد في الشريط عبد الحليم، ولا أباه، ولا حتى الشجرة، إنما ستجد (بلاوى ومصائب) !

في سوق مريدي لم يكن ذلك الفتى وحده يفترش الأرض ويبيع الأشرطة في عصر ذلك اليوم، إنما كان معه أكثر من عشرة آخرين يبيعون أشرطة الفيديو المصورة واشرطة الكاسيت المسجلة، وقد كانت اغلب الكاسيتات من انتاج شركات عالمية، إلا أنها تحمل اسم شركة النظائر، كشركة تسويق ..

وبينما كنت منشغلاً في البحث، سمعت جدالاً بين البائع المجاور- وهو فتى أيضاً -ورجل في الاربعين من عمره.. وسبب الجدال كان حول إصرار البائع على بيع شريطين معاً: أحدهما يحتوي غناءً عربياً، والثاني (أجنبياً)، بداعي ان شريط الغناء الأجنبي غير مطلوب في السوق، لذا (يبقى نايم على گلبه) حسب تعبير البائع !. بينما يريد الرجل شراء كاسيت مسجل واحد وليس اثنين !

وهنا حاولت أن احل المشكلة، خاصة وأن سعر الشريطين رخيص جداً ، وقيمتهما معاً بـ (ربع)- أي ما يعادل دولاراً ونصفاً بسعر صرف الدولار الآن – فسألت الرجل اولاً عن الكاسيت الذي يريده؟

فقال: كاسيت للمطرب الشعبي (وحيد الأسود)، وعنوانه (شلون داده .. شلون داده) – وقد كانت هذه الأغنية مشهورة جداً في البيئة الشعبية آنذاك، ليس بسبب ايقاعها الراقص، وبساطتها فقط، إنما بسبب موضوعها الاجتماعي المميز أيضاً، رغم أن وحيد الأسود كان من مطربي حفلات الأعراس، ولم يكن مطرباً معترفاً به من قبل المؤسسات والجهات الفنية أو النقابية، لكنه حظي بمحبة خاصة من الناس، لبساطته وشعبيته وطيبة قلبه..

وحين سألت الرجل عن اسم الكاسيت (الأجنبي)، ناولني الشريط دون ان ينطق كلمة، وإذا بي أجده للمغني (فرانك سيناترا)، بعنوان: Love You Baby

أي : (احبك عزيزي) ..

فضحكت في سري، وقلت أي عالم غريب هذا، رجل يرفض شراء شريط يضم أغنيات مطرب يوصف من قبل النقّاد بأعظم مغنٍّ في القرن العشرين، وقد تجاوزت مبيعات اشرطته الرسمية ربع مليار شريط، عدا افلامه وحفلاته ونجاحاته الفذة، ناهيك من اهميته وفرادته ونجوميته التي جعلت اعظم رؤساء أمريكا يتملقون ويتقربون اليه، لاسيما قبل الانتخابات الرئاسية، حيث ساهم فعلاً بفوز الرؤساء روزفلت في انتخابات 1944، وكينيدي في انتخابات عام 1960، ثم تبنى حملة نيكسون الذي فاز بكرسي الرئاسة بفضله ايضاً، ثم دعم رونالد ريغان، الذي منحه ميدالية الحرية الرئاسية عام 1985، وهي أعلى تكريم يمنح من قبل الرئيس لمواطن أمريكي، ولو كان سيناتراً حياً هذه الأيام لدعم المرشحة الديمقراطية ( هاريس ) ويسهم في فوزها حتماً !!

وكي تعرفوا أهمية فرانك سيناترا، عليكم أن تعرفوا أنه المطرب الوحيد الذي يحتفل الأمريكيون في يوم 12 من شهر أيار من كل عام بيوم “فرانك سيناترا” تقديراً لتأثيره على الثقافة والفنون في أمريكا.

وللحق، فإن سيناترا يعد تقدمياً جداً في موقفه من التمييز العنصري والعرقي فقد كان اكثر الفنانين في امريكا انحيازاً لحقوق المواطنين السود آنذاك، حتى يقال إنه غادر مرة القاعة التي كان مقرراً أن يغني فيها بمدينة نيويورك حين دخلها ولم يجد بين الحضور جمهوراً من المواطنين السود، ولم يعد لقاعة الحفل حتى جاؤوا لها بحوالي مئتي شخص من السود الذين كانوا يقفون في الشوارع الخلفية للقاعة !

لهذا ضحكت وقتها، حين رفض الرجل شراء شريط سيناترا بـ (ربع)، وهو الأكثر والأغلى مبيعاً في تاريخ الغناء في العالم، كما أنه الحاصل على جائزة “غرامي” احدى عشرة مرة، وعلى جائزة “غولدن غلوب” أربع مرات، وجائزة “بيبادي” التي تُمنح لأكثر الشخصيات التلفزيونية والراديويّة تأثيراً في عام 1966، بالإضافة لامتلاكه ثلاث نجوم على ممر الشهرة في هوليوود.

ويعتبر النقاد بمختلف اذواقهم، صوت سيناترا اجمل وأرق الأصوات الغنائية، لهذا كان الجمهور يعشق صوته واغنياته في مختلف دول العالم، حتى يقال ان الحصول على مقعد بحفلاته الغنائية أصعب من الحصول على مقعد في الكونغرس الأمريكي، وكي تحصل على هذا المقعد يتوجب عليك الحجز قبل ستة أشهر من موعد الحفلة !!

كل هذا و(الأخ) يريد شراء شريط وحيد الأسود، ويرفض شريط سيناترا .. والبائع يصيح : عمي وين أودي الشريط الأجنبي؟!

وهنا تذكرت النكتة التي رواها لي الشاعر الكبير كاظم الحجاج، حيث قال:

” قلت لبائع السمك مرة : أريد هذه السمكة !

فقال البائع: أبيعها هي واختها ( اثنينهن سوية ) !

فقلت له: لا احتاج الثانية، واحدة تكفينا انا وزوجتي .. لكن البائع أصر على بيع السمكتين سوياً، قائلاً : عمي إذا أبيع لك وحدة.. وين اودي الثانية؟!

وهنا انفجر كاظم بوجهه قائلاً: حجي الله يخليك، آني جاي اشتري منك سمچة لو (نعال)، حتى تخاف على الفردة الثانية ما تنباع !!

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات من قبل

إقرأ أيضاً:

ما الذي يبحث عنه جمهور المعارض في المشاركات العمانية؟

استطلاع - فيصل بن سعيد العلوي -

تشارك المؤسسات العمانية في المعارض العربية والدولية بحضور متنوع يعكس ما تمثله كل جهة من إنتاج ثقافي ومعرفي، ويمنح الجمهور فرصة للتعرف على نماذج من العمل الثقافي الذي يخرج من سلطنة عمان. ومع تعدد هذه المشاركات واختلاف طبيعة الأجنحة، تتشكل أمام الزائر مجموعة من الخيارات التي تحفز على القراءة والاقتناء والاستفسار، الأمر الذي يثير تساؤلًا مهمًا لدى المتابعين وصنّاع المحتوى الثقافي على حد سواء: ما الذي يبحث عنه الزائر حين يتوقف أمام دور النشر والأجنحة العمانية؟ وما نوعية الاهتمام الذي يبرز لدى الزوار في مثل هذه الفعاليات؟ وانطلاقًا من هذا السؤال سألنا عددًا من الأجنحة العمانية المشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وأجرينا حوارات قصيرة مع ممثليها لمعرفة طبيعة ما يطلبه الزائر وما يشدّ انتباهه عند تفاعله مع الجناح. وقد جاءت الإجابات لتقدّم صورة متعددة الزوايا وتعكس اختلاف طبيعة كل جهة واختلاف الفئات التي تتوجه إليها.

في هذا الاستطلاع تنقل "عُمان" آراء تلك الجهات بهدف رسم ملامح عامة لاهتمامات الزوار، وفتح نافذة على كيفية تفاعل الجمهور مع حضور عُمان الثقافي في المعارض المختلفة.

بداية يقول ماجد بن سيف الرواحي ممثل وزارة الثقافة والرياضة والشباب في جناح الوزارة بمعرض الشارقة الدولي للكتاب: إن الجناح يشهد إقبالًا كبيرًا من مختلف الفئات، إلا أن الشريحة الأبرز التي تستهدف المعروضات هي فئة الباحثين والأكاديميين، الذين يقصدون الجناح وهم يحملون أسئلة معرفية واضحة ويركزون على الكتب التي تسهم في بناء تصور أوسع عن التاريخ العماني وحضارته.

ويشير "الرواحي" إلى أن أكثر الإصدارات طلبًا هي كتب التاريخ والجغرافيا والأنساب والمراجع التي تقدم سردًا علميًا موثقًا عن الهوية العمانية وتحولاتها، فهذه الكتب -كما يوضح- تمثل بالنسبة للباحث مادة أساسية لفهم العمق الحضاري الذي تتميز به سلطنة عمان، من امتدادها البحري إلى جذورها العريقة في الوطن العربي وشرق إفريقيا، وما تراكم عبر القرون من خبرات وعلاقات وروابط أساسية في تشكيل هويتها الحديثة، وكثير من الباحثين يعتمدون على هذه الإصدارات لتغذية مشاريعهم الأكاديمية والبحثية، سواء في موضوعات التاريخ السياسي، أو الجغرافيا الثقافية، أو الدراسات المتعلقة بالمجتمع العماني وتطوره.

ويضيف: إن الكتب الأدبية -خاصة الإصدارات القديمة منها أو الطبعات الأولى- يقصدها المهتمون بالتاريخ الأدبي العماني وبجذور الكتابة الشعرية والسردية في سلطنة عمان، كما يجذب هذا النوع من الكتب القراء الذين يبحثون عن النصوص التأسيسية التي ساهمت في تشكيل المشهد الثقافي العماني وتطوره عبر العقود.

ويرى ماجد الرواحي أن القاسم المشترك بين كل هذه الاهتمامات هو الرغبة في الاقتراب من الذاكرة العمانية، سواء عبر التاريخ والجغرافيا أو عبر الأدب والأنساب، مؤكدًا أن الوزارة تحرص على تقديم إصدارات نوعية توثق التجربة العمانية في مختلف جوانبها وتعزز حضورها في المعارض الإقليمية والدولية.

دراسات أثرية وتاريخية

من جانبه يقول علي بن حسن الذهلي ممثل جناح وزارة التراث والسياحة: إن الإقبال على جناح الوزارة يأتي في الأساس من الباحثين والمهتمين بالدراسات المتخصصة، إضافة إلى شريحة من الجمهور العام بهدف التعرف على التراث العماني والمواقع الأثرية والسياحية في سلطنة عمان. ويوضح أن إصدارات الوزارة وعددها خمسون إصدارًا، من بينها سبعة جديدة، تتوزع بين الكتب الثقافية، والدراسات الأثرية، والأدلة السياحية، والمعالم التاريخية، وكلها تسعى إلى تقديم صورة شاملة عن تاريخ عُمان وتراثها الطبيعي والحضاري.

ويشير إلى أن عددًا من زوار الجناح -خصوصًا من الأكاديميين وطلبة الدكتوراه والجهات الحكومية- يبحثون عن كتب محددة تتعلق بالآثار، أو العمارة التقليدية، أو الحرف والصناعات العمانية، وهو ما يجعل الإقبال على الإصدارات المتخصصة كبيرًا وثابتًا في كل معرض تشارك فيه الوزارة، سواء داخل سلطنة عمان أو خارجها، وهناك بعض الباحثين من دول عربية، ومنهم أساتذة جامعات، يبدون دهشتهم من شمولية الإصدارات ودقتها، ويعتبرونها مراجع ينبغي توافرها في مكتباتهم الأكاديمية.

ويؤكد "الذهلي" أن الجناح لا يستقطب الباحثين فقط بل يُعد أيضًا مساحة للترويج السياحي، إذ يقبل الزوار على الخرائط المطبوعة، والأدلة السياحية، والمنشورات التي تُعرّف بالولايات والمعالم والمواقع الطبيعية والتاريخية، وهذا التنوع يجعل الجناح يؤدي وظيفة مزدوجة: "وظيفة معرفية بحثية"، و"وظيفة ترويجية" تعرّف بالهوية السياحية للبلد.

ويشير إلى أن بعض الزوار يكتشفون لأول مرة وجود إصدارات متخصصة بالعربية والإنجليزية، وهو ما يوسّع دائرة الجمهور لتشمل المهتمين من مختلف الجنسيات، بمن فيهم المعنيون بأمر المتاحف في الدول التي تشارك الوزارة في معارضها والذين يتفاعلون عادة مع الكتب المتعلقة بالتاريخ الإقليمي.

ويرى "الذهلي" أن الاهتمام المتزايد بموضوعات الآثار والتاريخ والصناعات التقليدية يعكس رغبة حقيقية في فهم العمق الحضاري لسلطنة عمان، وأن وجود إصدارات مترجمة يساهم في نقل هذه المعرفة إلى جمهور أوسع.

ويختتم علي الذهلي بالتأكيد على أن تفاعل الزوار وارتفاع نسب الشراء في معظم المعارض يشكل حافزًا للمضي في تطوير الإصدارات وتعزيز حضور الجناح في الفعاليات الثقافية الإقليمية والدولية.

وثائق ومخطوطات

وإجابة على سؤال: ماذا يقبل "الزائر" على جناح هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية؟ يقول خالد بن يحيى المياحي: إن زوار جناح الهيئة في المعارض غالبًا ما يأتون وهم يعرفون تحديدًا ما يبحثون عنه، سواء كانوا طلبة أو باحثين أو أكاديميين أو مهتمين بالتاريخ العماني، فالزائر هنا ليس قارئًا عابرًا، بل شخص لديه سؤال واضح أو موضوع محدد يريد الوصول إليه، ولذلك فإن معظم الاستفسارات تكون دقيقة ومباشرة، وأن طبيعة اهتمام الزوار تختلف؛ فبعضهم يبحث عن معلومات بحثية، وبعضهم يتوقف عند الجوانب السياحية أو القصص العائلية المرتبطة بسلطنة عمان، بينما يأتي آخرون بدافع شخصي بحت. ويذكر مثالًا لطيّار أمريكي زار الجناح بحثًا عن كل ما يتعلق بتاريخ زنجبار؛ لأنه اكتشف أن جذور عائلته السياسية تعود إلى تلك الحقبة، مما يعكس مدى التنوع في اهتمامات الزوار والارتباطات التي تقودهم إلى الوثائق العمانية.

ويؤكد "المياحي" أن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تمتلك أنظمة تقنية متقدمة تُسهّل عملية البحث، من بينها محرك بحث خاص يعمل بطريقة مشابهة لمحركات البحث العالمية، ويتيح للباحث إدخال كلمات مفتاحية للوصول إلى الوثائق المطلوبة، مع ظهور رقم تسلسلي لكل وثيقة، ووجود ملفات تتراوح محتوياتها بين وثيقة واحدة وأكثر من أربعة آلاف وثيقة. وهذا -في رأيه- يجعل عملية البحث "رحلة استكشاف" داخل الذاكرة العمانية.

ويضيف: إن التواصل مع الهيئة لا يقتصر على المعارض، بل يتم أيضًا عبر الهاتف والموقع الإلكتروني والبريد المخصص للباحثين، حيث تصلهم استفسارات من داخل سلطنة عمان وخارجها، من دول خليجية وعربية وأجنبية، حول فترات زمنية محددة أو موضوعات بعينها، وهو ما يدل على اتساع دائرة المهتمين بالوثائق العمانية.

وفي ما يتعلق بالإصدارات المعروضة، يوضح أن جميع الكتب في الجناح هي إصدارات رسمية للهيئة، وأن جزءًا منها يشارك فيه باحثون عمانيون، بينما يصدر بعضها الآخر عن فرق بحثية داخل الهيئة نفسها، ويشير إلى أن العمل المؤسسي في الهيئة يشجع الموظفين على إنتاج الدراسات والبحوث، وهو ما أثمر إصدارات متخصصة نضجت عبر سنوات من العمل.

أما عن الإقبال، فيؤكد المياحي أن إصدارات هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تحقق رواجًا ملحوظًا في كل معرض تشارك فيه، سواء من الجمهور العام أو من الباحثين الذين يتواصلون لاحقًا عبر البريد أو الهاتف لطلب نسخ إضافية أو استفسارات متقدمة.

مقتنيات العملات والطوابع

وحول مشاركة بريد عُمان لأول مرة في معرض الشارقة الدولي للكتاب يقول محسن الوهيبي ممثل جناح بريد عُمان: إن هذه المشاركة كشفت عن مساحة واسعة من الاهتمام المتخصص الذي تحظى به المقتنيات الثقافية المرتبطة بالهوية العمانية، وعلى رأسها العملات النقدية والتذكارية والطوابع بأنواعها. ويشير إلى أن الجناح استقطب فئتين رئيسيتين من الزوار: "فئة الهواة والجامعين" الذين يمتلكون معرفة دقيقة ويبحثون عن إصدارات معيّنة، وفئة أخرى تتعامل مع الطوابع والعملات من منظور ثقافي وسياحي، باعتبارها قطعًا تحمل حكايات وصورًا من الذاكرة الوطنية.

ويؤكد "الوهيبي" أن جزءًا من الزوار كان يقف طويلًا أمام المعروضات، لا بدافع الشراء فقط، بل بدافع التأمل والاكتشاف، إذ تشكّل الطوابع بالنسبة لهم سجلًا بصريًا يوثق المناسبات الوطنية والإنجازات الحضارية لمحافظات سلطنة عمان، أما المهتمون بالعملات النقدية والتذكارية فيركزون على جوانب التصميم والعناصر الفنية وقيمة الإصدار وندرته، الأمر الذي يجعل عملية الاختيار لديهم دقيقة ومتعمدة.

ويضيف: إن الإقبال فاق التوقعات منذ الساعات الأولى، وأن بعض الإصدارات نفدت رغم تجهيز كميات مناسبة للعرض، وهذا دليل على حاجة الجمهور إلى هذا النوع من المحتوى النادر وغير المتوفر عادة في المنصات التجارية التقليدية، ويشير إلى أن هذا التفاعل الكبير يبرز قدرة بريد عُمان على تقديم محتوى ثقافي يرتبط بالتراث الوطني، ويتجاوز دوره التقليدي في الخدمات البريدية.

ويرى ممثل جناح بريد عُمان في معرض الشارقة أن المعارض الدولية تمثل فرصة مهمة لتعريف الجمهور بأرشيف الطوابع والعملات في سلطنة عمان، وتعزيز حضورها في سوق المقتنيات الإقليمية، إضافة إلى استكشاف أسواق جديدة خارج الحدود، وأن النتائج الأولية للمشاركة تشجع على زيادة حجم المعروضات مستقبلًا، وابتكار مجموعات جديدة تستلهم تاريخ عُمان وشخصياتها وأماكنها.

ويختم محسن الوهيبي حديثه بالقول: تجربة المشاركة الأولى أظهرت أن المعارض منصة للتواصل مع جمهور متخصص، ولتعزيز القيمة الثقافية للطوابع والعملات، وبناء علاقة جديدة بين بريد عُمان ومجتمع الهواة والباحثين والمهتمين بالتراث البصري العماني.

محتوى تقني

وخارج السياق التقليدي في معارض الكتب يقدم جناح القرية الهندسية محتوى تقنيًا وهندسيًا مرتبطًا بكتب علمية تختص بالموضوع نفسه. يقول عبدالرحمن الحجي مدير المشاركات في المعارض الدولية للقرية الهندسية: إن طبيعة الزوار الذين يقصدون جناح القرية تختلف عن باقي الأجنحة العمانية، لأن الجناح نفسه يقوم على المحتوى التقني والهندسي والذكاء الاصطناعي، وليس على الكتب الأدبية أو الإصدارات البحثية التقليدية، ولذلك فإن الكثير من الزوار يأتون بدافع اكتشاف ما يمكن أن يقدمه هذا النوع من المحتوى لأبنائهم أو لأنفسهم، سواء على مستوى المهارات أو الاهتمام الشخصي.

ويشير "الحجي" إلى أن فئة من الزوار، وإن كانت قليلة نسبيًا، تأتي وهي تعرف تمامًا ما تبحث عنه، أما الغالبية فتصل بدافع الفضول، لتتعرّف على المنتجات التقنية التي قد تساعد أبناءهم على استثمار وقتهم في أنشطة مفيدة، أو على اكتشاف ميولهم الهندسية، وأن الكثير من أولياء الأمور يبدون رغبتهم في تنمية مواهب أبنائهم، خاصة ممن يُظهرون اهتمامًا بالحركة والتجريب والتركيب، وهي جوانب يجدونها حاضرة بوضوح في محتوى القرية الهندسية.

ويضيف "الحجي" أن جزءًا معتبرًا من الزوار يعودون للجناح عامًا بعد عام، خصوصًا من اقتنوا منتجات سابقة ولاحظوا أثرها في اهتمام أبنائهم بالمجال الهندسي أو بالتقنية، وهذا الارتباط المتنامي يعكس حاجة السوق العربية إلى محتوى تقني يقدم بطرق مبسطة وعملية للأطفال واليافعين.

ويشير كذلك إلى أن جميع المؤلفات والمنتجات التي يقدمها الجناح هي جهود عمانية خالصة، من الإعداد إلى التنفيذ، مع تاريخ يمتد إلى سنوات طويلة من العمل في المجال، حيث تعود بعض الإصدارات الأولى إلى عامي 2013 و2014. ويرى أن هذه الأصالة أسهمت في بناء ثقة واسعة لدى الجمهور العربي، إذ تلقى المنتجات اهتمامًا واضحًا من مدارس ومراكز علمية وأولياء أمور في مختلف الدول.

ويختتم الحجي بالإشارة إلى أن تغيّر طبيعة التعليم في بعض الدول يتجه في جزء كبير منه نحو اللغة الإنجليزية، وهو ما يدفعهم إلى التفكير في تطوير نسخ مترجمة أو محتوى موجه لجمهور أوسع، مؤكدًا أنهم سيسعون في المستقبل لحضور متعدد اللغات للوصول إلى شرائح جديدة من القرّاء والمهتمين.

حضور أوسع

من جانبه يقول عوض الشكيلي مدير دار بين السطور العمانية: إن زوار الأجنحة العمانية في المعارض الدولية تتوزع اهتماماتهم حسب الفئات العمرية؛ فالمراهقون والشباب ينجذبون غالبًا إلى الروايات الحديثة، ولا سيما أعمال الرعب والجريمة لما تحمله من تشويق وسرعة في الأحداث، أما الفئات الأكبر سنًا فميلهم واضح نحو الكتب التاريخية والدراسات المتعلقة بسلطنة عمان، سواء في التاريخ السياسي أو الاجتماعي أو التراثي.

ويشير إلى أن الأجنحة العمانية -رغم قلتها في بعض المعارض سابقًا- أصبحت اليوم تقدّم حضورًا أوسع، مما ساعد الجمهور على اكتشاف الإصدارات العمانية، خاصة الكتب التي تتناول مفاصل تاريخية حساسة.

ويؤكد الشكيلي أن جزءًا كبيرًا من قرار الشراء يعتمد على قدرة الجناح على شرح الكتاب للقارئ، خصوصًا في معرض الشارقة؛ حيث يحرص الجمهور على السؤال والاستفسار قبل اتخاذ قرار الشراء، لذلك يرى أن على دور النشر العمانية أن تقدّم عرضًا واضحًا للكتب، لأن كثيرًا من الزوار لا يعرفون الإصدارات العمانية إلا من خلال الشرح المباشر، باستثناء الكتب القديمة التي أصبحت معروفة لقرّائها التقليديين.

ويرى عوض الشكيلي أن حضور الكاتب العماني بدأ يتسع عربيًا، وأن روايات بعض الكتّاب أصبحت تحجز مكانًا في القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز العربية، مما يلفت الانتباه الإقليمي إلى الإصدارات العمانية ويزيد الطلب عليها داخل الأجنحة.

مقالات مشابهة

  • المتداول الذي أسقط بنك بارينغز
  • ما الذي يبحث عنه جمهور المعارض في المشاركات العمانية؟
  • قيس سعيد .. الملك الرئيس الذي لم ينتخب يومًا غير نفسه
  • خليفة تيم كوك المحتمل.. من هو جون تيرنوس المهندس الذي يقترب من عرش آبل؟
  • مصرع شخصين صدمهما قطار أثناء عبورهما شريط السكة الحديد بالقليوبية
  • بمباراة ودية.. الأولمبي العراقي يفوز على نظيره السعودي بهدف وحيد
  • بذور المشمش بين الفائدة والمخاطر.. ما الذي يقوله العلم؟
  • قرار جديدفي قضة الطفل ياسين بدمنهور..ما الذي حدث؟
  • الفرح تحول لميتم .. ما الذي حدث في قرية الشعارنة بمحافظة سوهاج ؟
  • تحديد طبيعة القصف الذي تعرضت له دمشق