توتر أمني جنوب ليبيا بعد سيطرة حفتر على معسكر للرئاسي.. هل تتجدد الحرب؟
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
يشهد الجنوب الليبي حالة من التوترات الأمنية منذ فترة وسط حالة تكتم وصمت من كل الطراف السعكرية والسياسية شرقا وغربا.
وكانت آخر هذه التوترات قيام القوات التابعة لقائد القيادة العامة، خليفة حفتر بالهجوم على معسكر يتبع رئاسة أركان المجلس الرئاسي الليبي والسيطرة عليه والاستيلاء على المعدات والذخائر هناك وطرد قادة المعسكر.
"سيطرة واتهامات وصمت"
وبعد مناوشات بين قوات حفتر وأخرى تابعة للرئاسي الليبي سيطرت الأولى على معسكر "تيندي" بمنطقة سبها العسكرية التابعة للمجلس الرئاسي في مدينة أوباري (جنوب غرب ليبيا) والذي يترأسه الفريق، علي كنة دون معرفة أسباب هذه الخطوة المفاجئة.
وجاءت الأحداث بعد اتهامات من قبل قادة في قوات حفتر للفريق كنة وقواته بأنهم يخططون لإحداث فوضى في المنطقة الجنوبية والهجوم على معسكرات تابعة لقوات حفتر، لذا اتخذ خطوة استباقية لمنع هذه الفوضى والسيطرة على المعسكر، وفق كلامهم.
في المقابل، التزم المجلس الرئاسي، الذي يعد رئيسه وفق اتفاق جنيف هو القائد الأعلى للجيش الليبي، الصمت ولم يعلق على الأحداث ولم يرد على اتصالات الصحفيين وكأن الأمر لايعنيه رغم أهمية المعسكر الذي سيطر عليه حفتر وأنه أقوى التمركزات في جنوب ليبيا.
وذكرت منصات إعلامية محلية أن الخطوة جاءت عبر اقتحام قوات تابعة لرئاسة أركان القوات البرية التي يترأسها، صدام نجل خليفة حفتر للمعسكر، ما يعتبر خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الأطراف العسكرية في ليبيا.
"حرب جديدة"
وبعد هذه الأحداث تسربت رسالة خطية من رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح موجهة إلى مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، بشأن تصاعد وتيرة التهديد والوعيد، التي يطلقها الخصوم السياسيون، وتخوفه من خرق اتفاق إطلاق النار، الذي رعته الأمم المتحدة عام 2020، ووقوع حرب جديدة في ليبيا.
وبعد ردود فعل غاضبة ومتسارعة تجاه هذه الرسالة، خرج المكتب الإعلامي التابع لعقيلة صالح لنفي الأمر ووصفه للرئاسة أنها "غير صحيحة"، لكن مصادر عسكرية أكدت لـ"عربي21" أن الرسالة حقيقية لكن عقيلة صالح تراجع عنها بعد ردود الفعل الغاضبة التي اتهمته بالاستقواء بالخارج.
"استقالة الزادمة"
ومن الأحداث الكبرى في جنوب ليبيا هي الاستقالة المفاجئة لقائد اللواء 128 بقوات حفتر اللواء، حسن الزادمة، يعد ورود أنباء عن خلافات بينه وبين صدام حفتر ورفضه للتدخل الروسي في البلاد.
وكشفت وكالة "نوفا" الإيطالية أن استقالة الزادمة، وهو شخصية عسكرية مؤثرة لعبت دورا أساسيا في تعزيز نفوذ حفتر في الجنوب، تعود إلى خلافات بينه وبين صدام حفتر، حول النفوذ والسياسة في المنطقة، بسبب اتصالات الزادمة الخارجية، ومطالبته بمزيد من الاستقلالية.
وأشارت الوكالة أن الزادمة، وهو شقيق نائب رئيس الحكومة التابعة للبرلمان الليبي، اشتكى عدة مرات مما أسماه "معاملة مهينة" تعرض لها أفراد من قواته على يد مرتزقة "الفاغنر" الروس المتواجدين في قاعدة القرضابية الجوية".
وتأتي هذه الأحداث وسط حالة ترقب من قبل قوات حفتر لتداعيات وارتدادات ما حدث في سوريا ووسط تقارير عن وصول قوات روسية ومعدات بالفعل إلى شرق ليبيا، وأن الجنرال الليبي "حفتر" يشعر بالتخوف من ملاقاته نفس مصير "بشار الأسد".
والسؤال: هل تتسبب أحداث الجنوب في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار؟ وهل تدخل البلاد في حرب جديدة؟
"تداعيات أحداث سوريا"
تعليقا على هذه التطورات وإمكانية انهيار الاتفاق بين القوات العسكرية شرقا وغربا، قال الكاتب الليبي والمستشار السياسي السابق لحفتر، محمد بويصير أن "الاجتياح الذي تم في سوريا مرشح للانتقال إلى ليبيا، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأميركية تأمين كتائب من جبهة النصرة من جنسيات مختلفة لخدمة غرضها فى طرد الروس من الشرق الأوسط وإفريقيا مثلما فعلت من قبل في أفغانستان، تحت تسمية استكمال الربيع العربي وكأن الأوزبكي والشيشاني والأوكراني جزء من الثوار العرب".
وقال في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إن "حفتر وبتوجيهات من موسكو يقوم الآن بترتيب الساحة العسكرية، خاصة وأن وصول كتائب من سوريا أمر لم يعد سرا"، وفق معلوماته.
وبخصوص استغاثة "عقيلة صالح"، والتي نفاها مكتبه، قال بويصير: "أعتقد أن عقيلة أرسل هذه الاستغاثة بالفعل، وهي ليست بعيدة عن زيارة الوفد المصرى برئاسة مدير المخابرات المصرية اللواء رشاد الذي عقد اجتماعات طويلة فى الشرق الليبي، كون مصر أيضا تشعر بالضيق من إمكانية وصول القاعدة إلى حدودها الغربية"، بحسب تقديراته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية حفتر معسكر ليبيا ليبيا معسكر حفتر الدبيبة المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عقیلة صالح قوات حفتر
إقرأ أيضاً:
برقة المركَّعة: كيف تحولت القضية إلى عصا في يد حفتر؟
برقة، تلك الأرض التي تقف بين تخوم المشرق والمغرب الكبير، حيث تتلاقى الكثبان الصفراء بالجبال الخضراء محتضنة التربة الحمراء. هناك، في تلك البقعة التي ولدت منها كل التحولات الكبرى في تاريخ ليبيا الحديث: حرب التحرير من المحتل، استقلال برقة، استقلال ليبيا، الاتحاد، الفاتح، فبراير، وأخيرا الكرامة.
كانت إمارة، ثم إقليم برقة، التي صارت أخيرا تسمى تقزيما "المنطقة الشرقية"، ظلت دائما القلب النابض في كل ما يجري على أرض الليبو. برقة، أو باركي، أو بارشي بمختلف مسمياتها التاريخية، مسقط رأسي، المكان الذي وُلدت فيه بالصدفة، لأجد نفسي على الهامش، ضحية بين آلاف مؤلفة من الضحايا الآخرين، ضحية الإهمال والتهميش والظلم والطغيان.
منذ الأشهر الأولى بعد الثورة، انخرطتُ في الحراك المطالب بحقوق برقة. كنت شابا متحمسا مندفعا (ولا زلت)، أؤمن بهذه القضية إيمانا مطلقا. كانت بالنسبة لي قضية أهلي وحيي ومدينتي ومنطقتي وكل شيء، وامتدادا لذاك الوازع الداخلي الذي يجبرني دوما على الانحياز للمظلومين، أيا كان موقعه الجغرافي أو هويته أو حتى دينه. كنت أرى في برقة فلسطين أخرى وصحراء غربية أخرى، بل وكيبك وإيرلندا شمالية أخرى. وجدت في هذا الحراك نفسي المراهقة العاشقة للتمرد، المناهضة للظلم، والمكافحة من أجل الحرية والمساواة والكرامة. ورغم صغر سني حينها، كنت فاعلا ومسموع الكلمة حتى بين من يكبر أبي سنا. كانت التجربة أكبر من عمري، لكنها كانت تشبهني.
كانت البداية عشوائية، وتوالت بعد ذلك محاولات عدة لانتزاع حقوق شعب برقة، فكما تعلمون الحقوق تُنتزع ولا تُمنح. شارك في تلك المحاولات طيف واسع من سكانها، ابتداء من أولى المحاولات المبكرة بعد ثورة فبراير مباشرة وتشكّل التكتل الفيدرالي بقيادة المرحوم خليل المسماري، إلى مجلس إقليم برقة برئاسة السيد أحمد الزبير السنوسي، ثم المجلس السياسي لإقليم برقة بزعامة إبراهيم جضران. كلها انتهت إلى الفشل، رغم اختلاف مساراتها وتوجهاتها بين السياسي والسلمي والحركات المسلحة. نعم، تخللتها أخطاء كثيرة: قبلية، وعنصرية، واختراقات من قبل تيارات أخرى، وتوظيف سياسي، وسوء إدارة، وجهل بالواقع، لكني ما زلت مقتنعا أن نواياها كانت صادقة، وأنها في جوهرها كانت نواة مشاريع تحررية حقيقية.
ولكن كما يقولون "لكل زمن رجاله"، وقد جاء زمن خليفة حفتر في 2014، فتبدل كل شيء. سيطرت عائلته تدريجيا على الإقليم بحجة محاربة الإرهاب والإرهابيين، وشيئا فشيئا تحولت برقة إلى مجرد ظاهرة فيسبوكية؛ لا مشروع، لا حراك منظم، لا صوت معارض. خلت الساحات التي كانت مكتظة بالمحتجين الغاضبين كل جمعة. صارت القضية ترسا في ماكينة مشروع عسكرة ليبيا، تراجعت الفكرة إلى مجرد منشورات على وسائل التواصل، امتلأت بالعصبية والشتائم وبخطاب الكراهية لكل مختلف، حتى لأولئك الذين سبقوا في نصرة القضية نفسها. تحول الحراك الشعبي النقي إلى مجموعة من المتوهمين يعيشون في عالم مواز، غير معترفين بالواقع المرير، ويقتاتون على أحلام يقظة تجاوزها الزمن.
القضية البرقاوية في أصلها قضية حقوقية، تنادي بالمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة والحق في تقرير المصير، لكنها بعد سيطرة حفتر أصبحت هذه المطالب ترفا. الحقوق الأساسية نفسها تآكلت، والحق في التعبير والحق في التفكير وحتى الحق في الحياة بات مهددا، ومساحة الحريات انكمشت شيئا فشيئا، والاعتقالات والخطف والقتل صارت جزءا من الواقع اليومي. برقة اليوم مناخ من الخوف والرعب، بلا مقاومة تذكر، بلا صوت معارض. لا تكاد تجد من يشق عصا الطاعة أو يفكر في النقد من داخل برقة، ومن يتجرأ على ذلك سيكون مصيره أن يبتلعه ظلام إحدى زنازين سجون حفتر في أفضل الأحوال، أو يرمى جثة هامدة أمام إحدى المستشفيات.
لهذا رتبت أولوياتي منذ سنوات عديدة، فلا معنى للمطالبة بتوزيع عادل للثروة حين يسلب الناس حقهم في الحياة، لا عدالة بلا حرية.
عندما تقول "برقة" اليوم، تشعر بالأسى والأسف، ولا يخطر في بالك إلا مشاهد الذل، تلك الفيديوهات التي يتوسل فيها الناس لصدام حفتر طلبا لسيارة أو منزل أو حفنة من المال. يخطر في بالك فيديو إبراهيم الدرسي وهو مكبل بالسلاسل ويستجدي صدّام لإطلاق سراحه، تخطر في بالك صورة حنان البرعصي وهي جثة هامدة ملقاة على قارعة الطريق، وتخطر في بالك سهام سرقيوة التي اختفت ولا أحد يعلم عنها شيئا حتى الآن، يخطر في بالك مئات المعتقلين والمختفين قسريا وحالات القتل والتعذيب والسجون السرية وحدث ولا حرج. لقد اختفت المعارضة والتمرد الذي عرفت به برقة، برقة اليوم مركعة بالكامل.
تحولت القضية من حلم جماعي إلى عصا في يد حفتر وأبنائه وحاشيته، يلوحون بها حين يريدون إخافة خصومهم في طرابلس، ويدوسون عليها حين يريدون إرضاء نزواتهم السلطوية. يستخدمونها ويوظفونها تارة، ويقمعون أهلها تارة أخرى. ليست العدالة قضيتهم، ولا الكرامة التي رفعوا شعارها همهم، ولا تقرير المصير الذي يتحدثون عنه هدفهم. غايتهم الوحيدة أن يتسلقوا على عظام البرقاويين نحو كرسي في طرابلس.