الرباط – شهد الاستثمار في المغرب مؤخرا دينامية ملحوظة تعكس جهود الدولة في تعزيز التنمية الاقتصادية وتحفيز القطاع الخاص على الانخراط في المشاريع الوطنية. وقد ارتفعت نسبة الاستثمار من أقل من 20% من الناتج الداخلي الخام في بداية الألفية إلى أكثر من 30% في بعض السنوات، وتُقدّر الاستثمارات لسنة 2024 بنحو 410 مليارات درهم (41 مليار دولار)، يشكّل الاستثمار العمومي الجزء الأكبر منها.

وتستهدف السياسات الوطنية الحديثة تقوية دور القطاع الخاص، مع التركيز على الابتكار والتكنولوجيا والطاقة النظيفة، بما ينسجم مع النموذج التنموي الجديد. كما يُسهم تطوير البنيات التحتية والمناطق الصناعية، مثل ميناء طنجة المتوسط والمنطقتين الحرتين في القنيطرة والنواصر، في تعزيز جاذبية بيئة الأعمال ورفع تنافسية المقاولات المغربية.

غير أن التحدي القائم هو التحول من دور الدولة كمستثمر أول إلى محفز للاستثمار، عبر تحسين مردودية الاستثمارات القائمة، ومعالجة الإشكالات البنيوية، وضمان استفادة جميع الجهات من هذه التحولات لمواجهة التحديات المقبلة.

أرقام دالة

وأظهرت دراسة حديثة صادرة عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن كل 1% من النمو الاقتصادي يتطلب استثمارا يعادل 7 إلى 9 وحدات، بينما لا يتجاوز مؤشر كفاءة الاستثمار 9.4، ما يعكس ضعف تحويل الموارد إلى فرص شغل وقيمة مضافة.

علي الغنبوري: تحوّل الدولة من مستثمر أول إلى محفّز استثماري يُعد خطوة مركزية في النموذج التنموي الجديد (الجزيرة)

كما لا تتجاوز حصة "الرساميل الجريئة" 0.03% من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بـ0.5% في الاقتصادات النامية، ما يحد من توسع المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتتركّز أكثر من 70% من الاستثمارات في 3 جهات فقط، مما يعمّق الفوارق المجالية ويقوّض العدالة الاقتصادية.

أما مساهمة القطاع الخاص في البحث العلمي فلا تتجاوز 0.2% من الناتج، مقارنة بمعدل عالمي يبلغ 1.5%، ما يُضعف العائد طويل الأمد على الاستثمار ويحد من بناء منظومات صناعية قائمة على الابتكار.

تحفيز الاستثمار

ورغم استمرار سيطرة الدولة على المشهد الاقتصادي، فإن الأثر الفعلي للاستثمار على النمو يبقى محدودا، ويؤكد الخبير الاقتصادي على الغنبوري أن التحول نحو دور محفز يتطلب تبسيط المساطر وتعزيز الشفافية، وتحقيق الأمن القانوني، ومحاربة الريع، ومواكبة المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

إعلان

ويضيف للجزيرة نت أن هذا التوجه يعزز الثقة بين المستثمرين والدولة، ويُخفّف العبء عن المالية العمومية، ويشجّع خلق مناصب شغل وتوسيع الطبقة الوسطى، وتحفيز الابتكار والمنافسة، وهذا يضع المغرب في موقع أقوى عالميا.

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي يوسف كراوي الفلالي أن دعم النسيج المقاولاتي المحلي، خاصة المقاولات الصغيرة، يُعدّ أولوية نظرا لدورها في التشغيل والابتكار والنمو الداخلي.

تفاوت مجالي

تتركز الاستثمارات في 3 جهات فقط: الدار البيضاء/سطات، وطنجة/تطوان/ الحسيمة، والرباط/سلا/القنيطرة، ما يشكل تحديا للعدالة المجالية. ويؤكد كراوي الفيلالي أن تحقيق التوازن يتطلب مراعاة خصوصيات كل جهة من حيث الموارد والبنية الثقافية والاقتصادية.

ويشير الباحث بدر الزاهر الأزرق إلى أن القطاع الخاص يميل إلى المناطق ذات البنيات والأسواق، وهذا يُبقي الجهات الأخرى خارج الدورة الاستثمارية. ويقترح سياسة تمييز إيجابي، وتحفيزات منسّقة لجذب المستثمرين الوطنيين والأجانب إلى هذه المناطق.

بدر الزاهر الأزرق: المشاريع الخاصة تفضّل المناطق ذات البنية التحتية والأسواق (الجزيرة)إشكالات بنيوية

رغم الإصلاحات، ما تزال الإكراهات البنيوية تُضعف فعالية الاستثمار، فحوالي 65% من المقاولات تعتبر المساطر الإدارية عائقا رئيسيا، ولا تتجاوز نسبة ولوج الصغيرة جدا إلى القروض الاستثمارية 12%.

ويشير الباحث مروان الضاوي إلى مشاكل إضافية تشمل تعدد المتدخلين، غموض النصوص، ضعف التنسيق الإداري، والبطء القضائي، إلى جانب صعوبة الولوج إلى العقار الاقتصادي.

ويؤكد الأكاديمي الأزرق أن الدولة ينبغي أن تتكفّل بالبنيات الكبرى، بينما يستغلها القطاع الخاص وفق عقود امتياز، بما ينسجم مع الرؤية الاستثمارية لأفق 2030، التي تخصص ثلث الاستثمارات للقطاع العام وثلثيها للقطاع الخاص.

مروان الضاوي: تعدد المتدخلين وغموض النصوص وضعف التنسيق الإداري يعيق فعالية الاستثمار (الجزيرة)تحولات ممكنة

ولمواجهة هذه التحديات، أُطلق ميثاق الاستثمار الجديد في 2023، ويهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم (55 مليار دولار) بحلول 2026، 350 مليار درهم (35 مليار دولار) منها من القطاع الخاص، و200 مليار (20 مليار دولار) كاستثمار عمومي.

ويرتكز الميثاق على دعم المشاريع ذات القيمة المضافة العالية، وتقديم حوافز تصل إلى 30%، بالإضافة إلى آلية "بنك المشاريع" بـ300 مشروع جاهز، ولجنة وطنية لتسريع المعالجة، ومنصات رقمية موحدة.

ويشير الضاوي إلى أن المغرب يراهن على جذب استثمارات في قطاعات السيارات والطيران والطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، مع خلق 500 ألف وظيفة وتقليص العجز التجاري.

ويؤكد أن نجاح هذه الرؤية رهين بإصلاح مؤسساتي عميق وتعزيز الثقة في مناخ الأعمال. كما يشدد الغنبوري على ضرورة ربط الاستثمار بالبحث العلمي لتعزيز القيمة المضافة، خاصة في الطاقات المتجددة والفلاحة الذكية، مع تشجيع الشراكة بين الجامعات والمقاولات.

ويضيف أن البعد البيئي بات شرطا أساسيا للتنمية المستدامة، ما يعزز جاذبية المغرب لدى المستثمرين الأوروبيين، الذين يتجهون نحو سياسة الحياد الكربوني، ويجعل الانتقال الطاقي ضرورة إستراتيجية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات القطاع الخاص ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

قمة AIM للاستثمار تنطلق 13 أبريل المقبل في دبي

دبي (الاتحاد)
أعلنت اللجنة المنظمة لقمة AIM للاستثمار، عن انطلاق فعاليات دورتها الخامسة عشرة تحت شعار «نحو ازدهار عالمي جديد.. إعادة بناء مستقبل الاستثمار لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة»، وذلك خلال الفترة من 13 إلى 15 أبريل 2026، في مركز دبي التجاري العالمي وذلك بمشاركة أكثر من 25 ألف متخصّص في مجالات الاستثمار والتنمية من 180 دولة.

وتناقش قمة AIM للاستثمار، التي تُعد من أبرز الفعاليات العالمية المعنية بتوجيه مسارات الاستثمار المستدام، سُبل التكيّف مع التحولات الاقتصادية الكبرى، واستكشاف آفاق جديدة لتعزيز الشراكات الدولية، وتمكين الحلول الابتكارية لمواجهة تحديات الاقتصاد العالمي. وتُسلّط القمة الضوء على أهمية دمج الابتكار والاستدامة والشمول في بناء اقتصادات أكثر مرونة وقدرة على التكيف والنمو.
وقال معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التجارة الخارجية، رئيس قمة AIM: «في ظل التحولات العالمية الكبرى، الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، بات من الضروري أن تضع الدول استراتيجيات طويلة الأجل تقوم على المرونة والاستدامة والتنوع الاقتصادي».
وأضاف معاليه: «تسعى دولة الإمارات إلى بناء اقتصاد لا يكتفي بالتكيف مع التغيرات، بل يتنبأ بها، من خلال تطوير قدراتها في قطاعات اقتصاد المستقبل، وتعزيز شراكاتها مع مراكز النمو الواعدة حول العالم».
وأشار معاليه إلى الإنجازات البارزة التي حققتها دولة الإمارات في عام 2024، ومنها -على سبيل المثال- النمو القياسي للصادرات وارتفاع تصنيف الدولة في المؤشرات العالمية كمركز موثوق للتجارة والاستثمار، معتبراً أن هذه النتائج الإيجابية تؤكد صحة هذا النهج.
وأكد معالي ثاني الزيودي أن نسخة عام 2026 من قمة AIM تستهدف تعزيز التعاون وتبادل المعرفة بين الحكومات والمستثمرين والمبتكرين لدعم هذه الرؤية، مشيراً إلى أن قمة هذا العام تركّز على ثلاثة محاور رئيسية هي: الأسواق العالمية، والاقتصادات المستقبلية، والجيل القادم، وهي ركائز أساسية لبناء اقتصاد قوي ومتوازن للمستقبل، ويعد هذا الحدث السنوي المهم منصة تجمع صناع القرار العالميين وقادة الأعمال والمبتكرين للعمل معاً على صياغة حلول عملية تدعم اقتصادات المستقبل وتعزز جاهزيتنا الجماعية لمواجهة التحديات العالمية.

أخبار ذات صلة خالد بن محمد بن زايد يتفقد متحف زايد الوطني في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات حصيلة جديدة لضحايا انهيار مدرسة في إندونيسيا

من جانبه قال معالي سلطان بن سعيد المنصوري، رئيس مجلس إدارة غرف دبي: «تشكّل المرحلة الراهنة نقطة تحوّل مفصلية في مشهد الاستثمار العالمي، ما يفرض على المجتمعات الاقتصادية التفكير بأساليب جديدة لتطوير بيئات أعمال ديناميكية تدعم الابتكار، وتُراعي متطلبات الاستدامة الشاملة، بالتزامن مع تعزيز الحوار الدولي، وتكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص لإعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي، وخلق منظومات استثمارية تستجيب لمتغيرات المستقبل». 
وأضاف معاليه: «تسهم قمة AIM للاستثمار 2026 في تمكين الشراكات العابرة للحدود وترسيخ ثقافة الاستثمار المستدام، ودعم جاهزية الدول للنمو، ونتطلع من خلال شراكتنا مع هذا الحدث العالمي إلى تحفيز الحوار البنّاء توسيع آفاق التعاون الاقتصادي مع مختلف الأسواق العالمية، بما يدعم الأهداف التنموية لدولة الإمارات». 
وبدوره قال داوود الشيزاوي رئيس مؤسسة AIM العالمية: «لقد شهدت النسخة الماضية من القمة إقبالاً غير مسبوق، حيث حضرها أكثر من 15,800 شخصية متميزة من 181 دولة، ما يعكس الثقة الدولية المتزايدة في القمة كمنصة موثوقة لتوجيه الاستثمارات العالمية. نواصل في AIM 2026 توسيع نطاق التأثير عبر التعاون مع أبرز الهيئات والمنظمات الدولية، وتقديم محتوى نوعي يواكب التحديات الاقتصادية، ويعزز جاهزية الاقتصادات للاستثمار في المستقبل».
حققت دولة الإمارات قفزة نوعية على مؤشر ثقة الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024 الصادر عن شركة «كيرني»، حيث ارتفعت من المركز الـ18 في عام 2023 إلى المركز الثامن عالمياً، لتعزّز مكانتها واحدة من أفضل المراكز الاستثمارية في العالم. كما تحتل الإمارات حالياً المرتبة الثانية على مؤشر الأسواق الناشئة بعد الصين، وذلك في إنجاز يُجسّد استراتيجيتها الاقتصادية المتنوعة.
 
تضم قمة AIM للاستثمار ثلاثة محاور رئيسة، وهي محور الأسواق العالمية، ويناقش تعزيز التدفقات الرأسمالية، وتوسيع آفاق التجارة والاستثمار الصناعي. ومحور اقتصادات المستقبل ويبحث تحليل تقاطع المدن الذكية، والتمويل المستدام، والتكنولوجيا المتقدمة. ومحور الجيل القادم الذي يحتضن الشركات الناشئة، ويدعم الابتكار التحويلي وتسريع تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية.
 
وتغطي هذه المحاور عدة قطاعات حيوية من بينها الزراعة الذكية، الطاقة، البنية التحتية، التمويل وأسواق المال، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الصناعة، التجارة الدولية، الخدمات اللوجستية والنقل، تكنولوجيا المياه، السياحة، والتعليم.
 
وتنظم قمة (AIM) للاستثمار 2026 باقة من الفعاليات المتخصصة تشمل مؤتمرات ومنتديات إقليمية وعالمية رفيعة المستوى، وجلسات طاولة مستديرة، تنعقد بالتعاون مع شركاء استراتيجيين من أبرز الهيئات الدولية. إلى جانب معرض ومسابقات جوائز AIM للاستثمار وعروض الدول للاستثمار.

مقالات مشابهة

  • نائب بالشيوخ: تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ضرورة لتحفيز النمو الاقتصادي
  • النواب دعم الحكومة للقطاع الخاص مفتاح التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات
  • التخطيط: الاقتصاد يسير نحو مزيد من التحسن خلال 2026 استنادًا إلى المؤشرات والتطورات الحالية
  • رئيس جامعة سوهاج: 11 مليار جنيه مخصصات وجهتها الدولة لدعم الإنشاءات الجديدة بالجامعة
  • برلماني: تعزيز دور القطاع الخاص خطوة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة ودفع عجلة الاقتصاد
  • دعوة عاجلة من النقل للقطاع الخاص بشأن الاستثمار في النقل النهري
  • رئيس الوزراء يتابع مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.. نواب: خطوة لتعزيز الاقتصاد.. وتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز مشاركة القطاع الخاص أهم المكاسب
  • خبير اقتصادي: القطاع الخاص هو الأجدر على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية
  • قمة AIM للاستثمار تنطلق 13 أبريل المقبل في دبي
  • جهاز الاستثمار والقطاع الخاص