جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-19@16:54:20 GMT

أنا صريح

تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT

أنا صريح

د. أحمد بن موسى البلوشي

كثيرًا ما نسمع بعض الأشخاص يقولون في مواقف متعددة، أو أن لديهم شعار في الحياة وهو "أنا صريح"، في محاولة لتبرير، حديثهم، أو أسلوبهم المباشر، أو كلماتهم القاسية، ورغم أنَّ الصراحة قيمة إنسانية نبيلة، فإن استخدامها المفرط أو في غير موضعه قد يتحول إلى سلاح مؤذٍ يُفقد العلاقات دفئها واحترامها.

فهل الصراحة دائمًا فضيلة؟

الصراحة تعني الوضوح، والشفافية في القول والابتعاد قدر الإمكان عن النفاق أو التلاعب بالكلمات والعبارات، وهي من الصفات الجميلة والحميدة التي تُكسب الإنسان ثقة الآخرين واحترامهم، فالشخص الصريح يقول الحقيقة كما هي دون تزوير أو مجاملة، ويسعى إلى إيصال فكرته بوضوح وصدق، وفي المجتمعات التي تُقدّر النزاهة والشفافية، تُعدّ الصراحة من القيم الأساسية، والنبيلة في التعامل الإنساني، لأنها تُبنى على الصدق وتحمي من سوء الفهم وسوء الظن.

بعض الأشخاص يستخدم عبارة "أنا صريح" لأسباب متعددة، فبعضهم يستخدمها كذريعة لتبرير موقف مُعين، أو قسوة كلامه بعد أن يوجّه كلمات جارحة أو مهينة للطرف الآخر، وكأنَّ الصراحة تبرر التجريح، بينما يلجأ آخرون إليها لإثبات الذات، معتقدين أنَّ الجرأة في القول دليل على قوة الشخصية. وهناك من يستعملها للتهرب من المسؤولية، فيُخفي وراءها رغبته في قول ما يشاء دون أن يتحمل تبعات كلماته، في حين ينشأ لدى البعض سوء فهم لمعنى الصراحة نفسها، إذ يخلطون بينها وبين التصرف غير اللبق أو النقد السلبي الذي يفتقر إلى الذوق.

تكون الصراحة مقبولة ومحبوبة عندما تُقال بأسلوب راقٍ ولطيف، فالكلمة الجميلة والطيبة قادرة على إيصال الحقيقة دون أن تُحدث جرحًا أو أذى، وتصبح أكثر جمالًا إذا أتت في الوقت المناسب، إذ إن لكل موقف طريقته الخاصة في التعبير، وليس كل وقت صالحًا لقول كل شيء. وتزداد الصراحة قيمةً عندما يكون هدفها الحقيقي هو الإصلاح، وليس الإهانة، فالشخص الصريح يسعى إلى الخير والبناء لا إلى إثبات التفوق على الآخرين، ومن الجميل أن تُقدَّم الصراحة بأسلوبٍ واعي وبنّاء، تُصاغ فيه النصيحة بكلمات وعبارات إيجابية تُعين الطرف الآخر على تقبّلها بروحٍ منفتحة.

الشعرة الفاصلة بين الصراحة والتصرف غير اللبق رفيعة ودقيقة جدًا، إذ تتحول الصراحة أحيانًا إلى تصرف غير لبق عندما تُستَخدم وسيلةً لإحراج الآخرين أو التقليل من شأنهم، أو عندما تُقال بأسلوب أو لهجةٍ متعالية أو ساخرة. كما تفقد الصراحة معناها النبيل عندما تُعبّر عن رأيٍ شخصي جارح لا ضرورة له، أو حين تُقال بلا احترامٍ لمشاعر الآخرين، وفي مثل هذه الحالات، لا تكون الصراحة شجاعة ولا صدقًا، بل تصبح نوعًا من العدوان اللفظي المموَّه بادعاء الشفافية.

إنَّ استخدام الصراحة بأسلوبٍ فظّ أو جارح قد يترك آثارًا سلبية على العلاقات الإنسانية، إذ يؤدي إلى توتر أو ضعف العلاقات سواء كانت الشخصية أو العائلية، ويُخلخل الثقة والاحترام المتبادل بين الأطراف. كما يجعل الآخرين يشعرون بالاستصغار أو الإهانة في الكثير من المواقف، فينفر النَّاس من الشخص الذي يصف نفسه بـأنَّه صريح، ويتجنبونه في الكثير من المواقف والمعاملات، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الصراحة الحكيمة التي تُمارَس بلطفٍ ولباقة تُسهم في بناء جسورٍ من المودة والاحترام، وتُعزّز روح التفاهم والتقدير المتبادل بين الأفراد.

في الثقافة العربية والإسلامية تُعدّ الصراحة والصدق من القيم الأصيلة والثمينة التي يعتز بها الإنسان، غير أنَّ هذه الصراحة ينبغي أن تكون مهذبة ومراعية للمشاعر، بعيدة عن التجريح أو الإهانة. فهذه الثقافة تضع ميزانًا دقيقًا بين الصراحة الواجبة والكلمة الجارحة، إذ ليس كل حقيقة تستحق أن تُقال، ولا كل رأي ينبغي أن يُعبَّر عنه دون ضوابط. فالكلمة إذا خرجت بغير حكمةٍ قد تفسد أكثر مما تصلح، أما الصراحة التي تُقال بروحٍ طيبة ونيّة صادقة فإنِّها تُعزّز الثقة وتُقرّب القلوب.

القول "أنا صريح" لا يجعل من صاحبه بالضرورة شخصًا صادقًا أو شجاعًا، فالقيمة لا تكمن في القول، بل في النية والأسلوب، والصراحة الحقيقية هي التي تُعبّر عن الحقيقة بلُطف، وتنطلق من نية الإصلاح لا الإيذاء.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: عندما ت التی ت

إقرأ أيضاً:

تعرف على أسباب العصبية عند الأطفال

صراحة نيوز- قد نشعر بالعصبية في أي وقت من الأوقات، نتيجة لما نتعرض له من مواقف مختلفة، والأمر لا يختلف بالنسبة للأطفال، ولكن عندما  يعاني طفلك من حالات العصبية عند الاطفال بصورة متكررة وغير مبررة، تبدأ حينها بالقلق وطرح الأسئلة، ولأننا نحرص دائماً على توفير المعلومات التي تحتاجونها، فمقال اليوم سيكون عن العصبية عن الاطفال وكيفية التعامل معها، فتابعنا عزيزي القاريء لتعرف أكثر.

العصبية عند الاطفال يُعتبر شعور الأطفال بالعصبية أمراً طبيعياً بل ومفيداً في بعض الأحيان، حيث يساعدهم في معرفة متى يكونون على صواب في اتخاذ هذا الموقف ومتى يكونون على خطأ، ولكن يمكن أن تصبح مشكلة حقيقة عندما يصبح سلوك الطفل الغاضب خارج عن السيطرة أو عندما يتحول إلى سلوك عنيف يصعب السيطرة عليه. هناك عدد من الأسباب التي قد تتسبب في ظهور أعراض العصبية عند الأطفال بصورة مبالغ بها، وتتمثل هذه الأسباب في:

رؤية أفراد الأسرة يتجادلون مع بعضهم البعض، بل وقد تظهر عليهم علامات العصبية الشديدة.

مشاكل في قدرة الطفل على تكوين علاقات الصداقة. تعرض الطفل للتنمر.

وجود مشاكل يعاني منها الطفل في المدرسة. شعور الطفل بالتوتر الشديد أو القلق أو الخوف من شيء ما.

التعامل مع التغيرات الهرمونية خلال فترة البلوغ. وقد لا يكون واضحًا لك أو لطفلك سبب شعوره بالعصبية.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن المهم مساعدة طفلك على معرفة ما قد يسبب في شعوره بحالة العصبية عند الأطفال ومساعدته على التعامل معها أيضاً.

مقالات مشابهة

  • الدوري الإيطالي يشتعل.. إنتر يفوز بصعوبة على روما
  • صريح جدا: هل تحضر المرأة فطور الصباح لزوجها
  • الإنتر يضرب روما في 6 دقائق!
  • نتنياهو: الحرب ستنتهي عندما يتم تجريد حماس من سلاحها
  • تعرف على أسباب العصبية عند الأطفال
  • كيف سيتذكّر الأمريكيون حرب غزة؟
  • خطورة تتبع عورات الآخرين وتداولها بين الناس
  • عندما كانت مرآة الحياة «أمي»!
  • العقلية المتسترة.. عندما تؤذي العدالة