في حرير الكلمات.. رؤيةٌ إيرانيةٌ حول الأدب العُماني
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
طهران ـ "العُمانية": خصصت صحيفة "إيران" الرسمية صفحة كاملة حول تجليات الأدب العُماني والروايات العُمانية المترجمة إلى اللغة الفارسية؛ وذلك بمناسبة انتشار الترجمة الفارسية لرواية "حرير الغزالة" للروائية العُمانية جوخة الحارثية في إيران.
وقالت الكاتبة والمترجمة الإيرانية معاني شعباني في مقال مفصل لها تحت عنوان "في حرير الكلمات": "أتشرف بأن أكون قد حظيتُ بتجربة ثمينة في ترجمة عدد من الأعمال البارزة والمهمة من الأدب العُماني المعاصر، وقد منحتني هذه التجربة الثمينة فرصة استثنائية للتعرّف عن قرب إلى العالم الغني للأدب العُماني المعاصر، بلغته المحلية المميّزة، وبما يحمله من تفاصيل دقيقة عن حياة النساء العُمانيات، حيث تعمّقتُ في فهمها وتأملها بعمقٍ وتحليلٍ دقيق".
وأضافت: "خلال فترة عملي على هذه الأعمال، كنتُ أشعر دائمًا أن الكلمات والتعابير العُمانية تهبّ عليّ كنسيم لطيف ومنعش قادم من وراء المياه الزرقاء لخليج عُمان؛ نسيمٌ يحمل معه عبق البحر، وأسرار التاريخ، ونفحات حضور نساء بسيطات في ظاهرهنّ، لكنّهنّ ثابتات قويات الإرادة".
وتابعت: "لقد جعلتني هذه التجربة الفريدة أنظر إلى الترجمة نظرة مختلفة؛ لا باعتبارها مجرد نقل جافّ وآلي لمعاني الكلمات، بل كنافذة روحية منعشة تطلّ على عالم مفعم بالأسرار والجمال والاكتشافات الجديدة"، مؤكدة على أن إحدى السمات البارزة والمثيرة للتأمل في الأدب العُماني هي المزج الذكي بين بساطة التعبير وعمق المضمون، إلى جانب استخدام المفردات المحلية والأسماء الأصيلة ذات الجذور في البيئة العُمانية.
وأشارت إلى أن الكتّاب العُمانيون يبدعون عالمًا خياليًّا مفعمًا بالصمت المعبّر، والطبيعة البكر غير الملوّثة، وباتساع البحر اللامتناهي، وبالذكريات الجمعية العريقة؛ عالمٌ يقود القارئ إلى أصفى وأعمق التجارب الإنسانية في بساطتها وجوهرها، حيث إن اللغة في هذه الأعمال القيّمة ليست مجرد أداة لسرد الحكاية، بل هي وسيلة رقيقة وفاعلة تعكس العالم النفسي والروحي للمجتمع.
وفي حديثها عن مكانة الأدب العُماني في العالم العربي وإيران، تقول الكاتبة والمترجمة الإيرانية معاني شعباني: إن صوت الكتّاب العُمانيين بات مسموعًا بوضوح في أرجاء العالم العربي، فقد أضفى كتّاب مثل هدى حمد، وجوخة الحارثية، وزهران القاسمي على الأدب العربي هوية جديدة متعددة الأبعاد؛ هوية تتسم بالتفكر والإنسانية والعمق التأملي.
وتضيف أنه بالنسبة للقراء الناطقين بالفارسية، فإن التعرّف إلى هذه الأعمال يشكّل فرصة ذهبية لاكتشاف "الآخر القريب منّا" ذلك الذي نشارك معه الهمّ الإنساني رغم اختلاف اللغة والثقافة.
وختمت مقالها بالقول إن ترجمة "حرير الغزالة" لم تكن بالنسبة لها مجرّد عمل أدبي، بل كانت رحلة ثقافية مليئة بالمغامرة؛ رحلةٌ من لغة إلى أخرى، ومن نساء إلى نساء أخريات، ولقد أظهرت جوخة الحارثية من خلال أعمالها المتميزة كيف يمكن للأدب أن يتجاوز الحدود الجغرافية بسهولة، ليُعرّفنا إلى التجارب الإنسانية لثقافات أخرى وهي بأسلوبها البسيط وفكرها العميق تُذكّرنا بأن الحرية والحب والذاكرة قيم إنسانية عالمية.
من جهته أكد الصحفي الإيراني طه حسين فراهاني في مقال له تحت عنوان " الهوية، الحب، وأشياء أخرى" على أن رواية "حرير الغزالة" نالت تقديرًا واسعًا في إيران لما تتسم به من عمق أدبي وقدرة على تصوير تجارب المرأة، وأن هذه الرواية شأنها شأن سائر أعمال جوخة الحارثية، حيث تُعدّ مرآةً تعكس ملامح الحياة في سلطنة عُمان، من شوارع مسقط إلى البيوت الريفية التقليدية.
ويضيف فراهاني أنه من أبرز نقاط قوة الرواية قدرة المؤلفة على ابتكار شخصيات محلية الملامح، لكنها تحمل طابعًا إنسانيًّا عالميًّا، فعلى سبيل المثال، نضال غزالة من أجل التوفيق بين أدوارها كأمّ وزوجة وطالبة، هو تجربة يمكن لكثير من النساء حول العالم أن يجدن أنفسهن فيها.
وصرّح فراهاني أن جوخة الحارثية قدّمت من خلال أعمالها ولا سيّما روايتها "حرير الغزالة" الأدب العُماني إلى العالم، وعرّفت القرّاء على صوته المتفرّد ومجاله الإنساني العميق.
ووضح أنه في عالم أصبحت فيه الهجرة والتنقّل جزءًا من التجربة الإنسانية المعاصرة، تُحدث قصص النساء اللواتي يبحثن عن الهوية والوطن صدى خاصًا في النفوس، وتُجسّد الحارثية بمهارة ورهافة فنية هذه التجارب، وتدعو القارئ إلى التأمل في معنى "البيت" والانتماء.
واختتم مقاله قائلاً: "في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى تعدّد الأصوات وتنوّعها، تمثّل رواية "حرير الغزالة" ومعظم الروايات العُمانية مثالاً لامعًا على قدرة الأدب في بناء الجسور بين الثقافات، وإظهار إنسانيتنا المشتركة رغم اختلاف الأمكنة واللغات.
جديرٌ بالذكر، أن سوق الكتب في إيران يشهد إقبالاً متزايدًا نحو قراءة واقتناء الروايات والنتاجات الأدبية العُمانية المترجمة إلى الفارسية، حيث أزاح دار "ققنوس" للطباعة والترجمة والنشر في الآونة الأخيرة الستار عن الترجمة الفارسية لرواية "حرير الغزالة" للكاتبة والروائية العُمانية جوخة الحارثية.
وتحمل الترجمة الفارسية للرواية العنوان ذاته باللغة العربية، وقامت بترجمتها من نسختها العربية إلى اللغة الفارسية الكاتبة والمترجمة الإيرانية "معاني شعباني" في 196 صفحة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأدب الع مانی الع مانیة عالم ا
إقرأ أيضاً:
المجتمع العُماني في زمن التباهي.. أين العقل من الزحام؟
سُلطان بن خلفان اليحيائي
إهداء وطني
إلى من تمسكوا بجوهرِ العُماني الأصيل، فلم تغوِهم المظاهرُ البراقة، ولم تُبدلهم موضاتُ الزمان، وبقوا كما أراد الله لهم: أوفياء للأرض، صادقين مع الضمير، نزهاء في اليد والفكر والسلوك.
بين نعمةٍ ونقمة
لم تعد المسافات تُقاس بالكيلومترات، بل بثوانٍ تُرسل فيها صورة أو تغريدة.
ولم تعد المعرفة حكرًا على المتعلمين، بل أُلقيت في الأيدي كما يُلقى الماء، حتى غدا الهاتف قطعةً من الذراع لا تُفارق الكف.
طفرةٌ تكنولوجيةٌ هائلة قلبت معايير الوعي، وفتحت أبوابًا من النور، لكنها جرت خلفها ظلالًا طويلة من الغفلة والانبهار.
فما بين شاشةٍ تُعلم وأخرى تُضلل، وقف الإنسانُ محتارًا.
لقد نقلت التقنية وعيًا متسارعًا ومهاراتٍ لم تكن ممكنة قبل عقدٍ واحد، وقربت المسافات بين المدن والولايات، وأتاحت فرصًا للتعلم والعمل والتواصل.
لكنها في المقابل فتحت نوافذ لا تنام، تُطل على عالمٍ يعج بالتفاخر والمقارنات والسباق المحموم نحو المظاهر.
تغيرت النفوس، واشتد التوتر، وضاقت الصدور، لأن كل أحدٍ صار يقيس نفسه بما يرى، لا بما يملك من جوهرٍ وقيمة.
نرى اليوم من يُقيم عرسًا يُرهق به نفسه بالديون ليُظهر الثراء، ومن يُبدل مركبته كل عام طلبًا للمكانة، ومن يُنفق وقته على تصوير مائدة الطعام أكثر من الجهد الذي بذله في كسبها.
كلها صورٌ تُخبرنا أن المظاهر تمددت حتى غطت على القيم.
الركض قبل الحبو
صرنا نريد كل شيء دفعةً واحدة؛ نطالب بنتائج بلا مقدمات، وبمجدٍ بلا تعب، وبشهرةٍ بلا عطاء.
تسللت المقارنات إلى بيوتنا، فصار الشاب يُقارن نفسه بمن يراه على الشاشة، وتقارن الفتاة حياتها بما تبثه المؤثرات في منصاتٍ لا تعرف إلا البريق.
نركض قبل أن نحبو، ونخطط قبل أن نتعلم كيف نفكر، ونقيس أحلامنا بأوهامٍ رقمية تُزين لنا العجز في صورة النجاح.
المظاهر وزعزعة القيم
المبالغةُ صارت سِمة العصر؛ في الملبس، والمناسبات، واقتناء ما لا نحتاج، وفي التجميل، والمساكن، وحتى في الكلام باستخدام مصطلحاتٍ أجنبيةٍ بلا داعٍ.
أصبح البعض يُنفق ما لا يملك، فقط ليُقال عنه إنه "يملك"، ويقحم نفسه في دوامة القروض والمنافسات الفارغة.
والأخطر أن التباهي تسلل إلى القيم ذاتها؛ فاختلطت النزاهة بالمنفعة، وتقدم المظهر على الجوهر، وارتفعت الرشوة في السلوك اليومي قبل أن ترتفع في المعاملات، وتراجع الصدق أمام الكذب، والنزاهة أمام الفساد، حتى غدت "المصلحة" شعار المرحلة، لا "الأمانة".
الإنسان بين لقمة العيش وصخب المظاهر
يعيش الإنسانُ العُماني اليوم بين ضغطِ المعيشة وصخبِ المظاهر؛ فهو يُكافح بكرامةٍ ليصون أسرته وسط موجات الغلاء، بينما يرى حوله من يُنفق ويتباهى بما لا يملك، كأنهم في عالمٍ آخر لا تمسه أوجاع الناس.
إن هذا التفاوت يولد شعورًا بالمرارة، حين يغدو التفاخر مقياسًا للنجاح، ويُقدم البريق الخادع على حساب الجد والاجتهاد.
تداعياتٌ تمس النسيج الوطني
كل انحرافٍ في القيم يترك أثرًا على الوطن، لأن المجتمع إذا فقد وجهته الأخلاقية فلن تُعيده القوانين وحدها.
لقد بدأنا نرى ظواهر دخيلة: محاباة، ومجاملاتٍ في غير موضعها، وتعطيلًا للكفاءات الصادقة، وتسلقًا للمناصب على أكتاف العلاقات، وجرأةً على الحق لم تكن مألوفة في بيئتنا العُمانية الأصيلة التي تربينا فيها على البساطة والرقي في المواقف.
من باب العدالة لا التعميم
ومن الإنصاف أن ندرك أنَّ هذه المظاهر والتجاوزات لا تمثل كل أبناء الوطن، فالمجتمع العُماني ما زال يحتفظ بكنوزه من القيم والحياء والأصالة.
لا يزال بيننا من يعيش ببساطةٍ وكرامة، لا يُباهي ولا يُفاخر، بل يعمل بهدوءٍ وإيجابية، ويخدم وطنه بضميرٍ نقي.
ولذلك فإنَّ العدالة الاجتماعية تقتضي ألا نُحمل المواطن البسيط أوجاع الحياة فوق طاقته، وأن نحميه من الضيم والإجحاف في حقوقه، فهو في النهاية عصبُ الوطن وقلبُه النابض.
بين الزحام والبصيرة
لسنا ضد التطور، ولا ضد الطموح، ولكن التقدم الحقيقي لا يكون بالمظاهر، بل بالعقل والوعي والانضباط.
لقد انشغلنا بالزحام الرقمي حتى أضعنا صوت العقل، وتماهينا مع الصور حتى نسينا جوهر الإنسان.
والواجب اليوم أن نعيد ترتيب سُلم القيم في عقولنا، وأن نُدرب أبناءنا على الصبر لا على الشهرة، وعلى الإتقان لا على المظاهر، وعلى الفعل لا على القول.
ومضة وعيٍ أخيرة
الوطن لا يحتاج إلى مزيدٍ من "المتأثرين" بالسلوكيات الخاطئة، بل إلى مزيدٍ من "المؤثرين" بتطبيق المبادئ الإسلامية والتخلق بالأخلاق الفاضلة.
نحتاج أن نحدد وجهتنا الصحيحة نحو أهدافنا الحقيقية لا الخيالية، وأن نعلم أبناءنا أن القيمة في ما تُقدمه لا في ما تُظهره.
ولنمضِ نحو مُستقبلٍ مشرق، ولنجد الوقت للإنصات والتفكر، وألا ندع زحمة المظاهر تبتلع صوت العقل وحكمته.