زخم التقاضي المناخي عالميا يوقظ آمال تحقيق العدالة المناخية
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
يشير تقرير التقاضي المناخي العالمي 2025 إلى تنامي مطرد للقضايا المتعلقة بالمناخ والبيئة، خصوصا بعد القرار التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، وهو ما يمهد الطريق أمام إمكانية تحقيق العدالة المناخية الغائبة، حسب المتابعين.
ويحلل التقرير، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومركز سابين لقانون تغير المناخ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا الأميركية، القضايا والقرارات والاتجاهات المعلقة في الفترة ما بين 2023 و2025، استنادا إلى قاعدة بيانات التقاضي المناخي التي يحتفظ بها مركز سابين.
ويشير التقرير إلى توسع مجال التقاضي المناخي بشكل كبير، والذي يُعرَف بالحالات التي تثار فيها قضايا جوهرية في القانون البيئي أو الحقيقة المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ أو التكيف معه أمام القضاء، مقارنة بالحالات الأولى التي كانت على استحياء في ثمانينيات القرن الماضي.
وكان أهم قرار في سياق البحث عن العدالة المناخية هو الرأي الاستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، في يوليو/تموز الماضي، والذي مهّد الطريق أمام الدول لرفع دعاوى قضائية على بعضها البعض بشأن تغيّر المناخ، بما في ذلك انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويشير التقرير إلى أنه في يونيو/حزيران 2025، رفعت نحو 3099 قضية تتعلق بالمناخ في 55 ولاية قضائية وأمام 24 هيئة دولية أو إقليمية.
وكانت الولايات المتحدة الولاية القضائية الأكثر نشاطا بـ1986 حالة، ويشير التقرير أيضا إلى نمو كبير في مناطق أخرى، بما في ذلك الجنوب العالمي، حيث تم تسجيل 305 حالات.
وشهدت 4 دول، هي أستراليا والبرازيل والمملكة المتحدة وألمانيا أكثر من 51 حالة لكل منها، بينما أصدرت المحاكم والهيئات القضائية في جميع أنحاء العالم منذ عام 2024 أحكاما تاريخية وفتاوى استشارية توضح التزامات الدول المناخية من بينها:
إعلان المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (2024): في قضية مثيرة للجدل، رأت المحكمة أن عدم كفاية العمل المناخي يمكن أن يشكل انتهاكا للحق في احترام الحياة الخاصة والأسرية، وطالبت من الدول اعتماد أهداف ملزمة للحد من الانبعاثات بما يتفق مع العلم، وإنشاء واجب قائم على حقوق الإنسان للتخفيف من تغير المناخ. المحكمة الدولية لقانون البحار (2024): أكدت المحكمة أن غازات الدفيئة تشكل تلوثا بحريا بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وفرضت التزامات واضحة بالعناية الواجبة على الدول. محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان (2025): أكدت أن الحق في بيئة صحية محمي بموجب الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان وحقوق الطبيعة المعترف بها. محكمة العدل الدولية (2025): أعلنت أن الدول لديها التزامات ملزمة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان، لمنع الضرر المناخي، وتنظيم الانبعاثات، ودعم الدول الضعيفة.كما تلقت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب هذا العام التماسا من اتحاد المحامين الأفريقيين، تطلب من المحكمة تحديد التزامات حقوق الإنسان للدول الأفريقية في سياق تغير المناخ.
وبالإضافة إلى الأحكام الدولية، فإن التقاضي بات يتنوع محليا، وتركز القضايا المرفوعة ضد الحكومات على إنفاذ الالتزامات المناخية وحقوق المناخ وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، ومعالجة الهجرة المناخية وغيرها.
كما تتناول القضايا المرفوعة ضد الشركات المسؤولية عن الأضرار البيئية والمناخية، والغسيل الأخضر، والإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ، ودور المؤسسات المالية في المسائل المتعلقة بالمناخ.
وفي المقابل، تتزايد الدعاوى المضادة وردود الفعل العنيفة ضد العمل المناخي، لإضعاف تدابير المناخ، والدعاوى القضائية الإستراتيجية ضد المشاركة العامة، والتي تهدف إلى إسكات الأفراد أو المنظمات غير الحكومية المشاركة في معارضة الوقود الأحفوري أو غيرها من المشاريع عالية الانبعاثات.
ويرى التقرير أن زيادة القضايا المرفوعة بشأن المناخ أمام المحاكم من شأنها أن تحاسب الحكومات وتمنع التراجع عن القوانين البيئية، وتدفع إلى الاعتراف المتزايد بالحق في بيئة صحية، وتعزيز المطالبات ضد الدول والشركات من خلال ربط الانبعاثات بأضرار محددة.
كما سيكون لها تأثير إستراتيجي حتى قبل صدور الأحكام النهائية، إذ يمكنها أن تفكك الجمود الإداري، وتدفع الإصلاح التشريعي، وتعيد تشكيل المناقشات العامة حول قضايا البيئة والمناخ.
ويؤكد التقرير أهمية أن تصبح المحاكم المحلية والدولية ساحة مركزية لتحديد الالتزامات ومعالجة الأضرار، وتشكيل طموح العمل المناخي في جميع أنحاء العالم، ومحاولة الوصول إلى تحقيق العدالة المناخية.
ومع تسبب الدول الصناعية الكبرى في القدر الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة التي أدت إلى الاحتباس الحراري العالمي والتغير المناخي والطقس المتطرف، تسعى العدالة المناخية إلى تحقيق توزيع عادل لأعباء وآثار تغير المناخ على أساس حقوق الإنسان الأساسية.
إعلانويرتكز هذا المفهوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والبيئية، ويعترف بأن تغير المناخ يهدد الحقوق الأساسية للإنسان مثل الحق في الصحة والمياه والغذاء، خاصة بالنسبة للدول والمجتمعات الأكثر ضعفا.
ومع ذلك يشير التقرير إلى وجود مجموعة من التحديات، إذ لا تزال الحواجز الإجرائية، وضعف أطر الإنفاذ والتضليل المناخي وسيطرة الشركات تمثل عقبات أمام تحقيق الأثر الكامل للتقاضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات مبادرات بيئية العدالة المناخیة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
بلاغ القسام حول رفح يوقظ ذكرى ضابط ياباني قاتل 30 عاما بعد انتهاء الحرب
أعاد البلاغ العسكري لكتائب القسام، حول الحدث الذي جرى في مدينة رفح أمس، والذي زعم الاحتلال قيام المقاومة بتنفيذه، واستهداف آلية هندسية قتل على إثره ضابط وجندي من لواء ناحال، التذكير بقصة شهيرة وقعت في عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وقالت القسام، في بلاغ أمس الأحد، إنها "علم لها بأية أحداث، أو اشتباكات، تجري في منطقة رفح، حيث أن هذه مناطق حمراء تقع تحت سيطرة الاحتلال، والاتصال مقطوع بما تبقى من مجموعات لنا هناك منذ عودة الحرب في مارس من العام الجاري، ولا معلومات لدينا إن كانوا قد استشهدوا أم لا زالوا على قيد الحياة منذ ذلك التاريخ".
ونفت القسام، علاقتها بالأحداث، في تلك المناطق و"لا يمكننا التواصل مع أي من مجاهدينا هناك إن كان لا يزال أحد منهم على قيد الحياة".
ويعيد بلاغ القسام إلى الأذهان قصة ضابط الياباني هيرو أونودا، والذي بقي يقاتل في ساحة المعركة لنحو 30 عاما، رغم انتهاء الحرب العالمية الثانية، في غابات تقع حاليا ضمن حدود الفلبين، بسبب عدم وصول الأوامر من قائده، بوقف القتال.
فما هي قصة أونودا ورفاقه؟
في كانون أول/ديسمبر 1944، أرسلت القيادة العسكرية للجيش الياباني، الملازم أول هيرو أونودا، مع 3 جنود آخرين هم الجندي يويتشي أكاتسو والعريف شويتشي شيمادا والجندي من الدرجة الأولى كينشيشي كوزوكا، في مهمة لتدمير مهبط طائرات ورصيف ميناء جزيرة لوبانغ في الفلبين، لمنع قوات الحلفاء، من منع الهبوط أو رسو سفنها على الجزيرة، وكانت الأوامر الصارمة من القائدين المباشرين الرائدين يوشيمي تانيغوتشي وتاكاهاشي، بعدم الاستسلام أو الانتحار مهما كانت الظروف.
وعند وصول أونودا ومقاتليه، إلى الجزيرة، منعه الضباط الأعلى رتبة من تنفيذ مهمته، وهو ما ساعد لاحقا، في استيلاء الجيش الأمريكي والقوات الفلبينية على الجزيرة، بعد الهبوط الجوي عام 1945.
وبسبب رفض الضباط مساعدة أونودا، قرر الانفصال عنهم والتوجه إلى الغابات الكثيفة للجزيرة، وخوض حرب عصابات لإلحاق الخسائر بالقوات الأمريكية والمتعاونين معها.
وخلال حرب العصابات التي شرعت فيها مجموعة أونودا، تنقلوا بين الغابات، وكان طعامهم الموز وجوز الهند، فضلا عن الاستيلاء على أرز وماشية من القرى المحيطة، وأفلتوا مرارا من القوات الأمريكية والفلبينية، بعد غارات مفاجئة، ولم يخل الأمر من مهاجمة قرويين لاعتقادهم أنهم قوات فلبينية متخفية تخوض معهم حرب عصابات.
وعقب الإعلان عن انتهاء الحرب، قامت القوات الأمريكية بإلقاء مناشير عبر الجو على الجزيرة، تعلن فيه استسلام اليابان، من أجل إلقاء من تبقى من الجنود اليابانيين سلاحهم، لكن أونودا، الذي قرأ بالفعل تلك المناشير، وحاول ومجموعته التحقق منها، لم يصدقها، واعتقد أنها جزء من الحرب النفسية للجيش الأمريكي.
وبسبب طول المدة التي مكثت فيها مجموعة أونودا والإرهاق الشديد، انفصل الجندي أكاتسو عنها، وفي آذار/مارس 1950، سلم نفسه للقوات الفلبينية، واعتبره رفاقه خائنا، واتخذوا إجراءات احتياطية خوفا من أن يشي بهم.
وبعد عامين ألقيت مناشير على الغابات، تحمل رسائل من عائلات الجنود المتبقين، تحثهم على الاستسلام، وتضمنت صورا عائلة، لكنهم اعتقدوا مجددا أنها جزء من الحرب النفسية، لخداعهم، وفي تلك الفترة أصيب شيمادا في ساقه، أثناء تبادل إطلاق النار مع صيادين محليين، لكن أونودا أشرف على علاجه حتى شفي.
ولم يكد يمضي عامان آخران حتى قتل شيمادا، في تبادل إطلاق نار مع الجيش الفلبيني، خلال تدريب بالجزيرة، أما الجندي كوزوكا، فقتل عام 1972 في تبادل إطلاق نار خلال إحراقهما محاصيل الأرز، لإرسال رسالة إلى القوات اليابانية التي اعتقدا أنها لا تزال في المنطقة، من أجل لفت انتباهها بأنهما لا يزالان يقاتلان.
ومنذ تلك اللحظة بات أونودا وحيدا، يتنقل بين غابات الجزيرة بحذر أكبر، حتى التقى عام 1974 بمغامر وباحث ياباني، كان يسافر العالم، للبحث عنه، واستغرقه الأمر للعثور عليه عدة أيام في الجزيرة من أجل تحديد مكان موقع لتحصنه.
وكان الباحث يدعى نوريو سوزوكي، وخلال اللقاء، أبلغ الأخير الضابط الياباني، أن الأمر انتهى منذ عقود، ولم تعد الحرب قائمة، لكن أونودا رفض الاستسلام، ولا يمكنه ترك ساحة المعركة التي يعتقد أنها موجود، إلا بقرار من قائده الرائد يوشيمي تانيغوتشي، قائد سرب الاستخبارات الخاصة في جيش المنطقة الرابع عشر، وهو آخر قائد أصدر له أوامر قبل بدء مهمته.
انتهاء المهمة
وكان لقاء سوزوكي بأونودا، بداية لإنهاء مهمة، فحين عاد إلى اليابان، عرض صوره مع الضابط في غابات لوبانغ، وهنا بحثت الحكومة عن قائده تانيغوتشي، ونقلته جوا إلى لوبانغ، ليصدر له الأمر العسكري المباشر بوقف القتال، وكان الأمر ينص على: "طبقا للقيادة الإمبراطورية، أوقف جيش المنطقة الرابع عشر جميع أنشطته القتالية، ووفقا لأمر القيادة العسكرية رقم أ-2003، يتم إعفاء السرب الخاص في مقر رئاسة الأركان من جميع المهام العسكرية، وعلى الوحدات والأفراد التابعين لقيادة السرب الخاص وقف الأنشطة والعمليات العسكرية فورا، ووضع أنفسهم تحت قيادة أقرب ضابط أعلى. وفي حال عدم العثور على أي ضابط، عليهم التواصل مع القوات الأمريكية أو الفلبينية واتباع توجيهاتها".
وصدر قرار بإعفاء أونودا، من الخدمة العسكرية، عام 1974، واستسلم رسميا للقوات الفلبينية، في قاعدة رادار لوبانغ، وأقيم حفل رسمي، حضره الرئيس الفلبيني، فرديناند ماركوس، في قصر الحكم بمانيلا، ومنح الضابط الياباني عفوا رئاسيا كاملا عن كافة الأعمال التي ارتكبها خلال ملاحقته، وسلم أونودا سيفه وبندقية و500 طلقة ذخيرة، وقنابل يدوية، وخنجرا كانت والدته أهدته إياه، للانتحار إذا ألقي القبض عليه.
وكان أونودا صمد في الغابة مقاتلا، لمدة 28 عاما، و6 أشهر و8 أيام، بمجموع 10416 يوما، بعد استسلام اليابان عام 1945.
وتنقل أونودا بين اليابان والبرازيل، وكان يجري دورات على التعايش والبقاء على قيد الحياة في أصعب الظروف للعسكريين، بسبب خبرته الطويلة، ومنح وسام استحقاق برازيلي، فضلا عن المواطنة الفخرية بالبرازيل.
وفي عام 2014، توفي أونودا، بسبب بفعل التهاب رئوي أدى لقصور في قلبه، في العاصمة اليابانية طوكيو.