ليبيريا.. ساحل الفُلفل وموسيقى الهيبكو
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
الهيبكو، أو "كو"، نمط موسيقي ليبيري نشأ ضمن ثقافة الهيب هوب، ويتميز باستخدام العامية الليبيرية والرسائل السياسية والاجتماعية.
وصفته الغارديان بأنه "أسلوب فريد يجمع بين الخطاب الشعبي والمواقف السياسية"، ويُؤدى غالبا بالإنجليزية الليبيرية أو بلهجات محلية.
ظهر في الثمانينيات، وبرز خلال الحروب الأهلية في التسعينيات كوسيلة للاحتجاج والدعوة للسلام، ليصبح اليوم رمزا ثقافيا يعكس نبض المجتمع الليبيري.
تأسست ليبيريا عام 1820 بمبادرة من جمعية الاستعمار الأميركية لإعادة توطين الأفارقة الأميركيين الأحرار والعبيد المُحرَّرين.
بين 1820 و1870، هاجر نحو 13 ألفا منهم إلى الساحل الليبيري، حيث أُقيمت أول مستوطنة في "رأس ميسورادو"، المعروف آنذاك بـ"ساحل الفلفل".
في 26 يوليو/تموز 1847، أعلن المستوطنون استقلال ليبيريا، لتصبح أول جمهورية أفريقية مستقلة في العصر الحديث.
وسُمّيت العاصمة "مونروفيا" نسبة إلى الرئيس الأميركي جيمس مونرو، أحد أبرز داعمي المشروع الاستعماري في أفريقيا.
بعد استقلالها عام 1847، اعتمدت ليبيريا نظاما سياسيا مستوحى من النموذج الأميركي، شمل دستورا جمهوريا وهيكلا مؤسسيا مشابها.
وتولى جوزيف جنكينز روبرتس، المولود في الولايات المتحدة، منصب أول رئيس للبلاد.
لكن هذا النموذج السياسي رافقه واقع استعماري داخلي، إذ هيمنت النخبة الليبيرية ذات الأصول الأميركية على السلطة لعقود، بينما حُرم السكان الأصليون من حقوقهم المدنية، بما فيها المواطنة والتصويت، حتى عام 1904.
خلال العقود الأولى من القرن الـ20، واجه السكان الأصليون تهميشا ممنهجا، وفرضت عليهم ضرائب ثقيلة وصلت إلى ثلث ميزانية الدولة، ما أدى إلى انتفاضات شعبية قُمعت بعنف.
كما أُجبر كثير منهم على العمل القسري في شركات أجنبية، إلى أن تدخلت عصبة الأمم عام 1936 لإنهاء تلك الانتهاكات.
إعلانفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ مسار إصلاحي تدريجي بقيادة الرئيس وليام توبرمان، الذي سعى إلى تقليص الفجوة الاجتماعية بين الليبيريين الأميركيين والسكان الأصليين.
وفي عهده، مُنح السكان الأصليون حق التصويت عام 1945، إيذانا بمرحلة جديدة نحو المواطنة المتساوية بعد أكثر من قرن على تأسيس البلاد كـ"أرض للأحرار".
يغلب على أغان الهيبكو الطابع الاحتجاجي والواقعي، وتستخدم إيقاعات أفريقية قوية مع نبرة غنائية حماسية.
ومع دخول الألفية أصبح هذا النوع الموسيقي الأكثر شيوعا في ليبيريا، كوسيلة يستخدمها مغنو الراب للتعبير عن آرائهم في مشكلات المجتمع، وإرسال رسائل اجتماعية وسياسية فيما يخص قضايا مثل الفقر، الفساد، البطالة، ونبذ الحرب الأهلية.
خلال أزمة إيبولا 2016/2014، استخدم فنانو الهيبكو موسيقاهم لنشر التوعية الصحية، وهذا جعلها تُعرف أيضا بأنها موسيقى المقاومة والتغيير الاجتماعي.
موسيقى الهيبكو والكولوكوا في ليبيريا.. صوت شعبي وهوية ثقافيةكلمة "كو" في موسيقى الهيبكو الليبيرية هي اختصار للهجة المحلية "كولوكوا"، وهي لهجة عامية نشأت من مزج اللغة الإنجليزية التي جلبها نحو 19 ألف عبد محرر من الولايات المتحدة مع مفردات من أكثر من 15 لغة محلية.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، استخدمتها الطبقات الدنيا في الغناء الارتجالي منذ أوائل القرن الـ19.
الكولوكوا تُعد لغة شفاهية بنسبة 99%، ولا توجد لها قواعد مكتوبة، كما أنها غير مفهومة تقريبا للأذن الأميركية، ما جعل النخبة الثقافية في ليبيريا تنبذها باعتبارها لغة المهمشين.
لكن هذا التهميش منح فناني الهيبكو مساحة لإدماج مقاطع مختارة من الكولوكوا في أغنياتهم، تحمل رسائل سياسية ضمن كلمات إنجليزية، في شكل من أشكال المقاومة الرمزية.
تنوع موسيقي يعكس التعدد الثقافيليبيريا بلد متعدد الأعراق، يضم شعوب الغولا والميل (الكيسي) شرقا، والكرو (الباسا) غربا، والماندينغو (الكبيلي) شمالا، إضافة إلى الليبيريين الأميركيين الذين وصلوا عام 1822 ضمن حركة العودة إلى أفريقيا.
الموسيقى التقليدية الليبيرية تعتمد على التناغم الصوتي، والتكرار، والاستجابة، وتُؤدى في المناسبات الاجتماعية والرسمية.
وتُعد موسيقى الماندينغو جزءا من تراث الغريوت الشفاهي العريق.
الهيبكو والغبيما.. نمطان موسيقيان بارزانالهيبكو: مزيج حديث من الهيب هوب باللهجة المحلية، يعالج قضايا اجتماعية وسياسية.
الغبيما: نمط تقليدي يُنتج إلكترونيا بإيقاعات سريعة ومعقدة، ويُعد أحد التأثيرات الإيقاعية على الهيبكو.
في السنوات الأخيرة، امتزجت الموسيقى المسيحية مع أنماط البوب والسوكوس، وبرزت أسماء مثل بيرنيس بلاكي، القس كلارك دورتيه، فيفيان أكوتو، وفرقة "سيسترز أوف ديستني"، إلى جانب كانفي جاينز آدامز التي نالت جائزة دولية في لندن عام 2013 لدورها في تعزيز موسيقى الإنجيل الأفريقية.
في العقد الأول من القرن الـ21، وفي محاولة الدولة للسيطرة على النشاط الموسيقي المقاوم، شهدت البلاد إعادة بناء اجتماعي وفني.
وأصبحت هيئة الإذاعة الليبيرية الجهة الرئيسة المسؤولة عن بث الموسيقى الليبيرية، رغم إنشاء محطات الإف إم الإذاعية والمواقع الإلكترونية.
التأثير الأميركي وموسيقى الهايلايف في ليبيرياسيطرت الأنماط الغربية مثل التويست، والتشا تشا، والسول، وموسيقى الريف، على المشهد الموسيقي الليبيري لعقود، وبرزت فرق محلية مثل "جيه ريتشارد سنيتر" وفرقة "ميلودي 8 دانس" في تقديمها.
إعلانفي المقابل، انتشرت موسيقى الهايلايف ونبيذ النخيل، المعروفة أيضا بكاليبسو أو مارينجا أو "هايلايف الجيتار"، في دول غرب أفريقيا ومنها ليبيريا، بفضل البحارة الذين ساهموا في نشر أساليب عزف مميزة مثل "رجل الإطفاء".
وقد بلغت هذه الموسيقى ذروتها في ليبيريا خلال سبعينيات القرن الماضي تحت اسم "هايلايف ليبيريان إلكتريك"، لتشكل مزيجا محليا فريدا من التأثيرات الإقليمية والدولية.
النشيد الوطني الليبيري.. رمز تأسيسي وخلاف لغوييحمل النشيد الوطني الليبيري عنوان "السلام عليكم ليبيريا، السلام عليكم"، من تأليف الرئيس الثالث دانيال باشيل وارنر وتلحين أولمستيد لوكا، واعتمد رسميا منذ عام 1847.
في عام 1974، شكّل الرئيس وليام تولبرت لجنة لمراجعة الرموز الوطنية، من بينها النشيد والعلم، بهدف إزالة العبارات المثيرة للجدل.
وقد أوصت اللجنة، المعروفة باسم "لجنة ديشيلد"، في تقريرها عام 1978 باستبدال عبارة "لست خائفا" بكلمة "شجاع"، في محاولة لتحديث الخطاب الوطني وتعزيز الوحدة.
هلا ليبيريا، هلا (هلا)
أرض الحرية المجيدة هذه
ستبقى لنا طويلا
بقلوبنا وأيدينا
ندافع عن قضية وطننا
سنواجه العدو
بشجاعة لا توصف.
موريس دورلي وميلاد الموسيقى الأفروليبيريةفي ستينيات القرن الماضي، ساهم انتقال سكان الريف إلى المدن في إحداث تحول موسيقي كبير في ليبيريا، وكان أبرز رموزه الموسيقي موريس دورلي (المعروف أيضا باسم دموريس دولي)، الذي أطلق نمط "الموسيقى الأفروليبيرية" بمزج الميرنغي والهايلايف والبوب والسول والكاليبس.
وُلد دورلي عام 1946، وبدأ العزف على آلة الكونغومز في سن الـ16، وتعلم الغيتار على يد موسيقي أميركي، كما أتقن موسيقى "بالم واين" التي سبقت الهايلايف لدى شعب كرو.
أسّس فرقة "صن سيت بويز" وسجّل أعماله في أستوديوهات محلية.
وتميّز دورلي بكونه أول من ابتعد عن الأغاني الأميركية التقليدية نحو موسيقى ليبيرية أصيلة، وغنّى بعدة لغات، ما أكسبه شهرة إقليمية، خاصة بعد مشاركته في مهرجان الفنون والثقافة في لاغوس.
منح موريس دورلي البلاد هوية وطنية بأغانٍ مثل "من أنت يا حبيبي" الشهيرة.
نيمبا ديسكو والأفروليبسو.. أنماط ليبيرية متجددةأطلق هاريس ساركو، من منطقة نيمبا وعضو أوركسترا الشرطة الليبيرية، أسلوب جديدا للرقص باسم "نيمبا ديسكو"، بينما روّج عازف الغيتار سيزار غاتور، المنحدر من أصول باسا، للإيقاعات المحلية المميزة لمنطقته.
أما تيكومساي روبرتس، فكان من أبرز نجوم الموسيقى الليبيرية في السبعينيات والثمانينيات، وقاد فرقة "الحلم الليبيري" وابتكر نمط "الأفروليبسو" الذي مزج الإيقاعات الأفريقية بالكاريبية.
وسجّل ألبومه الأول بعنوان "يجب الحصول عليه"، وقدم الأغنية الرسمية لمؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية عام 1979.
نال شهرة واسعة، ووصِف بأنه كان يحظى بشعبية تضاهي مايكل جاكسون في ليبيريا.
شارك في عروض بمسرح أبولو الأميركي عام 1986، وغنّى لبوب مارلي، قبل أن يعود ويقدم أغنيته الشهيرة "ما سوسو".
انتهت مسيرة تيكومساي روبرتس بشكل مأساوي خلال الحرب الأهلية الليبيرية الأولى عام 1990، إذ قُتل في قاعدة تابعة للمتمردين بعد استدعائه لأداء عرض، وسط اتهامات تتعلق بميوله الجنسية، وأُلقيت جثته في نهر سانت بول.
ورغم مرور الزمن، لا يزال مقتله يثير الجدل، مع مطالبات بإنشاء محكمة لجرائم الحرب.
في المقابل، تواصل الأوساط الفنية تكريم إرثه، عبر مهرجانات أقيمت بين 2015 و2018 احتفاءً بإسهاماته في الموسيقى الليبيرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی لیبیریا
إقرأ أيضاً:
محمد ثروت لـ«الأسبوع»: مهرجان الموسيقى العربية نافذة مصر على العالم
ليلة طربية استثنائية خطف من خلالها الفنان محمد ثروت قلوب الجماهير، وذلك خلال فعاليات مهرجان الموسيقى العربية في دورته الـ33، إذ قدم الفنان الكبير باقة من أفضل أعماله الغنائية التي أطلقها على مدار سنوات من مسيرته الفنية التي تجاوزت الـ50 عامًا، نجح خلالهما في ترسيخ صوته بأذهان الجمهور منذ بدايته حتى يومنا هذا.
وفي تصريحات خاصة لـ«الأسبوع»، أعرب ثروت عن سعادته بالمشاركة في المهرجان الذي يشارك فيه نخبة من نجوم الطرب في الوطن العربي، وقال: «سعدت بهذه المشاركة، لأنها جاءت بعد فترة طويلة، كما أن المهرجان هو نافذة مصر على العالم، وأتمنى الفترة القادمة أن يشهد دعمًا أكبر».
وعن اختيار الأغاني، أضاف ثروت: «هذه المعايير بتكون راجعة ليا شخصيًا، وأتعمد المرور على جميع المحطات المهمة في حياتي، مثل أغنية (فاطمة) التي زينت تتر مسلسل (مين اللي ميحبش فاطمة)، وكانت محطة مهمة في مسيرتي الفنية، والناس بتحبها جدًّا، كمان استرجاعي لرائعة أم كلثوم (أنا في انتظارك)، واختياري لتتر الأبنودي وعمار الشريعي (أحلى ما فيكي)، وحاولت كمان أعبر عن حبي للعندليب باختيار مجموعة من أغنياته، مثل قارئة الفنجان وموعود».
وتابع ثروت: "جمهور الموسيقى مستمع جيد، وسيظل يتزايد، وأطالب الفترة القادمة بأن يكون فيه حفلات في الصعيد والأقصر وأسوان وجميع محافظات مصر، وشرم الشيخ والغردقة، بالتنسيق مع المحافظين، وهذا اقتراح للمهرجان"، مشيرًا إلى سعادته بردود أفعال الجمهور على الحفل الذي نال إشادة الجميع.
وأشار الفنان الكبير إلى أن تجربته مع أغنية "القلب يعشق كل جميل" التي شدا بها خلال حفلات الليالي المحمدية، كان يتصور في البداية أنها أغنية عاطفية، ولكن الكلمات التي كتبها بيرم التونسي جعلته يكتشف عمق المعنى المقصود، والذي أعطى منظورًا مختلفًا للأغنية.
ونوه بأنه تعلم من مدرسة نجوم الزمن الجميل مثل كوكب الشرق، وعندما التقى بأحد رموز هذه المدرسة، وهو الموسيقار محمد عبد الوهاب، شعر بأنه هو معلمه عبر الأثير، فقد تعلم منه الكثير، وعندما التقاه للمرة الأولى وجده الموسيقار الكبير مستعدًا وجاهزًا، فقال له "يا فندم أنا حافظ أغانيك لأن أبويا من عشاقك". مشددًا على أنه تعلم من (عبد الوهاب) حب العمل والصدق فيه، واحترام الجمهور، والالتزام بالمواعيد، وأنه ما زال حتى اليوم يعتبر الموعد الذي يحدده أمرًا مقدسًا بالنسبة له.
وتابع "ثروت" تصريحاته قائلاً: إن جميع الشعراء والملحنين الذين تعاون معهم أثّروا فيه، مشيرًا إلى أنه عمل مع حسين السيد وعبد الرحمن الأبنودي، وإذا أُتيحت له الفرصة لتكرار التعاون مع أحدهما فسيختار "الأبنودي"، لأنه كان الأقرب إلى قلبه، موضحًا أن نحو 50% من أعماله كانت معه.
يذكر أن محمد ثروت أحيا واحدة من أجمل ليالي الطرب ضمن فعاليات الدورة الـ33 من مهرجان الموسيقى العربية، حيث قدّم باقة من أجمل أغاني العندليب عبد الحليم حافظ، في أجواء غنائية عابقة بالحنين والأصالة.
اقرأ أيضاًمحمد ثروت لـ «الأسبوع»: أغنية فاطمة محطة مهمة في حياتي.. والموسيقى العربية نافذة مصر على العالم
«فى حب حليم».. محمد ثروت يتألق بمهرجان الموسيقى العربية (صور)
بعد غد.. محمد ثروت ومروة ناجي بقيادة علاء عبد السلام في مهرجان الموسيقى العربية