جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-29@22:06:30 GMT

شر مستطير وداء خطير

تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT

شر مستطير وداء خطير

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

في عالمنا المعاصر، يواجه المجتمع تحديات جمة، ومن أبرزها فقدان او غياب القيم والأخلاق الإنسانية، وهذا الغياب ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو شر مستطير يمتد أثره ليشمل جميع جوانب الحياة، وداء خطير يهدد تماسك المجتمع واستقراره.

وفي هذا العصر بعدما تراكمت عوامل الضعف، والتخلف خاصة في المجتمعات العربية والمسلمة، نتيجة لجهلهم بعوامل القوة الكامنة فيهم، وتشرذمهم، وتخلفهم إرادة وإدارة، مع سعي دؤوب من أعدائهم لامتلاك أسباب النهضة والتسلح بالعلم، ومنظومة القيم التقدمية، واحترام الوقت، والتفاني في العمل وإتقانه، وحياة تعتمد على النِّظام، والأخذ بأساليب الجودة، والتحلي بالصدق والأمانة.

 

فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير مع مرور الزمن، لأنها صالحة لكل زمان ومكان، وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة الإسلامية ليست من صنع الإنسان، ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور، وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير ابدا.

في الفترات الزمنية السابقة قد داهم أمتنا الإسلامية خطر كبير وشر مستطير، وهو انهيار منظومة الأخلاق التي دعا لها ديننا الإسلامي الحنيف، وقررتها الفطرة السليمة حتى في الأمم الكافِرة والشعوب الجاهلية، فظهر شر ذلك على كل المستويات، واستفحلت وتعمقت حتى صارت أزمة حقيقية، تعاني منها الأمة وهي من أسباب تخلفها عن ركب التقدم والازدهار.

إن غياب القيم يمثل أزمة أخلاقية عميقة تؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية وزيادة تفشي الفساد، ويحدث نتيجة عوامل متعددة مثل ضعف التربية الأسرية، وتأثير التكنولوجيا السلبي، وإهمال المؤسسات التعليمية للجانب القيمي، وغياب القدوة الحسنة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة المخزومية التي سرقت: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايْمُ اللهِ لو أنَّ فاطِمةَ بِنتَ مُحمَّدٍ سَرَقَت لَقطَعتُ يَدَها".

إذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح؛ أمن الناس وحفظت الحقوق والأمانات، وقويت أواصر المودة والمحبة بين أفراد المجتمع، وقلت الرذيلة وزادت الفضيلة وقويت شوكة الإيمان،

بينما إذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والسرقة والظلم والغش؛ فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق، وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها، وانقلبت الموازين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة»، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».

 

ونتيجة هذا الخطر نلحظ في بعض دولنا الخليجية والعربية هجرة أصحاب الكفاءات والخبرات خارج موطنهم الأم.

بلا شك أنهم لم يهاجروا عبثا وإنما لفقدانهم النزاهة في أوطانهم التي تخلفت شعوبها وتفشت فيها كل أشكال الفساد مما أدى الى غياب القيم والأخلاق وغياب الرقابة والمحاسبة وتطبيق مبدأ العدالة، فأصبحت مفتقرة إنسانيا، لا تعرف إلا لغة الفساد نتيجة لطغيان البرغماتية والنرجسية على أفرادها في مختلف تصرفاتهم، وسلوكياتهم، الشيء الذي أدى إلى بروز أجيال لا تفكر إلا في مصلحتها الشخصية ولو على حساب تجردها من كل ما له صلة بالقيم الأخلاقية، وهذا واضح في تواجد كثير من المسؤولين الفاسدين الذين انحرفوا عن دائرة الصواب الأخلاقي، وانجرفوا نحو اتباع رغباتهم وشهواتهم الدنيوية فاخذوا نصيبهم ونصيب غيرهن، غير مكترثين بحاجة الأجيال اللاحقة إلى قيم النزاهة.

وليس هناك شيء أكثر ضرًا من فساد المسؤولين الذين هم بسلوكياتهم واخلاقهم يضرون شعوبهم بغير وجه حق؛ فمن جراء فقدان قيم النزاهة انتهكت مظالم وضيعت حقوق وواجبات، وفقدت ثروات وهدمت أسر وبيوت، وأهدرت كفاءات وضيعت طاقات كثيرة.

وكل هذا يشير إلى شعوب تنهشها اللاأخلاقية التي خلفها فقدان هذه القيم سواءً المادية أو المعنوية.

مجتمع تسود فيه النزاهة، هو المجتمع الذي يسوده العدل والأمان والصدق والشفافية.

ومن قام بزرع النزاهة في أرضه، حصد حصاد طيبا مباركا في حياته الدنيوية والأخروية.

في عالم بلا نزاهة، تذبل الزهور وتغيب الألوان، أما في عالم بها، تزدهر الحياة.

وتتجلى خطورة هذا الفقدان في عدة مظاهر ومنها:

انتشار الجريمة: يتفشى انتشار الجريمة والعنف، حيث تتلاشى الضوابط الأخلاقية التي تحد من سلوك الأفراد، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الجرائم بكافة أنواعها. تفكك الروابط الاجتماعية: يتسبب في تفكك الروابط الاجتماعية، حيث تتراجع قيم التكافل والتعاون والتعاضد والتراحم، وتسود الأنانية واللامبالاة والحسد والحقد، مما يؤدي إلى عزلة الأفراد وشعورهم بالوحدة. التأثير الاقتصادي: يؤثر على الاقتصاد؛ حيث ينتشر الفساد بشتى اشكاله (السرقة والرشوة والكذب والخداع والنصب والاحتيال والمحسوبية)، مما يعيق التنمية ويؤدي إلى تبديد الموارد المادية والبشرية. غياب دور الأسرة: شهدت المجتمعات العربية تحولات اجتماعية واقتصادية أثرت على دور الأسرة والمدرسة، حيث انشغل الوالدان بالعمل وتأمين لقمة العيش، مما ترك فراغًا في التربية الأسرية. مخاطر التكنولوجيا: تأثير التكنولوجيا والإعلام السلبي؛ حيث ساهمت في نشر أنماط سلوكية وقيم دخيلة ومنحرفة، مما أثر على الطلاب وجعلهم عرضة للانحراف الأخلاقي. ضعف التنشئة: ضعف التنشئة القيمية حيث يتم تركيز المناهج الدراسية على الجانب الأكاديمي وإهمال التربية القيمية وهي (عملية غرس المبادئ الأخلاقية والقيم الأساسية في الأفراد لتوجهاتهم السلوكية وتفكيرهم)، إضافة إلى قلة التكوين التربوي للأطر التعليمية في هذا المجال. غياب القدوة: غياب القدوة وهو يعد غياب للنماذج الأخلاقية في المجتمع والمدرسة ويعتبر عاملاً رئيسيًا في ضعف التوجيه الأخلاقي للطلاب وخاصة الشباب. ضعف الخطاب الديني: ضعف الخطاب الديني يساهم في إضعاف مرجعية القيم الدينية في نفوس الناس. تأثير الهوية: الانفتاح العالمي غير الموجه التوجيه الصحيح قد يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية والدينية بل حتى الوطنية إذا لم يكن هناك وعي كافٍ لحماية القيم المحلية من التيارات الوافدة.

إن فقدان القيم والأخلاق الإنسانية يمثل تهديدًا خطيرًا للمجتمعات، فهو ليس مجرد تدهور في السلوكيات الفردية، بل هو مرض يفتك بأسس التعايش السلمي والتنمية المستدامة. عندما تتلاشى القيم مثل الأمانة، والصدق، والعدالة، والتسامح، فإن المجتمع يصبح عرضة للفساد، قال الشاعر إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

لمعالجة هذه الظاهرة، يجب تضافر كل الجهود على جميع المستويات، يجب على الأسرة أن تكون النواة الأساسية لغرس القيم السامية التي دعا اليها ديننا الحنيف وأمرنا بالتسمك بها، وعلى المدارس أن تعزز التربية الأخلاقية، وعلى وسائل الإعلام أن تقدم محتوى بناءً يعكس مدى اهمية التمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية.

كما يجب على الحكومات أن تسن القوانين والانظمة والتشريعات التي تحمي القيم والأخلاق وتركز على مكافحة الفساد والظلم وتطبق الأحكام والعقوبات للحد من انتشار هذا الخطر.

واذا ما وجدت الارادة الحقيقية والعزيمة القوية عندها يمكن الحفاظ على القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية، وبالتالي يمكن بناء مجتمعات أخلاقية أكثر عدالة وأمنا وسلامًا، قال تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ| (آل عمران: 104).

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

انتخابات النادي الأهلي.. “الخطيب” يعلن قلقه من أمر خطير (فيديو)

كشف الكابتن محمود الخطيب، رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي والمرشح لولاية ثالثة في الانتخابات المقبلة، عن ملامح خطته في المرحلة القادمة، مؤكداً أن التراجع خطوات إلى الخلف وترك الملفات لأعضاء مجلس الإدارة يعد أمراً ضرورياً بالنسبة له، قائلاً: “أتمنى الالتزام بهذا التوجه، وعلى الأقل في السنة الأولى أعمل كده فعلاً”.

وأوضح الخطيب، خلال لقائه مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج "الصورة" عبر شاشة النهار، أنه سيعتمد في الولاية الجديدة على توزيع الملفات بين أعضاء مجلس الإدارة، على أن يتولى كل من ياسين منصور وخالد مرتجي مهمة المتابعة، مضيفاً: “سأقوم بتوزيع الملفات على أعضاء المجلس، ومنصور ومرتجي سيتابعان التنفيذ”.

وأشار رئيس الأهلي إلى أن اختيار 90% من أعضاء القائمة الانتخابية من رجال أعمال كان قراراً مقصوداً ومدروساً، قائلاً:"الاختيار كان متعمداً، لكن في مجالات مختلفة، لتحقيق التكامل والتنوع داخل المجلس".

كما أوضح أن أربعة من أعضاء المجلس الحالي أبدوا استعدادهم للاستمرار، وقد يكون لهم دور مستقبلاً حتى لو لم يتواجدوا ضمن التشكيل الجديد.

وتحدث الخطيب عن فوز القائمة بالتزكية قائلاً إنه يرى فيها "ثقة تخوف وتقلق"، مضيفاً: “لما يكون حجم الثقة فيّ بالشكل ده، دي ثقة تقلقني وتخوفني، لأن المسؤولية بتبقى أكبر. ما فيش حاجة اسمها تزكية، وأتمنى مشاركة كل أعضاء النادي في الانتخابات يوم 31 أكتوبر. المشاركة في حد ذاتها هي الأهم لمصلحة النادي الأهلي”.

وعن علاقة رجل الأعمال ياسين منصور بالقائمة الانتخابية، قال الخطيب: "ياسين قال لي إن الترشح معايا كنائب هو اختياره رقم واحد، كلّمَني وهو في الطيارة، وبعد عودته اجتمعنا، وأكد لي إنه يرى أن الأفضل له ولمصلحة النادي أن يكون نائباً لي".

واختتم رئيس الأهلي حديثه بالإشارة إلى دور لجنة الحكماء داخل النادي، قائلاً: “إحنا دايماً بنستعين بلجان الحكماء قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية تخص النادي”.

اقرأ المزيد..

محمود الخطيب يكشف كواليس قراره بالتراجع عن عدم الترشح.. فيديو الخطيب يكشف تفاصيل صادمة حول حالته الصحية: "الطبيب أمرني بالتوقف فور رؤية الفحوصات" سد النهضة.. سر "الرد الهمجي" لإثيوبيا على الاتحاد الأوروبي (فيديو) خبير يقدم "وصفة سحرية" للزوجات: سر جمالك في هدوئك وعصبيتك تدمر بيتك كبير الأثريين: المتحف المصري الكبير ليس مبنى بل وعي أمة ورسالة حضارة الخطيب يبهر لميس الحديدي بفرع التجمع الخامس والإعلامية: "قلبي بيدق من السعادة" عضو الاتحاد الدولي للمرشدين السياحيين: المتحف الكبير حدث "يرفع رأس مصر لفوق" خبيرة بالشأن السوداني تحذر من مخطط خطير وراء أحداث دارفور: تهديد مباشر لمصر خبير: إشادة اليونسكو بتطور التعليم في مصر تتويج لجهود الدولة هل على العقارات زكاة؟.. أمينة الفتوى توضح

مقالات مشابهة

  • الإنفلونزا المزمنة.. تهديد "خطير" للقلب والدماغ
  • "حماس": منع الصليب الأحمر من زيارة الأسرى انتهاك خطير للقانون الدولي
  • ملتقى حواري ولقاءات ميدانية تعزز القيم والمواطنة في محضة
  • ضوابط تشكيل واختصاصات لجنة القيم بمجلس الشيوخ
  • حصاد أولي لحرب السودان.. من انهيار الدولة إلى القيم والأخلاق؟
  • لجنة القيم تنتهى من عقوبات عمر عصر ومحمود حلمي.. تعرف عليها
  • باحثون: الحناء سلاح واعد ضد مرض خطير
  • انتخابات النادي الأهلي.. “الخطيب” يعلن قلقه من أمر خطير (فيديو)
  • برلماني: رؤية مصر ترسخ القيم الإنسانية وصون الاستقرار العالمي