الإغلاق الحكومي الأمريكي.. أزمة تمويل أم أزمة نظام؟ا
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
يدخل الإغلاق الحكومي الأمريكي أسبوعه السادس في أطول شلل مؤسسي تشهده الولايات المتحدة، وسط خسائر مالية متراكمة وصراع سياسي يكشف عن خلل أعمق من مجرد عجز في الموازنة، ورغم أن الخلاف المعلن يدور حول أولويات الإنفاق والضرائب، فإن الأزمة الراهنة تُظهر انقساماً حاداً داخل المؤسسة الأمريكية بين نموذجين متناقضين للدولة: الأول نيوليبرالي يُطالب بتقليص حجم الدولة وتخفيض النفقات الاجتماعية، والثاني اجتماعي تقدّمي يرى أن استمرار برامج الرعاية والخدمات العامة شرط للحفاظ على التماسك الداخلي، والنتيجة جمود تشريعي تجاوز 39 يوماً دون اتفاق، مع خسائر تُقدَّر بأكثر من 14 مليار دولار حتى مطلع نوفمبر، وفق تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس.
وتُشير البيانات إلى أن استمرار الإغلاق قد يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الأخير بين 1 و2 نقطة مئوية، الى جانب ذلك فإن أكثر من 700 ألف موظف فدرالي يعملون دون أجر، وقرابة 4.5 مليار دولار من قروض المشروعات الصغيرة ما زالت معلّقة، حيث تتوقف برامج المساعدات الغذائية المؤقتة، ويُصاب الطلب المحلي بالركود، فيما تُضطر إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) إلى إلغاء رحلات بسبب نقص الموظفين.
تلك المؤشرات تعكس مفارقة صارخة: اقتصاد مالي مزدهر في وول ستريت، واقتصاد حقيقي متآكل في الشارع الأمريكي لقد تحوّل المركز الرأسمالي العالمي إلى نموذج لما كان يتّهم به العالم النامي سابقاً كاقتصاد قائم على المضاربات المالية أكثر من قيامه على الإنتاج الحقيقي.
الأهم أن الأزمة قد انعكست سريعاً على الدولار الأمريكي وسوق السندات، مع اتساع فروقات العائد وتزايد القلق من خفض محتمل للتصنيف الائتماني إذا طال الجمود السياسي.
في المقابل، ارتفع الطلب على الذهب كملاذ آمن، مع توقعات باختبار المقاومة عند 4، 080 دولارًا للأوقية خلال الأسبوع المقبل، فالمستثمرون لم يعودوا ينظرون إلى الولايات المتحدة كملاذ مستقر، بل كاقتصاد يواجه اختبارًا صعباً في قدرته على إدارة مؤسساته وتوازنه المالي.
إن ما يجري لم يعد أزمة تقنية، بل اختبار اجتماعي حقيقي، فأكثر من 40 مليون أمريكي مهددون بانقطاع دعم الغذاء، وعشرات الآلاف من الأسر لم تتسلّم رواتبها منذ أسابيع، مع تصاعد شعور بعدم الثقة بالمؤسسات، وتتسع الفجوة بين الطبقة السياسية العليا والمجتمع، وتزداد النزعات الشعبوية والانعزالية في ظل قناعة تتعمق بأن الدولة لم تعد تحمي مواطنيها من تقلبات السوق.
بهذا المعنى، يُجسّد الإغلاق انقسام أمريكا الداخلي بين دولة رأسمالية فائقة الثراء ومجتمع يعاني هشاشة معيشية حقيقية.
إن اهتزاز المركز المالي الأمريكي لا يبقى داخل حدوده، بل يُعيد تشكيل خريطة الثقة في النظام المالي العالمي. فالأسواق تتجه تدريجيًا لتنويع أدواتها بعيداً عن الدولار، سواء عبر الذهب أو العملات الإقليمية. ومن منظور محلي، يُعيد هذا المشهد التأكيد على أن الاستقرار المالي والاجتماعي الداخلي هو جوهر القوة الحقيقية. فبينما تتعثر واشنطن في تمرير ميزانيتها، تحافظ مصر مثلاً على انتظام مؤسساتها العامة رغم ضغوط التمويل العالمي وتقلبات السلع الأولية. إنها لحظة تستدعي تفكيرًا جديدًا في بناء نموذج تنموي مستقل، يستند إلى الإنتاج والميزة النسبية لا إلى تدفقات رأس المال الأجنبي السريعة التقلب.
في كل الأحوال فإن الإغلاق الحكومي الأمريكي لم يعد مجرد خلاف حزبي أو أزمة تمويل، إنه علامة على أزمة نظام فقد توازنه بين السوق والدولة، بين المركز المالي والمجتمع. ومع كل يوم من الشلل، تتكشف هشاشة النموذج الأمريكي الذي طالما اعتُبر معياراً للحكم الرشيد.في المقابل، تبرز فرصة للدول الصاعدة، لإعادة تموضعها في النظام الاقتصادي العالمي على أساس من السيادة الإنتاجية والاستقلال المالي، مستفيدة من اهتزاز المركز الذي طالما احتكر تعريف القوة والنجاح.
اقرأ أيضاًالإغلاق الحكومي الأمريكي يتخطى 36 يومًا ويحطم الرقم القياسي
الإغلاق الحكومي في أمريكا.. من يتحمل شلل المؤسسات الفيدرالية؟
شبح الإغلاق الحكومي.. أزمة مالية داخلية أم مؤشر على تراجع النموذج الأمريكي؟
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدولار الأمريكي النظام المالي العالمي الإغلاق الحكومي الأمريكي الإغلاق الحكومي المؤسسة الأمريكية الإغلاق الحکومی الأمریکی
إقرأ أيضاً:
5000 دولار.. خبراء يتوقعون مواصلة الذهب مساره التصاعدي بفعل الإغلاق الحكومي الأمريكي
توقع تقرير اقتصادي متخصص أن تظل العوامل الأساسية المؤثرة على الذهب داعمة لمساره الصعودي حيث يعزز ضعف البيانات الاقتصادية واستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي وغياب محفزات قوية من سوق الأسهم، الطلب على المعدن الأصفر للتحوط ضد المخاطر، فيما قد تؤدي أي تطورات سياسية أو اقتصادية إضافية إلى دفع الأسعار نحو مستويات أعلى.
وأوضح التقرير الصادر عن شركة دار السبائك الكويتية، اليوم، أن محللي وول ستريت يرون أن استقرار الذهب عند مستوى 4000 دولار يمثل مرحلة تجميع تمهد لمسار صعودي جديد مع توقعات من بنوك كبرى مثل بنك أوف أمريكا بوصول السعر إلى 5000 دولار للأونصة.
وأشار التقرير إلى أن بيانات مجلس الذهب العالمي أظهرت تدفقات داخله لصناديق الذهب المتداولة بلغت 55 طنا في أكتوبر الماضي بقيادة أمريكا الشمالية وآسيا، مما يعكس عودة واضحة للطلب الاستثماري على الملاذات الآمنة.
وأغلقت تداولات نهاية الأسبوع للذهب على ارتفاع طفيف مدفوعة بتراجع الدولار الأمريكي وتزايد الطلب على الملاذات الآمنة وسط الجمود السياسي في واشنطن وتأثيره على الاقتصاد الأمريكي.
وذكر التقرير أن العقود الآجلة للذهب ارتفعت بنسبة 0.47% لتصل إلى 4009 دولارات للأونصة بدعم من تراجع مؤشر الدولار مع استمرار ترقب الأسواق العالمية للإغلاق الحكومي الأمريكي وقرارات البنوك المركزية.
وأوضح أن ارتفاع الذهب جاء أيضا نتيجة البيانات الاقتصادية الضعيفة التي رفعت توقعات خفض الفائدة في ديسمبر المقبل إلى أكثر من 70% بعد هبوط ثقة المستهلك إلى ثاني أدنى مستوى لها تاريخيا وارتفاع عمليات تسريح العمال إلى أعلى مستوياتها منذ عشرين عاما وتراجع مؤشرات التوظيف الخاصة.
ورأت «دار السبائك» في تقريرها أن تراجع الدولار أسهم في تعزيز جاذبية المعدن الأصفر للمستثمرين الأجانب مع غياب البيانات الحكومية، بسبب الإغلاق الأمريكي ما رفع مستوى الضبابية الاقتصادية ودعم الطلب على الأصول الآمنة.
وأشارت، في هذا الصدد، إلى أن الذهب حافظ على تداوله قرب 4002 دولار بعد ارتداده من 3974 دولارا فيما بقيت أسواق الأسهم تحت ضغط المخاوف الاقتصادية.
ولفت تقرير دار السبائك إلى أن عوائد السندات الأمريكية لـ10 سنوات استقرت قرب 4%، مما أبقى الذهب ضمن نطاق تداول ضيق بين 3950 و4060 دولارا على مدار الأيام الأخيرة.
وفيما يتعلق بسوق الذهب المحلي في الكويت، ذكر التقرير أن سعر جرام الذهب عيار 24 بلغ نحو 39.95 دينار كويتي (حوالي 122 دولارا)، وسجل عيار 22 نحو 36.29 دينار (حوالي 111 دولارا)، بينما بلغ سعر كيلو الفضة نحو 554 دينارا كويتيا (حوالي 1810 دولارات).
اقرأ أيضاًسعر الذهب الآن.. استقرار ملحوظ بـ أسعار «المعدن الأصفر» في مصر
عاجل| عيار 21 الآن.. تحديث مباشر لـ سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025
عاجل| سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025.. تحديث وقتي لـ عيار 21 و24