بالرغم من أن بلادنا لا تزال تخطو ولو ببطء للوصول إلى معدلات عالية في التنمية، إلا أن علينا الاعتراف بوجود أخطاء كثيرة ونواقص عديدة وأوجه قصور مختلفة في إدارة بعض الملفات والأزمات، وخاصة تلك المتعلقة بالوضع الاقتصادي وحركة الأسعار ومراقبة الأسواق.
والحقيقة، أن مثل هذه الأزمات وغيرها، وإن كانت تقدم فرصًا مهمة لتقييم أداء المؤسسات والوزارات والجهات المعنية وأصحاب القرار، إلا أنها في نفس الوقت تهيء الفرصة للمتربصين للطعن بإنجازات الوطن ومؤسساته، وبث الطاقة السلبية والتشاؤم والاحتقان، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة.
وإذا كنا ننادى بضرورة إصلاح الخلل والأخطاء والعيوب، إلا أن ذلك لا يعني أبدًا أن نغفل عن أي عمل جيد أو إنجاز يتحقق على أرض الوطن، فالحديث عن السلبيات والاخفاقات فقط ليس منصفًا، ولا يساعد على تحقيق التغيير والتصحيح المطلوب، فالفكر والقول السلبي له طاقة فعالة تتحول إلى فعل وعمل سلبي يؤدي إلى شلل الاقتصاد، ويغرق الوطن في كساد عميق.
لقد أنهك الوطن سلبية الحديث وسياسة نشر اليأس والاحباط وجلد الذات، كما أنهكته القرارات الخاطئة من الحكومات المتعاقبة وبعض التقصير من جانب المسئولين، لكن لا يبرر خطأ مسئول أو جهة معينة أن يصب أحد غضبه على الوطن، فالوطن أكبر من الجميع حتمًا.
كما أن سياسية جلد الذات لن تفيد، والزمن لن يعود للوراء، وما يجب علينا الآن هو أن ننظر ونستفيد من التجارب والنماذج الناجحة التي استطاعت تحقيق النهضة، مثل ماليزيا وسنغافورة ورواندا، والتي جمعتها عوامل نجاح مشتركة، لعل من أهمها: أنها جميعًا خرجت من رحم المعاناة والأزمات الضاربة، والاستناد على إرث سابق وتجارب من محاولات النهوض، التوفيق بين المحافظة على القيم الوطنية وبين الانفتاح، والاهتمام البالغ بالمورد البشري وتنمية الإنسان والتعليم والبحث العلمي، واستغلال الموارد المتاحة والمزايا النسبية، والاعتماد على النفس.
في مثل هذه الظروف والأزمات، علينا جميعا نحن أبناء الوطن أن نتحد ونُعيد بناء الإيجابية والتفاؤل، ونسعى إلى تصحيح الأخطاء، لكي يبقى وطننا شامخًا وحاضنًا لنا ولأبنائنا، ولنبدأ بتشجيع بعضنا البعض على العلم والعمل الجماعي وبث الوعي لعوامل النهوض، وكفى جلدًا للذات، ولنترك عقارب الساعة تندفع نحو الأمام.. فنهضة هذا الوطن لا تخلقها إلا السواعد المؤمنة بالأوطان، ولا يمكن لهذه النهضة أن تقوم إلا بوجود الرجال المؤمنين بثرى الوطن المكرسين فكرهم وجهدهم وعرقهم لبناء مجتمعاتهم وأوطانهم.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الزناتي: عصر الذكاء الاصطناعي يفرض علينا إعادة التفكير في فلسفة التعليم ودور المعلم
شارك خلف الزناتي نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب، فى الجلسة الموسعة للمجلس التنفيذى لمنظمة الدولية للتربية "Education International"، المنعقدة بالعاصمة البلجيكية بروكسل، والتى تحمل عنوان " استخدام الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية".
جاء ذلك بحضور ياسر عرفات الأمين العام لنقابة المعلمين المصرية، وعدد كبير من القيادات التربوية والنقابية على مستوى العالم يتقدمهم السيد موغوين مالوليكى رئيس الدولية للتربية، والأمين العام ديفيد إدوارد.
وتضمنت الجلسة النقاشية الموسعة، عرض عدد من المقترحات والرؤى وفتح النقاش حول طرق التطبيق، فى ظل التوسع الكبير لاستخدام التكنولوجيا فى العملية التعليمية، وهو مايحتاج ضوابط للحفاظ على أهمية دور المعلم كميسر وقائد للعملية التربوية.
وقال خلف الزناتي نقيب المعلمين فى كلمته خلال الجلسة النقاشية الموسعة، أن أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعى لم تعد مجرد تقنية ناشئة، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من أدوات الحياة اليومية، وواقعا يتشكل داخل الفصول الدراسية، يفرض علينا جميعًا أن نعيد التفكير فى فلسفة التعليم وأدوار أطرافه وعلى رأسها المعلم.
وأضاف الزناتي قائلا : "إننا ندرك تمامًا الفرص الهائلة التى يتيحها الذكاء الاصطناعى لتطوير العملية التعليمية، سواء فى تحسين طرق التدريس، أو تصميم محتوى تعليمى تفاعلى، أو توفير تحليل دقيق لاحتياجات الطلاب وقدراتهم، ورفع كفاءة التقييم، وتقليل الأعباء الإدارية عن كاهل المعلم، بما يتيح له التركيز على دوره التربوى والإنسانى مع الطلاب ".
وشدد نقيب المعلمين، على أنه فى الوقت ذاته، نؤمن أن التكنولوجيا مهما بلغت قوتها لا يمكن أن تكون بديلًا عن المعلم، فالمعلم هو صاحب الرسالة، وهو من يشكل وجدان الطالب وقيمه، ويبنى شخصيته، ويزرع بداخله روح الانتماء والقدرة على التفكير النقدى، فى حين أن الذكاء الاصطناعى قد يقدم معلومة، لكنه لا يستطيع أن يزرع الأمل فى نفس طالب متعثر، أو يكتشف موهبة دفينة تحتاج إلى رعاية صادقة، ولهذا نقول بثقة إن نجاح التكنولوجيا داخل المدرسة يبدأ من احترام دور المعلم الإنسانى والتربوى مع طلابه.
ومن جانبه أكد ياسر عرفات الأمين العام لتقابة المعلمين المصرية، خلال مداخلته النقاشيه، أن دمج الذكاء الاصطناعى فى التعليم يجب أن يقوم على مبادئ واضحة، أهمها تدريب المعلمين وتمكينهم من استخدام هذه الأدوات بكفاءة، وتوفير منصات آمنة تحمى خصوصية الطلاب والمعلمين، ووضع أطر أخلاقية وقانونية تضمن ألا يتحول الذكاء الاصطناعى إلى أداة للتمييز أو استبدال البشر، بل عامل داعم لهم، لأن الاستثمار الحقيقى ليس فى الأجهزة والبرمجيات، بل فى بناء قدرات المعلم، لأنه حجر الزاوية فى أى تطور تعليمى.
وأضاف أننا فى مصر، نعمل بجد على تعزيز مهارات المعلمين فى التعامل مع التقنيات الجديدة، مع الحفاظ على الأصالة المهنية التى طالما ميزت المعلم المصرى لأن المستقبل الذى نتطلع إليه هو مستقبل تتكامل فيه قدرات الإنسان مع قوة التكنولوجيا، فنصنع تعليمًا أكثر عدالة وفاعلية، دون أن نفقد روح المهنة وقيمها.
وشهدت الجلسة النقاشية تقديم مقترحات عديدة، فى اطار اجتماعات المكتب التنفيذى لمنظمة الدولية للتربية "Education International"، المنعقدة حاليا بالعاصمة البلجيكية بروكسل، والتى تركز على استخدادات الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية، مع الحفاظ على دور المعلم فى قيادة العملية التربوية.
وتعد منظمة "الدولية للتربية" أكبر اتحاد عالمي لنقابات التعليم، تمثل ملايين المعلمين والموظفين في قطاع التعليم في جميع أنحاء العالم، هدفها الأساسي هو تعزيز حقوق المعلمين وجودة التعليم العام ، وتضم أكثر من 400 منظمة ونقابة من 170 دولة حول العالم.