لجريدة عمان:
2025-10-20@01:48:50 GMT

مأزق إسرائيل المنتظر

تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT

لا يمكن لنا كعرب أن ننظر إلى إسرائيل بعيدا عن فكرة أنها "كيان" زائل لا محالة، طال الزمان أم قصر، وهذا اليقين مصدره الإيمان بالوعد القرآني في المقام الأول وهو أحد أهم عوامل صمود المقاومة الفلسطينية على مدى أكثر من 75 عاما منذ قيام "دولة" إسرائيل. إلا أن هناك إيمان آخر يمكن أن نشترك فيه مع المنصفين ممن تشغلهم القضية الفلسطينية حول العالم ببعديها السياسي والإنساني وهو أن كل احتلال أو استعمار يواجه مقاومة وإيمان بحق الأرض التاريخي لا بدّ أن ينتهي في يوم من الأيام، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطيني هو آخر احتلال عسكري باق في العالم.

. وسينتهي، وهذا الإيمان لا يحتاج إلى نص ديني مقدس في القرآن أم في التوراة أو في أي كتاب ديني آخر عند أي تجمع بشري في أي زمان أو مكان.

لكنّ المنصفين للقضية الفلسطينية من غير العرب، بشكل خاص، لم يكتفوا بالوقوف عند فكرة أن "كل احتلال لا بدّ أن ينتهي" ولكنهم قرأوا بعمق الحقيقة الوظيفية لـ "دولة" إسرائيل في سياق قراءتهم لعموم المشروع الصهيوني في العالم، ووجدوا أن إسرائيل تعيش منذ سنواتها الأولى في مأزق حقيقي، ولم يشفع لها التقدم العلمي الذي حققته خلال العقود الماضية، ونجاحها في تشظية عدوها الأول.. العرب، وجعلهم يعيشون عند حافة التاريخ إن لم يكن خارجه.. لم يشفع لها كل ذلك بل إن الكثيرين ممن قرأوا مأزق "دولة" إسرائيل وصل بهم الأمر للحديث بشكل واضح عن الخطر الكبير الذي يواجهه بقاء هذه "الدولة" واستمرار "وجودها"، ومن بين هؤلاء مفكرون يهود استشعروا الخطر فحذروا منه بصوت عال. وفي سياق الحديث عن المفكرين الذين يؤمنون بالمأزق الذي تعيشه إسرائيل لا يمكن أن نتجاوز أطروحات كل من المفكرين نعوم تشومسكي ونورمان فينكلشتاين حتى لو كانا من أكبر منتقدي إسرائيل رغم يهوديتهم إلا أنهما شرّحا المأزق بتفصيل دقيق في الكثير من أطروحاتهما.

وهذا المأزق يتحدث عنه الكثيرون اليوم ممن يؤيدون إسرائيل دون هوادة ويعملون كل ما في وسعهم من أجلها ومن أجل استمرارها، ويطرحون الكثير من الأسئلة حول بقائها، ومستقبلها في محيطها العربي! إنه نفس الشعور الذي شعر به قبل نصف قرن العالم "آنشتاين" وهو يطرح سؤالا مماثلا على الصحفي محمد حسنين هيكل بعد أن قال هيكل إنه يعرف على الأقل بعض الضباط الأحرار الذين يحكمون مصر في ذلك الوقت: "هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي؟ أهلي من اليهود، هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل!". كان آنشتاين يشعر بالخطر على إسرائيل وما ينتظروها في السنوات القادمة أكثر من خوفه على أهله "اليهود"؟ كان ذلك في مطلع خمسينيات القرن الماضي!

وذلك السؤال ما زال حتى اليوم، وإنْ بشكل أكبر، أحد أخطر الأسئلة التي تواجه إسرائيل في هذا التوقيت بالذات حيث تعمل العنصرية الإسرائيلية بكل ما لآلتها العسكرية من قوة وبطش وغياب أي التزام أخلاقي أو إنساني وبشكل جنوني لا سابق له على ارتكاب أبشع المجازر في غزة، مجازر من تلك التي لا يمكن للتاريخ نسيانها أو تجاوزها، ولا يمكن لآلامها أن تسكن ولا لندوبها أن تبرأ.. إنها مجاز توجه بناء وعي وفكر الفلسطينيين والعرب عموما إلى اتجاه واحد فقط.. رفض أي شكل من أشكال السلام أو الاعتراف الجزئي أو الضمني بإسرائيل أو حتى مجرد التعايش معهم، وتحويل الصراع مع إسرائيل من صراع مع الفلسطينيين كما كان يسير خلال العقد الماضي من الزمن إلى صراع أبدي مع العرب والمسلمين.

وإذا كانت إسرائيل قد وصلت إلى مرحلة كادت فيها أن تنجح في إنهاء عزلتها الدبلوماسية مع محيطها العربي عندما بدأت في توقيع اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول العربية رغم أنها لم تلق قبولا شعبيا ولو بنسبة 5% إلا أنها خطوة حسبت ضمن مكاسب إسرائيل في العقد الماضي.. فإن ما يحدث في غزة اليوم نسف كل شيء حلمت به إسرائيل، ومن غير المتوقع أن تقدم أي دولة عربية أخرى على توقيع اتفاقيات تطبيع جديدة مع إسرائيل وإلا ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع شعبها، بل إن البعض يتساءل إلى أي درجة يمكن أن تصمد بعض تلك "التطبيعات" بالنظر إلى ما يحدث اليوم من مجازر تنفي نفيا قاطعا أي إيمان إسرائيلي بفكرة "السلام".

تعتقد إسرائيل أنها تقضي الآن على المقاومة الفلسطينية وتكسر روحها المعنوية وتنهي مستقبلها حينما تمعن في قتل الأطفال (أكثر من 3 آلاف طفل حتى كتابة هذا المقال) وترمل النساء وتقتل كبار السن وتشردهم وتعيد استحضار ذاكرة الشتات الأولى التي حدثت في أعقاب النكبة الفلسطينية في عام 1948، لكنها لا يبدو أنها تعي تماما أنها تعيد بناء المقاومة الفلسطينية وبث الحياة فيها، وتعيد طرح استراتيجية "أن ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة"، ليس في الوسط الفلسطيني فقط وإنما عند الشعوب العربية حتى ممن كان يؤمن بفكرة السلام مع إسرائيل.

إن إسرائيل موعودة بسنوات صعبة جدا، وقد تشاركها في ذلك بعض الدول الغربية التي تدعم المجازر في غزة.. وقد تكون هذه السنوات بداية الطريق لتحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة؛ فالفلسطيني الذي قتل أطفاله أو دفنوا تحت الركام دون أي ذنب لا يمكن أن ينسى، والعربي الذي يحترق اليوم مما يحدث للأطفال في غزة لا يمكن أن ينسى لإسرائيل والغرب ما يحدث، وعليهم جميعا أن ينتظروا، إضافة إلى مقاومة أكثر قوة وصلابة في فلسطين، عودة تيارات التطرف في المنطقة مرة أخرى، مع الأسف الشديد. وإنْ كان الغرب قد واجهوا في التسعينيات والعقد الأول من الألفية أسامة بن لادن واحد فإن الأحداث التي تجري اليوم يمكن أن تصنع عشرات النسخ من ابن لادن وفي بقاع مختلفة من العالم.

إن ظهور تنظيم داعش في أعقاب الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق لم يكن بدءا إلا بسبب الظلم والضيم الذي تعرض له العراقيون والعرب والمسلمون عندما رأوا إخوانهم في العراق يقتلوا بشكل جماعي وتخلع عنهم إنسانيتهم وأبسط أنواع حقوقهم التي تنص عليها المواثيق الدولية.. دون أن ننكر المؤامرة الدولية في بناء التنظيم وتغذيته لاحقا لتحريك الأحداث السياسية.

لقد أثبتت أحداث التاريخ أن الناس، في أي مكان، عندما يفقدون الأمل ويشعرون باليأس والحصار، ويقتل أطفالهم ونساءهم وتهدم بيوتهم على رؤسهم لا يكون أمامهم إلا المقاومة مهما كان توصيف العالم لمسار تلك المقاومة وآلتها. وعلى إسرائيل أن تعدّ نفسها لسنوات صعبة جدا تظهر فيها المقاومة الفلسطينية بروح مختلفة، ولكن بإيمان ثابت أنه لا سبيل أبدا أمام الفلسطينيين إلا النصر، وحينا هل سكان إسرائيل أن يشاهدوا "الدولة" التي حلموا بها وهي تتلاشى.

وهذا ليس كلاما خطابيا وحماسيا، فلا يمكن أن تفرز سنوات الظلم والقتل والتهجير والسجون إلا هذا المستوى من المقاومة في الداخل الفلسطيني.. أما في الغرب فإن اللا مبالاة التي يمارسونها أمام الجرائم التي ترتكب في فلسطين ودعمهم السياسي والعسكري وتعاطفهم الانتقائي فإن كل ذلك يعمل على تغذية الشعور بالتخلي بين ملايين المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا ما يدفعهم إلى اليأس والمقاومة العنيفة.

• عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة لا یمکن أن ما یحدث فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا تخشى إسرائيل من الدور التركي الجديد في غزة؟

 

 

أنقرة – الوكالات

أثار الحضور التركي المتنامي في ملف غزة قلقاً متزايداً داخل الأوساط الإسرائيلية، في ظل الدور الذي لعبته أنقرة في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، إلى جانب قطر ومصر، وما تبعه من إشادات أميركية متكررة بدور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويرى محللون إسرائيليون أن تركيا لم تعد مجرّد وسيط عابر، بل تحوّلت إلى "لاعب رئيسي وأحد مهندسي النظام الجديد" في المنطقة، وفق توصيف عوديد عيلام، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في الموساد.

ويعزو مراقبون هذا التحوّل إلى التفاهم المتنامي بين أنقرة وواشنطن، لاسيما بين الرئيسين أردوغان ودونالد ترامب، وهو ما تعتبره تل أبيب مصدر قلق إستراتيجي قد يغيّر موازين القوى في مرحلة ما بعد الحرب.

وتتخوف إسرائيل من أن يشمل الدور التركي المقبل الإشراف على الأمن وإعادة الإعمار في غزة، إلى جانب المساهمة في تشكيل الإدارة المدنية الجديدة للقطاع، الأمر الذي قد يعيد لتركيا موطئ قدم سياسي وعسكري في المنطقة بعد غياب دام أكثر من قرن.

وتقول نوا لازيمي، الباحثة في معهد ميسغاف للأمن القومي، إن إشراك تركيا في اتفاق غزة يعني الاعتراف بها كقوة سنية إقليمية مؤثرة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية تخص القضية الفلسطينية.

ويرى محللون أن الفارق بين الوجود التركي والإيراني في المنطقة يكمن في القبول الشعبي النسبي الذي تحظى به أنقرة، مقارنة برفض عربي واسع للنفوذ الإيراني بسبب خلافات مذهبية وتدخلات عسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

وتعدّ حماية قطاع غزة وسكانه وبقاء المقاومة إحدى ركائز الإستراتيجية التركية، وفق ما يراه مراقبون. فأنقرة تعتبر المقاومة الفلسطينية "خط دفاع متقدم عن الأناضول"، كما شبّه أردوغان سابقاً مقاتليها بـ"قوات المقاومة الوطنية" التي خاضت حرب الاستقلال التركية.

ويخشى الإسرائيليون أن تسعى تركيا –في حال وجودها داخل غزة– إلى إعادة بناء بنية المقاومة بدلاً من تفكيكها، مستلهمةً تجربتها السابقة في سوريا عندما حالت دون انهيار المعارضة المسلحة عبر اتفاقات خفض التصعيد.

وتشير تقديرات إسرائيلية إلى احتمال مشاركة قوات تركية ضمن القوة الدولية المكلفة بتنفيذ اتفاق غزة، وهو ما تعتبره تل أبيب تطوراً مقلقاً على حدودها الجنوبية.

ويقول الخبير الأمني الإسرائيلي إيلي كارمون إن تركيا "أقوى عسكرياً من إيران"، مذكّراً بأنها تفرض قيوداً على التعاون الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، وتنسق مع ليبيا ومصر لإعادة رسم الحدود البحرية، ما يحدّ من حركة تل أبيب في شرق المتوسط.

وقد برز التوتر بوضوح في قمة شرم الشيخ للسلام، حين رفض أردوغان مشاركة نتنياهو، وهدد بالانسحاب ما لم تُستبعد إسرائيل من الجلسة الافتتاحية.

وتعتمد تركيا في استراتيجيتها على بناء تحالفات عربية وإسلامية، أبرزها التنسيق الثلاثي مع قطر ومصر في مفاوضات وقف إطلاق النار، إلى جانب دور فاعل داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

ويصف عوديد عيلام هذا التحرك بأنه امتداد لسياسة أنقرة الهادفة إلى تعزيز قوتها البحرية وتوسيع نفوذها الإقليمي عبر الشراكات والتدريبات العسكرية المشتركة، خصوصاً مع القاهرة.

ويرى محللون أن التقارب التركي المصري يمثل واحداً من أكثر الملفات إزعاجاً لتل أبيب، التي تخشى من تحوله إلى محور إقليمي قادر على تقييد نفوذها في غزة وشرق المتوسط.

وتطمح أنقرة إلى استثمار نجاحها الدبلوماسي في غزة لتعزيز نفوذها في ملفات إقليمية أخرى، خاصة في سوريا، حيث تسعى إلى إنهاء تهديدات قوات سوريا الديمقراطية وإعادة ضبط التوازنات شمال البلاد.

ويحذر مراقبون إسرائيليون من أن تعافي الدولة السورية بدعم تركي قد يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل، في ظل تزايد التعاون الأمني بين دمشق وأنقرة.

ويختتم المحلل الإسرائيلي شاي غال قائلاً إن "المرحلة المقبلة ليست عسكرية بل معرفية، تحاول إسرائيل فرض واقع جديد قبل أن تعيد أنقرة والدوحة صياغته بلغة حماس".

مقالات مشابهة

  • المقاومة الفلسطينية: ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار
  • بسبب إسرائيل.. وزارة الخارجية البريطانية في مأزق!
  • مُفتي عُمان يشيد بحُسن تعامل المقاومة الفلسطينية مع أسرى العدو الإسرائيلي
  • "حماس": العملية التي استهدفت قوة للاحتلال بعبوة ناسفة تؤكد صمود المقاومة بالضفة
  • إسرائيل تعلن إبقاء معبر رفح مغلقاً حتى إشعار آخر .. والسفارة الفلسطينية في مصر تُحدد موعداً لإعادة فتحه
  • الصحة الفلسطينية تستلم 15 جثماناً من إسرائيل تظهر عليها آثار تعذيب
  • لماذا تخشى إسرائيل من الدور التركي الجديد في غزة؟
  • التعرف على هوية جثة الرهينة العاشر الذي عاد إلى إسرائيل من غزة
  • نادر صدقة.. أسير سامري حررته المقاومة الفلسطينية من إسرائيل
  • أبو سلمان المغني.. رئيس عشائر غزة الذي رفض التعاون مع إسرائيل