الحرب تدفع بالزراعة اليمنية: تركيز على زيادة إنتاجية المحاصيل القابلة للتصدير
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
يمن مونيتور/العربي الجديد
يعمل اليمن على التسريع في تنفيذ برامج اقتصادية تستهدف تنمية سبل المعيشة ودعم القطاع الزراعي ورفع إنتاجية المحاصيل القابلة للتصدير وتحسين أداء الأسواق المرتبطة بصغار المزارعين والفقراء، وذلك في ضوء التطورات المتلاحقة في المنطقة نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتغيرات المحتملة في الأسواق الإقليمية والدولية وسياسات المانحين وتوجهاتهم.
وتشمل الخطة تنفيذ مشروعين في مسارين مختلفين، حيث يستهدف الأول تحسين الأمن الغذائي والحيازات الصغيرة في 20 منطقة موزعة على 5 محافظات هي الضالع، وذمار، ولحج، وتعز، والحديدة، في حين يركز الثاني على تحسين أداء الأسواق وفرص التصدير لمنتجات صغار المزارعين والفقراء في مناطق صنعاء ومحافظة حضرموت.
ويؤكد مسؤولون حكوميون أهمية التوجّه في الظروف الراهنة التي يمر بها اليمن تحديداً والمنطقة بشكل عام نحو هذه المشاريع التي تستهدف الفرص المتاحة في بعض القطاعات الاقتصادية الواعدة، مثل القطاع الزراعي، من خلال رفع قدراته التنافسية وزيادة إنتاجية وصادرات المحاصيل القابلة للتصدير مثل العسل والبن والبصل.
الخبير الاقتصادي محمد الحميري، يقول لـ”العربي الجديد”: “لا يجب انتظار أي حدث أو مشكلة أو أزمة، سواءً كانت داخلية أو خارجية لنلتفت لإمكانات البلاد الاقتصادية والاهتمام بما تمتلكه من قطاعات واعدة، أو لترميم ما تعاني منه من اختلالات وتدهور واسع نتيجة الإهمال الشديد الذي تعرضت له طوال السنوات الماضية على حساب تضخم أعباء البلاد الاقتصادية والمالية والاعتماد الكلي على الواردات التي ساهمت في إضعاف الإنتاجية وخلق مجتمع استهلاكي”.
استهداف صغار المزارعين
وتقدّر تكلفة المشروعين؛ مشروع تنمية سُبل المعيشة الريفية، ومشروع جاهزية الوصول للأسواق؛ بنحو 5 ملايين دولار بتمويل جهات ومنظمات مانحة. وتعول الجهات الحكومية كثيراً على هذه المشاريع في تطوير التنمية الاقتصادية للمحافظات والمناطق المستهدفة، بما يؤدي إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء ضعف الأداء في الأسواق التي تهمّ صغار المزارعين والفقراء، وتعزيز سُبل العيش المستدامة وخلق فرص العمل وتحسين الدخل، واستهداف المنتجات ذات الإمكانات القصوى لتوليد سُبل عيش أفضل وتحقيق أقصى عائد ودخل من سلسلة القيمة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي مطهر عبدالله، في حديثه مع “العربي الجديد”، تغييراً واسعاً في سياسات وتوجهات المانحين والممولين من الدول والمنظمات والمؤسسات والصناديق التمويلية، بالنظر إلى التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم خلال الفترة الماضية، والتغير الطارئ في سياسة بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة وتوجهها نحو إجراء تعديلات مفاجئة على موازناتها وتخصيص مبالغ كبيرة إضافية لدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة، أو من خلال تركيز الاهتمام على الجانب العسكري وتخصيص مليارات الدولارات لتحريك قطع وسفن حربية ضخمة وإرسالها إلى الشرق الأوسط.
ويرى أن مثل هذه الدول من كبار المانحين والممولين للصناديق والمنظمات الدولية التي تنشط في الجانب الإنساني والتنموي والاقتصادي لمساعدة الدول النامية الفقيرة كاليمن وغيره، والتي تحصل على دعمها وتمويلها بشروط ومعايير تفوق أحياناً قدراتها على تلبيتها، قد تضاعف هذه الشروط والمعايير مع التغيرات المتسارعة حالياً بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، الأمر الذي يحتم على اليمن ودول أخرى في المنطقة التركيز على إيجاد سياسة ومنهجية اقتصادية جديدة والتوجه نحو تنمية القطاعات الإنتاجية لتقليص الإنفاق والهدر المتواصل والعبثي للموارد العامة.
تعزيز الإنتاج الغذائي
ويؤكد خبراء اقتصاديون وزراعيون يمنيون أنّ الاستثمار الزراعي والتوسع في إنتاج القمح وتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي في اليمن بات أمراً ملحاً وضرورياً للتعافي الاقتصادي وتحسين سُبل العيش في المناطق الريفية. وتشمل مكونات المشاريع، وفق المنشورات الحكومية، تنفيذ تدخلات في سلاسل القيمة لتحسين الوصول إلى الأسواق، واستشارات الأعمال وبناء القدرات والدعم الفنّي المقدم للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، وإنشاء منصة للتجارة الإلكترونية تربط الشركات في اليمن بالتجار في الخارج.
إضافة إلى تعزيز صمود القطاع الزراعي وزيادة إنتاجيته والاستثمار في الهياكل الأساسية التي تدعم الزراعة والتدريب التقني للمزارعين، وتوفير فرص سُبل كسب الرزق، وأيضاً تطوير البنية التحتية المجتمعية القادرة على الصمود أمام تغير المناخ من خلال تحسين إمدادات المياه المنزلية وإمدادات مياه الري للمجتمعات المحلية المستهدفة، إلى جانب حماية الأسر الزراعية واستعادة سُبل عيشها التي دمرها الصراع وتوفير الأمن الغذائي للأسر الضعيفة.
ويعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد اليمني في إنتاج الغذاء وتشغيل العمالة، حيث يساهم في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 16 في المائة و19 في المائة، بحسب بيانات حديثة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي.
فضلاً عن أنه مصدر الدخل الرئيسي بصورة مباشرة وغير مباشرة لنسبة كبيرة من السكان، وهو في الوقت نفسه محور أساسي للتنمية الريفية المتكاملة وعامل استقرار للسكان والحد من الهجرة الداخلية.
الباحث الزراعي بسام قاسم، يشير لـ”العربي الجديد” إلى أن تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ستكون كارثية على دول مثل اليمن التي تعرضت لتدمير ممنهج لقدراتها ونهب ثرواتها دون تحقيق أي استفادة اقتصادية، في ظل تركيز معظم المساعدات التي كانت تحصل عليها طوال السنوات الثماني الماضية على السلال الغذائية البسيطة التي تحتوي على بعض كيلوغرامات من الدقيق وزيوت الطعام.
إذ وصلت هذه السلال إلى جزء كبير من المزارعين الفقراء وأثرت بشكل بالغ على اهتمامهم بحيازاتهم من الأراضي الزراعية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنتاجية من المحاصيل التي تكتسب بعضها مزايا تنافسية لتصديرها للأسواق الخارجية خصوصاً للدول العربية التي يجب أن تلتفت إلى تطوير علاقتها التجارية وإيجاد أسواق حرة مشتركة فيما بينها.
ويواجه اليمن تحديات كبيرة في الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد مع توسع الفقر والبطالة، فضلاً عن تبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي لاتزال البلاد تعاني منها حيث عمقت من فجوة الأمن الغذائي في اليمن وساهمت في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وأسعار الطاقة، وزيادة معدلات التضخم في الأسواق ونسب الفقر والحرمان في المجتمع.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الاقتصاد التنمية اليمن القطاع الزراعی الأمن الغذائی العربی الجدید
إقرأ أيضاً:
مسار الحرب في اليمن: لعبة المصالح واللحظة المتغيرة
ميدان السياسة غير ثابت، بل هو كيان متحوّل تحكمه معادلات دقيقة تتغيّر باستمرار وفقًا للظروف والضغوط الداخلية والخارجية. هو أشبه برقعة شطرنجٍ تتغيّر فيها مواقع القطع واللاعبين تبعًا لتحوّلات اللحظة السياسية. فلا ثوابت مطلقة، بل توازنات آنية تحكمها المصالح، سواء كانت إقليمية أو دولية أو محلية. تتعدّد العوامل والأسباب، وتتقاطع الأجندات، وقد يُعاد ترتيب الأوراق بفعل حدثٍ مفاجئ أو ظرف طارئ لم يكن في الحسبان. في هذا السياق، لا يمكن التقليل من تأثير خطوة واحدة أو قرارٍ منفرد؛ فقد يُحدثان تحوّلًا جذريًا في مسار المعركة السياسية أو العسكرية. قد تُطيح هذه الخطوة بمشروع استمرّ لسنوات، أو تفتح أبوابًا لم تكن واردة في الحسبان، وقد تتولّد منها فرصة نادرة لن تتكرّر، لا يدركها إلا مَن يقرأ اللحظة السياسية بعمق.
لا يمكن اختزال مسار الحرب في اليمن ضمن سردية واحدة أو تفسير خطّي؛ فكلّ مرحلة من مراحلها تحكمها اعتبارات خاصة وظروف طارئة، ويتوقف النجاح أو الفشل في إدارتها على قدرة الفاعلين السياسيين – من مختلف الأطراف – على تكييف أدواتهم واستراتيجياتهم تبعًا لمتغيرات الواقع. وهذا يشمل أدوات الحرب والدبلوماسية، والتحالفات، وحتى الخطاب الإعلامي.
مسقط – كعادتها – تحاول إعادة تموضعها كوسيط ناعم ومقبول
أخذت الحرب في اليمن منحًى جديدًا ومغايرًا تمامًا بعد تدخّل الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًا بشكلٍ مباشر، وهي لحظة فارقة أعادت ترتيب الأولويات، ليس فقط إقليميًا، بل عالميًا. جاء هذا التحوّل إثر تصاعد هجمات جماعة الحوثي الإرهابية على السفن في البحر الأحمر، ما اعتُبر تهديدًا حقيقيًا للملاحة الدولية وأمن والتجارة العالمية. لم تعد المسألة مقتصرة على صراع داخلي أو حرب بالوكالة، بل تحوّلت إلى تهديد استراتيجي للأمن الدولي؛ الأمر الذي دفع واشنطن لاتخاذ خطوات عسكرية معلنة في إطار ما سمّته بـ”حماية المصالح الدولية” من التهديدات الإيرانية عبر وكلائها في اليمن.
خبراء يعلقون على اتفاق ترامب والحوثيين.. أسوأ تحدٍ للحكومة وتنسيق خليجي أوسع هل ترى شيئا؟ لا تقل شيئا: حملة “مدري”.. تجريم الحوثيين للحقيقةفي هذا السياق، تحرّكت دولة الشرعية ممثلة برئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي نحو تعبئة الجهود الدبلوماسية، مُستغلةً هذا التحوّل الدولي لإعادة تسليط الضوء على مشروع استعادة الدولة اليمنية. بدأ التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية لبناء موقف سياسي وعسكري موحّد يدعم الشرعية في معركتها، ليس فقط ضد الحوثيين كقوة انقلابية، بل ضد المشروع الإيراني العابر للحدود، الذي يستثمر في زعزعة استقرار اليمن والمنطقة.
في الوقت الذي بدأ فيه سقوط جماعة الحوثي السلالية الإرهابية المدعومة من إيران يلوح في الأفق، دخلت الوساطة العُمانية على خطّ الأحداث مجددًا. كانت مسقط – كعادتها – تحاول إعادة تموضعها كوسيط ناعم ومقبول. زار المبعوث الأممي هانس غروندبرغ العاصمة العُمانية، حيث التقى مسؤولين عمانيين وممثلين عن جماعة الحوثي، في محاولة ضمن مساعيه للوصول إلى سلام مستدام في اليمن، وتركّزت المباحثات على أهمية الاستقرار في اليمن ومعالجة مخاوف جميع الأطراف المعنية. غير أن هذه الجهود لن تكون حاسمة، لا سيّما في ظل وجود لاعب دولي قوي دخل الساحة، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا. دخول هؤلاء الفاعلين أضفى على الحرب بُعدًا دوليًا جديدًا، حيث أصبح الحديث عن فرض معادلات القوة والهيمنة، لا عن تسوية بالرضا.
مع تصاعد الضغوط العسكرية والسياسية، بدأت ملامح الانقسام الداخلي تظهر بوضوح داخل البنية الهرمية لجماعة الحوثي السلالية الهاشمية. الانقسامات لم تعد مجرّد تباينات في الرأي أو صراع أجنحة تقليدي، بل تحوّلت إلى صراع حادّ على السلطة والنفوذ بين تيارين رئيسيين: جناح صعدة المتشدد بقيادة “سيد الكهف”، الذي يمسك بزمام القرار العسكري والأمني المطلق ويعتبر نظرية الحق الإلهي بالحكم خاصة به، وجناح السلالة الحضرية المثقفة، التي ترى نفسها الأحق بقيادة المشروع الانقلابي بحكم خلفياتها الإدارية والعلمية والفكرية والدينية.
توجيه هذه الانقسامات إلى ساحة الصراع الداخلي، حيث رأت بعض الأجنحة أن المشروع الانقلابي لا يجب أن يدخل في مرحلة حرب واسعة مع قوات دولية؛
إضافة إلى ذلك، تم توجيه هذه الانقسامات إلى ساحة الصراع الداخلي، حيث رأت بعض الأجنحة أن المشروع الانقلابي لا يجب أن يدخل في مرحلة حرب واسعة مع قوات دولية؛ مما أدى إلى حملة اعتقالات واسعة شملت العديد من القيادات الحوثية بتهم تتعلق بتسريب معلومات عسكرية. كما فرّت عدد من القيادات السلالية الهاشمية إلى خارج اليمن بعد الضربات الجوية، خوفًا من الاستهدافات.
هذه المؤشرات تدل على هشاشة الوضع الداخلي للجماعة، وغياب الثقة بين مكوناتها، وهو ما ينذر بتآكل تدريجي لسلطتها من الداخل، ولو انخفضت حدّة الخلافات، إمّا بسبب ضغوط إجبارية، أو لإظهار التماسك.
من الراتب إلى الخُمس: كيف غيّر الحوثيون مفهوم الدولة والمواطنة؟ تحليل معمق- 40 يوماً من المواجهة: جردة حسابات وتقييم استراتيجي للحملة الأمريكية ضد الحوثيينفي الوقت ذاته، تشنّ الجماعة حملة قمع شعواء ضد المواطنين في مناطق سيطرتها، مستخدمة ذرائع واهية مثل “التخابر مع العدوان”، في محاولة لتثبيت قبضتها الأمنية وكتم أي أصوات معارضة، معتمدة سياسة الترهيب ونهب الأموال والممتلكات بجبايات متنوعة لتعويض الخسائر الميدانية والمالية التي تتكبّدها.
تعتمد الجماعة نهج التضليل الإعلامي كجزء أساسي من أدواتها لتغطية فشلها السياسي والعسكري؛ لذلك عمدت إلى صناعة هالة إعلامية ضخمة تقوم على التهويل والدعاية السوداء. فمنذ بداية الضربات الدولية، دأبت الجماعة على إعلان ضربات “نوعية” ضد أهداف أمريكية، مثل الادعاء باستهداف وإغراق حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”، في حين أن الوقائع على الأرض والمصادر العسكرية الدولية تنفي مثل هذه الادعاءات جملةً وتفصيلًا.
لجأت الجماعة لمرّات عديدة إلى تبنّي إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو إسرائيل، لتسويق نفسها عند أتباعها بأنها “محور مقاومة”، رغم أن تأثير هذه الهجمات كان هامشيًا ولم يتسبّب بأضرار كبيرة، سوى بعض الإرباك الإعلامي المؤقت. في المقابل، تستغلّ إسرائيل هذه العمليات لتكثيف حملاتها الإعلامية، لتظهر بمظهر الضحية المهددة بالإبادة من محيطها العربي، مبرّرة بذلك عدوانها الوحشي المستمر على الشعب الفلسطيني باعتباره دفاعًا عن نفسها؛ ما يؤدي إلى ربح متبادل للطرفين: الحوثيون يحافظون على تعبئة داخلية عبر شعارات “نصرة القضية الفلسطينية”، بينما تستثمرها إسرائيل في تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي.
ليست الحرب بالنسبة لجماعة الحوثي مجرّد وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، بل تحوّلت إلى غاية بحد ذاتها، وإلى مصدر للبقاء المالي والسياسي. تدرك الجماعة أن إنهاء الحرب يعني نهاية مشروعها السلالي السلطوي الدكتاتوري القائم على العنف والنهب؛ لذلك تسعى بكلّ قوّة لإطالة أمد الحرب، ولو كان ذلك على حساب معاناة ملايين اليمنيين.
إن الجماعة الحوثية الإرهابية – من خلال تمسكها بالحرب والتدمير – تبقى في النهاية جماعة تُجسّد شبحًا دمويًا في اليمن، يسعى لتحويل اليمن إلى أرضية لحرب عالمية ثالثة. فإنها لا تتردد في جلب الحروب وافتعال صراعات مع أطراف دولية بعيدة جغرافيًا عن اليمن. فما إن توترت العلاقات بين الهند وباكستان، حتى هدّدت بالتصعيد ضد الهند واستهداف مصالحها، برغم أن النزاع بين الدولتين لا يمتّ بصلة مباشرة إلى الساحة اليمنية أو مصالح الحوثيين؛ يُظهر ذلك الطبيعة العدوانية التي لا تتوقّف عند حدود اليمن، بل تسعى لاستدراج العديد من الدول إلى حرب جديدة، دون أدنى اكتراث للدماء التي تُسفك أو للتدمير الذي تُسببه.
الهند – بما تملكه من ثقل اقتصادي وعسكري وبحري، وعلاقات دولية قوية مع الغرب – قادرة على الردّ القوي في حال تعرّضت مصالحها للتهديد والاستهداف، بل ومن الممكن أن تنخرط في تحالف دولي يضمّ الولايات المتحدة وبريطانيا لحماية الملاحة الدولية.
طموح جماعة الإرهاب الحوثي وإيران وتسويقه أمام الدول المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية في جرّها إلى حرب استنزاف، مع وجود سياسة إدارة ترامب الواضحة التي تتجنّب بشكل أساسي مثل هذه المحاولات، وتتجلى بتوجّه حازم جدًا لا يترك مجالًا لحرب استنزاف، والتي قد تُقلب الداخل الأمريكي ضده مع وجود ترصّد دقيق من قوى المعارضة في حال المخاطرة؛ خصوصًا أنّه استخدم في سياسته الدعائية للانتخابات نقدًا شديد اللهجة ضد إدارة بايدن، واتّهمها بالتماهي وإظهار أمريكا كقوة ضعيفة يُستهان بها، وفي سبيل إثبات الولايات المتحدة كقوة عظمى ذات هيمنة وسيادة عالمية.
جماعة الإرهاب في خسارة كبيرة قادمة؛ فقد وضعوا أنفسهم في مأزق حقيقي بعد تصعيدهم الإعلامي والعسكري المتخطّي للخطوط الحمراء، التي تجعل من الصعب تمكّنهم من المراوغة والتراجع المتخفّي واتفاقيات السلام والهدنات المعتادة مع دولة الشرعية والتحالف العربي، مما كانوا يغلفونه دعائيًا لأنصارهم أنه ليس إلا لكسب الوقت وإعادة ترتيب الصفوف، واستمرار بعض التصعيدات إعلاميًا وعسكريًا لإثبات أنهم مستمرون في المعركة.
وأيّ قبول علني بوقف الهجمات وتهديد الأمن والسلم الذي تحدّده سياسة القوة والردع، سيُكلّفه انكسارًا عميقًا في صفوفه،
بنى الحوثي شرعيته أمام أنصاره على أساس “التحدي والصمود والمقاومة” ضد أمريكا وإسرائيل، وأيّ قبول علني بوقف الهجمات وتهديد الأمن والسلم الذي تحدّده سياسة القوة والردع، سيُكلّفه انكسارًا عميقًا في صفوفه، وانهزامًا معنويًا وعسكريًا باهظًا وسيوسع الانشقاقات والخلافات الداخلية. ولأنّ إمكانية القبول بهدنة غير معلنة من خلال تقليل العمليات العسكرية بدون إعلان رسمي عن التراجع وتصعيد الخطابات للحفاظ على الداخل، قد ذهبت مع وداع جو بايدن للبيت الأبيض، فلا خيار لدى الجماعة سوى الاستمرارِ في التصعيد للحفاظ على الصورة القوية والسيطرة على الداخل من التفكك، حتى وإنْ كان ذلكَ انتحارًا سياسيًّا وعسكريًّا؛ لأنّ التراجعَ في هذه المرحلة يُعدّ اعترافًا ضمنيًّا بالفشل، وهو ما لا يمكنُهم تحمُّلُه أمام قواعدهم المهترئة.
سياسة دونالد ترامب تعني “وقف الحوثيين بشكلٍ نهائيّ التهديداتِ والاستهدافاتِ العسكريةَ لمصالحِ واشنطن وحلفائها والملاحةِ البحرية”، وبخلافِ هذا ستتطوّر الأهدافُ من ضرباتٍ محدودةٍ إلى مزيدٍ من التصعيدِ العسكري على مناطقِ جماعةِ الحوثيين التي يُعاملها كأداةٍ إيرانية إرهابية دون اعتبارٍ للحساباتِ الأممية، وستُهمّشُ الاعتباراتُ الإنسانيةُ والحقوقيةُ لصالحِ “الرّدعِ الصّلب”. بعد ثلاثِ جولاتٍ من المفاوضاتِ الإيرانيةِ الأمريكيةِ في عُمان ودخولِ الرابعة، أعطى ترامب مهلةً حتى منتصفِ الشهرِ الجاري من مايو لفرصةِ التوصلِ إلى اتفاق.
التواصل والتنسيق بين واشنطن والشرعية اليمنية يلوح بفرصة ذهبية لا تتكرر للشرعية إذا عملت بدبلوماسية فطنة. غير ممكن لتحالف واشنطن وبريطانيا أن يدعم قوات الشرعية في تحرير اليمن بالكامل، نظرًا لاعتباره شأنًا داخليًا لا علاقة لهم به وفق سياستهم الواضحة بهذا الجانب. كذلك يتجنب التحالف العربي بقيادة السعودية الدخول بأي عمليات عسكرية، ويرغب في تعزيز عمليات السلام للحفاظ على مصالح رؤية 2030 الاستثمارية من أي تهديد؛ خصوصًا في ظل الانقسامات والمخاوف المتبادلة بين مكونات قوى الشرعية على أرض الواقع، ودور المصالح الخاصة لكل طرف، وتغييب المصلحة الوطنية العليا “مصلحة الشعب والوطن لا المصالح الخاصة بالقوى”، والرؤية المستقبلية الشاملة والواضحة التي لا تعيد اليمن إلى ما قبل الحرب، إنما لتحقيق تقدمه وتطلعاته منذ عقود والحفاظ على السلام والأمن.
لا يكفي أن تنهض اليمن فحسب لتنفك قيود الحرب، بل عليها أن تصنع من روحها الممزقة نسيجًا موحدًا يليق بتاريخها العريق:
تحرير الحديدة والحد من استهداف الإرهاب الحوثي للملاحة البحرية، وإنقاذ البنية التحتية التي تسيطر عليها الجماعة، سيساهم بشكل كبير في دخول المعونات الإنسانية إلى اليمن بأمان، وإيقاف بوابة دعم الإرهاب من إيران، وتسهيل عمليات السلام إن أمكن. ولا يهم التحرك من جبهة حجة أو المخاء أو كلتيهما؛ ففي ذلك ستيعافى الاقتصاد اليمني المتدهور، وتتوحّد العملة المحلية التي تُفاقم معاناة المواطنين والأزمة الإنسانية في اليمن. ستُحقق إدارة ترامب بهذا نصرًا واضحًا دون خسارة مكلفة أمام المعارضة في الولايات المتحدة وأمام أوروبا والأمم المتحدة، كما سيظهر دور التدخل الأمريكي في اليمن بتحقيق الأهداف دون زيادة تفاقم الوضع الإنساني، وإنما كمساهمة فعلية في تحسين الوضع.
لا يكفي أن تنهض اليمن فحسب لتنفك قيود الحرب، بل عليها أن تصنع من روحها الممزقة نسيجًا موحدًا يليق بتاريخها العريق: ثورةٌ داخليةٌ شاملةٌ تنطلقُ من عُمق المجتمع وينهضون فيها من تحت ركام الصراع ليُعيدوا كتابة تاريخهم بأقلام الأمل والتضامن؛ فتتشابك أيدي الشمال والجنوب في بناء وطنٍ حقيقيٍّ، يُسنده عقدٌ اجتماعي جديد ينبثق من واقع المشكلات ليضع لها الحد، ويكون الإنسان فوق كل اعتبار، ويقضي على منطق العنف ويؤسّس لثقافة الحوار والتشارك بين أفراد الشعب، ويغلق باب العنف نهائيًّا. إن المستقبل لن يُبنى على معادلاتِ كراسي السلطة أو غلبة الأجنحة المسلحة، بل على بناء الثقة بين الشعب والدولة المنبثقةَ منه، وتجديد العهد بأن يكون كل طفلٍ يمنيٍّ شاهدًا على حياةٍ كريمةٍ تستحقُّها أرضُه.
فلتكن هذه اللحظة بمثابة ولادةٍ أخيرة لليمن، يشرق فيها فجرٌ تُشرق به ملامح السلام الدائم لا كهدنةٍ مؤقتة، وتُعطى الأجيال القادمة الحق في وطنٍ يؤمن لهم الفرص والحرية والكرامة. لتكن مبادرات الشباب والشابات حاضنةً لهذه الثورة الحضارية، ولتدعمها المؤسسات الدولية بحواضن للسلام والتنمية، فيتحول اليمن من ساحة صراع إلى نموذجٍ عالميّ للتغيير والتكافل الاجتماعي. بهذا العقد الثوري الجديد، تشرق شمس حقبةٍ تنبض فيها الأرض حياةً، ويُكتب فصلٌ أخيرٌ في زمنٍ تسقط فيه أسوار الأصوات المحرمة، يليق بأماني الأجيال القادمة ويضمن لها مستقبلاً يستحقّه شعبٌ أنهكه الحروب.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق غير مصنفرسالة المعلم أهم شيئ بنسبة لهم ، أما الجانب المادي يزعمون بإ...
يلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...
نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...