لجريدة عمان:
2025-05-31@13:09:32 GMT

نوافذ: إبستين وبريغوجين.. طار الشرّ!

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

طفا على السطح بقوة هذا الأسبوع اسم جيفري إبستين؛ المليونير الأمريكي الذي أُعلِنَ عن انتحاره في سِجنه بنيويورك عام 2019، بعد فترة قصيرة من سَجنه بتُهَم تتعلق بالاتجار الجنسي والاعتداء على قُصَّر، بعد أن سمح القضاء الأمريكي مؤخرا بالكشف عن أسماء شخصيات مرموقة في عالم السياسة والفن والمال كانت على صلة بقضية إبستين، منها ثلاثة رؤساء سابقين لأمريكا، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والأمير البريطاني أندرو، والملياردير بيل جيتس، ونجوم السينما ليوناردو دي كابريو، وتوم هانكس، وإنجلينا جولي.

بالتأكيد ليس كلُّ من ذُكِر مدانا في هذه القضية، إذ يحدث أن ترمي بك الأقدار في طريق رجل شرير بالصدفة.

وعندما أصف إبستين بالشرير فأنا أعني ذلك. فالأمر لا يتعلق فقط بدأبه على الاعتداء على الأطفال القُصَّر سنين طويلة من حياته، فكثيرون يفعلون ذلك في السرّ، لإصابتهم بمرض البيدوفيليا والعياذ بالله، لكن الأدهى والأمرّ والأكثر حقارة في قصة هذا المليونير أنه اشترى جزيرة خاصة في الكاريبي لإتاحة ممارسة هذه الأفعال الفاحشة بسرّية لهذه الشخصيات التي سردتُ بعض أسمائها، ولهذا فإن التشكيك في صحة حادثة انتحاره يحمل وجاهة من نوع ما، فلماذا لا يكون قد قُتِل عمدا في السجن لكي لا يفضح هذه الأسماء المتنفذة؟

فضائح جزيرة إبستين بدأت في التكشّف عام 2016 وبإيعاز من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما أشاعت بعض وسائل الإعلام، حين اخترق قراصنة روس إيميل هيلاري كلينتون؛ المرشحة للرئاسية الأمريكية آنئذ بغرض مساعدة ترامب على الفوز -كما قيل- ونشروا من ضمن ما نشروا رسائل مشفّرة تتحدث فيها كلينتون عن محل «بيتزا» اسمه Comet هو مركز اجتماع بدائرة الاتجار بالبشر وجنس الأطفال، ومن هنا جاءت تسمية القضية بــ«فضيحة البيتزا» أو (Pizza Gate). لكن فضائح إبستين نفسه كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بأحد عشر عامًا، عندما تحرّش عام 2005 بفتاة قاصر عمرها أربعة عشر عامًا في ولاية فلوريدا وحاول جذبها لممارسة الدعارة، فكان أن رفع والدها قضية تحرش ضده، وأثناء نظر هذه القضية اكتشف المحققون أن إبستين فعل الأمر نفسه مع ستٍّ وثلاثين فتاة قاصرة، وكانت النتيجة أن حُكِم عليه بالسجن، لكنه ما لبث أن أُفرِج عنه بعد نحو سنة.

وسواءً انتَحَر إبستين أم قُتِلَ فإن هذه الميتة تذكّر دائمًا أن المتورطين بأعمال قذرة مع متنفّذين من عالم السياسة والمال تنتظرهم في الغالب الأعمّ نهاية مأساوية مستحقة، وهذا ما شاهدناه السنة الماضية حين لقي الروسي «يفغيني بريغوجين» مصرعه في حادث تحطّم طائرته الخاصة شمال موسكو. وبريغوجين هذا هو مؤسس شركة فاجنر العسكرية الخاصة سيئة السمعة التي توظّف الجنود المرتزقة وترتكب «الأعمال القذرة» في الحروب والنزاعات حول العالم، وكان لها فظائع مشهودة في سوريا وليبيا وإفريقيا، وكانت الذراع غير الرسمي للجيش الروسي، رغم محاولات بوتين إنكار ذلك والنأي بنفسه عنها. ومن مفارقات حياة قائد فاجنر أن بداية دخوله عالَم الثراء كانت بتأسيسه في التسعينيات شركة تغذية حصلت على عقود حكومية لإطعام أطفال المدارس وموظفي الحكومة الروسية، ثم إنشائه مطعمًا لا يرتاده إلا الأثرياء، وقد كان بوتين يدعو فيه ضيوفه عادةً، لذلك سُمِّي «طباخ بوتين»، وفي عام 2012 - وبعلاقته الوطيدة مع بوتين - حصل على عقد لتوريد وجبات للجيش الروسي لعام واحد بمبلغ تجاوز المليار دولار، وبعدها بعامين أسس مجموعة «فاجنر» التي شاركت بمرتزقتها وأسلحتها في الحرب الروسية على أوكرانيا، قبل أن يدبّ الخلاف بينها وبين والجيش الروسي عام 2023، بسبب عدم مدّ الجيش لفاجنر بالأسلحة والذخيرة الكافية كما قال بريغوجين، وتطوّر الأمر إلى إعلان قائد فاجنر وقواته التمرد على الجيش الروسي، قبل أن تنتهي الأزمة بتدخل رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو وضمانه لبريغوجين اللجوء إلى بلاده مقابل سحب قواته التي كانت قاب ساعتين أو أدنى من دخول موسكو. بعد هذه الحادثة شعر بوتين أن «طباخه» بات يشكّل خطرًا عليه، ويبدو أنه قرر التخلص منه، إذ لم يمض شهران على هذا التمرد حتى تحطمت طائرة بريغوجين في 23 أغسطس 2023!.

ما فاتني أن أذكره عن شرير روسيا (بريغوجين) أنه سُجِن هو الآخر تسع سنوات في الثمانينيات بتهم الاحتيال والسرقة وتوظيف قاصرات في الدعارة، أي أن الاعتداء الجنسي على القُصَّر هو القاسم المشترك بينه وبين شرير أمريكا (إبستين)، عدا القاسم المشترك الآخر في حياتيهما وهو بوتين. واليوم، وقد نال كلّ منهما نهاية مأساوية لحياته، فإن هذا لا يعني البتة أن الخير انتصر في نهاية المطاف على الشرّ. كل ما في الأمر أن «الشر الأقوى» (المتنفذون في أمريكا، وبوتين في روسيا) هو الذي انتصر على «الشرّ الأقل قوة»، وكأنه - أي الشرّ الأقوى - عطس عطسة كبيرة أدت إلى تناثر «الشرّ الصغير» وتطايره في الجو، تمامًا مثلما نقول في لهجتنا العُمانية تشميتًا للعاطس بعد سماع دويّ عطسته: طار الشر.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة

محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة

محمد كبسور

محمد محيي الدين، مبدع سوداني متعدّد، ورائد من رواد التجديد في الشعر الحديث. قاص وروائي ومسرحي وصاحب ملكات أدبية رفيعة، له إسهامات مقدّرة في الشعر والمسرح والسيناريو والأفلام القصيرة. تميّزت كتابته بمخزون تاريخي وقراءة في الواقع السوداني المعاصر.

من أوائل الذين درسوا بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، وتخصص في الدراسات النقدية. عمل في مجال التعليم. غاب عن الوطن لفترة وعاد ليواصل اسهاماته الأدبية والفنية بمدينة ود مدني والتي استقر فيها حتي لحظة وفاته صباح الثلاثاء 26 مايو 2015م.

محمد محيي الدين من مؤسسي رابطة الجزيرة للآداب والفنون والتي عملت على اثراء الساحة الثقافية في الثمانينات والتسعينات بمعية رابطة سنار الأدبية ورابطة اولوس ورابطة أبناء دارفور ونهر عطبرة الأدبية.

كان مشاركاً في كثير من المنتديات والمهرجانات العربية والسودانية. وكانت آخر مشاركاته في لجنة تحكيم جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في محور الشعر.

يعتبر محمد محيي الدين من الأدباء الذين برزوا في السبعينيات وحاولوا التمرد على قيود و بناء قصيدة الستينيات. وهو من أوائل الذين كتبوا قصيدة التدوير، و وسم ببصمته جيلاً كاملاً بمدرسته التجريبية الشعرية والمسرحية. التقط التيارات السابحة في الهواء عاملاً على تحريك الساكن الإبداعي، وبذل مجهوداً كبيراً في تبني المواهب الشابة وفي تقديم خبرته لها، وتحلّقت أجيال كثيرة حوله فرفدها بمعارفه المختلفة.

نادَى محمد محيي الدين بكتابة القصيدة المفتوحة التي تستفيد من تقنيات السينما والحوار والنثر، وشكّل بذلك تياراً شعرياً رائداً في الكتابة التجريبية. ويمتلك محمد محي الدين القدرة علي اختصار تجارب شعرية وسردية عديدة داخل النص الواحد.

ولعل أعماله التي اطلت علي الجمهور مثل ديوان “الرحيل على صوت فاطمة” ومجموعة “عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر” أو تلك التي كانت في انتظار النشر مثل مجموعة “اتكاءة على سحابة وردية” هي التي وضعت محمد محي الدين ضمن الشعراء المميزين بالسودان.

كما أن قصائده التي تناولها بعض من المغنين المجدّدين، قد سلطت الضوء علي تجربته خصوصاً وسط الأجيال الجديدة، مثل قصيدة “المناديل الوضيئة” التي لحنها وغنّاها الفنان الراحل مصطفي سيد أحمد، و”مطر الليل” التي صدرت من ضمن ألبوم غنائي للفنانة ياسمين ابراهيم.

تجربة محمد محيي الدين المسرحية تجربة ثرّة دعمها بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ويعد محي الدين من مؤسسي مسرح الشارع، حيث عرضت مسرحياته في الشوارع السودانية في كثير من المدن. ويتداخل الشعر والمسرح في عالم محمد محي الدين، فبقدر ما يكون هو شاعراً متفجراً في اللغة والصورة الشعرية والبناء المعماري للقصيدة، يكون أيضاً كاتباً مسرحياً يسعى إلى ذلك مستفيداً من شاعريته “وفق وصف الشاعر يحي فضل الله”.

ولمحمد محيي الدين العديد من الدراسات عن المسرح نُشرت بالملاحق الثقافية بالصحف ومجلة الثقافة السودانية. وعلي أيام وجوده بالمعهد كان عضواً فعالاً في جماعة السديم المسرحية.

وفي بحثه عن التجريب، قدم محمد محيي الدين مسرحية “ضو البيت” اقتباساً عن رواية الكاتب الراحل الطيب صالح. وعرضت المسرحية عام 1985 بمسرح قاعة الصداقة وقدمتها جماعة السديم المسرحية والتي عرضت له أيضاً مسرحية “مطر الليل” ومسرحية “الرجل الذي صمت” ومسرحية “القطر صفر” ومسرحية “من كي لي كي” ومسرحية “القنبلة والعصفور” كما له مسرحية عن الشيخ فرح ودتكتوك. ومارس محمد محي الدين تجربة الإخراج المسرحي داخل جماعة السديم عبر إخراجه لمسرحيته “هبوط الجراد”.

وفي الكتابة للمسرح مارس محمد محيي الدين أيضاً التأليف المستند على نصوص كتاب آخرين، وأعد كثيرا من المسرحيات العربية مثل مسرحية “أنت قتلت الوحش” للكاتب المصري الشهير علي سالم، ومسرحية “اللغز” وهي إعادة كتابة للمسرحية المعروفة (أوديب ملكاً) لنفس الكاتب، وقام محمد محي الدين بسودنتها (العيش). كما قدّم مسرحية “الرحلة، موت بالجملة”، وهذا النص سودنة لمسرحية الكاتب العبثي الفرنسي (يوجين يونسكو) (ليلة القتلة).

يقول محمد محيي الدين عن علاقة الشعر بالمسرح، “يمكن الإستفادة من الشعر في تطوُّر شكل الكتابة المسرحية ولكن يجب أن يتم ذلك بدون تعمُّد، أي لايمكن لمجرد أنك شاعر أن تكتب مسرحية. فالعملية الفنية هنا تخضع في المقام الأول لمعرفتك بفن المسرح معرفةً توازي معرفة أن تكتب قصيدة، كما أني أرى أنه يمكن أن يتطوّر شكل القصيدة بالإستفادة من المسرح، بل من الموروث من الأشكال الفنية الأخرى من (كولاج، فلاش باك، طرق ووسائل المونتاج الزماني والمكاني)”.

ويقول محمد محيي الدين “تجدني أمزج بين المسرح والشعر وأحيانا القصة، ولي مجموعة قصصية بعنوان «الرجوع إلى ضاحية المطر» فقدتها ، على كل ، إنها وسائلي وأدواتي في تعرية القبح وجعل هذا العالم أجمل ما أمكن ذلك”.

انحاز محمد محيي الدين للقصة بشكل كبير، وكان يري أن تجارب كتابة القصة في السودان في تطوّر أكيد برغم حالة الإنكار التي صاحبته.

وفي كتاباته القصصية استخدم الأسطورة والفنتازيا ممزوجة بالثقافة الشعبية السودانية في إطار حداثي لامس القصة العربية في تطور بنائها من حيث استخدام اللغة الموحية بدلالاتها وحوارها.

وعرف عن محمد محيي الدين الصراحة خصوصاً في ابداء الرأي حول كل ما يخص التجارب الأدبية والفنية.

وكثيراً ما كان ينتقد صمت وغياب الكُتاب الذين لديهم عطاء عميق وينتقد عزوفهم عن النشر، وينتقد الأثر السالب لذاك الغياب علي تواصل الأجيال. وكان يري أن انقطاع التواصل بين المبدعين الشباب والأجيال التي سبقتهم، أدى إلى انغلاق منتجات الشباب على التجارب الذاتية، فتمحورت حول الانفتاح على الثقافة العربية والافريقية والعالمية دون أن تلتقي كل الحلقات ما بين الثقافة المحلية والعالمية والعربية والافريقية. وكان يري ان التجربة الابداعية هى اتصال وليس انقطاع، وأن التجديد ليس في هدم التراث وليس في انقطاع تواصل التجارب الابداعية، التجديد في كشف عناصر الجِدّة في الواقع.

ولد  الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي محمد محيي الدين في مدينة ود مدني في العام 1952م.

و رحل في 26 مايو 2015 إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 63 عاما. وشيع الشاعر الراحل في موكب مهيب إلى مقابر ود مدني.

له الرحمة و المغفرة.

الوسومالتعليم السودان الشاعر محمد محيي الدين المعهد العالي للموسيقي والمسرح رابطة أبناء دارفور رابطة الجزيرة للآداب والفنون رابطة اولوس رابطة سنار الأدبية محمد كبسور نهر عطبرة الأدبية

مقالات مشابهة

  • برلماني: مصر كانت و لا زالت في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية
  • محام: إذا كانت المرأة معتادة على شرب القهوة في بيت أبيها وجب على زوجها فعل ذلك
  • عادل عوض: تونس كانت تنظم 480 مهرجانا فنيا قبل الربيع العربي
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • العليمي يكشف تفاصيل مثيرة عن لقائه بالرئيس الروسي بوتين
  • رئيس مجلس القيادة اليمني يعقد مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
  • الرئيس اليمني يعقد مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
  • رئيس مجلس القيادة يعقد مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
  • زوجة: زيادة وزني كانت سببا في ارتباط زوجي بأخرى
  • ظاهرة غريبة بالصويرة.. الرمال تزحف على المجال الحضري ومطالب بتدخل العامل الجديد (صور)