عُمان ميزان الخليج ومهد العراقة وموئل الحكمة
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
هي المرة الأولى التي أزور فيها سلطنة عمان، رغم أنني زرت كل دول الخليج مجتمعة، سواء في رحلة عمل صحفي ضمن رحلاتي التي لا تعد ولا تحصى، أو بزيارات خاصة لا علاقة لها بمهنة الصحافة والإعلام التي تتطلب تجوالا وترحالا.
فوجئت أثناء هذه الزيارة، ببلد عريق في تاريخه القديم، وحديث ينافس بقوة ليأخذ مكانته المستحقة بين الدول الناهضة بقوة وثبات في التحضر
والتقدم.
ورغم أن سلطنة عمان قد أسست في عهدها الجديد في سبعينيات القرن الماضي على يد السلطان قابوس بن سعيد وهو تاريخ قريب، إلا أنها خطت خلال حقبة قصيرة، خطوات سريعة في تأسيس بنية تنموية قامت على عاملي الاستقرار والأمن الوطني عبر خطط مدروسة، وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية، مع توازن بين (نهضة البلد وتقدمه) على المستوى المعيشي، وضمان استقراره... وبين (رفاهية شعبه)
بالاستفادة من موارد عائدات تلك مجالات متعددة كالسياحة التي تتمتع سلطنة عمان فيها بمواقع أثرية تاريخية كانت منارات علم ومشاعل تنوير ومعاقل قوة في عهدها ذاك. إلى جانب إدارة المواني الاستراتيجية التي تربط من سواحلها المترامية أركان العالم، وشرقه بغربه من موقع متميز تمر عبرها معظم حركة التجارة العالمية.
تلك مسيرة طويلة قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ، سار عليها بخطوات مدروسة، وخطط طموحة، وقناعة راسخة بأن بلدا بتاريخ موغل في عمق التاريخ الإنساني، وشعبا عريقا يقوده بثقة، لابد وأن يحتل مكانة متقدمة بين الأمم والشعوب.
تاريخيا، امتد نفوذ وتأثير سلطنة عمان شرقا وغربا في محيطها الإقليمي من تخوم بلاد فارس، إلى شرق القارة الأفريقية المطلة على بحر العرب والبحر الأحمر على امتداد القرن الأفريقي، فكانت سلطنة (زنجبار) و (تنجانيقا) المنطقة الأشهر التي امتدت إليها نفوذ عمان، وتعرف اليوم بـ (تنزانيا) حيث لاتزال آثار فترة حكم العمانيين باقية راسخة وشامخة على مر القرون، اكتسبت معظم عاداتها وتقاليدها العربية الأصيلة، ويفخر أهلها بذلك التاريخ العريق الذي انعكس عليهم دون أن يفقدوا هويتهم الوطنية أو يتنكرون لجذورهم وأصولهم القادمة من أرض أجدادهم.
تتميز سلطنة عمان بتمدد وتتعدد شواطئها ومياهها الدافئة التي يرتادها عشرات الآلاف من السياح للاستجمام والراحة، وكذا الاستمتاع بمذاق القهوة العربية العمانية المميزة، والتجول لأيام وسط سهولها وقمم جبالها الزاهية باللون الأخضر.
وهناك سلاسل من الجبال العالية التي تكسوها الخضرة والأشجار والنخيل، ما يجعلها بحق قبلة للذين يبحثون عن الراحة النفسية والاستجمام.
أكثر ما لفت نظري بمعية أسرتي لقضاء عطلتنا في هذه الدولة الناهضة بقوة في المنطقة، هو مدى درجة الأمان والهدوء والاستقرار التي تتمتع بها كل مدن سلطنة عمان، حيث يندر أن تجد أثرا لرجال الشرطة في شوارعها، بما فيهم رجال شرطة المرور نتيجة دقة الانضباط الواضح في الشارع العماني عامة، وسمة ظلت عليه منذ عقود، وسوف تدهش حقا إذا عرفت أن كل المحال التجارية، وبعض دور الخدمة المدنية (تترك أبوابها مفتوحة) خلال فترات الراحة التي تمتد لساعتين في كل المؤسسات والأسواق في فترة الصيف حيث الحر القائظ يلف سماء المنطقة، وهو في تقديري يمثل أعلى درجات الأمان والاطمئنان لدى المواطنين، كما يميز هذا البلد عن يقظة وثقة الدولة على قدرتها في حفظ الأمن القومي واستقرار الدولة، كما تضاعف ثقة المواطن والمقيم بأنه في حفظ وحرز وأمان أينما، ووقتما كان.
ومن المظاهر الملاحظة على مستوى الأداء الاقتصادي في عمان، هو ثبات العملة المحلية أمام العملات العالمية لسنوات طويلة، شهدت خلالها سلطنة عمان طفرات متتابعة في ارتفاع الاقتصاد الوطني بعكس الكثير من دول المنطقة التي يعاني بعضها من هزات أو انكماش في أوضاعها الاقتصادية. وهو ما يحسب لقادة هذا البلد، ويلقى تقديرا ممن يعيشون في كنف عمان، مواطنين ومقيمين وزوار.
أما أكثر ما لفت انتباه أسرتنا معا، فهو مشاهد الكرم، ومشاعر المحبة واللطف الذي يغمرك به العمانيون بصفة عامة حين يجدونك بينهم، فلا يشعرونك أنك غريب في بلدهم. وتلك سمة مشتركة وجدناها حيثما توجهنا أثناء رحلة عطلتنا التي حللنا فيها ضيوفا على هذا البلد الرائع المضياف، فتغمرك بكل مشاعر وأحاسيس الأخوة من كل من لاقيناه أو تعرفنا عليه.
وليحفظ الله، أهل عمان، وليوفق قادته في الحفاظ على إرثهم التاريخي وهويتهم التليدة وحضارتهم العريقة وكرمهم الفياض وروحهم الوثابة.
... وبعد:
هذه، شذرات وزهرات وقطاف في حق هذا البلد الذي أشعر أنني قد تأخرت كثيرا في زيارته، والتعرف عليه عن قرب، ومعايشة شعبه كريم الخصال بصحبة أسرتي في عطلتهم التي أجمعوا على أن تكون وجهتهم فيها سلطنة عمان.
وأقول... إن تأتي متأخرا، خير من ألا تأتي!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان هذا البلد
إقرأ أيضاً:
بقرابة 24 مليون ريال .. افتتاح ثاني أكبر سد بسلطنة عمان في ولاية صلالة
احتفلت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه اليوم بافتتاح سد وادي عدونب في ولاية صلالة بمحافظة ظفار، الذي يُعد ثاني أكبر سد في سلطنة عُمان بسعة تخزينية تصل إلى 83 مليون متر مكعب، ضمن جهودها لتعزيز منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات، وبلغت التكلفة الإجمالية لإنشائه نحو ثلاثة وعشرين مليونًا وتسعمائة وثلاثة آلاف وخمسة عشر ريالًا عمانيًا.
رعى حفل الافتتاح معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني وبحضور معالي الدكتور سعود بن حمود الحبسي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وعدد من أصحاب السعادة والمشايخ ومسؤولي المؤسسات الحكومية والخاصة.
ويعد سد وادي عدونب، بمواصفاته الهندسية المتقدمة، وقدرته الكبيرة، ودوره المحوري في الحماية البيئية والتنموية، يُجسد التزام سلطنة عُمان بحماية الإنسان والبنية الأساسية والموارد الطبيعية، ويُعد علامة فارقة في مسيرة إدارة الموارد المائية في البلاد، ويهدف بناء هذا السد إلى مواجهة التحديات المناخية المتزايدة التي تشهدها سلطنة عُمان، ويشكّل سد وادي عدونب في محافظة ظفار نموذجًا فريدًا لمشاريع البنية الأساسية التي تجمع بين أهداف الحماية البيئية وتعزيز التنمية المستدامة، ويأتي هذا المشروع كأكبر سد في منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات، التي وُضعت بعناية لحماية مناطق حيوية مثل ميناء صلالة ومنطقة ريسوت الصناعية والمنطقة الحرة من تدفقات السيول والأمطار الغزيرة القادمة من الجبال المحيطة.
وألقى سعادة المهندس علي بن محمد العبري وكيل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لموارد المياه كلمة الوزارة أكد فيها أهمية إنشاء السدود، نظرًا لدورها الحيوي في حماية المناطق السكنية والتجارية والصناعية من الفيضانات الناتجة عن التقلبات المناخية، ومساهمتها في تعزيز الموارد المائية السطحية والجوفية، مما يدعم استقرار البيئة ويحسّن حياة المواطنين.
وأوضح سعادته أن سد وادي عدونب يساعد على حجز كميات مياه الأمطار الغزيرة والفيضانات القادمة عبر الوادي، وحماية وتأمين ميناء صلالة بشقيه القائم والمستقبلي، إلى جانب المنطقة الحرة بصلالة ومدينة ريسوت الصناعية، فضلًا عن دوره في الحد من الرسوبيات المتجهة إلى حوض ميناء صلالة، بما يُسهم في خفض التغطية التأمينية للميناء ومرافقه.
واشتمل برنامج الحفل على تقديم عرض مرئي عن دور السدود في سلطنة عُمان لدعم جهود التنمية المستدامة، وآخر عن مراحل تشييد سد وادي عدونب بصلالة، بالإضافة إلى تقديم شرح عن مكونات وأهداف المشروع ومراحل تنفيذه.
وقال المهندس يوسف بن مسعود المنذري، مدير دائرة السدود بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه: إن المشروع يعد أكبر سد في منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات بولاية صلالة، ويتكون من سد ترابي مدكوك بطول 389 مترًا، ويبلغ ارتفاعه نحو 70 مترًا، وقد زُوّد بمفيض خرساني جانبي بطول 80 مترًا، وبوابات للتحكم الآلي في تصريف المياه، بالإضافة إلى قناة لتصريف المياه تُستخدم لتفريغ بحيرة السد عند الحاجة، ما يضمن تشغيلًا آمنًا ومتوازنًا في جميع الظروف.
وأضاف: إن السعة التخزينية للسد تبلغ نحو 83 مليون متر مكعب، ما يجعله الأكبر ضمن منظومة الحماية في محافظة ظفار والثاني على مستوى سلطنة عُمان، ويعكس دوره الحيوي في التخفيف من الأضرار المحتملة للأمطار الغزيرة والأنواء المناخية، مبينًا أن المشروع شهد قبل تنفيذه تقييمًا هيدرولوجيًا لتحديد كميات المياه المتدفقة عبر وادي عدونب، وتحليلًا جيولوجيًا لفهم طبيعة التربة والصخور، ودراسات هندسية لضمان الحفاظ على السلامة الهيكلية للسد.
وقد زُوّد السد بمنظومة مراقبة متكاملة تضم آبارًا لرصد مستويات المياه الجوفية والتسربات، وأجهزة استشعار لقياس منسوب المياه في البحيرة، إلى جانب أجهزة لقياس الضغط والميل والانحراف، فضلًا عن تثبيت حساسات لرصد الزلازل، وكاميرات مراقبة، إذ تُرسل البيانات المجمعة من هذه الأجهزة مباشرة إلى غرفة تحكم، ما يتيح اتخاذ قرارات فورية في حالات الطوارئ.
ويأتي إنشاء سد وادي عدونب بولاية صلالة ضمن خطة أكبر تشمل تشييد سدود إضافية، أبرزها منظومة حماية ولاية سدح التي من المتوقع طرح مناقصتها خلال عام 2025 بعد الانتهاء من إعداد مستندات التنفيذ.