لجريدة عمان:
2025-10-20@03:06:21 GMT

المُسيَّرات القاتلة أسلحة المستقبل

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

الأسلحة دقيقة التوجيه ظهرت في شكلها الحديث لأول مرة في ميدان القتال أثناء حرب فيتنام قبل ما يزيد قليلا على 50 عاما. ومع بحث الجيوش منذ ذلك التاريخ عن الدقة والقوة التدميرية ارتفعت تكلفة مثل هذه الأسلحة إلى عنان السماء. فقذيفة المدفعية الأمريكية الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي تكلف 100 ألف دولار.

ولأن الأسلحة الذكية مكلفة فهي نادرة.

ذلك هو السبب في نفادها من البلدان الأوروبية في ليبيا عام 2011. وإسرائيل الحريصة على الحفاظ على مخزونها أكثر من حرصها على تجنب الخسائر الجانبية (في أوساط المدنيين) أمطرت غزة بوابل من القنابل الغبية. لكن ماذا لو أمكن الجمع بين الدقة والوفرة؟

لأول مرة في تاريخ الحروب تمت الإجابة على هذا السؤال في ميادين المعارك بأوكرانيا. لقد سبق أن نشرنا تقريرا يوضح كيفية انتشار مسيرات «اف بي في» على طول خطوط القتال (طائرة اف بي في مسيَّرة يتم التحكم بها عن بعد ومزودة بكاميرا تبث مباشرة ما يراه عبرها قائدها الأرضي - المترجم).

إنها طائرات صغيرة ورخيصة ومحمَّلة بالمتفجرات. لقد تم اقتباسها من نماذج استهلاكية. وهي تشكل خطورة أكبر على حياة الجندي. فهذه المسيرات تدخل أبراج الدبابات والمخابئ الأرضية. وهي تتريث وتتعقب فريستها قبل أن تنقض عليها لتفتك بها. إنها تلحق خسائر جسيمة بالمشاة والدروع.

الحرب أيضا تنشر استخدام مسيرات «اف بي في» الجوية وشقيقاتها البحرية. لقد شهد شهر يناير 3 آلاف ضربة محققة بهذه المسيرات. وفي أوائل هذا الشهر أسس فولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا «قوة أنظمة آلية» مخصصة لحرب المسيرات. وفي عام 2024 ستكون أوكرانيا في سبيلها إلى تصنيع مليون إلى مليوني طائرة مسيرة. ومن المدهش أن ذلك سيغطي النقص في القذائف لدى أوكرانيا (التي تراجع مخزونها لأن الكونجرس منع تزويدها بالذخائر).

الطائرة المسيرة ليست سلاحا عجائبيا. فلا يوجد مثل هذا الشيء. هي مهمة لأنها تجسد اتجاهات كبيرة استجدَّت في مجال الحرب. أي التحول إلى الأسلحة الصغيرة والرخيصة التي يمكن استخدامها لمرة واحدة، وتزايد استخدام التقنية الاستهلاكية والاتجاه نحو التسيير(التوجيه) الذاتي في القتال.

بسبب هذه التوجهات الحربية الجديدة ستنتشر تقنية المسيرات ويشيع استخدامها بسرعة من الجيوش إلى المليشيات والإرهابيين والمجرمين. وستتحسن تقنية المسيرات بوتيرة تماثل تسارع منتجات الإلكترونيات الاستهلاكية التي تسعى لتلبية طلب السوق وليس بطء الصناعات العسكرية المحكومة بدورات الموازنات الحكومية.

المسيَّرة الأساسية بالغة البساطة. فهي سليلة المروحية الرباعية ويتم تصنيعها بمكونات عادية ومتوافرة في المتاجر ويمكن أن تكلف مبلغا زهيدا لا يتعدى بضع مئات من الدولارات.

مسيرات «اف بي في» في الغالب مداها قصير وحمولتها من المتفجرات صغيرة وتواجه مصاعب في أجواء الطقس السيئة. لهذه الأسباب لن تحل (بعد) محل المدفعية. لكن يمكنها إحداث قدر كبير من الدمار. فخلال أسبوع واحد في الخريف الماضي ساهمت المسيرات الأوكرانية في تدمير 75 دبابة روسية و101 مدفع كبير من بين أشياء أخرى كثيرة.

لدى روسيا مسيرات «اف بي في» الخاصة بها. لكنها تنحو إلى استهداف المخابئ الأرضية والخنادق والجنود. والمسيرات تعين على تفسير الصعوبة التي يواجهها طرفا الحرب الأوكرانية في شن هجمات.

يشير النمو المتسارع في عدد المسيرات الروسية والأوكرانية إلى اتجاه ثانٍ. فهي مستوحاة ومعدلة من نماذج التقنية الاستهلاكية المتوافرة على نطاق واسع.

ويمكن للمتطوعين استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لصنع المكونات الرئيسية وتجميع هياكل المسيرة في ورش صغيرة ليس فقط في أوكرانيا ولكن أيضا في ميانمار التي دحر فيها الثوارُ القواتِ الحكومية مؤخرا. ولسوء الحظ من المستبعد أن تتخلف العصابات الإجرامية والإرهابيون كثيرا عن المليشيات في القيام بذلك.

هذا يعكس الانتشار الواسع النطاق للأسلحة الدقيقة. ففي اليمن استخدمت جماعة الثوار الحوثيين كتيبات إرشاد رخيصة لتصنيع صواريخ مضادة للسفن تشكل تهديدا خطيرا للسفن التجارية في البحر الأحمر. وإيران نفسها أوضحت كيف يمكن أن تكون لتشكيلة متنوعة من المسيرات الضاربة والصواريخ الباليستية البعيدة المدى تأثيرا جيوسياسيا يفوق كثيرا تكلفتها.

وحتى إذا كانت المعدات المطلوبة للتغلب على التشويش على المسيرات تزيد كثيرا على تكلفة الأسلحة كما يتوقع البعض ألا أنها رخيصة بالقياس إلى تأثيرها. السبب في ذلك يعود إلى الإلكترونيات الاستهلاكية التي تحرَّك الابتكار بإيقاع بالغ السرعة مع تراكم القدرات في كل دورةِ منتَج.

هذا يطرح مشاكل تتعلق بالأخلاق وأيضا بالتقادم (بطلان استخدام المنتَج)، فلن يكون هنالك دائما وقتٌ لإخضاع الأسلحة الجديدة للاختبار الذي تستهدفه البلدان الغربية في أوقات السلم والمطلوب بواسطة معاهدات جنيف.

الابتكار يقود أيضا إلى الاتجاه الأخير وهو الاستقلال الذاتي للسلاح. اليوم يحِدّ من استخدام المسيرات التوافرُ الكافي للطيارين المهرة وتأثير التشويش الذي يمكن أن يفصل الارتباط بين المسَيَّرة وقائدها الأرضي.

للتغلب على هذه المشاكل تعكف روسيا وأوكرانيا على تجريب استقلال المسيرة ذاتيا في الملاحة الجوية وتمييز الأهداف. فالذكاء الاصطناعي ظل متاحا في المسيرات الاستهلاكية منذ سنوات وهو يتحسن بسرعة. لقد وُجِدَت درجةٌ من الاستقلال الذاتي للذخائر المتقدمة منذ سنوات ولصواريخ كروز منذ عقود. أما الجديد فهو أن الشرائح الدقيقة والبرمجيات الرخيصة ستجعل الذكاء الاصطناعي يتموضع داخل ملايين الذخائر البسيطة التي تزخر بها ميادين القتال.

الطرف الذي يبادر بإتقان توظيف تقنية الاستقلال الذاتي للمسيرات في أوكرانيا يمكن أن يتمتع بميزة مؤقتة لكنها حاسمة في قوة النيران. وهذا وضع ضروري لتحقيق أي اختراق. لقد كانت البلدان الغربية بطيئة في استيعاب هذه الدروس. الأسلحة البسيطة والرخيصة لن تحل محل المنصات المتقدمة والكبيرة لكنها ستتكامل معها.

أخيرا شرع البنتاجون في تنفيذ مبادرة «ربليكيتور» التي يستهدف بها إنتاج آلاف المسيرات والذخائر زهيدة التكلفة لمواجهة قوات الصين الضخمة. أما أوروبا فأكثر تأخرا في اللحاق بالركب. واقع الحال، يعتقد وزراؤها وجنرالاتها باطِّراد أنهم قد يواجهون حربا أوروبية كبرى ثانية بنهاية هذا العقد. إذا كان ذلك كذلك يلزم أن يتزايد بسرعة الاستثمار في المسيرات الرخيصة. إلى ذلك شيوع المسيرات يتطلب شيوع الإجراءات الدفاعية ليس فقط في ميادين القتال ولكن أيضا في المدن في أوقات السلم.

أيضا ستثير المسيرات الذكية أسئلة حول الكيفية التي تخوض بها الجيوش الحربَ وإذا ما كان في مقدور البشر السيطرة على ميدان القتال. فمع تكاثر المسيرات سيكون من الممكن إنتاج أسراب منها تتولى التنسيق فيما بينها دون تدخل خارجي. وسيواجه البشر عنتا في مراقبة وفهم اشتباكاتها القتالية. ليس ذلك فقط بل أيضا حتى السماح بها.

اكتظاظ سماء أوكرانيا بأسلحة تُستخدم لمرة واحدة وتجمع بين الدقة وقوة النيران يشكل تحذيرا. فالطائرات الصائدة والقاتلة والتي يتم إنتاجها بكميات كبيرة تعيد تشكيل التوازن بين البشر والتقنية في الحروب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اف بی فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

هل تنهار الهدنة؟

 

 

لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية باستئناف القتال منذ بداية الهدنة التي جرى الاحتفاء بإنجازها في شرم الشيخ، والتي اعتبرها الموقعون عليها حدثًا تاريخيًا هندسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بعد استلام الأسرى الإسرائيليين الأحياء، ارتفعت وتيرة التهديدات باستئناف القتال، ورافقت هذه التهديدات غارات وقصف وإطلاق نار أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين، من بينهم أطفال.
الحجة هي “التأخر والمماطلة في تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين”، علمًا أن الأمر كان واضحًا ويعرفه الوسطاء والعالم، وهو أن المقاومة تحتاج إلى وقت طويل لمعرفة مكان دفن كل جثة، ومن ثم رفع الأنقاض لإخراجها، ربما من أماكن على عمق كبير داخل أنفاق جرى تفجيرها، وتحتاج إلى عتاد ثقيل. حتى ترامب نفسه أعلن أن هذا قد يستغرق وقتًا.
بلا شكّ أن المقاومة معنيّة أكثر من الاحتلال باستمرار وقف إطلاق النار، وذلك نتيجة لاختلال توازن القوى الهائل في العتاد والدعم الخارجي.
فالمقاومة ليس لديها أي دعم خارجي من أي طرف معلن، وهي محاصرة منذ سنوات، بينما يحظى الاحتلال بدعم غير محدود بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، إضافة إلى سلاح التجويع المحرّم بحسب القانون الدولي، الذي استخدم وما زال يُستخدم للضغط على الجماهير المحاصَرة، لتحريضها وتثويرها على المقاومة.
يشعر نتنياهو بأنه لم يحقق الأهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب، رغم الدمار الهائل وجرائم الإبادة التي مارسها الاحتلال، فهو يطمح إلى أكثر من ذلك. أما الاحتفال في شرم الشيخ الذي لم يحضره، وقيل إن رجب طيب أردوغان هدّد بعدم الحضور إذا حضر نتنياهو، فالأرجح أن نتنياهو نفسه لم يُرِد الحضور كي لا يظهر ضعيفًا ينفّذ إملاءات ترامب أمام الجمهور اليميني المتطرف.
من ناحيته، هدّد ترامب المقاومة بأنه يمتلك معلومات تفيد بأن حماس تستعد لمهاجمة فلسطينيين مدنيين في قطاع غزة، وبأنه لن يسمح لهذا الأمر أن يحدث، وسيردّ عليه.
يقصد بهذا عملاء الاحتلال الذين سلّحهم الاحتلال بهدف زعزعة النظام العام، وإحداث الفوضى في قطاع غزة، ونهب المساعدات قبل وصولها إلى مستحقيها، وبالتالي زيادة الضغط على المقاومة وإرباكها والتربّح على حساب الجياع.
تصريح ترامب يعني أن المخطط المرسوم هو أن تتسلّم تصريف الأمور في قطاع غزة قوى عميلة لإسرائيل بعد نزع سلاح المقاومة، وهذا كما يبدو باتفاق أطراف عربية، وهو تمهيد للموافقة على استئناف القتال في حال رفضت حماس نزع سلاحها.
إلا أن استئناف القتال لن يكون على صورة الحرب الشاملة كما كانت، بل يسعى نتنياهو لأن يجعلها على نموذج الهجمات في جنوب لبنان، حيث تجري عمليات اغتيال انتقائية من خلال الغارات أو التوغلات المحدودة وإقامة نقاط تمركز جديدة. بمعنى أنه لن يتيح للمقاومة أن تعيد بناء قوتها وقبضتها على القطاع كما كانت قبل الحرب، وفي الوقت ذاته يريد أن يبدو ملتزمًا – ولو شكليًا – بوقف القتال، خصوصًا بعد المظاهرات التي اجتاحت العالم ضد الحرب، وأعادت فلسطين، رغم أنفه، إلى جدول الأعمال العالمي بعدما ظنّ أنها فرصته لإنهائها إلى الأبد، إضافة إلى مظاهرات في أقطار عربية مثل المغرب باتت تهدّد استقرار أنظمة التطبيع وما يسمى باتفاقات أبراهام.
نتنياهو يريد أن يربح الدارين: أن يواصل حربه على المقاومة حتى استسلامها ونزع سلاحها وتدمير ما لم يُدمّر بعد، وأن ينصّب عملاء لإدارة القطاع، وفي الوقت ذاته يريد الظهور أمام العالم، وخصوصًا الحلفاء الواضحين مثل نظام السيسي، والمتخفّين وراء الأقنعة والمطبّعين، ودول صديقة مثل فرنسا وبريطانيا، بأنه لم يبادر إلى خرق الاتفاق الذي احتفوا به كإنجاز تاريخي عظيم.
لن تكون هدنة بالمعنى التقليدي الذي يعني وقف إطلاق نار شامل حتى النهاية، بل يريدها هدنة من طرف واحد؛ أن ينفّذ عمليات اغتيال، ويواصل التحكّم بالمعابر والمساعدات، وفي الوقت نفسه يظهر كملتزم برغبة ترامب وحلفائه العرب بعدم استئناف الحرب الشاملة. يأمل من خلال تلاعبه هذا أن يخفّف من الحملات الدولية المؤيدة لفلسطين، وأن يوقف الزحف الأممي الذي تجلّى في “أساطيل الحرية والصمود” لكسر الحصار على قطاع غزة، وأن يحقّق حالة من الاسترخاء ووقف الموجة العظيمة من التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني.
إلا أن المقاومة لن تستطيع تحمّل الاعتداءات بلا نهاية، رغم محاولتها المداراة، ومن المرجّح أنها ستضطر إلى الرد على الاعتداءات لتحفيز الوسطاء على القيام بدورهم في إلزام الاحتلال بوقف اعتداءاته، وهذا ما يبقي الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.
كاتب فلسطيني

مقالات مشابهة

  • هل تنهار الهدنة؟
  • أمريكا: الحكم بالسجن 40 عامًا بحق قبطان باكستاتي اُدين بمحاولة تهريب صواريخ باليستية إلى الحوثيين
  • نتنياهو يغيّر اسم الحرب على غزة رسمياً
  • الجيش الإسرائيلي يحبط تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان (صور)
  • ترامب: الولايات المتحدة بحاجة لكثير من الأسلحة التي ترسلها لأوكرانيا
  • أوهام الأطباء اليهود من مزاعم خط بارليف أيضاً
  • “جين أنجلينا جولي” لا يهدد النساء فقط… قد يرتبط بسرطان البروستات أيضا!
  • مسيرات وأسلحة معززة بالذكاء الاصطناعي بأكبر معرض أسلحة في كوريا الجنوبية
  • "نحن بحاجة إليها أيضا".. ترامب يخشى إعطاء توماهوك لأوكرانيا
  • "نحن نحاجة إليها أيضا".. ترامب يخشى إعطاء توماهوك لأوكرانيا