بقلم/ عمر الحويج

***
كبسولتين ما قبل المقال
كبسولة : رقم [1]
ياسر العطا : بلسانهم أفصح عن (أشواقهم) الدفينة منذ بداية ثلاثينيتهم بسماحهم لأحزاب نجحت في دفنهم أحياء وحولت تنظيمهم إلى هباء .
ياسر العطا : بلسانهم أفصح عن "أشواقهم" المريضة منذ بداية ثلاثنيتهم
بحكم دولة دون أحزاب تفشل في دفنهم وتحويل تنظيمهم إلى هباء .


[وعجبي..!!]
***
كبسولة : رقم [2]
عبثيتها أصبحت دولية : حرب السودان نقلت إلى روسيا موقفاً
عبثياً تضاربت فيه مصالحها فكان موقفها ليس مع أوضد دون حياد .
عبثيتها أصبحت دولية : حرب السودان نقلت إلى روسيا موقفاً
عبثياً فهي في إنحياز مع الطرفين المتحاربين مع وضد دون حياد .

[وعجبي..!!]
***
الجدل لا يكون : أي الأطرف بدأ الحرب ، إنما متى وكيف يحاكم الطرفان علي مجريات أحداثها الكارثية .

هناك فرق المسافة الشاسع ما بين مستشارية حميدتي التي هي في الواقع والحقيقة البائنة ، أنها من صلب ورحم التنظيم الإخواني العالمي ، فرع السودان الذي حكم بلادنا ثلاثون عاماً عجافاً ، ولا زالوا وبالحرب يحكمون ويدمرون ، وقد خاضت هذه المستشارية ، كل من موقعه كأفراد خطوط دفاعه ، وشاركته كمجموعات ، كل موبقاته وجرائمه وخزعبلاته الغيبية ، ثم إنشقت عنه .
عضويتها ليست على قلب مشروع رجل واحد ، ولا عقيدتها ، من منبع فكر إسلاموي واحد ، بعضهم أتى بهدف إنتزاع دولة 56 من نخبة الشمال الفاشلة كما يدّعون ومن جذورها ، إلى نخبتهم الأفشل ، كما المتوقع ، حين إجتمعت الآن على باطل ، وكأن نخبة الشمال وحدها هي الحاكمة ، ولم يكونوا هم منذ الإستقلال داعميها ومسانديها وحاضريها بل وناخبيها ، وبعض آخر يريد دولة دارفور المستقلة ومنفصلة ، كدولة كاملة الإنفصال الدسم ، قائمة بذاتها لذاتها ، وأكثرهم تطرفاً وعنصرية يريدها ، دولة الساحل والصحراء الموسعة ، كيف تكون ومِن مَن تتكون ؟؟ هم أنفسهم لايدرون ، إنما هي تفريغ أحقاد مترسبة في الأعماق وقديمة ، وحراق روح لا غير .
أما عن المسافة الشاسعة كما أشرت ، فهي بين "المستشارية" الذين يتحدثون بلسان الديمقراطيه والدولة المدنية الملفقة ومنتحلة ، وجندهم بقيادة آل دقلو الذين ، يتحدثون بسلاح الأشاوس البتار يعتقدون ، به يشيدون مخططهم ، في أن تكون أرض ودولة وحكومة السودان بكامل أطرافها تُحكم ، وتأتمر ، بقيادة زعيمهم حميدتي ، بإسم الديمقراطية المخجوجة والمدججة بالسلاح المشبوه ، يدافعون به عن دولتهم الجديدة بمفهومهم الخاص ، حين راق لهم ما أوحت لهم به المستشارية من داخل ضفاف خططها المختلفة والمختلقة أحلاماً هلامية ، وهم لايفقهون أبجدية هذه الديمقراطية والدولة المدنية ، دعك عن تطبيقها ، تلك التي تثرثر بها قياداتهم في الفضائيات والأسافير المطلوق عنانها دون تروي ومعرفة ، ولا تعنيهم في شئ ، وهم في شغل شاغل عنها ، وفي غيهم سادرون ، يمارسون حياتهم اليومية فيما يشغلهم من امور الموبقات التي يرتبون الطريق لإرتكابها .
الجند الجنجويدي ، والذين هم في الأصل الجنجويد "الملموم شملها" معلوماً بنوعها وتركييبة مزاجها ، من مجموعات قطاع الطرق النهابة ، دربتهم بئتهم الصعبة القاسية على مهنتهم ، التي ترعرعوا فيها وألفوها ، والمقتصرة على النهب والسرقة والقتل والإغتصاب ، دون رفة جفن أو وخزة ضمير ، تطوف بخيال أي منهم ، وهم يمارسون هذه المهنة التي أتقنوها ، وقد شاهدنا وقائع تطبيقها على أرض الحرب الدائر رحاها ، وسط مدننا وقرانا ومساكننا ، وكلها على أجساد شعبنا وممتلكاته وبنيته التحتية ، في تخريب ، مؤسساته الحكومية والثقافية والمعرفية ، والاجتماعية المدنية وحتى الأنشطة الرياضية ، وعماراته وبناياته وشوارعها ، التى أحالوها قاعاً صفصفاً مهروساً ،
ويشاركهم "وفي بعضها يسابقهم ، بل يسبقهم" خاصة بقصف الطائرات ، التي لحقت بها المسيرات ، ويجاريهم على الأرض ، في إنجاز جرائم هذه الحرب الوحشية من جماعة الطرف الآخر ، الملتحم بإسم الإستنفار والثورة الشعبية المدعاة ، من تتظيمات الظل والبراء والأمن الشعبي ، وعموم داعشيتهم المتدربة ، وغيرها من المجموعات ، المتخفية ومندسة ، خلف إسم جيشنا الوطني ذلك الجيش المقهور وساكت . يقود ويوجه قهره وسكوته ، قيادته في اللجنة الأمنية الإسلاموية التي استولت على السلطة بدعوى الانحياز للثورة المجيدة .
هذه الجنجويديات هي ذاتها التي جمعها في زمن مضى ، وكونها مليشيا محاربة عرابها الأول موسى هلال ، بالتشجيع من قبل نظام الإنقاذ ليحارب بها الحركات المسلحة ، وفعلت ما فعلت في أرض وشعب ، وأخضر ويابس أهل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ، حتى تولى أمرها حميدتي الذي التقط قفاز تطويرها الحربي المسلح ، غير المقنن ، ودون عقيدة غير عقيدة القتل والنهب والإغتصاب ، وإستلم الصورة الجنجويدية ، بعد التسمين و"الدوعلة" المطلوبة والضرورية من هذا الأصل الهلالي ، بكل مرفقاتها ، وتزويدها بعقيدة الجندي المليشي ، المدرب على إرتكاب الموبقات ، بكل قبحها وإجرامها ، وأطلقها مليشيا ، إنتهى بها الحال إلى جيش مواز للجيش النظامي إن لم يفوقه إمكانيات ، وقدرات ، مطبوعة بمهارة صورة من الأصل التي بروَّزها حميدتي في إطارها الجديد بعد أن نقلها بمساعدة نظام الإنقاذ وأعطاها شرعية حكومته التي هي بلا شرعية قانون أو دستور ، فقط شرعية الإنقلاب الأم ، فتحول الجند الجنجودي متحوراً ، إلى حرس الحدود شبه النظامي ، إلى كامل النظاميه بإسم الدعم السريع ، الذي أتبعه المخلوع إلى رئاسة جمهوريته التعسفية ، وأكسبه مشروعيته في دولته الغير مشروعة نفسها ، بل أضفى عليه لقب حمايتي للتخويف والإرعاب ، وجعل منه يده اليمنى الباطشة ضد الحركات المسلحة ووصلها بإرهاب الشعب ، مع الإحتفاظ بسر الغرض المتغطي بورق السولفان "من تحت لتحت" لحمايته من غدر الزمان وحاضنته الإسلاموية ، التي تناقصت الثقة فيها ، كعادة الأنظمة الإستبدادية ، في حالة نوَّت وقررت الإطاحة به وبسلطته .
كل هذه التعقيدات التي عايشوها قبل سقوطهم جعلتهم ينحنون لعاصفة ثورة ديسمبر المجيدة ، لكن بعد ضمان تنصيب سلطتهم مجدداَ ، عن طريق لجنتهم الأمنية ، بانقلابها الخدعة إنحيازاً للثورة ، في ١١ أبريل 2019م ، ويسكتون مهلاً وتوقعاً مريحاً عند إختيار البرهان واجهة للعسكر ، الذي سلمهم سلطتهم ، على طبق خيانة مهنيته العسكرية ، وساعدهم بكل اشكال التآمر ، في تدجين طاقم حكومة الثورة ، الذبن سلموا أمرهم وذقونهم لعسكر هذه اللجنة الأمنية إسلاموية التوجه غير الخفية ، ورغم ذلك في نظرهم لم تَصفى لهم الدولة كاملة ، فلازال في نفوسهم شئ من حتى ، يجب أن يكتمل ، فعالجوا النقص ، وعاجلوه بإنقلابهم المشؤوم في ٢٥ أكتوبر 2021م ، ولكنهم لم يتَّهنوا بهذا الإنقلاب الذي سقط فعلياً لحظة ميلاده ، وكان قاب قوسين ، مع تواصل الثورة في الشارع ، والتحضير بنية الإضراب السياسي والعصيان المدني ، والخوف من التنفيذ واستمرارية الثورة ، حتى تحقيق غاياتها ، أثمر عكسياً ، تحالف الخايفان ، من التغيير الجذري حيث تخافه فئة المدنيين من فئة الطبقة الوسطى المتسيسة من أفندية البرجوازية الصغيرة ، بممثليها في الحكومة الإنتقالية ، الذين يفضلونها نصف ثورة ، فعرضت على الخائف الآخر من شق العسكركوز ، في الصراع بين الثورة وأعدائها ، من الثورة المضادة ، وتكامل الخوفان من ذوي عاهة التغييرفوبيا ، كما في وصف استاذنا بروف عبدالله على ابراهيم ، خاصة إذا كان ناحيته التغيير الجذري ، أولئك الذين يرهبون إستكمال الثورة ، وتنفيذ شعاراتها حتى نهاياتها ، عندها ظهرت الرغبة لدي طرفي التغييرفوبيا في التسوية ، التي أفرزت الإطاري مقطوع الطاري ، الذي أوصل الصراع ، بين أطرافه إلى هذه الحرب اللعينة ، بسبب تشبث كل طرف من تلك الأطراف ، بأن يكون هو الفائز بكيكة السلطة كاملة غير منقوصة ، فكان إستعداد الطرفين المسلحين بنية الحرب جاهزاً ، مركزية الحرية والتغيير تنازع من أجل سلطتها دون ظهيرها في الفضاء الثوري كسلاح لها أقوى من سلاح الذخيرة الحية ، وهي خارج الزفة المسلحة ، والمضحك والمبكي في الآن ، أنهم استغفلوها وحملوها مسوؤلية إشعال الحرب ، بكلمة صدق منها حوروها "الإطاري أو الحرب" قالها بابكر فيصل بحسن نية متصالحة ، ومعناها السليم " ستشتعل بين المسلحين الحرب" وقد كانت وحدثت ، وصار الإطاري في خبر كان ، والحرية والتغيير الضحية المفعول به وليس الفاعل للحرب ، أما الفاعل الحقيقي ، لإشعال الحرب ، هو من تولى الشحن لبدئها ، وحتى درجة إعلانها ، في إفطارات رمضان ، التي نظمها أهل النظام البائد ، بل هم من أطلق الرصاصة الأولى بمليشياتهم الكائنة في الإنتظار والتأهب منذ ثلاثينية دولة الإنقاذ ، إنتظاراً لمثل هذه اللحظة الفرصة ، حتى أنهم فاجأوا بها الجيش ، مما أفقده توازنه ، وتطاولت هزائمه منذ لحظات الطلقة الأولى ، وإن كان معروفاً من بدأ الحرب ، فالطرف الآخر المقابل ، الدعم السريع كان هو الآخر ، يده على الزناد ، جاهزاً لإطلاق الرصاصة الأولى ، لو لم يسبقهم الطرف الأول في إطلاقها ، وعليه لاضرورة للغوص في جدل من بدأ الحرب ، إنما الجدل الواجب "يأتي بعد بذل كل الجهد لوقفها" ليتحول الجدل المطلوب حينها ، كيف يُحاكم الطرفان على هذه الحرب الكارثة ، ومحاكمة كل رصاصة خرجت من فوهة بندقيتها ، ومحاكمة من أمر بخروجها ، وتوجهها عمداً وقصداً مع سبق الإصرار ، وإصابتها هذه الرصاصة المتنوعة ، الخارجة من أحدث أنواع الأسلحة ، وتسببها بأي أذىً كان ، موت أو خراب أو نزوح أو دمار ، لكل كائن حي أو جماد أو حيوان ، بشراً كان شجراً كان حجراً كان .
***
omeralhiwaig441@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بدأ الحرب

إقرأ أيضاً:

الحل السوداني-سوداني: خوض المنايا، خوض الوحول

عبد الله علي إبراهيم
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول
قال المتخصص في التاريخ الأوروبي بجامعة ميسوري جوناثان سبيربر، خلال أيام ثورة 2019، إنه بدا له السودان حالة استثنائية. فبينما يرتكب العالم طريق الحكم الأوتوقراطي على أيامنا نجدهم يسيرون عكس التيار يرفعون للديمقراطية راية. وهذا ما قد يزكي بقوة ما تعقده دوائر عالمية وإقليمية على صفوة السودانيين أن ينهضوا لإنهاء الحرب بحل سوداني- سوداني.
تعلق قلب السودان بالديمقراطية عبر نضال مدني وللمرة الثالثة بثورة 2019 في وقت تغشاها الدواهي حتى في بلاد نذرت نفسها لنشرها على العالمين، فأميركا نفسها ممحونة في ديمقراطيتها التي تبدو في مهب الريح. وليست هذه المحنة بسبب مخاطرة دونالد ترمب فيها كما قد يتبادر إلى الذهن. وهذا ما لفت الانتباه إليه المؤرخ والمحرر في صحيفة "واشنطن بوست" روبرت كاغان في كتاب عنوانه "الانتفاضة: كيف يمزق عداء الليبرالية أميركا إرباً". ففي رأي كاغان أنه على زعم أميركا الليبرالية إلا أنه خالط هذه الليبرالية، التي تكثر الكتابات عنها، أبداً تيار غير ليبرالي لا تتناوله الأقلام بكثرة ما تتناول التيار الليبرالي. وقال إن من وراء هذا التيار تقاليد ونظرات وعقائد على خصومة مستقيمة مع النظام الليبرالي العلماني الذي اتفق عليه لأميركا في دستورها في 1787. ويقف هذا التيار غير الليبرالي من فوق أرضية مسيحية وبيضاء. فالأميركيون الحقيقيون عندهم هم الـ75 مليون الذين صوتوا لترمب في الانتخابات الأخيرة وما عداهم باطل وقبض ريح. وقال كاغان إن كثيرين من حملة هذه الفكرة ينسون أن من جاؤوا من جدودهم لأميركا مثل الكاثوليك والإيرلنديون كانوا في عداد غير الأميركيين في يوم غير هذا. وفي قول منظرين لهذا التيار إن أميركا ليست تجربة ثورية بسبب الثورة الأميركية وإعلان الاستقلال (1776) بل لأنهم ورثة ثورة الإنجيل التي بدأت بتكوين إسرائيل في الأزل. ففصل الدين عن الدولة عندهم هراء.
وشغل الناس عن مكمن هذا التقليد غير الليبرالي تلاحق التطورات السياسة والاجتماعية منذ الحرب العالمية الثانية التي مكنت الليبرالية مثل حق الإجهاض (1973) وإنهاء التفرقة العنصرية في المدارس (1954) وغيرها. ولم يستسلم التقليد غير الليبرالي وقاتل بالظفر والناب ضد تلك المكاسب الليبرالية فيما عرف بالحروب الثقافية الأميركية. ففي حين ألغت المحكمة العليا التفرقة العنصرية في المدارس في 1965 تمرد حتى الكونغرس عليها، ودعا الولايات ألا تمتثل لقرار المحكمة، وأن تبقي التفرقة على حالها. بل نشر الكونغرس ما عرف بـ"البيان الجنوبي" الذي استنكر تغول المحكمة العليا على سلطات الكونغرس والولايات بالتشريع في ما لا اختصاص لها فيه.
والمشاهد أن هذا التيار يكسب في ظرفنا الحالي أرضاً بعد أرض. فصابر طويلاً حتى جاء بقضاة للمحكمة العليا في رئاسة ترمب غلبوا وألغوا الحكم به المعروف بـ"رو ضد ويد" الذي أذن للنساء بالإجهاض. ومنعاً للمبالغة في دور ترمب في هذه الانعطافة غير الليبرالية القائمة صح أن نعرف أنه لم يكن في ماضيه من خصوم حق الإجهاض، ولكن واتته الريح فاعتلاها.
وبدا من فكر صفوة السودانيين وأدائها أنها ربما دون مهمة استنقاذ وطنها بنفسها. فما اندلعت الحرب حتى اختلت أطرافها بعضها بعضاً بعيداً من ميدانها تصفي ثأراتها التاريخية. فأخرج الإسلاميون في أول أسبوع للحرب قوائم لخصومهم في قوى "الحرية والتغيير" ممن تتهمهم بتخريب الوطن وخيانته. ولم تتأخر "قحت" فأذاعت أن الإسلاميين، الفلول، هم من أشعلوا الحرب وجروا الجيش إليها وأنفه راغم. ولم يكترثوا لحقيقة أنهم بمثل ذلك الحكم جعلوا قوات "الدعم السريع" في طرف الحرب العادلة أرادوا أو لم يريدوا. فتقاطعت هذه الصفوة وتدابرت حتى صارت الحرب، التي يريد المشفقون على السودان أن تتناصر صفوتها لحل سوداني- سوداني، سانحة لكل طرف ليقضي على خصمه قضاء مبرماً.
وعلى رغم مطلب "قحت" بوقف الحرب فإنها تتمسك بإزالة الفلول من وجه البسيطة. فيخلص كاتب في خبرة فتحي الضو إلى أن حربنا عبثية خلافاً لحروب سماها "نظيفة" صدقت فيها كلمة كارل فون كلاوزفتير الشهيرة من أن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى. فحربنا، خلافاً لذلك، لا منطق لها "لا أسباب لها، ولا دوافع، ولا ذرائع". ولكنه سرعان ما وجد فتحي لها سبباً بغير "جهد خارق" كما قال. وهي أنها حرب الفلول الإسلاميين لاستعادة "فردوس الدولة المفقود". وعليه فهو هو لا يرى حلاً سودانياً- سودانياً مما تزكيه دوائر كثيرة. فحله في الاستمرار في الحرب حتى نرى جثة الفلول طافية عند مصب النهر. فلن يهدأ السودان، في رأيه، إلا بـ"التعامل المناسب مع هذه الفئة الباغية". وهو الحرب ضدهم حتى يفيقوا صاغرين من وهم استعادة دولتهم.
أما أوهن ما تكون الصفوة فهي حين تواقع سياستها وحربها ودولتها على أوضاع بلاد أخرى طلباً للحكمة من المقارنة. فالصفوة في حالة تشرد في طلب المقارنة الذي ينتظر منه المرء كشفاً ينتفع منه فطانة في الإحاطة بأحواله لإحسان إدارتها وتدبير المخارج منه. فيتوقع المرء، وقد تدامجت الجريمة مع السياسة في حربنا، أن تطلب الصفوة العلم بما ألم بنا من أميركا اللاتينية. فتغلبت فيها العصابات الإجرامية، التي ترعرعت في محاضن الأحزاب فيها، على السياسة ونازعت في الدولة حتى قضت عليها في مثل هايتي وصارت إلى سدتها.
وحفلت أخبار أميركا اللاتينية في الأسابيع الماضية بوقائع عن شوكة العصابات فيها وانعكاساتها على نظمها الديمقراطية مما صح الاطلاع عليه لصفوة تمتحن الحرب دولتها أن تكون أو لا تكون متى غلبت "الدعم السريع" فيها.
* أعلنت عصابة "عصبة الخليج"، التي تسيطر على 11 بلدية من بلديات كولومبيا الـ32 في شمال غربي البلاد، الإضراب في مناطق نفوذها منذ صباح الخامس إلى التاسع من مايو (أيار) الجاري؛ احتجاجاً على ترحيل الحكومة لدايرو أنطونيو يوساقا، زعيمها، إلى الولايات المتحدة لمحاكمته. وهو إضراب "تحت السلاح" بمعنى أن العصبة هي التي حملت الناس عليه حملاً. فأمرت الناس بالبقاء في بيوتهم وإلا قتلوا، وأغلقت المحلات التجارية، وقفلت الطرق، وقطعت المواصلات.
وترتب على ذلك نقص في الثمرات: في الطعام والغاز. وعانت المستشفيات نقصاً في العاملين بها. ووقعت خلال الإضراب 309 حوادث عنف، وإغلاق 26 شارعاً، وإتلاف 118 عربة. وقال أحدهم إن "عصبة الخليج" تريهم أنها من يملك الشوكة للإرعاب، وأنها السلطة لا الحكومة. وبالفعل وقفت الدولة مكتوفة الأيدي لم تسعف المواطنين في أيام رعبهم.
* ووقفنا بالتقارير الواردة عن انتخابات المكسيك الوشيكة على مدى سلطان كارتيلات المخدرات، وثيقة الصلة بالدوائر السياسة أبداً، على زمامها. فتريد العصابات من الانتخابات وضع الساسة من أصدقائها في الوظيفة السياسة المحلية والقومية. فحولت الانتخابات إلى ميدان حربي بمعنى الكلمة. فأخذت في ترويع حملات غير أصدقائها الانتخابية، واغتيال بعضهم. فقتلت 24 مرشحاً، واضطر 200 منهم للانسحاب من الانتخابات هلعاً، وطلب 400 منهم الحماية من الدولة.
وعرضت التقارير لضروب الحماية لمرشح مناهض للكارتيلات فركب خلال حملاته الانتخابية سيارة واقية من الرصاص، وحوله حراس مفتولو العضلات، وتتبعه ناقلة عليها جند من الحرس الوطني. حتى إنه قال غير مصدق إن كانت تلك هيئة من يريد أن يترشح ليمثل المواطنين في مجلس الشيوخ. فحياة مثله في خطر في كل دقيقة. واضطر هذا المرشح للابتعاد عن عائلته غير الحديث إليهم بالتليفون:
- بابا، لقد صليت من أجلك (طفله البالغ سبع سنوات)
- 30 يوماً وتعود لنا (طفله ذو التسع سنوات مبتسماً أمام كاميرا الهاتف) أتمنى أن تفوز في الانتخابات. وقال المرشح: ما دل أولادي. وتهدج صوته وأخذ شربة كبيرة من الماء.
* وصح من قال إن عصابات الجريمة المنظمة تضع الديمقراطية في أميركا اللاتينية على جرف هار. وبدا من الناس الاستعداد بالتضحية بقدر منها من أجل الأمان. فحصل دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور، في استفتاء في الـ22 من أبريل (نيسان) الماضي على تفويض باستخدام أدوات ربما ليست ديمقراطية في حرفها لملاحقة العصابات التي ضرجت البلد بالعنف في السنوات الأخيرة.
ومن ذلك أن الاستفتاء فوضه لاستخدام الجيش في ضبط الأمن الداخلي. وتجري المقارنة هنا بينه وبين نايب بوكيلي، رئيس السلفادور، الذي أسرف في تدابير الأمن في مواجهة هذه العصابات ليخرج كثيراً من أعراف الديمقراطية. وكانت حملته إلى الرئاسة ثمرة غضبة مضرية شعبية على تفشي الجريمة المروعة، وفساد الأحزاب التقليدية، وركاكتها.
ونجح بوكيلي في خفض الجريمة بصورة ملموسة بإجراءات غليظة لم يعتبر فيها حد الديمقراطية. بل واستعان بعصابات بشعة في حلف سري ليصل للغاية. وسمى نفسه المستبد الرائق. ولذا قيل عن نوبوا، الذي لم يسلم من نقد من منظمات مدنية لما رأوا منه خرقاً لحقوق الإنسان، إنه لا يزال يترسم الديمقراطية. وزكوا نموذجه الذي يقدمه للمنطقة بضبط العصابات بغير التضحية بقيم الديمقراطية في حربه لها.
يقال تبتلي الأشياء الرديئة الناس الجيدين. والحرب في السودان هي رداءة وقعت على شعب استثناء طلب الديمقراطية وهي على شفا حفرة حتى في مظانها الأولى. وخاض المنايا لها ولكن صفوته لم تقم بالهين من الأمر وهو خوض الوحول للغاية. ومع أنه لا يأس من أن تفيق صفوته للحل السوداني-سوداني الذي يعلقه على عاتقهم حسنو الظن فيهم إلا أننا نحتاج إلى العالم لا نزال لوقف الحرب بسبل لم تقع له بعد. وتلك قصة أخرى.

IbrahimA@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • كراسي تتناول القهوة
  • الحل السوداني-سوداني: خوض المنايا..خوض الوحول
  • السيد خامنئي: على الشعب الإيراني ألا يقلق ولن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد
  • قائد الثورة الإسلامية في إيران: على الشعب الإيراني ألا يقلق ولن يكون هناك أي اضطراب 
  • قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي: نرجو من الله تعالى أن يحفظ رئيس الجمهورية ومرافقيه ويعيدهم سالمين إلى الشعب، وعلى الشعب الإيراني ألا يقلق ولن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد
  • أيقونة الثورتين الجزائرية والفلسطينية.. نضالات محمد بودية برواية قلب في أقصى اليسار
  • الحل السوداني-سوداني: خوض المنايا، خوض الوحول
  • هل يكفي انسحاب غانتس للإطاحة بحكومة نتنياهو وكيف علق سموتريتش على التهديد؟
  • ما هو هرمون السعادة.. وكيف يمكنه التحكم في مزاجك؟
  • توخل ينهي الجدل بشأن استمراره في منصبه مع بايرن ميونخ