مع اقتراب نهاية العام، يلتف الجميع حول المدفأة – أو دعونا نكون أكثر واقعية، ونبتعد عن كلام الإعلانات – على "الكنبة" في غرفة المعيشة، أمام التلفزيون. الجو بارد، لكنه ليس ببرودة الثلوج الأوروبية التي نراها في الأفلام، بل هو ذلك البرد الذي يجعلك ترتدي كل ملابسك المتكدسة داخل الدولاب، وتلتف تحت البطانية الثقيلة، مع كوب شاي ساخن لا يخلو من ورقة نعناع تطفو برشاقة على السطح.

في هذا الوقت تحديدًا، يعود إلينا ذلك الضيف العزيز، الذي لا يتخلف أبدًا عن موعده. إنه فيلم "Home Alone"، الذي أُنتج جزؤه الأول عام 1990، للمخرج Chris Columbus(كريس كولومبوس)، وبطولة الطفل العبقري Macaulay Culkin
(ماكولي كولكين). إنه ليس مجرد فيلم؛ إنه طقس سنوي يوحي بانتظار العد التنازلي للعام الجديد.

لكن، لماذا نعود إلى هذا الفيلم بالأخص عامًا بعد عام، كأنه طقس سنوي لا يكتمل ديسمبر بدونه؟ هل لأنه يحمل شيئًا منا، من طفولتنا، ومن حكاياتنا التي نتمنى أن تعود؟
العائلة! كلمة بسيطة جدًا لكن معقدة كشبكة عنكبوتية متشابكة. "كيفن مكاليستر" كان في قلب تلك الشبكة، الطفل الذي تمنّى – في لحظة صبيانية – أن تختفي عائلته للأبد. وها قد اختفت بالفعل!

لكن اللحظات الحقيقية لا تأتي حين نمتلك ما نريد، بل حين نكتشف ما نفتقده. وسط المغامرات الطريفة والمصائد العبقرية، هناك لحظة صامتة يتأمل فيها "كيفن" شجرة عيد الميلاد وحيدًا. هنا تحديدًا، يقدم الفيلم لنا سؤالًا؛ هل نستحق أن نعيش كل هذا وحدنا؟!

ربما يكمن جزء من الإجابة في سحر الأفلام التي تبقى معنا رغم مرور الزمن. لأنك حتمًا لاحظت أن هناك أفلامًا تذوب مع الزمن، تختفي كأنها لم تكن أبدًا. لكن "Home Alone" يبقى هنا، شامخًا وسط العديد من الأفلام. كل مرة تشاهده فيها، تشم رائحة طفولتك، تسمع صوت ضحكاتك القديمة، وتلمح وجهك الصغير يطل عليك من شاشة التلفزيون. النوستالجيا ليست مجرد شعور؛ إنها حالة كاملة تتسلل إليك عبر مشهد "كيفن" وهو يتناول عشاءه على ضوء الشموع أو حين يتفنن في نصب الفخاخ للّصوص. نحن لا نشاهد الفيلم فقط؛ نحن نزور طفولتنا. كيفن ليس مجرد طفل في فيلم؛ إنه تجسيد للطفل الذي يسكن فينا جميعًا. إنه جزء منك حين قررت مواجهة خوفك لأول مرة، أو عندما ضحكت من قلبك رغم الخوف. في كل مرة ينجح فيها "كيفن" في خداع اللصوص، نشعر جميعًا وكأننا نحن من حققنا الانتصار.

هذا الفيلم يذكرك بشيء بسيط لكن عميق؛ أحيانًا، لا تحتاج إلى أن تكون كبيرًا لتواجه العالم. تحتاج فقط إلى القليل من الشجاعة.. والكثير من الذكاء!
العالم يتغير. الأفلام تتغير. وحتى نحن نتغير. لكن هناك أشياء لا تتزحزح عن مكانها، كأنها مسمار قديم في خشب شباك متهالك، ثابت رغم تشقق الإطار، لكنه ما زال يحمى من تسلل الأتربة.
وربما تكون هذه التفاصيل الصغيرة هي ما تجعلنا نتمسك ببعض الطقوس السنوية التي تمنحنا إحساسًا بالألفة والدفء وسط كل هذا التغيير. ومع اقتراب نهاية كل عام، نعود إلى تلك العادات المحببة التي تملأ أيامنا بشيء من الأمان. إنه ليس مجرد فيلم نراه على الشاشة، بل هو ذكرى مشتركة نصنعها كل عام، توقيع صغير يودع سنة قديمة ويستقبل سنة جديدة. ووسط كل ذلك، هناك شيء مؤكد؛ لا يمكن أن ينتهي ديسمبر دون زيارة سريعة لمنزل عائلة "مكاليستر".

كل عام ينتهي، وكل عام يبدأ. وبين النهاية والبداية هناك لحظة صغيرة، لحظة كافية لتشاهد فيها فيلمًا.
"Home Alone"ليس مجرد فيلم تشاهده في ليلة شتوية باردة؛ إنه دفء خفي يأتي إليك من الشاشة، يربت على كتفك، ويهمس لك:
كل شيء سيكون على ما يرام... عام جديد، بداية جديدة، ولا تنسَ أن تضحك حتى وإن كنت وحدك.
كل عام وأنت بخير.. وكل عام و"كيفن مكاليستر" صديقك السنوي المفضل.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نهاية العام المزيد لیس مجرد کل عام

إقرأ أيضاً:

الزواج ليس مجرد حبر على ورق

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

الأسرة الصالحة مرتكزٌ مُهمٌ في بناء النشء والأجيال القادمة، ويتعين عليها أن تكون أنموذجًا مشرفًا يُحتذى به في السلوك والتعامل الطيب الراقي والتربية الصحيحة، ويُعول على قُطبي هذه الأسرة، الأب والأم، الشيء الكثير، منه أن يكونا عند مستوى الاختيار والتكليف الإلهي بأن جعلهما جل جلاله أبوين.

وتنعم الكثير من الأسر باستقرار دائم نتيجة الوفاق والانسجام والتفاهم بينهم، الذي تعيشه بحرفية وإتقان وفن، بينما أُسر أخرى تعيش تشتتًا وظلامًا أسود وجهلًا مستمرًّا، يُلقي بظلاله على أفراد الأسرة جميعهم، ويُنغص حياتهم ووجودهم، ويكون الضحية الأطفال.

نعلم أنه لا شيء أهم من أن يكون الإنسان ذو خلق، فدرجة صاحب الخلق مع النبيين وفي الفردوس الأعلى من الجنة، وبالتالي أن يكون المرء خلوقًا وطيبًا ومتواضعًا أياً كان، ذكرًا أم أنثى، فإن ذلك مدعاة إلى استقرار الأسر ونمائها ودوام حياتها وبقائها، بما يكفل لها استقرارًا دائمًا، ويضمن لها الوئام والتلاحم والتعاضد والرحمة.

وتبدأ أولى مسؤوليات الوالدين من الزواج والارتباط الوثيق الشرعي، الذي ينطلق من العهد والميثاق الغليظ الذي يكون من العروسين، فالبدايات السليمة تترتب عليها أمور كثيرة، والانطلاقة الحقيقية والصحيحة تبني حياة زوجية كريمة ومستقرة.

لذا ينبغي على المقبلين على الزواج مراعاة الكثير وفهم الكثير، حتى تمر السفينة بسلام في هذه الأمواج المتلاطمة التي يكتنفها الصعاب، وتملؤها التحديات والعراقيل، ويلفها الجهل ببواطن الأمور وظواهرها.

يُعتبر الزواج مشروعًا مهمًّا ومريحًا في تأسيس حياة وإعمار هذا الكون بالخُلفة والبشرية، والحديث يقول: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة". والزواج سعادة وحياة وراحة وتجدد ونشاط، وعلى الطرفين أن يستشعرا هذه النعمة ويحافظا عليها مهما كان، ويتجنبا أن يكونا معول هدم لها، ومصدر خراب وضياع لما أتت به من خير.

الزواج إن كان مليئًا بالحب والتفاهم والتواضع وفهم كل واحد لمسؤولياته، يكون زواجًا ناجحًا ومشروعًا موفقًا، وإن كان أحد الطرفين جاهلًا ومتغطرسًا وبعيدًا عن فهم دوره وإتقان واجبه والقيام به على كل حال، فإن المشاكل وعدم الاستقرار سيطالهما، وسيحدث ما لا يُحمد عقباه. لذا، التجمُّل بالأخلاق الطيبة والتواضع والاحترام يجعل الزواج مستقرًّا وماضيًا في طريق السعادة والخير والرضا.

مما لا شك فيه أن بعض الأهالي والأقارب يفسدون العلاقات الزوجية، ويُخربون حياة أبنائهم مع أزواجهم، وذلك بالتحريض والقيل والقال، وللأسف ينجر البعض إلى الاستماع إلى تلك الفتن والدوافع والأقاويل التي تُعكر صفو الحياة، وتُعجل بانتهاء العلاقات الزوجية.

لهذا ينبغي على الإنسان أن يكون محضر خير، مُغلاقًا للشر، وأن يكون مُربيًا فاضلًا لابنته أو لولده، حتى عندما يُقدم أحدهم على الزواج وأثناء زواجه، يكون أمرًا صالحًا مُقدرًا لما هو فيه من علاقة ومسؤولية. والحكومة بمؤسساتها تبذل جهودًا كبيرة في احتواء وحل المشاكل العالقة بين الزوجين، والمحاكم بشكل مستمر تنظر في قضايا الخلاف بين الزوجين، وتُسهم في حل كثير منها وإعادة الود والحياة لها، سواء عن طريق لجان التوفيق والمصالحة، أو عن طريق قاعات المحاكم التي تعج بهكذا مواضيع وقضايا مهمة وحساسة.

حقيقةً ما نرجوه من الرجل والمرأة، فهم طبيعة ودور كل منهما بأنه لا غنى لهما عن بعض؛ فالمرأة لا يسترها إلّا بيتها وزوجها، وقبل ذلك البيت الذي تربت فيه، لكن مع مرور الوقت لا بد لها من مفارقته إلى بيت الزوجية.

وكذا الحال للشاب الذي ستكون عليه مسؤوليات كبيرة في جعل زوجته سيدة وأميرة وفاعلة وناجحة وأمًّا فاضلة، شريطة أن تكون هي إنسانة محترمة له، وتعامله بنصائح الأوليات في أن تكون مرآة صالحة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ولديها قابلية ورغبة صحيحة لتكون زوجة ناجحة وصالحة.

 

مقالات مشابهة

  • عودة 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري إلى مناطقهم منذ 8 ديسمبر الماضي
  • أروى رأفت تكتب: غرور الإنسان.. من وهم المركزية إلى سلب الحرية
  • تكليف الأطباء: فتح باب تسجيل الرغبات لحركة نيابات ديسمبر 2024
  • النائبة منال نصر: مدينة مستقبل مصر الصناعية تجسيد واقعي لرؤية الجمهورية الجديدة
  • الشرقاوي: الرئيس السيسي وعد الأفارقة وأوفى
  • حكاية بقال
  • صداقة بـ200 ألف دولار تنتهي على رصيف في عمّان
  • صالحة الصالحة برجالها تكتب أسوأ سيناريو لنهاية مليشيا آل دقلو الإرهابية
  • الزواج ليس مجرد حبر على ورق
  • أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع