في الساعة الخامسة مساء من يوم 27 فبراير/شباط 2025 تسمّر الشعب التركي بأكمله أمام الشاشات في انتظار قراءة بيان من عبد الله أوجلان مؤسس تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، والذي يقبع في السجن منذ 26 عامًا بجزيرة إمرالي وسط بحر مرمرة.

حملت هذه الرسالة أهمية بالغة، إذ كان يُتوقع أن تتضمن دعوة من أوجلان لحزب العمال وجميع الفصائل المتحالفة معه في سوريا والعراق وإيران إلى إلقاء السلاح وحلّ التنظيم.

وقد حدث ذلك بالفعل، ففي التوقيت المحدد تمامًا وقف ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي أمام الكاميرات وقرؤوا ذلك البيان التاريخي.

لقد وجّه أوجلان دعوة غير مشروطة إلى إلقاء السلاح وحلّ تنظيم حزب العمال.

وجاء في الرسالة "على جميع الفصائل إلقاء السلاح، ويجب على حزب العمال أن يحلّ نفسه".

كيف سارت العملية ومن هم الفاعلون الرئيسيون؟

جرّبت تركيا في الفترة ما بين 2009 و2014، تحت مسمى "عملية الحل"، نزع سلاح منظمة حزب العمال الكردستاني، لكن العملية تعثّرت في النهاية.

كان الحزب قد توصل إلى اتفاق مع أميركا وأعاد تنظيم نفسه في شمال سوريا تحت أسماء أخرى في منطقة تُدعى "روج آفا"، مما أدى إلى إنهاء عملية الحل.

ولهذا السبب، كان الجميع في تركيا يعارضون أي عملية حل جديدة، لكن الوضع تغير بعد حرب غزة.

إعلان

أدرك الرئيس أردوغان أن الحرب قد تنتقل إلى سوريا، ومن هناك قد تؤثر بطريقة ما على الداخل التركي، ولذلك بدأ يدعو إلى "تعزيز الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية".

كان الهدف من هذه الدعوة هو سحب "ورقة الأكراد" من أيدي حزب العمال والمجموعات الأخرى في شمال سوريا، حتى لا تؤثر على الأكراد داخل تركيا.

زعيم حزب الحركة القومية، الشريك الآخر في الحكومة وأكبر معارض لعملية الحل السابقة، دولت بهتشلي، أعلن دعمه لهذا المشروع وأصدر بيانًا غير متوقع.

التقى بهتشلي في البداية مع ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي، ثم صرح قائلًا "إذا كان أوجلان سيوجه دعوة إلى "بي كي كي لنزع السلاح وحل المنظمة، فليأتِ ويتحدث في كتلة الشعوب الديمقراطي البرلمانية إذا أراد".

هذا التصريح أحدث صدمة كبيرة في البلاد، إذ يُعد بهتشلي أحد أبرز الشخصيات في التيار القومي، وقد أدى تصريحه في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى تسريع العملية.

بدوره، أعلن الرئيس أردوغان دعمه القوي لتصريح بهتشلي، وكلف رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن بإدارة هذه العملية.

قام ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي بزيارة أوجلان، وقد أعلن بدوره أنه يدعم دعوة بهتشلي. وهكذا بدأت عملية صياغة الرسالة التي تمت قراءتها في 27 فبراير/شباط.

وبينما كان حزب الشعوب الديمقراطي يلتقي الأحزاب السياسية لحشد الدعم، كان إبراهيم قالن يخطط لتفاصيل الإعلان.

ماذا تضمنت التصريحات؟

الرسالة الأصلية التي كتبها أوجلان بخط يده باللغة التركية طولها 3 صفحات ونصف الصفحة. وفي نهاية الرسالة، كُتب تاريخ 25 فبراير/شباط 2025، مع توقيع عبد الله أوجلان.

تم تحويل الرسالة إلى نسخة رقمية وسُلّمت إلى وفد حزب الشعوب الديمقراطي لكي يتلوها. في الاجتماع الذي عُقد في إمرالي، كان محامو أوجلان وزملاؤه في السجن حاضرين أيضًا. تم التقاط صورة لحظة تسليم الرسالة، ووزعت على وسائل الإعلام.

إعلان

من بين الوفد المكون من 7 أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي الذين ذهبوا إلى جزيرة إمرالي لتسلّم الرسالة، قام أحمد ترك، رئيس بلدية ماردين السابق، بقراءة النسخة الكردية من الرسالة. ثم قامت بيرفين بولدان، النائبة والرئيسة السابقة لحزب الشعوب الديمقراطي، بقراءة النسخة الأصلية المكتوبة باللغة التركية.

في بداية الرسالة، يشرح أوجلان سبب تأسيسه للتنظيم، وكيف تطورت أيديولوجيته وفقًا للظروف، وكيف وصل إلى هذه المرحلة، ولماذا لم ينجح في تحقيق أهدافه.

يقول أوجلان:

"حركة التمرد والعنف الأطول والأشمل في تاريخ الجمهورية، وهي حزب العمال الكردستاني (PKK)، وجدت القوة والقاعدة الشعبية نتيجة لإغلاق قنوات السياسة الديمقراطية".

"أما الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة، مثل الدولة القومية المستقلة، والفدرالية، والإدارة الذاتية، والحلول الثقافوية، لم تستطع تلبية متطلبات الحقوق الاجتماعية والتاريخية للمجتمع".

وفي الجزء التالي من الرسالة، يعلن أوجلان عن حل حزب العمال الكردستاني الذي أسسه قبل 47 عامًا في منطقة ليجه بمحافظة ديار بكر، بهدف إنشاء "دولة كردستان"، مستخدمًا العبارات التالية:

"إنني أتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة، والتي جاءت في ظل المناخ السياسي الحالي الذي تشكل نتيجة دعوة السيد دولت بهتشلي، والإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة. وكما تفعل أي جمعية أو حزب حديث لم يتم حلّه بالقوة، اجتمعوا في مؤتمر من أجل الاندماج مع الدولة والمجتمع واتخذوا القرار: يجب أن تترك جميع المنظمات السلاح، ويجب حل حزب العمال الكردستاني. أرسل تحياتي إلى جميع الأطراف التي تؤمن بالتعايش المشترك وتستجيب لدعوتي".

ما تأثيرات دعوة أوجلان؟ النص يعلن بوضوح لا يحتمل أي تأويل أو تفسير عن حلّ حزب العمال الكردستاني (PKK). ومن المتوقع أن يلتزم معظم عناصر التنظيم بهذه الدعوة، لأن عدم الامتثال لها سيضعهم في موقف العصيان والتمرّد على أوجلان، ومن ثم لن يكون هناك بعد الآن أي عناصر من الشعب الكردي تنضم إلى التنظيم. سواء تخلّى التنظيم عن السلاح أم لا، فإن هذا الإعلان يُعدّ مكسبًا كبيرًا لتركيا في حربها على "الإرهاب".  حلّ حزب العمال الكردستاني سيعزز موقف إدارة بارزاني في كردستان العراق، والحكومة المركزية في بغداد، حيث كانتا تعانيان من مشكلات مع التنظيم منذ مدة طويلة. الآن، سيكون بإمكانهما التعامل بسهولة أكبر مع أي عناصر لم تلقِ السلاح. رغم دعوة أوجلان، أعلن تنظيم "وحدات حماية الشعب" (YPG) في سوريا أنه لن يلتزم بها، قائلا إن "هذه الدعوة تخصّ بي كي كي، ولا تشملنا". ومع ذلك، ستؤدي هذه الخطوة إلى إثارة الانقسامات داخل "وحدات حماية الشعب"، حيث سيجد البعض أنفسهم في موقف معارض لأوجلان، مما قد يؤدي إلى انشقاقات داخل التنظيم. مصادر أمنية تشير إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة هما السبب الرئيسي وراء رفض "وحدات حماية الشعب" دعوة أوجلان، مما سيجعل التنظيم في نظر تركيا "جيش مرتزقة أجنبيا" يخدم أجندات خارجية. الحكومة السورية ستستفيد من الوضع الجديد، إذ ستتمكن من الضغط بشكل أكبر على وحدات حماية الشعب لنزع سلاحها وإدماجها في النظام. حتى لو ظهر التنظيم تحت أسماء جديدة، فإن المعنويات والدوافع القتالية لن تبقى كما كانت، وذلك يعني أنه سيفقد تأثيره تدريجيا حتى يختفي تمامًا. في بعض المناطق التي كانت تخضع لإجراءات استثنائية بسبب تهديدات "بي كي كي"، من المتوقع رفع حالة الطوارئ، مما سيسرّع مشاريع التنمية والاستثمارات. حزب الشعوب الديمقراطي سيتحرر من ضغط "بي كي كي"، مما سيتيح له ممارسة سياسة مدنية بعيدة عن النفوذ المسلح، وهو ما سيعزز الديمقراطية في تركيا. رجب طيب أردوغان ودولت بهتشلي سيدخلان التاريخ كقادة سياسيين استطاعوا إنهاء أطول حركة تمرد مسلح في العالم، وهو ما سيعزز موقفهم الداخلي ويرفع شعبيتهم. رئيس جهاز المخابرات التركية إبراهيم قالن سيحظى بمكانة بارزة في التاريخ بصفته مهندس هذه العملية، مما سيزيد من سلطته ونفوذه داخل الدولة. إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب الشعوب الدیمقراطی حزب العمال الکردستانی وحدات حمایة الشعب هذه الدعوة بی کی کی

إقرأ أيضاً:

يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء

تحل ذكرى وفاة الفنان الكبير يوسف داوود، أحد أبرز نجوم الكوميديا في مصر، الذي ترك بصمة خاصة في كل عمل شارك به، سواء على خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما والتلفزيون، لم يكن مجرد ممثل، بل كان فنانًا مثقفًا ومهندسًا سابقًا، مزج بين الذكاء والموهبة، وامتلك حضورًا لافتًا جعل جمهوره يتذكره بابتسامة دائمة.

 

 

النشأة والبدايات التعليمية

وُلد يوسف داوود، واسمه الكامل يوسف جرجس صليب، في 10 مارس عام 1938 بمدينة الإسكندرية والتحق بكلية الهندسة، وتخرج عام 1960 متخصصًا في قسم الكهرباء من جامعة الإسكندرية، ليبدأ مشواره المهني كمهندس قبل أن يتحول لاحقًا إلى عالم الفن والتمثيل.

    من الهندسة إلى المسرح والفن

لم تكن بدايته مع الفن تقليدية، فقد عمل ما يقارب 25 عامًا كمهندس في شركة الزيوت والصابون بالإسكندرية، قبل أن يقرر التفرغ نهائيًا للتمثيل في منتصف الثمانينيات، تأخره في دخول المجال الفني لم يمنعه من أن يحقق شهرة واسعة ويصبح من الأسماء اللامعة في الكوميديا المصرية.

 

 

 

 

 

بصمات في المسرح والسينما والتلفزيون

شارك يوسف داوود في العديد من الأعمال التي حُفرت في ذاكرة الجمهور المصري والعربي، منها:

في السينما: كراكون في الشارع، النمر والأنثى، سمك لبن تمر هندي، بطل من ورق، الإرهاب والكباب، عسل أسود، عمارة يعقوبيان، وفي المسرح: الزعيم، الواد سيد الشغال، بودي جارد

في التلفزيون: تامر وشوقية، حكايات زوج معاصر، يوميات ونيس، فارس بلا جواد، رأفت الهجان، أنا وأنت وبابا في المشمش.

 

 

 

تجربة دينية فريدة في الجيش

من المواقف اللافتة في حياته، أنه أثناء تأدية الخدمة العسكرية، ألقى خطبة الجمعة لزملائه بالرغم من كونه مسيحي الديانة، وذلك لتمكنه من اللغة العربية وثقافته العامة. 

 

 

 

هذا الموقف أثار دهشة من حوله، وتعرض بسببه للعقاب، إلا أنه كشف عمق شخصيته وانفتاحه الفكري.

 

 

 

 

حياته الشخصية

تزوج يوسف داوود عام 1961 من السيدة "مارجريت"، وأنجب منها ولدًا وابنة وقد حرص على إبعاد أسرته عن الأضواء، محافظًا على خصوصيتهم طوال مسيرته الفنية.

 

 

 

المرض والوفاة

في السنوات الأخيرة من حياته، عانى الفنان الكبير من تدهور في حالته الصحية بسبب مشاكل في المعدة وتليف الكبد، ما أجبره على البقاء في الفراش لفترة طويلة.

 

 


توفي في 24 يونيو عام 2012 عن عمر ناهز 74 عامًا، وتم تشييع جثمانه من الكنيسة المرقسية بالإسكندرية وسط حضور عدد من محبيه وزملائه في الوسط الفني.

 

 

 

رحل يوسف داوود، لكنه ترك إرثًا فنيًا كبيرًا تجاوز 270 عملًا متنوعًا، حاز فيها على لقب "مهندس الضحك". سيظل أحد الرموز التي أثرت المشهد الفني المصري بروحها الفكاهية، وموهبتها الأصيلة، ودماثة خلقها.

مقالات مشابهة

  • مواقف المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك من فلسطين حديث المنصات
  • الطالبي العلمي: من يدفع ثمن الأوضاع المتدهورة هي الشعوب ووقف الحرب في غزة أولوية عاجلة
  • قصة الممثل المصري المسيحي الذي ألقى خطبة الجمعة على زملائه
  • براد بيت يكشف الكواليس: لماذا تنحى تارانتينو عن الإخراج وتولى ديفيد فينشر مهمة "مغامرات كليف بوث"؟
  • لأوّل مرة.. مُسلم يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك
  • العراقيون في لائحة أكثر الشعوب الوافدين إلى السعودية
  • ذكرى الهجرة النبوية.. 4 معجزات حدثت في رحلة الرسول من مكة إلى المدينة
  • بعد الهجوم الصاروخي على قاعدة "العديد".. اتصال إيراني قطري يكشف ما وراء الكواليس
  • يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء
  • فى ذكرى وفاته.. يوسف داود مسيحي ألقى خطبة الجمعة على زملائه