الخوض في قضايا وهموم الشرطة: السير فوق غابة الأشواك
لم تبدأ علاقتي بالكتابة حول هموم الشرطة مع أيام الثورة أو بداية الحرب، بل هي علاقة قديمة، ممتدة ومتجذرة، تعود إلى ما قبل السوشيال ميديا. كانت الصحف الورقية حينها هي المنبر الذي يطالع فيه الناس الكلمة المطبوعة على الورق، شهادة للكاتب أو عليه، وأرشيفًا محفوظًا عبر الزمن.

منذ تلك الفترة، ظللت أكتب حول محورين أساسيين لا أفارقهما: المنافحة عن الشرطة حين تُظلم أو يُساء إليها، والسعي لطرح أفكار أعتقد أنها تمثل “شرطة بكرة”؛ شرطة واعية بدورها، مزودة بالأخلاق، محصنة بالعلم، ومنفتحة على التطوير.

عندما ظهرت الأسافير، كانت لنا صولات وجولات عبر منبر “سودانيزاونلاين” الشهير، حيث دافعنا عن الشرطة، وناقشنا النواقص دون تردد، وتحدثنا عن “نقص القادرين على التمام”. انتقلنا بعدها إلى صفحات “فيسبوك” بنفس النهج والأسلوب: لا فظاظة، لا شتائم، لا مهاجمة للأشخاص، بل تركيز على القضايا، وتشريح للواقع بعين شرطي متقاعد يحمل همّ الوطن والشرطة.

ثم جاءت الحرب، ففرضت واقعًا قاسيًا، وأضعفت مفاصل الدولة، وانتُشلت الشرطة من ميادينها. فكان لزامًا علينا أن نتقدم الصفوف دفاعًا عنها، وأن نبصّر الناس بحقائق مغيّبة. خضنا معارك شرسة بالكلمة، ونحن نعلم أن الكلمة في هذا الزمان قد تُعد تهمة، وأن الصمت مريح لكنه ليس خيارًا لمن يحمل همّ الوطن وهمّ الشرطة.

لقد كتبنا طوال هذه السنوات لا سعياً لمنصب أو مال أو طمعًا في جاه أو شهرة، بل كتبنا ابتغاء وجه الله تعالى، وإيمانًا بأن الكلمة أمانة، وأن الإصلاح مسؤولية. من حق الشرطة علينا أن ننصحها، ومن حق الناس علينا أن نصدح بالحقيقة، ومن حق الوطن علينا أن نكون أوفياء له، كلٌّ من موقعه، وكلٌّ بقدر طاقته.

على مدى أكثر من ربع قرن، من أواخر التسعينيات وحتى اليوم، لاقت كتاباتي استحسانًا من كثيرين: قادة شرطة، زملاء، ومواطنين مدنيين، ذلك الفضل من الله. وفي المقابل، لاقت استهجانًا وتحفظات من آخرين، بل تعرضت للأذى والتشكيك في النوايا، والاتهامات المباشرة والمبطنة. لكن ذلك كله لم يكن كافيًا لإيقاف قلمي، أو إطفاء جذوة الإيمان بداخلي بأن ما أكتبه هو واجب وطني، ورسالة يجب إيصالها كاملة غير منقوصة.

غير أن للحرب وطأتها، وللزمن أحكامه، وللجسد طاقته المحدودة. لقد أرهقتنا الأيام، وضاقت في عيوننا المساحات، وتقلصت فسحة الاحتمال. ولأن النفس لها علينا حق، كما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه”، فإنني اليوم، وبعد أن قدمت ما استطعت، وقلت ما وجب قوله، وكتبت ما لم أستبق منه شيئًا، أعلن عبر هذا المقال:
اعتزالي الكتابة عن شؤون وهموم الشرطة.

إن هذا الاعتزال ليس يأسًا أو انسحابًا من ساحة المعركة، بل هو قرار ينبع من فهم دقيق للظروف الحالية ومتطلباتها. في بعض الأحيان، تقتضي الضرورة اتخاذ خطوات إستراتيجية تتيح الفرصة لإعادة التقييم والتخطيط بشكل أكثر فعالية، بما يتماشى مع الأهداف الكبري التي لا تتحقق إلا بالصبر والحكمة في التعامل مع الأوضاع المعقدة.

الآن وبعد أن تحررت الخرطوم، وبعد أن دُحِر العدو من عاصمتنا، دقّت ساعة العمل. الحرب لم تنتهِ بعد، فهناك جولات قادمة في كردفان و دارفور، لكننا في الخرطوم أمام مسؤولية جديدة: مسؤولية بسط الأمن وإعادة الإعمار. انتهت معركة التحرير، وبدأت معركة البناء. وهذه معركة لا تقل شراسة عن القتال، لكنها تتطلب أدواتٍ أخرى. تتطلب أن نكون في الميدان، لا على الورق فقط. يجب أن نكون في خدمة الوطن، والشرطة، والمواطن، ودعم جهودها لترسيخ الأمن، وإعادة هيبة الخرطوم واستقرار السودان.

لقد حان وقت العمل. لم يعد هناك مجال للحديث والكتابة والانتظار. القلم في هذا الميدان قد انتهى دوره، ولعل في الساحة من يحمل الراية ويواصل المسير، ولو فوق غابة الأشواك.
والله من وراء القصد.

بقلم: عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان

9 أبريل 2025م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: علینا أن

إقرأ أيضاً:

يوم الاستقلال عز وفخر

صراحة نيوز ـ دلال اللواما
استاذة العلوم السياسيه
عضو في حزب عزم

نحتفل اليوم الأحد الموافق 25/5/2025 بعيد الاستقلال الاردني التاسع والسبعين. هذا العرس الوطني المهيب الذي يزف في كافة المحافظات وقراها وجميع أرجاء الوطن. فهذه الفرحة هي مناسبه وطنيه عزيزه على قلوب كل الأردنيين والتي تجسد الاراده الاردنيه الحره والعزيمة التي لا تلين . حيث نستذكر فيها بكل الفخر والاعتزاز الامجاد و الانجازات العظيمة للبناة الاوائل طيب الله ثراهم. وأمد الله في عمر سيد البلاد وقائد المسيره الملك المعزز عبدالله الثاني وولي عهده الأمين الامير الحسين. متعنا الله في ظل رأيتهم الخافقه في القمة بين الدول بكل فخر واعتزاز بما نحن عليه اليوم من تقدم وتطور و بالحياة الكريمة والأمن والأمان اللذان ننعم بهما.
عام 1946 الخامس والعشرين من شهر أيار حيث اعترف البريطانيون باستقلال إمارة شرق الأردن وفي نفس هذا اليوم تم قيام المملكة الأردنية الهاشمية . هذا التاريخ كان فجراً زاهراً سُطرت فيه اولى خطوات العز والمجد في الاستقلال من الاستعمار البريطاني . ليكون الاردن اردننا اليوم حراً طليقاً . ولا يسعني هنا في هذا المقام إلا أن اقتبس مقولة سعادة المهندس زيد نفاع الأمين العام لحزب عزم (شورنا من راسنا ورغيفنا من فاسنا ). نعم بهمة الهاشميين والرجال الاشاوس الملتفين حول القيادة الهاشميه سنبقى أحراراً شامخين ومرفوعين الرؤوس وشورنا من راسنا . فالاردنييون رجالا ونساء تخرجو من مدرسة الهواشم موشحين باوسمة الفخر بالولاء والانتماء . وبهذا اليوم من كل عام نجدد العهد والولاء للوطن وقائد الوطن.
فكل عام والوطن وقائد الوطن والشعب بالف الف خير .

مقالات مشابهة

  • إصابات إثر حادث دهس في ليفربول
  • مقتل شخصين وإصابة 9 آخرين فى إطلاق نار بمتنزه ولاية فيلادلفيا
  • الشرطة البريطانية: حادث الدهس في ليفربول ليس إرهابياً
  • شرطة ليفربول تعلن القبض على سائق «احتفالية الدوري»
  • آداب الحج ومستحباته.. أمور عليك فعلها وأخرى احذر منها
  • لو عليك ديون ومهموم.. دعاء واحد يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب بشرط
  • فضل الله: ملف الإعمار من مسؤولية الحكومة وسنتابعه حتى التنفيذ
  • الاستقلال مسؤولية مستمرة نحو بناء المواطنة الصالحة وليس مجرد ذكرى
  • يوم الاستقلال عز وفخر
  • الشرطة الإسرائيلية تقمع مظاهرة داخل الخط الأخضر تندد بالحرب