عربي21:
2025-10-20@16:17:30 GMT

مقدمات سقوط الأنظمة

تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT

ثمة فرق بين ذهاب أنظمة بفعل قانون التداول وفق آلية انتخابية تقتضيها الديمقراطية، وبين سقوط أنظمة سياسية حاكمة خارج السياق الديمقراطي وبطرائق لم يستعد لها حاكم ولم يتوقعها، بل كثيرا ما يحصل السقوط بسرعة مفاجئة حتى للغاضبين من تلك السلطة.

ما يحاول هذا النص تناوله هو مقدمات سقوط الأنظمة، وليس مقدمات ذهابها وفق مبدأ التداول؛ حيث لا يحضر مصطلحا "الهزيمة" و "الانتصار"، وإنما هو "فوز" و"خسارة".



فما هي الأسباب المؤدية عادة إلى سقوط أنظمة سياسية ظن أصحابُها أنهم لا يُسقَطون؟ وهل لذاك السقوط قوانين معلومة يمكن من خلال رصدها معرفة مواقيت نهاية أنظمة وسقوط حُكّام؟

أولا: العوامل الخارجية
المستبد العاجز إذا ما أراد إثبات قدرته فإنما يُثبتها عن طريق التنكيل ببعضٍ من مواطني بلده ممن يرفضون تسليم أدمغتهم للبرمجة ويمتنعون عن إمضاء أي تفويض لأي سلطان خارج الإرادة العامة وبعيدا عن رقابة الشعب
عادة تميل الأنظمة السياسية غير الديمقراطية إلى إيهام عموم المواطنين بوجود أعداء خارجيين لا يحبون الخير لبلادهم ويحسدونهم فيما هم فيه من أمان واستقرار ورفاه، وتدعو تلك الأنظمة عموم المواطنين إلى إبداء اليقظة وإلى الوقوف مع تلك السلطة في وجه مؤامرات الأعداء الخارجيين.

مثل هذا الخطاب إنما يعبر عن كسل ذهني لا يريد أصحابُهُ بناء وعي مواطني من خلال خطاب سياسي واضح وعميق، ومن خلال برامج تربوية وثقافية تراهن على بناء الإنسان المقاوم للعجز واليأس؛ لا يرضى لنفسه غير الكرامة ولوطنه غير السيادة، فلا يكون إلا حُرّا عظيمَ العزم وعاليَ الهمّة وعزيز النفس، يحتكم إلى قانون عادل ويُقيم علاقاتِ أفقيةً متوازنة لا طبقية فيها ولا تسلّط ولا مظالم.

أمام عجزها على اكتساب ثقة المواطنين، تقع الأنظمة الفاشلة تحت سطوة الخوف فتنشغل بحماية نفسها من الناس، وتبتدع الحيل تريد بها صرف أنظار الناس عنها نحو طرف آخر تصوره عدوا متربصا، وتدعوهم إلى البقاء في حالة استنفار وفي وضعية مواجهة معه حتى لا يسرق أحلامهم الجميلة وحتى لا يُفسد عليهم ما هم فيه من سؤدد وسداد.

 تلك الأنظمة العاجزة الفاشلة لا شجاعة لديها حتى على مستوى الخطاب لمقارعة المستكبرين وإدانة جرائمهم بصياغات مباشرة وفصيحة بلا تعمية أو تعويم أو إيحاء ومجاز وتشبيه، وعلى عكس ذلك، فإن المستبد العاجز إذا ما أراد إثبات قدرته فإنما يُثبتها عن طريق التنكيل ببعضٍ من مواطني بلده ممن يرفضون تسليم أدمغتهم للبرمجة ويمتنعون عن إمضاء أي تفويض لأي سلطان خارج الإرادة العامة وبعيدا عن رقابة الشعب.

في عالم تحكمه المصالح وتحدد فيه القوة مواقع أصحابها، لا يمكن استبعاد فكرة تربّص الأقوياء بالضعفاء، وهذا التربّص لا يكون دائما بأساليب تقليدية مستندة إلى القوة المادية إنما صار يتبّع طرائق جديدة تتسرب عبر ضعف الأنظمة وعبر عجز الدول اقتصاديا وعبر فشلها اجتماعيا وسياسيا وصحيا، هشاشة الشعوب، حين يجتمع فيها تسلط الأنظمة وخواء الذوات، هي التي تُغري المتربّبصين بالتدخل السافر وليس حتى السرّي، ولن يكون السؤال يومها حول إن كانت السلطة مهددة بالسقوط أم إن كان المواطن والسلطة معا بل وعجزها عن أن تكون دولا منافسة ومشاركة لغيرها من دول العالم، فمن يتحمّل مسؤولية تدخل الخارج في شؤون الضعفاء؟

ثانيا: العوامل الداخلية

من الكسل الذهني أيضا اختصار الأزمات في عجز أو فساد نظام سياسي، دون توسيع لدائرة النظر ولمادارات التحليل، فلا تتمدد أيةُ ظاهرة سيئة إلا في بيئة ملائمة، أي بيئة حاضنة لما هو "سيئ"، سواء في مجال السياسة أو مجال الثقافة والقيم ومختلف المناشط الاجتماعية، فليس ينشأ تسلط إلا في نفوس ضعيفة قابلة للتسلط بل وخادمة له. وليس مهما أن تكون تلك النفوس نفوسَ سياسيين أو مثقفين أو إعلاميين أو نقابيين أو نفوس عموم الناس، فنزوع التسلط ينشأ ضعيفا ثم ينمو، حيث تتسع له أنفس الضعفاء وحيث يخضع له الخائفون والطامعون والعاجزون، وحيث يتوزع الشعب إلى ذواتٍ منفردة تبحث كل ذات عن خلاصها وعن مغانم تنفرد بها دون كلفة من تضحية أو من شجاعة أو من نضال.

نردد دائما مقولة ابن خلدون "الظلم مؤذن بخراب العمران" ولا نردفها في كل مناسبة بقول الله تعالى: "قل هو من عند أنفسكم"، فالظاهرة السياسية هي ضمن الظواهر التاريخية في خضوعها لقوانين، حيث تكون المآلات مواتية للمقدمات وحيث تكون النتائج موافقة للأسباب، فليس من العقل ولا من الإيمان تفسير الظواهر التاريخية خارج قانون التاريخ، ذاك فعل الكسالى ومنهج العاجزين ودأب الأنانيين الذين لا يحبون تحمل جزءٍ من مسؤوليةِ مآلاتٍ هم مقيمون فيها ويريدون أن يكونوا في موضع الضحايا مفعولا بهم لا فاعلين ولا كادحين.

هشاشة الشعوب، حين يجتمع فيها تسلط الأنظمة وخواء الذوات، هي التي تُغري المتربّبصين بالتدخل السافر وليس حتى السرّي، ولن يكون السؤال يومها حول إن كانت السلطة مهددة بالسقوط أم إن كان المواطن والسلطة معا مهدّدَين بفقدان سيادة الوطن!

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الديمقراطية سقوط السلطة الشعوب سقوط السلطة شعوب ديمقراطي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: الأنظمة الإلكترونية ساعدتنا في التيسير على الممولين وتوسيع القاعدة الضريبية

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أن الأنظمة الضريبية الإلكترونية ساعدتنا فى التيسير على الممولين وتوسيع القاعدة الضريبية، موضحًا أن النظم المميكنة جعلتنا أكثر قدرة على بناء علاقة «ثقة وشراكة ويقين» مع المجتمع الضريبي.

وقال كجوك، في جلسة «التحول الرقمي في إدارة الضرائب» خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، إن تبسيط ورقمنة الإجراءات يسهم فى خفض تكاليف الامتثال الطوعي وجذب ممولين جدد، لافتًا إلى أهمية التوظيف الأمثل للحلول التكنولوجية فى تحسين جودة الخدمات الضريبية وحماية حقوق شركائنا.

أضاف أننا نعمل على بناء كوادر بشرية مؤهلة للعمل على النظم الإلكترونية المتطورة لصالح المجتمع الضريبي، مشيرًا إلى خلق مسار قوي للتواصل الفعال والمؤثر مع المجتمع الضريبي لإيضاح الإصلاحات المحفزة.

اقرأ أيضاًوزير المالية: الفائض الأولي يزيد على 170 مليار جنيه.. والمديونية الحكومية تتراجع

بعد قرار «المالية».. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر2025 للعاملين بالقطاع العام والخاص

«منها الطاقة واللوجستيات والمطارات».. وزير المالية يكشف عدد الطروحات المتوقعة

مقالات مشابهة

  • مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الأحد
  • ندوة لـ«تريندز» تحلل «دور الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الرقابية» بين الفرص والمخاطر
  • فلكية جدة:“3I أطلس”جرم بين نجمي وطبيعي وليس النجم الطارق كما يُشاع
  • السيسي: أنا جزء من الشعب المصري وليس بعيدًا عن واقع المواطنين
  • ندوة لـ «تريندز» تناقش «دور الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الرقابية»
  • مقدمات النشرات المسائيّة
  • وزير المالية: الأنظمة الإلكترونية ساعدتنا في التيسير على الممولين وتوسيع القاعدة الضريبية
  • وزير المالية: الأنظمة الضريبية الإلكترونية ساعدتنا فى التيسير على الممولين وتوسيع القاعدة
  • مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الجمعة