ما الذي يجب معرفته عن الغاز الطبيعي ومراحل الاستكشاف والإنتاج والتسعير؟
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
يُعدّ الغاز الطبيعي أحد أهم أعمدة منظومة الطاقة العالمية، ويشكّل محورًا استراتيجيًا يربط بين أمن الطاقة والنمو الاقتصادي والتحول نحو مصادر أكثر صداقة للبيئة، ومنذ اكتشافه وتحوله إلى سلعة عالمية، مرّت صناعة الغاز بمراحل مختلفة تبدأ بالاستكشاف، مرورًا بالإنتاج والنقل والتسييل، وصولًا إلى تسعيره المعقّد الذي يتأثر بالعوامل الجيوسياسية وتقلبات الأسواق.
وتتغير موازين العرض والطلب بفعل الأزمات العالمية وحركة التحول في مجال الطاقة، ويظل الغاز الطبيعي جزءا مهما في الاقتصاد الدولي ومكونا أساسيا في خطط الدول لتحقيق توازن بين النمو المستدام والأمن في مجال الطاقة.
استكشاف الغاز
يعتمد البحث اكتشاف حقول الغاز الطبيعي على تقنيات استشعار متقدمة في العقود الماضية، ويتم اسخدمام المسوحات الزلزالية ثلاثية ورباعية الأبعاد في رسم خريطة الطبقات الجيولوجية وتحديد مواقع النقيب المحتملة تحت الأرض.
وتستخدم شركات الطاقة أجهزة قياس الزلازل أثناء الحفر وغيرها من التقنيات الصناعية لمراقبة الطبقات الجوفية وتحسين دقة الاستكشاف، بحسب ما جاء في "مجلة الطاقة الرقمية".
وفي الولايات المتحدة، أدت تطبيقات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي إلى طفرة في إنتاج الغاز الصخري، بحيث أصبح يشكل حاليا أكثر من نصف إنتاج البلاد.
وعلى مستوى العالم، اكتُشفت حقول عملاقة: فحقل الشمال القطري، بالاشتراك مع إيران تحت اسم "البارس الجنوبي"، يُعدّ الأكبر عالميًا، كما اكتُشفت حقول ضخمة في روسيا مثل "يورينويغ" و"يامال"، وفي أستراليا حقل "نورث ويست شيلف" البحري، وفي شرق المتوسط حقل "ظهر" المصري عام 2015، وحقل "ليفياتان" في الأراضي المحتلة.
وأدى اكتشاف هذه الموارد الجديدة إلى تحويل مناطق مثل شرق المتوسط إلى مراكز للطاقة، وجذب اهتمام شركات عالمية للتنقيب والتنمية.
إنتاج ونقل الغاز
تُستخرج آبار الغاز على اليابسة وفي أعماق البحار عن طريق حفر آبار عمودية أو مائلة بمعدات ضخمة، ويستخدم الباحثون منصات بحرية خاصة للحفر في أعماق مئات الأمتار. يُنقل الغاز المستخرج عبر شبكة واسعة من خطوط الأنابيب البرية والبحرية.
وتربط خطوط أنابيب مثل "يامال-أوروبا" بين حقول سيبيريا وشمال غرب أوروبا، و"السيل التركي" بين روسيا وتركيا مرورا بالبحر الأسود، وتغطي خطوط النفط الداخلي الأمريكي أجزاء واسعة من الولايات الأميركية.
وتُعدّ كفاءة النقل عبر الأنابيب عالية بالنسبة للكميات الكبيرة في المسافات المتوسطة، فهي أقل كلفة من تحويل الغاز إلى حالته المسالة ثم إعادة تسخينه، وأكدت تقديرات أن نقل الغاز عبر الأنابيب أرخص من تصديره مسالًا بالناقلات.
ويتطلب إنشاء مشاريع النقل وجود محطات لضغط الغاز وصمامات أمان، إضافة إلى مرافق لقياس ومراقبة التدفق، كما تدخل تقنيات مثل الحفر الآلي المتقدم والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الحفر وتقليل الوقت الضائع، وهو ما تعتمده شركات كـ "نابورز" و"بيكر هيوز".
تسييل وتصدير الغاز
يُحوَّل الغاز الطبيعي إلى "غاز مسال - LNG" بتبريده إلى نحو –162 درجة مئوية، مما يقلص حجمه بنحو 600 مرة، وتتم هذه العملية في محطات تسييل ضخمة تُمسى مصافي الغاز المسال، وتقام قرب الحقول أو قرب السواحل، وتتكون من وحدات تبريد وأنابيب تبريد متتابعة تعرف باسم وحدات الضغط والتكثيف، مع مرافق تخزين مبردة.
ويذكر أن الدول الرائدة في هذه الصناعة هي قطر بعد توسعة حقل الشمال، وأستراليا والولايات المتحدة، وحتى عام 2022 كانت قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم تليها أستراليا، بحسب ما نقلت تقرير لوكالة "رويترز".
وفي 2023، قفز الإنتاج الأمريكي إلى 88.9 مليون طن، ما جعل الولايات المتحدة تتصدر قائمة المصدرين للمرة الأولى.
وشهد الطلب العالمي على الغاز المسال نمواً ملحوظاً في العقد الماضي، مع دخول مشاريع جديدة في شمال أفريقيا وروسيا، وجرت دراسة أن أسواق آسيا سيكون لها الدور الأكبر في استيراد الغاز المسال؛ إذ تتصدر اليابان، إلى جانب كوريا الجنوبية والصين والهند قائمة المستوردين الآسيويين.
وتحولت أوروبا، خاصة بعد أزمة 2022، إلى مستورد رئيسي للغاز المسال لتعويض نقص الإمدادات الروسية، فعلى سبيل المثال كانت أوروبا في كانون الأول/ ديسمبر 2023 وجهة 61 بالمئة من صادرات الغاز المسال الأمريكية، فيما استحوذت آسيا على نحو 27 بالمئة.
وتنافس الغاز المسال أسعار النفط في تزويد الاستهلاك، خاصة في أسواق بعيدة عن شبكات الأنابيب؛ لكنه يخضع لتكاليف أعلى بسبب التسييل والنقل والتغويز (عملية تحويل المواد الصلبة الغنية بالكربون إلى غازات قابلة للاشتعال).
تسعير الغاز
يُتداول الغاز عالمياً عند نقاط قياسية رئيسية، وفي الولايات المتحدة يُستخدم مؤشِّر "هنري هاب - Henry Hub"، بينما في أوروبا يُعتمد على مؤشر "مرفق نقل الملكية الهولندي - TTF"، وفي آسيا مؤشر "علامة اليابان وكوريا - JKM"، المخصص لشحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق آسيا.
وتسجل الأسعار فروقات كبيرة بحسب المكان الجغرافي ومصدر الغاز؛ ففي كانون الأول/ يناير 2024 مثلا، كان سعر الغاز عند "هنري هاب "حوالي 2.55 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل نحو 9.81 دولار في مرفق "تي تي إف" الأوروبي، و11.52 دولار في مؤشِّر "جي كي إم الآسيوي".
وتعكس هذه الفروقات نقص النقل المباشر إلى آسيا وتنافس المناطق على الإمدادات، بينما الكثير من عقود بيع الغاز طويلة الأجل في آسيا وأوروبا كانت مرتبطة بأسعار النفط النفطية، ما جعلها أقل تقلبا على المدى القصير مقارنة بالعقود الفورية التي تعكس الأسعار الرائجة في الأسواق العالمية.
ومع ذلك، بدأ لاعبو السوق التوجه بشكل متزايد إلى صفقات "سبوت" قصيرة الأجل وربط الأسعار بالمؤشرات العالمية؛ وهو توجه تعزّزه مرونة سوق الغاز المسال الدولية وتطور أسواق التجزئة المحلية.
العرض والطلب على الغاز
تُصدّر روسيا والولايات المتحدة وقطر وأستراليا أكبر كميات من الغاز في العالم، وتأتي روسيا عموما في الصدارة من حيث إجمالي الإنتاج في ضوء شبكات أنابيب تغطي أوروبا وآسيا، وأكبر الأسواق المستوردة تضم دول أوروبا الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا، وفي آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند.
وفي 2023، دفعت الصين والهند استهلاك آسيا، بينما بلغ استهلاك أوروبا نحو 22 بالمئة أقل من ذروته عام 2005، بحسب تقرير نشرته المدوّنة الرسمية التابعة للبنك الدولي.
وأدت حرب أوكرانيا إلى خفض حاد لإمدادات روسيا لأوروبا عبر الأنابيب؛ فاضطرت أوروبا في 2022 إلى زيادة وارداتها من الغاز المسال بنسبة تفوق 60 بالمئة لتعويض هذا النقص.
ويُذكر أن الانتعاش الأمريكي في الإنتاج الداخلي عوّض جزئيا انخفاض إمدادات روسيا وأوروبا، فبلغ مستويات قياسية عوض بها تناقص الإنتاج الروسي والأوروبي.
ويعد الاتجاه نحو زيادة الإمداد بالغاز المسال عالمياً عاملاً مهماً في التوازن الجديد، مع نمو صادرات الولايات المتحدة وقطر وبعض دول أفريقيا إلى جانب استقرار إنتاج روسيا المسال.
وفي نفس الوقت، يلاحظ الخبراء تراجع تدريجي لحصة الغاز في بعض الاقتصادات المتقدمة بفضل التحول إلى الطاقة المتجددة، بينما يستمر الطلب في النمو في بعض الأسواق النامية بسبب تنامي القطاعات الصناعية والمرافق الكهربائية.
آثار الغاز على الاقتصاد العالمي
يمثل الغاز الطبيعي مصدر دخل أساسي للعديد من الدول/ ففي قطر مثلاً تشكل عائدات الغاز نحو 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد اقتصادها اعتمادا كبيرا على صادرات الهيدروكربونات (مركبات عضوية تتكون بالكامل من الكربون والهيدروجين فقط، وهي أساسية للصناعة الحديثة وتوجد بكثرة في الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم).
وتؤدي تقلبات الأسعار العالمية إلى أثر ملموس في الموازنات الوطنية، فعندما ترتفع الأسعار فإن الدول المنتجة الكبرى تزيد عائداتها وسعر صرف عملتها، بينما تتكبّد دول المستهلك خسائر استيرادية، وعلى الصعيد الصناعي، يستهلك الغاز قطاعات كثيفة الطاقة مثل إنتاج الأسمدة والبتروكيماويات والمنسوجات.
ودفعت اضطرابات الإمدادات وارتفاع الأسعار دولاً مثل مصر إلى إغلاق بعض مصانع الأسمدة مؤقتا بسبب نقص الغاز، وهو الأمر الذي يبيّن التعقيدات الاقتصادية الناجمة عن أزمات الغاز.
ويلعب الغاز أيضا دورا في أسعار الطاقة العالمية، فمثلاً كانت زيادات أسعار الغاز في 2022 مدخلا أساسيا لأزمات في سلاسل الإمداد العالمية والإنتاج الصناعي، ما دفع الحكومات لضخ دعم مالي وإعادة النظر في خطط النمو.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الغاز الغاز الطبيعي استكشاف الغاز أسعار الغاز الغاز الغاز الطبيعي أسعار الغاز استكشاف الغاز المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الغاز الطبیعی الغاز المسال
إقرأ أيضاً:
عرقاب يشدد على أهمية استقرار وأمن أسواق الغاز الطبيعي
شارك وزير الدولة، وزير المحروقات والمناجم، محمد عرقاب، اليوم الخميس، في افتتاح أشغال الاجتماع الوزاري السابع والعشرين لمنتدى الدول المصدرة للغاز (GECF)، المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، برئاسة وزير النفط والغاز لدولة ليبيا، رئيس الدورة الحالية للمنتدى، خليفة رجب عبد الصادق، وبحضور وزراء الدول الأعضاء وسعادة الأمين العام للمنتدى.
وعبر وزير الدولة عن عميق التقدير والامتنان لدولة قطر الشقيقة على كرم الضيافة وحسن التنظيم. مثمنا الجهود الكبيرة التي تبذلها الأمانة العامة للمنتدى في سبيل ترقية الحوار والتعاون بين الدول الأعضاء. وتعزيز مكانة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي.
وأكد وزير الدولة أن اجتماع الدوحة ينعقد في ظرف حساس يمر به قطاع الطاقة العالمي. مشيرا إلى أن منتدى الدول المصدرة للغاز أصبح الصوت الجماعي الموثوق المدافع عن مكانة الغاز الطبيعي كمصدر طاقة نظيف وآمن ووفير. ويلعب دورا محوريا في ضمان أمن الطاقة ودعم التنمية المستدامة.
وشدد محمد عرقاب على أهمية استقرار وأمن أسواق الغاز الطبيعي. معتبرا أن الأسواق المتوقعة والمتوازنة والشفافة تخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء. وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب استثمارات كافية في البنى التحتية والإمدادات، إضافة إلى حوار بناء ومستدام بين جميع الأطراف المعنية.
وفي هذا السياق، دعا وزير الدولة إلى تعزيز التعاون والتنسيق داخل المنتدى لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية المتجددة. وإلى الدفاع المشترك عن مصالح الدول الأعضاء في ظل التحولات العميقة التي تعرفها أسواق الطاقة العالمية.
كما أكد وزير الدولة، وزير المحروقات والمناجم، على ضرورة أن تظل الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ قائمة على مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة. مع احترام الحقوق السيادية لكل دولة في اختيار مسارها الوطني لتحقيق انتقال طاقوي عادل ومتوازن. مشيرا إلى الدور المحوري للغاز الطبيعي كمصدر منخفض الانبعاثات الكربونية وعنصر أساسي في إنجاح التحول الطاقوي العالمي.
في حين، نوه وزير الدولة بالدور الرائد الذي يضطلع به معهد بحوث الغاز (G.R.I) التابع للمنتدى. والذي تتشرف الجزائر باحتضان مقره. باعتباره منصة علمية وبحثية لتطوير المعرفة التقنية والابتكار في مجال صناعة الغاز الطبيعي.
الجزائر ستواصل دعمها لمعهد بحوث الغاز (G.R.I)وأكد وزير الدولة، أن الجزائر ستواصل دعمها لهذا المعهد ليصبح مرجعا رئيسيا في البحوث التطبيقية. الرامية إلى تحسين كفاءة الإنتاج والنقل والاستهلاك والحدّ من الانبعاثات.
كما جدد محمد عرقاب التزام الجزائر الثابت بقيم الشراكة والحوار والتضامن التي تشكل ركائز منتدى الدول المصدرة للغاز. مؤكدا استعدادها الدائم للمساهمة الفعالة في دعم مسيرة المنتدى وتعزيز دوره كمنظمة موثوقة وفاعلة تدافع عن مصالح أعضائها في المحافل الإقليمية والدولية.
واختتم محمد عرقاب كلمته بالتأكيد على قناعة الجزائر بأن الغاز الطبيعي ليس طاقة انتقالية فحسب. بل طاقة المستقبل، التي تساهم في تحقيق الأمن الطاقوي العالمي والتنمية المستدامة وتحسين رفاه الشعوب.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور