التأشيرة الثقافية في عُمان
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
استحدثت سلطنة عُمان مؤخرا تأشيرة جديدة بمسمى (التأشيرة الثقافية)، تُمنح للأجانب القادمين إليها للمشاركة في الأنشطة والفعاليات والمهرجات الثقافية؛ فهي تأشيرة موجهَّة نحو تعزيز التبادلات الثقافية التي تأخذ على عاتقها الاستفادة من الخبرات الإبداعية والفكرية، انطلاقًا من أهمية الثقافة في دعم القطاع السياحي من ناحية، وتمكين الصناعات الإبداعية من ناحية أخرى.
إن التأشيرة الثقافية باعتبارها انفتاحًا على التبادل الحضاري، تتأسس وفق معطيات إبداعية واقتصادية، انطلاقا من قدرتها على إيجاد مساحة واسعة للتبادل المعرفي والفكري وتقدِّم فرصًا للمشاركة الإبداعية في المختبرات والورش القائمة على الابتكار، مما يشجِّع الاستثمار في المجالات الثقافية، ويسهم في تنمية البنية التحتية والخدمات الثقافية التي يمكن أن تفتح آفاق ذلك الاستثمار، وتحفِّز الصناعات الإبداعية.
ولأن هذه التأشيرة مرتبطة بحاجة المؤسسات الثقافية لاستضافة الشخصيات الإبداعية والفكرية من العالم، فإنها ستُسهم في زيادة التفاعل الحضاري، وتبادل الخبرات على المستوى الثقافي؛ ذلك لأنها تسعى إلى إيجاد بيئة منفتحة للتبادلات الثقافية، وتقدِّم فرصًا واعدة للتنمية الثقافية، وتعزِّز الصناعات الإبداعية، وتدعم تطلعاتها نحو إشراك المبدعين في التجارب الإقليمية والدولية، بُغية تعظيم مكانة تلك الصناعات وتطوير أنماطها ومجالاتها.
فالتأشيرة الثقافية ترتبط بجذب المواهب والمفكرين وأصحاب الأعمال الثقافية الرائدة، إضافة إلى المستثمرين في القطاع الثقافي؛ حيث تتيح لهم إقامة لمدة كافية يستطيعون خلالها تقديم تجاربهم وأفكارهم ومقترحاتهم، مما يمنح المثقفين والمبدعين في عُمان فرص الانفتاح على عوالم مختلفة، والتعرُّف على التجارب المتنوِّعة، التي تُسهم في زيادة الوعي بالأهمية التنموية للثقافة، وتوسِّع مجالات الحوار الحضاري والمعرفي القائم على تبادل الأفكار والآراء والخبرات.
إضافة إلى ذلك فإن هذه التأشيرة تمثِّل عامل جذب واستقطاب للمبدعين والمبتكرين في المجالات الثقافية من أنحاء العالم، من أجل تأسيس مشروعات فكرية وإبداعية، تعكس واقع الحياة في عُمان، وتقدِّم مساحة خصبة للانفتاح الإعلامي والثقافي، وبالتالي فإنها تعزِّز من إمكانات الشراكات الإبداعية مع المبدعين العمانيين، وتفتح فرص الوظائف الإبداعية خاصة في المجالات الفنية والإعلامية؛ ذلك لأن تأثير تلك التأشيرات سينعكس على التبادل الإعلامي والقدرة على تنفيذ مشروعات بصرية ومرئية ذات طابع إبداعي، إضافة إلى أهميتها في دعم التوجهات والسياسات الإعلامية في الدولة.
إن التأشيرة الثقافية تمثِّل أهمية كبرى للسياحة المستدامة عموما؛ لأنها توفِّر للمبدعين القادمين إمكانات التجوُّل السياحي في ربوع عُمان، والتمتع بمعايشة أنماط الحياة اليومية في المدن والقرى العمانية، فيتعرَّفون على العادات والتقاليد الأصيلة ويعايشونها في بيئة محلية جاذبة ومرحبة، مما ينعكس على انتعاش السياحة وتطوير أنماطها من خلال فتح فرص الاستثمار في السياحة الثقافية، وتنمية المجتمع المحلي ودعم مشروعاته الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي دعم مبدعيه في المجالات الثقافية والسياحية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية.
تُعد التأشيرات الثقافية ذات أهمية ليس فقط من أجل أولئك الذين يحضرون أو يشاركون في الفعاليات والمناشط الثقافية والإبداعية قصيرة المدى، بل إنها ضرورية للمبدعين والمثقفين والفنانين الذين ينشدون التفرُّغ من أجل إنجاز مهام عملهم الإبداعي أو مشروعاتهم الثقافية، فكثير منهم يتفرّغون ويبتعدون عن أماكن عملهم اليومي إلى أماكن ذات طابع إبداعي يقودهم إلى تحقيق طموحهم وإنجاز مشروعاتهم في بيئة جاذبة تنعم بالاستقرار والأمان والهدوء.
ولهذا فإن تسهيل إجراءات تلك التأشيرات للمبدعين من ذوي الخبرة الفنية والفكرية وأصحاب الأقلام الناجزة والمنجزات الثقافية، سيسهم في تحقيق أهداف إطلاق هذه التأشيرة، ويعمل على تمكين تلك الخبرات لإنجاز مشروعاتها في ظل بيئة قادرة على الاستقطاب وكسر قوالب الصور الذهنية الجاهزة التي تنظر إلى الثقافة باعتبارها رفاهية، الأمر الذي سيقدِّم رؤى جديدة خاصة بأنماط التبادل الثقافي والتشارك المعرفي والتفاهم على المستويات الإقليمية والدولية.
إن بدء العمل بالتأشيرات الثقافية يكشف الوعي المؤسسي بأهمية الثقافة في التنمية الوطنية في المجالات المختلفة، لذا فإنها فاتحة لتبني مبادرات أكثر اتساعا بالنسبة لتمكين المبدعين العمانيين وتعظيم الفوائد من المواهب والإبداعات الثقافية، وتنميتها بما يخدم أهداف «الرؤية الوطنية 2040»، ولعل تبني برامج للتفرُّغ الإبداعي الذي طالما شكَّل هاجسًا مهما في تمكين المبدعين، سيكون له أهمية كبرى في المرحلة القادمة باعتباره الوجه المقابل لفتح التأشيرات الثقافية؛ ذلك لأن تفرُّغ العمانيين من المثقفين والفنانين والمبدعين في المجالات الثقافية، سيسهم في دعم آفاق التبادل الحضاري والثقافي، وسيدعم فكر الانفتاح الثقافي بين عُمان والعالم.
فالتفرُّغ الإبداعي نافذة مهمة للانفتاح الحضاري؛ حيث يمنح المثقفين والمبدعين فرصًا للتعريف بوطنهم وهُويتهم وما يملكه مجتمعهم من عادات وتقاليد وقيم، ويفتح أمامهم فرصًا للنقل المعرفي والفني وتبادل الخبرات والتشارك في المشروعات الثقافية، بل إنه يقدِّم لهم مجالات واسعة للعمل العميق الراسخ المنفتح على العوالم المتجددة، الأمر الذي يُسهم في تجويد النصوص والأعمال والإنتاجات الثقافية العمانية، ويوسِّع مداركها نحو وعي مغاير يُسهم في التحفيز على الإنتاج المعرفي والفني القائم على المبادئ والقيم العمانية والمنطلق نحو الآفاق الواسعة.
إضافة إلى أهمية التفرُّغ الإبداعي باعتباره أساسا تُبنى عليه المشروعات الفكرية والفنية والإعلامية، فإن تأسيس برامج منح وبعثات الثقافة والإبداع، تمثل أهمية لا تقل عنه، كونها تأسيسًا للمبدعين العمانيين ليكونوا أكثر تخصصية من ناحية، واستثمار في المواهب والإبداع ليكونوا أكثر قدرة على العطاء الإبداعي من ناحية أخرى. فالتعليم التخصصي لأصحاب المواهب في المجالات المختلفة خاصة في الفنون والتراث الثقافي والآداب، يمثِّل أساسا للتنمية الثقافية والإبداعية، ومجالات خصبة للاستثمار في الثقافة.
إن التأشيرة الثقافية مهمة وتمثِّل فرصًا واسعة أمام المبدعين للتبادل الحضاري والثقافي المعرفي والفني الإبداعي، إلاَّ أن قياس أثرها الثقافي والسياحي والاقتصادي يجب أن يكون ضمن أولويات المؤسسات الثقافية التي تدعم توجهات استحداث هذه التأشيرة وأهدافها، فقياس أثر أولئك الذين تم استقدامهم، خاصة ممن يقيمون لمدة طويلة، سيمثِّل جوهرًا لدراسة الفوائد المرجوة منها والفرص التي قدمتها، ليس فقط للمبدعين العمانيين من حيث تبادلهم للخبرات أو مشاركتهم في المشروعات الثقافية والإعلامية، بل أيضا للقطاعات السياحية والاقتصادية.
فهذه التأشيرة بقدر ما تفتح آفاق للتعاون والتبادل والتفاهم المعرفي والفني، إلاَّ أن فوائدها يجب أن تكون على قدر التطلعات؛ ولذلك فإن تقييم أثرها ورصده سيكون له نتائج مهمة أيضا على مستوى القدرة على جذب الاستثمارات الثقافية المستدامة، ذات الجدوى الاقتصادية القادرة على جعل عُمان رائدة في الصناعات الثقافية، لما تتميَّز به من مجالات وأنماط ثقافية متنوعة وغنية؛ لذا فإن دور المؤسسات الثقافية في اختيار الشخصيات الثقافية الإبداعية التي تستحق هذه التأشيرة، ودراسة مشروعاتها الثقافية التي يمكن أن تضيف بعدًا جديدًا للإبداع الثقافي في عُمان، هو ما يعوَّل عليه لإنجاح إطلاق هذه التأشيرة وتحقيق أهداف العمل بها.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المجالات الثقافیة الثقافیة التی هذه التأشیرة إضافة إلى من ناحیة فی ع مان التی ت سهم فی
إقرأ أيضاً:
الأتراك يتصدرون قائمة المقبلين على “التأشيرة الذهبية” في اليونان
أنقرة (زمان التركية)- بلغت طلبات الأثرياء الأتراك والإسرائيليين للحصول على “التأشيرة الذهبية” في اليونان (Golden Visa) بلغت مستويات قياسية.
وكشفت البيانات أن اليونان منحت هذا العام عدداً أكبر من التأشيرات الذهبية للمستثمرين الأتراك بزيادة قدرها 153% مقارنة بالعام الماضي.
وتم الإعلان عن وجود 13 ألف طلب للحصول على التأشيرة الذهبية على قائمة الانتظار.
وبسبب هذا الطلب المتزايد بشكل كبير، اضطرت اليونان إلى “الضغط على المكابح”.
ففي حين كانت اليونان قد قبلت 822 طلباً في سبتمبر من عام 2024، انخفض هذا العدد في سبتمبر من هذا العام إلى 392 طلباً، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 52.5%.
وأُعلن أن الطلب من الأثرياء الأتراك والإسرائيليين للحصول على التأشيرة الذهبية اليونانية هو في أعلى مستوياته. كما أُشير إلى أن سوق العقارات اليوناني، وخاصة في أثينا، يشهد نشاطاً كبيراً بسبب الطلب على التأشيرة الذهبية.
ووفقاً لبيانات وزارة الهجرة واللجوء اليونانية، فقد أدى السعي للحصول على التأشيرة الذهبية إلى إنعاش سوق العقارات.
فيما يخص جنسيات المستثمرين، يحافظ المستثمرون الصينيون على صدارتهم بـ 8,792 ترخيصاً (29%)، ولكن “الطفرة” الحقيقية حدثت من جانب تركيا. ارتفع عدد التراخيص الممنوحة للمستثمرين الأتراك بنسبة 153%.
فبينما مُنح المستثمرون الأتراك 1,067 ترخيصاً العام الماضي، ارتفع هذا العدد إلى 2,698 هذا العام.
ويأتي المستثمرون الإسرائيليون في المرتبة الثالث بعد الأتراك، بزيادة قدرها 84%. وتلي إسرائيل كل من المستثمرين البريطانيين والأمريكيين واللبنانيين.
كان الحد الأدنى للاستثمار للحصول على “التأشيرة الذهبية” في المدينتين اليونانيتين الكبيرتين، أثينا وسالونيك، وفي الجزر الكبرى هو 250 ألف يورو، لكن هذا الحد الأدنى تم رفعه الآن إلى 800 ألف يورو.
أما في المدن والمناطق الأخرى، فقد تم تحديد الحد الأدنى الجديد للاستثمار بمبلغ 400 ألف يورو.
ويتمتع حاملو تصريح الإقامة المسمى “التأشيرة الذهبية” بإمكانية التنقل الحر داخل منطقة الاتحاد الأوروبي دون الخضوع لأي قيود. تُمنح “التأشيرة الذهبية” للشخص الذي يقوم بالاستثمار العقاري المطلوب، وتشمل أيضاً أفراد عائلته (الأقارب من الدرجة الأولى)، وتكون صالحة لمدة 5 سنوات. إذا ظل العقار مملوكاً للشخص الحاصل على التأشيرة الذهبية بعد مرور الخمس سنوات، يتم تمديد صلاحية التأشيرة لخمس سنوات إضافية.
Tags: إسرائيلالتأشيرة الذهبيةالتأشيرة الذهبية في اليوناناليونانتركيا