الكونغو تنتج أول ألف طن من الكوبالت الحرفي القابل للتتبع
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
أعلنت الوكالة الحكومية المختصة بالكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن إنتاج أول ألف طن متري من الكوبالت الحرفي القابل للتتبع، في خطوة مهمة نحو تنظيم هذا القطاع في بلد يُعد من أبرز موردي المعادن المستخدمة في بطاريات العالم.
وتحتفظ الكونغو بنحو 72% من احتياطي الكوبالت العالمي، وتوفر أكثر من 74% من الإمدادات، والتي يأتي معظمها من مناجم حرفية غير رسمية.
ويُعد التعدين الحرفي مصدر رزق حيويا في الكونغو، حيث يشغّل ما بين 1.5 إلى مليوني شخص، ويدعم أكثر من 10 ملايين بشكل غير مباشر.
والكوبالت غير المنظم يتفادى الرقابة الرسمية، مما يصعّب تتبعه ويجعله عرضة للمصادرة الحكومية، وهو ما يقلل توفر المواد المستخرجة بشكل أخلاقي ويرفع أسعار الكوبالت القابل للتتبع.
وفي محاولة للحد من فائض الإنتاج ودعم الأسعار فرضت الكونغو حصصا للتصدير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد حظر دام أشهرا عدة.
وتدير الهيئة التنظيمية "أريسكوم" هذا النظام الذي يقيد التصدير ويشجع المعالجة المحلية عبر تقليل جاذبية تصدير الكوبالت الخام.
وأعلنت المؤسسة العامة للكوبالت التابعة لشركة التعدين الحكومية "جيكامينز" -والتي تأسست عام 2019- عن إنتاج أول ألف طن من الكوبالت الحرفي القابل للتتبع خلال حفل أقيم الخميس الماضي في مدينة كولويزي مركز إنتاج الكوبالت في الكونغو الديمقراطية.
وقالت المؤسسة إن نموذج التتبع الذي تتبناه سيسهم في تنظيف سلسلة التوريد ومواءمة الإنتاج مع المعايير الدولية البيئية والاجتماعية.
وقال المدير التنفيذي إيريك كالالا خلال الإطلاق "رؤيتنا هي تحويل الكوبالت الحرفي إلى أصل إستراتيجي خاضع للسيطرة الكونغولية"، مضيفا "كل طن تشتريه المؤسسة العامة للكوبالت يجب أن يعكس ليس فقط قيمة المعدن، بل كرامة من يستخرجه أيضا".
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة ارتفاع الطلب العالمي على الكوبالت بنسبة 40% بحلول عام 2030، مدفوعا بتوسع سوق السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة.
إعلانوتواجه شركات السيارات والإلكترونيات ضغوطا متزايدة لإثبات مصادر توريد أخلاقية، مما يدفع المنتجين إلى القضاء على عمالة الأطفال والممارسات غير الآمنة.
وتخطط المؤسسة العامة للكوبالت لتوسيع إنتاجها بعد الألف طن الأولى، مع إضافة قدرات للتكرير وزيادة حصتها من السوق الحرفي، بحسب مدير المؤسسة.
ولم تكشف الشركة عن كيفية تسويق أو بيع هذه الكمية الأولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
غزة بين مشروع التقسيم ولقاء ويتكوف والحية
يتسارع الانتقال الأمريكي من منطق دعم العمليات الإسرائيلية إلى بناء تصور ميداني وسياسي جديد داخل غزة. هذا التحول لا يقوم على إعلان نظري، بل يظهر من خلال خرائط أمنية، ومسودات قرارات، واتفاقات إقليمية، وتحركات دبلوماسية مباشرة؛ أبرزها اللقاء المتوقع بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وعضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية. ويكشف تداخل هذه المسارات عن محاولة لصياغة بيئة جديدة في غزة تسبق أي تفاوض رسمي حول مستقبل الدولة الفلسطينية.
تشير المعطيات الميدانية إلى إعادة انتشار واسع للقوات الإسرائيلية داخل القطاع، بما يتيح لها التحكم في مساحات تفوق نصف أرض غزة، خصوصا في الممرات الاستراتيجية ومناطق الزراعة وشريط رفح وغزة سيتي. وفي مقابل هذا التوسع، يعيش الفلسطينيون على امتداد ما يسمى الخط الأصفر في وضع إنساني بالغ التوتر، داخل نطاق ضيق يفتقر إلى الحد الأدنى من الحاجات الأساسية. هذا الواقع يشكل الإطار الأولي لما تسميه واشنطن في وثائقها "المنطقة الخضراء" التي تستند إلى ترتيبات أمنية وإدارية دولية، في مقابل "منطقة حمراء" تستمر فيها العمليات العسكرية وتتحرك فيها الأجهزة الإسرائيلية بحرية شبه كاملة.
ذا الاصطفاف لا يمثل بالضرورة موقف الشعوب العربية التي تنظر إلى التقسيم باعتباره تثبيتا لواقع الاحتلال، وإعادة إنتاج لهيمنة إسرائيلية بصيغة مدنية ودولية
يعتمد المشروع الأمريكي على مرحلة انتقالية تديرها قوة دولية لمدة عامين على الأقل، مع إمكانية تمديد المهمة حتى 2027. وتتولى هذه القوة مراقبة الأمن، وضبط الحدود، وتأمين الممرات الإنسانية، وتفكيك القدرات القتالية للفصائل. وفي الجانب السياسي، يتولى مجلس السلام إعادة تنظيم الإدارة المدنية، وترتيب المؤسسات، وتوجيه عملية الإعمار وفق تصور يراعي إعادة بناء السلطة الفلسطينية داخل إطار جديد يخضع لإشراف إقليمي ودولي.
ولإضفاء ثقل إقليمي على هذه الخطة، وقعت واشنطن بيانا مشتركا مع ثماني دول عربية وإسلامية. ويوفر هذا البيان غطاء سياسيا ضروريا للمشروع، ويعكس إدراكا إقليميا بأن استمرار الحرب يهدد الأمن الجماعي. غير أن هذا الاصطفاف لا يمثل بالضرورة موقف الشعوب العربية التي تنظر إلى التقسيم باعتباره تثبيتا لواقع الاحتلال، وإعادة إنتاج لهيمنة إسرائيلية بصيغة مدنية ودولية.
في هذا السياق جاء الإعلان عن لقاء ويتكوف بالحية، وهو لقاء يحمل دلالات تتجاوز التواصل السياسي العابر؛ واشنطن تختبر قدرة حماس على التعامل مع المرحلة الانتقالية، وتبحث عن صيغة تسمح بإشراك القوى الفاعلة داخل غزة في ترتيبات ما بعد الحرب، دون منح الحركة موقعا عسكريا. ويتيح هذا المسار للأمريكيين جمع معطيات دقيقة حول استعداد حماس للانخراط في عملية سياسية مرنة، وفهم الفجوة بين قيادتها السياسية والعسكرية، وتحديد الأطر التي يمكن من خلالها إدماج الحركة في النظام الإداري الجديد أو تحييد دورها المسلح.
أما إسرائيل فتتعامل مع هذه التطورات باعتبارها جزءا من معركة أطول. وقد جاءت تصريحات نتنياهو الأخيرة واضحة عندما أكد أن الجيش الإسرائيلي جاهز لنزع سلاح حماس كاملا إذا لم تحقق الخطة الأمريكية نتائجها، وأن أي ترتيبات سياسية في غزة لن تنجح دون إنهاء القوة العسكرية للحركة. هذا التصور الإسرائيلي يضع حدودا صارمة للمسار الأمريكي، ويضيف مستوى جديدا من الضغط على حماس وعلى الأطراف العربية المشاركة في الإشراف على المرحلة الانتقالية.
ع مشهد غزة اليوم بين مشروع تقسيم، ومرحلة انتقالية دولية، وتنسيق عربي، وتواصل أمريكي مباشر مع حماس، وضغط إسرائيلي عسكري وسياسي. وتحدد هذه العناصر مجتمعة شكل المرحلة المقبلة داخل القطاع
على المستوى الاستراتيجي، يكشف المشروع الأمريكي عن محاولة لإنتاج واقع سياسي جديد يسبق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فبدل النقاش التقليدي حول حدود الدولة ووضع القدس واللاجئين، تبني واشنطن مسارا يبدأ من الداخل عبر إعادة صياغة الجغرافيا وتقليص القدرة المسلحة للفصائل وإنشاء إدارة انتقالية تخضع لمراقبة صارمة. وتعمل المنطقة الخضراء ضمن هذا السياق كنواة أولى لبيئة سياسية قابلة للتطوير، بينما يتحول النطاق الأحمر إلى فضاء تتحكم فيه القوة العسكرية بهدف الضغط المستمر وتفكيك أي بنية مسلحة خارج التصور الأمريكي.
وتشير التجارب السابقة إلى أن هذا النموذج يحمل مخاطر جدية، فقد أدى إنشاء مناطق آمنة في العراق وأفغانستان إلى إنتاج جيوب مستقرة سطحيا لكنها محاطة بغضب اجتماعي، مما خلق بيئة قابلة للانفجار. وفي غزة، قد يؤدي الفصل الجغرافي والسياسي إلى انقسام طويل المدى، ويتحول إلى بنية دائمة تصعب إزالتها إذا غابت إرادة سياسية فلسطينية تتجاوز حدود التقسيم وترفض تحويل القطاع إلى إدارتين غير متوازنتين.
في الخلاصة، يجمع مشهد غزة اليوم بين مشروع تقسيم، ومرحلة انتقالية دولية، وتنسيق عربي، وتواصل أمريكي مباشر مع حماس، وضغط إسرائيلي عسكري وسياسي. وتحدد هذه العناصر مجتمعة شكل المرحلة المقبلة داخل القطاع، وتفتح الباب أمام سؤال محوري: هل يقود هذا المسار إلى تأسيس كيان فلسطيني قابل للحياة، أم أنه يرسّخ انقساما جديدا يدخل غزة في دورة طويلة من التحكم الأمني؟ الجواب لن يصنعه القرار الأمريكي وحده، بل تحدده قدرة الفلسطينيين على فرض شروطهم، وقدرة الإقليم على رفض إعادة إنتاج السيطرة الخارجية في ثوب إداري جديد.