غزة بين مشروع التقسيم ولقاء ويتكوف والحية
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
يتسارع الانتقال الأمريكي من منطق دعم العمليات الإسرائيلية إلى بناء تصور ميداني وسياسي جديد داخل غزة. هذا التحول لا يقوم على إعلان نظري، بل يظهر من خلال خرائط أمنية، ومسودات قرارات، واتفاقات إقليمية، وتحركات دبلوماسية مباشرة؛ أبرزها اللقاء المتوقع بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وعضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية.
تشير المعطيات الميدانية إلى إعادة انتشار واسع للقوات الإسرائيلية داخل القطاع، بما يتيح لها التحكم في مساحات تفوق نصف أرض غزة، خصوصا في الممرات الاستراتيجية ومناطق الزراعة وشريط رفح وغزة سيتي. وفي مقابل هذا التوسع، يعيش الفلسطينيون على امتداد ما يسمى الخط الأصفر في وضع إنساني بالغ التوتر، داخل نطاق ضيق يفتقر إلى الحد الأدنى من الحاجات الأساسية. هذا الواقع يشكل الإطار الأولي لما تسميه واشنطن في وثائقها "المنطقة الخضراء" التي تستند إلى ترتيبات أمنية وإدارية دولية، في مقابل "منطقة حمراء" تستمر فيها العمليات العسكرية وتتحرك فيها الأجهزة الإسرائيلية بحرية شبه كاملة.
ذا الاصطفاف لا يمثل بالضرورة موقف الشعوب العربية التي تنظر إلى التقسيم باعتباره تثبيتا لواقع الاحتلال، وإعادة إنتاج لهيمنة إسرائيلية بصيغة مدنية ودولية
يعتمد المشروع الأمريكي على مرحلة انتقالية تديرها قوة دولية لمدة عامين على الأقل، مع إمكانية تمديد المهمة حتى 2027. وتتولى هذه القوة مراقبة الأمن، وضبط الحدود، وتأمين الممرات الإنسانية، وتفكيك القدرات القتالية للفصائل. وفي الجانب السياسي، يتولى مجلس السلام إعادة تنظيم الإدارة المدنية، وترتيب المؤسسات، وتوجيه عملية الإعمار وفق تصور يراعي إعادة بناء السلطة الفلسطينية داخل إطار جديد يخضع لإشراف إقليمي ودولي.
ولإضفاء ثقل إقليمي على هذه الخطة، وقعت واشنطن بيانا مشتركا مع ثماني دول عربية وإسلامية. ويوفر هذا البيان غطاء سياسيا ضروريا للمشروع، ويعكس إدراكا إقليميا بأن استمرار الحرب يهدد الأمن الجماعي. غير أن هذا الاصطفاف لا يمثل بالضرورة موقف الشعوب العربية التي تنظر إلى التقسيم باعتباره تثبيتا لواقع الاحتلال، وإعادة إنتاج لهيمنة إسرائيلية بصيغة مدنية ودولية.
في هذا السياق جاء الإعلان عن لقاء ويتكوف بالحية، وهو لقاء يحمل دلالات تتجاوز التواصل السياسي العابر؛ واشنطن تختبر قدرة حماس على التعامل مع المرحلة الانتقالية، وتبحث عن صيغة تسمح بإشراك القوى الفاعلة داخل غزة في ترتيبات ما بعد الحرب، دون منح الحركة موقعا عسكريا. ويتيح هذا المسار للأمريكيين جمع معطيات دقيقة حول استعداد حماس للانخراط في عملية سياسية مرنة، وفهم الفجوة بين قيادتها السياسية والعسكرية، وتحديد الأطر التي يمكن من خلالها إدماج الحركة في النظام الإداري الجديد أو تحييد دورها المسلح.
أما إسرائيل فتتعامل مع هذه التطورات باعتبارها جزءا من معركة أطول. وقد جاءت تصريحات نتنياهو الأخيرة واضحة عندما أكد أن الجيش الإسرائيلي جاهز لنزع سلاح حماس كاملا إذا لم تحقق الخطة الأمريكية نتائجها، وأن أي ترتيبات سياسية في غزة لن تنجح دون إنهاء القوة العسكرية للحركة. هذا التصور الإسرائيلي يضع حدودا صارمة للمسار الأمريكي، ويضيف مستوى جديدا من الضغط على حماس وعلى الأطراف العربية المشاركة في الإشراف على المرحلة الانتقالية.
ع مشهد غزة اليوم بين مشروع تقسيم، ومرحلة انتقالية دولية، وتنسيق عربي، وتواصل أمريكي مباشر مع حماس، وضغط إسرائيلي عسكري وسياسي. وتحدد هذه العناصر مجتمعة شكل المرحلة المقبلة داخل القطاع
على المستوى الاستراتيجي، يكشف المشروع الأمريكي عن محاولة لإنتاج واقع سياسي جديد يسبق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فبدل النقاش التقليدي حول حدود الدولة ووضع القدس واللاجئين، تبني واشنطن مسارا يبدأ من الداخل عبر إعادة صياغة الجغرافيا وتقليص القدرة المسلحة للفصائل وإنشاء إدارة انتقالية تخضع لمراقبة صارمة. وتعمل المنطقة الخضراء ضمن هذا السياق كنواة أولى لبيئة سياسية قابلة للتطوير، بينما يتحول النطاق الأحمر إلى فضاء تتحكم فيه القوة العسكرية بهدف الضغط المستمر وتفكيك أي بنية مسلحة خارج التصور الأمريكي.
وتشير التجارب السابقة إلى أن هذا النموذج يحمل مخاطر جدية، فقد أدى إنشاء مناطق آمنة في العراق وأفغانستان إلى إنتاج جيوب مستقرة سطحيا لكنها محاطة بغضب اجتماعي، مما خلق بيئة قابلة للانفجار. وفي غزة، قد يؤدي الفصل الجغرافي والسياسي إلى انقسام طويل المدى، ويتحول إلى بنية دائمة تصعب إزالتها إذا غابت إرادة سياسية فلسطينية تتجاوز حدود التقسيم وترفض تحويل القطاع إلى إدارتين غير متوازنتين.
في الخلاصة، يجمع مشهد غزة اليوم بين مشروع تقسيم، ومرحلة انتقالية دولية، وتنسيق عربي، وتواصل أمريكي مباشر مع حماس، وضغط إسرائيلي عسكري وسياسي. وتحدد هذه العناصر مجتمعة شكل المرحلة المقبلة داخل القطاع، وتفتح الباب أمام سؤال محوري: هل يقود هذا المسار إلى تأسيس كيان فلسطيني قابل للحياة، أم أنه يرسّخ انقساما جديدا يدخل غزة في دورة طويلة من التحكم الأمني؟ الجواب لن يصنعه القرار الأمريكي وحده، بل تحدده قدرة الفلسطينيين على فرض شروطهم، وقدرة الإقليم على رفض إعادة إنتاج السيطرة الخارجية في ثوب إداري جديد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلية غزة التقسيم حماس إسرائيل امريكا حماس غزة تقسيم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
روسيا والصين تعارضان مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة
عواصم - الوكالات
اقترحت روسيا الخميس مسودة مشروع قرار في الأمم المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في غزة، صاغته مقابل مشروع أميركي لقي معارضة موسكو وبكين ودول عربية.
وقالت بعثة روسيا في الأمم المتحدة في مذكرة اطلعت عليها رويترز، إن "مشروع قرارها مستوحى من مشروع القرار الأميركي".
وجاء في المذكرة أن "الهدف من مسودتنا هو تمكين مجلس الأمن من وضع نهج متوازن ومقبول وموحد نحو تحقيق وقف مستدام للأعمال القتالية".
وتطلب المسودة الروسية، التي اطلعت عليها رويترز أيضا، أن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة خيارات لقوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، ولا تذكر "مجلس السلام" الذي اقترحت الولايات المتحدة إنشاءه لإدارة الفترة الانتقالية في غزة.
لكن بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حثت مجلس الأمن على المضي قدما في الموافقة على النص الأميركي.
وقال متحدث باسم البعثة الأميركية إن "محاولات زرع الشقاق الآن -عندما يكون الاتفاق على هذا القرار قيد التفاوض النشط- لها عواقب وخيمة وملموسة ويمكن تجنبها نهائيا بالنسبة للفلسطينيين في غزة".
وأضاف "وقف إطلاق النار هش ونحث المجلس على الاتحاد والمضي قدما لتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه".
بعثة روسيا في الأمم المتحدة: مشروع قرارنا مستوحى من مشروع القرار الأميركي (الفرنسية)
معارضة المشروع الأميركي
وكانت أسوشيتد برس، ذكرت أن مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن بشأن خطة إنهاء الحرب بغزة ونشر قوة دولية في غزة، يواجه معارضة من روسيا والصين ودول عربية.
ونقلت أسوشيتد برس، عن 4 دبلوماسيين بالأمم المتحدة تحدّثوا إليها شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن دولا عربية، لم تسمها، أبدت قلقها من غياب أي دور للسلطة الفلسطينية (في إدارة غزة)، حيث لم يتضمن المشروع الأميركي لأي دور للسلطة.
وأضاف الدبلوماسيون أن روسيا والصين، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي يتمتعان بحق النقض (الفيتو)، طالبتا بحذف مجلس السلام، المنصوص عليه في مشروع القرار الأميركي.
إعلان
ووفق مصادر دبلوماسية للجزيرة، فإن الولايات المتحدة وزعت مشروع قرار معدلا للمرة الثانية على أعضاء مجلس الأمن الدولي، يؤيد الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة ويحث جميع الأطراف على تنفيذها فورا وبشكل كامل.
وأوضحت المصادر، أنه أضيفت إشارة صريحة في مشروع القرار إلى "مسار نحو تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية"، ودور للولايات المتحدة في إطلاق حوار بين إسرائيل والفلسطينيين من أجل "أفق سياسي للتعايش السلمي المزدهر".
وكشفت المصادر، أن مشروع القرار أصبح يوضح أن سلطة مجلس السلام، وإشرافَه على قطاع غزة، سيكونان "انتقاليين".
مشاركة مصرية
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كشف الثلاثاء عن وجود ملاحظات من عدة دول على مشروع القرار الأميركي، معربا عن أمله في الوصول إلى صياغات توافقية من دون المساس بالثوابت الفلسطينية.
وأوضح الوزير المصري حينها، أن بلاده منخرطة في المشاورات الجارية بـنيويورك بهذا الصدد، وتتشاور مع الولايات المتحدة يوميا، إضافة إلى مشاورات مع كل أعضاء مجلس الأمن ومع المجموعة العربية من خلال الجزائر العضو في المجلس حاليا.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرحت بأنها تبذل جهودا في مجلس الأمن لصياغة قرار ينشئ الإطار الدولي لقوة الاستقرار في غزة، مبينة أن الدول التي تطوعت للمشاركة في هذه القوة تحتاج تفويضا من المجلس.
وقال ترامب قبل أيام قليلة، إنه يعتقد أن موعد وصول القوة الدولية إلى غزة أصبح قريبا جدا، وأن الأمور "تسير على ما يرام حتى الآن" في إطار وقف إطلاق النار.
وبدأ تطبيق وقف إطلاق النار في غزة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد عامين من الإبادة الإسرائيلية، وذلك بموجب اتفاق شرم الشيخ الذي أُبرم بوساطة قطر ومصر وتركيا في إطار خطة من 20 بندا وضعها الرئيس الأميركي.
لكن إسرائيل تواصل شن هجمات على غزة بشكل شبه يومي، كما تقيّد دخول المساعدات الإنسانية خلافا لما نص عليه الاتفاق.