في ذكرى فض الاعتصام: عار الجيش والدعم السريع والكيزان!
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
رشا عوض
تمر اليوم الذكرى الخامسة لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة، الحلقة الاولى في مسلسل الثورة المضادة، تمر علينا هذه الذكرى ونحن نشاهد الحلقة الاخيرة من ذات المسلسل ممثلة في هذه الحرب اللعينة!
ان الدماء السودانية العزيزة التي سالت وما زالت تسيل يجب ان تُعَبِّد طريق الوطن الى الحرية والحكم المدني الديمقراطي!
ولكن معطوبي العقل والضمير يظنون وبعض الظن إثم ان هذه الدماء تصلح لتعبيد الطريق نحو استبداد عسكري جديد! وتصلح لصناعة اوسمة بطولة للعسكر والكيزان وتسويقهم مجددا عبر كتابة تاريخ جديد للسودان يبدأ بحرب الخامس عشر من أبريل ويزعم ان قبلها لا شيء وبعدها تتويج جيش الهنا بطلا بحاضنة كيزانية او بغيرها! و”الدعم السريع” كبش الفداء وتوتا توتا توتا خلصت الحدوتة!
ان مخاضات الدم القاسية يجب ان نستخلص منها الدروس الصحيحة حتى لا تتكرر! ويتطلب ذلك إضاءة المشهد بكل زواياه ليطل وجه الحقيقة كاملا!
الجيش والدعم السريع اتخذا قرارا بفض الاعتصام نتيجة لطمعهما معا في السلطة ورغبتهما المشتركة في تصفية الثورة وكانت لهما خطة لتنفيذه اي فض الاعتصام!
كثير من المراقبين رجحوا ان تكون كتائب الظل الكيزانية هي من نفذت فض الاعتصام بتلك الوحشية انتقاما من الثورة وتمهيدا لاوضاع سياسية ملتهبة قد تنتهي بنجاح ضابط كوز ينقلب على البرهان وحميدتي ويكون متنكرا في ثياب الثأر للشهداء والانحياز للشارع الثائر، وبالفعل كثرت المحاولات الانقلابية الفاشلة خلال الفترة الانتقالية!
“الدعم السريع” صرحت قيادته بأنها قبضت على مئات الاشخاص الذين كانوا يرتدون أزياء الدعم السريع ونفذوا الجرائم البشعة في فض الاعتصام ووثقوها بالفيديو، وكان هناك اكثر من الف معتقل مسجونين بواسطة الدعم السريع الذي قال انه يحقق معهم حول الجهة التي دفعت بهم الى مسرح الجريمة بهدف توريطه، وطبعا الجهة المعنية هي كتائب الكيزان وعناصرهم الأمنية.
السؤال: لماذا امتنع الدعم السريع عن تمليك الشعب السوداني للحقيقة كاملة؟ ما دام يقول انه لم يرتكب جرائم القتل والسحل والاغتصاب ورمي الجثث في النيل مربوطة بالحجارة واحراق الخيام؟ لماذا لم يكشف بالاسم عن الجهة التي فعلت كل ذلك وهي ترتدي ازياءه وصورت الجرائم لتوريطه كما يدعي؟
الاجابة حسب مراقبين- كلهم لا يريدون الحديث العلني- هي ان الدعم السريع استتخدم المعلومات والادلة التي تحصل عليها من مئات المعتقلين لديه ووثقها بالصوت والصورة استخدمها في ابتزاز الكيزان وتحديدا اجهزتهم الامنية والعسكرية، وتحت هذا الابتزاز حصد الدعم السريع التمدد في مساحات عسكرية جديدة ودخل الى مناطق كانت محظورة عليه مثل منظومة الصناعات الدفاعية التي امتلك 30% من اسهمها، وهناك ايدي مخابراتية اقليمية خفية هندست كل المساومات التي تمت بين الكيزان والدعم السريع على حساب كشف حقيقة ما جرى!
اما قضية تحقيق العدالة في هذه الجريمة فقد تمت احالتها للجنة الاستاذ نبيل اديب الذي انتهى به المقام الان في قلب الحواضن السياسية للعسكر (الكتلة الديمقراطية التي يجب ان ننطقها بفتح الكاف لا ضمها)! باختصار تحول الى لاعب سياسي مصطف مع المتهمين! وموقفه الراهن يطعن في اهلية تلك اللجنة باثر رجعي ويوسع “دائرة الشك المشروع “في نزاهتها.
خلاصة المأساة:
الجيش اجرم عندما وقف متفرجا على العزل يقتلون امام مبنى قيادته العامة واغلق ابوابه في وجوه المستجيرين به! وقف “حامي الارض والعرض” متفرجا على جرائم الاغتصاب والقتل ولم يحرك ساكنا! والامر طبيعي جدا فالجيش اعتاد ليس فقط الفرجة على مثل هذه المشاهد بل اعتاد على المشاركة فيها بنفسه مع المليشيات التي صنعها خصيصا لذلك!
الدعم السريع أجرم باخفاء الحقيقة على الشعب السوداني واستخدام دماء السودانيين كورقة مساومة للتمكين العسكري، هذا لو صدقت روايته حول الطرف الثالث الذي ارتدى ازياءه ونفذ، ولو لم تكن الرواية صحيحة فمعناه انه فعلا ارتكب المجزرة هو والجيش بكل تفاصيلها، والدعم السريع ليس مبرأ من الاجرام وقد شهدت هذه الحرب انتهاكات فظيعة بواسطة جنوده، فلو اراد ان يتبرأ من مجزرة فض الاعتصام فكان يجب ان يملك الرأي العام الحقيقة كاملة عن هوية الفاعل.
الجيش والدعم السريع اجرما معا عندما قررا فض اعتصام سلمي حتى لو تم التنفيذ بخراطيم المياه والعصي مثلما زعموا، والجرم الاكبر هو سعيهما معا لاقامة دكتاتورية عسكرية على انقاض الاعتصام والغدر بالثورة لولا ملحمة 30 يونيو 2019 ثم الضغوط الدولية التي اجبرتهما على العودة للتفاوض مع المدنيين.
اما الكيزان فجرمهم الاكبر هو إفسادهم للمنظومة الامنية والعسكرية ورفع مستوى توحشها ضد الشعب السوداني لدرجة ان مجزرة فض الاعتصام تمت في عقر دار الجيش!والكارثة اننا عندما ننظر الى تاريخ حروبنا السابقة والحرب الراهنة نجد ان هذه المجزرة رغم بشاعتها مجرد عينة صغيرة من افعال الجيش والجنجويد والامن! واخشى ما نخشاه ان تكون نظرتهم للحرب الحالية التي قتلت عشرات الالاف انها كذلك مجرد حدث اعتيادي وبعده تعود الامور الى ما كانت عليه!
الجرم الاكبر للكيزان هو هذا الإفساد للمنظومة العدلية بكاملها واضعافها مهنيا واخلاقيا لدرجة فقدانها للحد الأدنى من الاحترام! فقد اصبحت مجرد مسخ غير صالح للفصل في اي قضية خصوصا عندما تكون المؤسسة الامنية او العسكرية طرفا فيها!!
ولذلك كان الاجدى هو إحالة قضية مجزرة فض الاعتصام الى محكمة الجنايات الدولية لأن البيئة القانونية في السودان غير مؤهلة نهائيا لا للتحقيق المهني ولا لإعلان نتائجه ولا لمحاكمة الجناة.
يحتاج السودان لعملية إعادة بناء للدولة بكل مكوناتها وعلى رأسها المنظومة العدلية والمنظومة الامنية والعسكرية والخدمة المدنية والتعليم والصحة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، كل شيئ بات معطوبا وفاسدا لدرجة مخيفة! هل كانت الفترة الانتقالية كافية لكل هذه الاصلاحات؟ الفترة الانتقالية كانت بحاجة الى انجاز حزمة من الاصلاحات العاجلة التي تهيئ الملعب السياسي للانتخابات الحرة النزيهة التي تأتي بسلطة ذات مشروعية للتصدي لمهمة اعادة البناء والتأسيس، وفي هذا السياق كان من واجب “قوى الثورة” ان تتوافق على برنامج مفصل لقضايا التأسيس، انقلاب العسكر وقبل ذلك سلسلة مؤامرات الثورة المضادة اطاحت بالانتقال واعاقت حتى الحدود الدنيا من التقدم الى الامام. أما هذه الحرب فهدفها استئصال “التفكير في التغيير” وادخال الحياة السياسية تحت البوت العسكري مجددا!
سلام على كل الارواح العزيزة التي صعدت في ذلك اليوم، سلام على كل جريح ما زال يحمل جراحه وسام شرف، سلام على كل مفقود ما زال احبابه في انتظاره! والعار لكل من قتلنا برصاص دفعنا ثمنه ليحمينا.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: والدعم السریع الدعم السریع فض الاعتصام یجب ان
إقرأ أيضاً:
هل أصبحت الفاشر مدينة موت بعد سقوطها في يد الدعم السريع؟
دارفور – تقول أمينة آدم، وهي نازحة من حي السلام جنوب مدينة الفاشر، إن أحدا "لا يستطيع الخروج من المدينة، ولا يزال المئات مشردين ومتكدسين في أماكن مثل حي الدرجة الأولى، وداخلية الرشيد التابعة لجامعة الفاشر".
كما تشير أمينة، في حديث للجزيرة نت، إلى أن حركة السكان مقيدة جدا في بعض مراكز الإيواء العشوائية غربي المدينة. وأضافت "نعيش على القليل من المساعدات.. والخوف رفيقنا الدائم".
وبعد نحو سبعة أسابيع من سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، تبدو المدينة اليوم غارقة في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ الحرب بالسودان.
فبينما تتحدث القوات المسيطرة عن "النصر والتحرير"، يُعتقد أن ما يبلغ 150 ألفا من سكان المدينة فُقدوا منذ سقوطها، وفق تقديرات محلية ودولية.
ورغم توقف الاشتباكات المباشرة، يعيش سكان الفاشر في أجواء من الخوف المستمر. وتتحدث شهادات محلية عن انتشار نقاط تفتيش وحواجز أمنية تابعة لقوات الدعم السريع، تحدّ من حركة المدنيين وتثير المخاوف من استهداف من يُشتبه في تعاطفه مع الجيش.
وفي الأحياء الجنوبية والغربية للمدينة، تتناثر الجثث داخل المنازل المهجورة، حيث تتحلل تحت وطأة الحرارة المرتفعة. وتحدثت مصادر محلية للجزيرة نت عن عشرات الجثث التي لم تُرفع منذ أكثر من شهر، في ظل غياب تام للجهات الصحية والإنسانية.
وفي حي الرديف غربي المدينة الذي كان مسرحا لمعارك عنيفة قبل سقوطها، يحكي أحد السكان، الذي فضل عدم ذكر اسمه، للجزيرة نت كيف زار قريبه منزلَ جارٍ انقطع التواصل معه، ليتفاجأ بمنظر مروّع: جثتان متحللتان عند المدخل، وثالثة وسط المنزل.
ويضيف الرجل "لم أستطع التقدم داخل البيت بسبب شدة الروائح الكريهة"، مشيرا إلى أن الحي أصبح خاليا تماما من السكان، وتحول إلى منطقة أشباح، لا ينتشر فيها سوى رائحة الموت.
وباء صامت
ومع انهيار النظام الصحي بالكامل، تحدثت مصادر للجزيرة نت عن تفشى وباء الكوليرا بشكل مريع، فالمستشفيات تعرضت للنهب، والفرق الطبية غادرت المدينة، في حين تحولت المراكز الصحية إلى مجرد نقاط إسعاف أولي تفتقر لأبسط الأدوية والمعدات.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، قال المتحدث باسم المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور أبو بكر أحمد إمام إن تقارير ميدانية تتحدث عن انتشار الكوليرا داخل معتقلات قوات الدعم السريع، و"أدى ذلك إلى وفاة مئات المحتجزين نتيجة غياب الأدوية والغذاء والاكتظاظ الشديد".
وأوضح إمام أن احتجاز بعض المعتقلين في غرف ضيقة أو حاويات غير مؤهلة يسرّع من تفشي الأمراض ويهدد حياتهم بشكل مباشر.
كما وثّقت فرق المقاومة -وفقا للتقرير الميداني الصادر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2025- حالات يُعتقد أنه تم فيها التخلص من جثث الضحايا عبر الحرق. ووصفت هذه الممارسة بأنها "انتهاك صارخ للأعراف الإنسانية والقوانين الدولية" دون تأكيد من مصدر مستقل حتى الآن.
وفي تغريدة على صفحته الرسمية في فيسبوك، قال ممثل اليونيسيف في السودان شيلدون يت، عقب زيارته مخيم طويلة، "يصل الأطفال خائفين ومنهكين بعد فرارهم من العنف. تعمل اليونيسيف وشركاؤها بلا كلل لتقديم الدعم المنقذ للحياة للأطفال وأسرهم".
وبدورها قالت منظمة أطباء بلا حدود في السودان إن أكثر من 10 آلاف شخص فرّوا من الفظائع الجماعية التي تشهدها مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، وصلوا إلى بلدة طويلة بحثا عن ملاذ آمن. غير أن الواقع الذي واجهوه كان قاسيا ومروّعا، حيث تحوّل ملاذهم الأخير إلى مشهد من المعاناة الإنسانية المتفاقمة.
ومنذ أكثر من عامين، تتحول الحياة في مدينة الفاشر إلى كابوس يومي مع انهيار شبه كامل للبنى التحتية والخدمات. فانقطاع التيار الكهربائي صار حالا دائما، وغابت شبكات الاتصالات التقليدية لتبقى أجهزة "ستار لينك" القليلة شريان اتصال هش مع العالم.
وتفاقمت المعاناة مع انعدام المواد الغذائية جراء الحصار وارتفاع أسعار المياه النظيفة إلى مستويات خيالية، في وقت توقفت فيه جميع المخابز ومولدات الكهرباء بسبب شح الوقود، مما حول مسألة البقاء إلى تحد مرير.
وفي خضم هذه الأزمة الشاملة، تأتي شهادة "م. ن. د"، وهو كفيف تم الإفراج عنه مؤخرا من معتقلات الفاشر، لترسم صورة أكثر قتامة للأوضاع داخل مراكز الاحتجاز.
وقال للجزيرة نت "إذا كانت الحياة خارج السجن صراعا من أجل الحصول على الماء والطعام، فإن الداخل سقوطا في هاوية من الإهمال المطبق".
وأضاف "هناك مرضى مصابون بالسكري وغيره من الأمراض المزمنة يُتركون دون أدوية أو رعاية. كانت الأصوات تتعالى طلبا للعلاج أو حتى مسكّنات الألم البسيطة، ولكن دون استجابة. كنا نسمع أنينهم يخفت تدريجيا حتى يتحول إلى صمت".
ورغم التحذيرات المتكررة من منظمات إنسانية وحقوقية، لم تُسجّل استجابة ملموسة من المجتمع الدولي. فعمال الإغاثة يؤكدون أنهم عاجزون عن الوصول إلى مدينة الفاشر بسبب غياب الضمانات الأمنية وإغلاق الممرات الإنسانية، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع قوات الدعم السريع للحصول على تعليق بشأن الاتهامات المتعلقة بالانتهاكات، إلا أنها لم تستجب حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
إعلانومنذ اندلاع الحرب بالسودان في أبريل/نيسان 2023، تسببت المواجهات في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث تم تهجير نحو 13 مليون شخص من منازلهم، وفر أكثر من 4 ملايين إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وليبيا.
وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 86 ألف سوداني مسجلين كطالبي لجوء أو لاجئين في ليبيا بزيادة قدرها 60 ألفا مقارنة بما قبل الحرب.
مرحلة جديدة
ويرى محللون أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر تعكس تحولات في ميزان القوى داخل السودان، وتفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدا في المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول مدير برنامج شرق أفريقيا بمركز "فوكس للأبحاث" عبد الناصر سلم حامد إن سقوط الفاشر لا ينبغي النظر إليه بوصفه تحوّلا ميدانيا معزولا، بل علامة على انتقال السودان إلى مرحلة جديدة من الصراع، تتراجع فيها الدولة كمركز قرار واحد إلى صالح قوى مسلّحة تفرض وقائعها على الأرض.
ويضيف حامد، وهو خبير إدارة الأزمات والنزاعات، أن ما يجري في الفاشر اليوم يختزل ثلاثة مستويات للأزمة:
أولها المستوى الإنساني، إذ تحوّلت المدينة إلى فضاء للموت البطيء عبر الحصار وانهيار الخدمات. وثانيها المستوى السياسي، حيث باتت قوات الدعم السريع تمارس عمليا "حكم الأمر الواقع". أما المستوى الثالث فهو الإستراتيجي، إذ إن سقوط الفاشر بعد حصار طويل يرسل رسالة بأن ميزان القوة يميل لصالح من يستطيع تطويق السكان وإخضاعهم.ويشرح حامد أن خطر سقوط الفاشر لا يتوقف عند حدودها الجغرافية؛ فالمدينة كانت تاريخيا عقدة وصل بين شمال البلاد وغربه وجنوبه. ومع خروجها من يد الدولة، دخل السودان عمليا في وضع تتوزع فيه السلطة بين جزر مسلّحة، يقود إلى تفكك تدريجي لمفهوم الدولة المركزية.
ويشير الخبير ذاته إلى أن استهداف البنية السكانية للفاشر عبر النزوح الواسع وحرق الجثث لا يمكن قراءته فقط بوصفه فشلا في إدارة الأزمة، بل بوصفه جزءا من نمط أوسع لاستخدام المعاناة اليومية لإعادة رسم الخريطة الديمغرافية والسياسية.