لجريدة عمان:
2025-05-28@18:17:44 GMT

صناعة الصحافة.. وتحديات الابتكار التخريبي

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

عام 2013 قدم كلايتون كريستنسن الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، في كتابه «معضلة المبتكر» مفهوم الابتكار التخريبي لإظهار كيف يمكن للتقدم التكنولوجي أن يكون له تأثير تدميري كبير على صناعة ما، ويستند هذا المفهوم إلى نظرية التوازن المتقطع التي كانت تستخدم في أبحاث الإدارة، حيث تمر المنظمات بفترات من الاستقرار، تعقبها فترات قصيرة (نسبيًا) من الاضطرابات الدرامية الناتجة عن دخول تكنولوجيات جديدة ومنافسين جدد لا تستطيع تجاهلها.

ويشير الابتكار التخريبي إلى عملية يقوم فيها منتج أو خدمة أو تقنية جديدة بغزو الصناعة أو السوق القائمة والمستقرة، عن طريق إنشاء سوق جديدة أو تغيير السوق الحالية بشكل كبير وتتمثل أهم خصائصه في انخفاض التكلفة وإمكانات الوصول الأكبر، والاعتماد على الابتكارات التكنولوجية لتلبية احتياجات السوق، ومن ثم تحدي اللاعبين الراسخين في الصناعة أو السوق القائمة وإحداث تحول في ديناميات السوق.

وفقًا لهذه النظرية فإنه عندما يقترب الابتكار التخريبي من صناعة ما، لا يستطيع المديرون التنفيذيون التكيف السريع مع المبتكرات الجديدة والمضي قدمًا لأن «إتقان التكنولوجيا القديمة لا يعني إتقان التكنولوجيا الجديدة. وعندما يحدث تقدم تكنولوجي يغير قواعد اللعبة داخل صناعة ما، غالبًا ما تعاني الصناعة لأن القادة يكونون عادةً بطيئين جدًا في التكيف ويصبح الممارسون الشباب أو الجدد في المجال أقوى المحفزات للنموذج الجديد، لأنهم غير مقيدين بالتكنولوجيا القديمة.

وينظر قادة السوق إلى الابتكارات التخريبية على أنها تهديدات وليست فرصًا وينفقون الأموال في محاولة لدرء أخطار الابتكار التخريبي، ويتطلب تجاوز ذلك أن تبادر الصناعة المتأثرة بالابتكار التخريبي بالاعتراف بالابتكار على الفور، وتأسيس مهاراته الأساسية بسرعة، وتوظيفه.

وينظر بعض الباحثين إلى تقنيات وبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتبارها شكلا من أشكال الابتكار التخريبي لصناعة الصحافة، بسبب ما تحدثه من آثار على المنصات الصحفية التقليدية والجديدة التي تحاول مواجهة هذا الابتكار والاستفادة منه في نفس الوقت، خاصة وأنها تضرب أسس العمل الصحفي البشري ومجالات الممارسة الصحفية الرئيسية، وهي: إنشاء المحتوى الصحفي الصالح للنشر، والقيام بعملية النشر المتزامن في جميع المنصات المتاحة، وإعادة هيكلة غرف الأخبار، وتوليد الإيرادات.

يُعد الذكاء الاصطناعي- إذن- مثالاً كلاسيكيًا للابتكار التخريبي بسبب قوته الثورية في العديد من الصناعات الإبداعية، بعد أن أصبحت الروبوتات التي تعمل بالخوارزميات تؤدي الوظائف الإعلامية التي كانت منوطة بالبشر بشكل أسرع وربما أكثر دقة. وعندما يتم إنشاء هذه الخوارزميات بشكل صحيح، يمكن أن تفعل ما يفعله البشر بأخطاء أقل. ومن هنا، ومع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي، يشعر الصحفيون بالضغط الشديد لكي يواكبوا هذا الصعود، ويسخرون تلك التقنيات لخدمة الإنتاج الصحفي.

في العقود الأخيرة، أصبحت ضرورة الابتكار في صناعة الإعلام أكثر أهمية وصعوبة مع زيادة وتيرة ونطاق التقدم التكنولوجي. وعلى نحو متزايد، يتضمن الابتكار الحاسم للنجاح في وسائل الإعلام ربط المحتوى والتكنولوجيا. ولذلك يعتمد الصحفيون اليوم على التكنولوجيا كعنصر أساسي في عملية إعداد التقارير، ويريد أصحاب الأعمال الإعلامية أن يفهم الصحفيون خاصة الجدد منهم كيفية تقديم القصص عبر منصات متعددة.

في السنوات الأخيرة، شهدت صناعة الصحافة العديد من الاضطرابات والابتكارات التكنولوجية التخريبية، والتي كان لها تأثير كبير على ممارسات الصناعة واقتصادياتها. والمعروف أن الصحفيين فضوليون بطبعهم بشأن الابتكارات الجديدة في مجال عملهم. فمع كل ابتكار جديد يشعر الصحفيون أن مهنتهم ووظائفهم عرضة للخطر والاضطراب، ولذلك يستغرقون وقتا إلى أن يحسموا أمرهم تجاه الابتكار الجديد ومدى قدرته على مساعدتهم مع الحفاظ على تقاليد المهنة ووظائفهم. هذه الظاهرة، التي أطلق عليها أحد الباحثين «الحنين إلى المستقبل» في مقابل حنين البعض إلى الماضي، تعبر عن اعتقاد راسخ من جانب الصحفيين ومديري الصحف بأن المستقبل قد يحمل حلولا للمشكلات الحالية التي تواجه صناعة الصحافة. ومع ذلك، فإن تبني هذه الابتكارات يجب أن يتم عبر مراحل وخطوات مدروسة وأن تكون متحررة من عقدة الانبهار بها، لأن إدخال الابتكار في الصحافة يتطلب اكتساب قدرات جديدة، قد لا يمتلكها كل الصحفيين أو يرغبون في اكتسابها. وفي اعتقادي إن المقاومة التي يبديها بعض الصحفيين تجاه استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملهم، تبدو طبيعية ومقبولة خاصة ونحن ما زلنا في بدايات ظهور هذه التقنيات. يعتقد الصحفيون أن مطالبتهم باستخدام هذه التقنيات الجديدة يأتي مدفوعا برغبة المؤسسات الصحفية في تحقيق الأرباح في المقام الأول. وذلك فإنهم يقاومون خاصة إذا لم يتم تزويدهم بالتدريب المناسب الذي يحتاجون إليه لاستخدام المبتكرات الجديدة. ومن الأسباب الأخرى للمقاومة هو أن شعور الصحفي بالهوية غالبًا ما يكون مرتبطًا بقوة بالأفكار والمعايير التقليدية، ما يجعل من الصعب تبني أفكار ومعايير جديدة قد تتصادم مع المعايير القائمة. ومع ذلك، يؤكد باحثون على إمكانية إنشاء نظام جديد داخل غرف الأخبار يستخدم التطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي ويتكيف مع احتياجات السوق مع الحفاظ على القيم الصحفية الأساسية.

عندما واجهت الصحافة الابتكار التخريبي الناتج عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، كان لديها خياران لا ثالث لهما، هما: الرفض وبقاء الأوضاع على ما هي عليه، أو التغيير؛ إذا قرروا إبقاء أوضاع المهنة على ما هي عليه فقد تخلفوا عن ركب التطور السريع في هذا المجال، وحرموا أنفسهم ومؤسساتهم وقراءهم من الاستفادة من تلك التقنيات التي تدعم العمل الصحفي وتيسر تحليل البيانات والمعلومات، وتتيح لهم التعامل مع المعلومات الزائفة والمضللة بشكل أكثر دقة. في المقابل، إذا قرروا التغيير، فقد واجهوا تحديات ومسؤوليات جديدة تتطلب تأهيل أنفسهم للتعامل معها وتحديث غرف التحرير، وما يترتب على ذلك من مواجهة تحديات تبني هذه التقنيات مثل وضع معايير جديدة للعمل الصحفي والتخلي عن معايير راسخة، وتهديد الوظائف القائمة ومواجهة المقاومة التي قد يبديها البعض لاستخدام هذه التقنيات، والمشكلات الأخلاقية التي قد تنجم عنها، خاصةً إذا كان الابتكار لا يبدو أنه يعزز الجودة الصحفية.

ومن هنا كان على الصحافة معالجة حالة عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ التي لم تكن موجودة من قبل من خلال تكييف وتعديل أساليبها القائمة في جمع وتحرير وعرض الأخبار والمعلومات، وهي مشكلة عانت منها الصحافة مع ظهور كل ابتكار جديد على مدى تاريخها. فمع تبني بعض الصحف للتقنيات الرقمية بشكل كامل، أصبح لزاما عليها أن تبادر أيضا إلى تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي باعتبارها أحدث أدوات التحول الرقمي.

في تقرير رويترز للأخبار الرقمية لعام 2022، أشار ناشرو الصحف إلى أنهم سيضعون المزيد من الموارد في البث الصوتي والصوت الرقمي، وقالت نسبة منهم إنهم سوف يعملون على ابتكار تطبيقات جديدة للواقع الافتراضي والواقع المعزز، ومع زيادة القدرة الموسعة لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل إنتاج محتوى فعال بتكلفة منخفضة، هناك الآن خطر متزايد من حدوث اضطراب هائل في العديد من الصناعات، بما في ذلك الصحافة، والواقع إن تحديد الاستجابة المناسبة للتقنيات الناشئة والمنصات الرقمية أمر صعب لأن القيمة الإجمالية للتكلفة والعائد منها وتأثير هذه الابتكارات نادرًا ما تكون واضحة من البداية.

تبدو نظرية الابتكار التخريبي مفيدة لاستكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحفيين وعلى المؤسسات الصحفية. ولكي تنجح صناعة الصحافة في ظل ابتكار تخريبي، يجب أن تستجيب بسرعة لهذا الابتكار بالقبول وأن تُظهر استعدادًا للتغيير، ويؤكد تاريخ الصحافة أن الصناعة ربما كانت بطيئة نسبيا في الاستجابة للابتكارات التخريبية، لكنها في النهاية كانت تكيف نفسها للاستفادة منها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی صناعة الصحافة هذه التقنیات

إقرأ أيضاً:

جوجل تكشف عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مؤتمر Google I/O 2025

كشفت شركة «جوجل» خلال مؤتمرها السنوي Google I/O الذي عُقد الأسبوع الماضي، عن مجموعة من الابتكارات التقنية التي ترسم ملامح مستقبل التحول الرقمي، مع تركيز كبير على تطوير الذكاء الاصطناعي ودمجه بعمق في الحياة اليومية.

ووفقًا لصحيفة «الشرق الأوسط»، تركزت أبرز الإعلانات حول تحسينات ثورية في نماذج «جيميناي» Gemini للذكاء الاصطناعي، إلى جانب إطلاق مشروع «أسترا» Astra الطموح، الذي يمثل قفزة نوعية في مفهوم المساعد الرقمي.

«أسترا».. مساعد رقمي أكثر ذكاء وتفاعلاً

يُعد مشروع «أسترا» من أبرز مفاجآت المؤتمر، إذ تهدف «جوجل» من خلاله إلى تطوير مساعد ذكاء اصطناعي قادر على فهم البيئة المحيطة والتفاعل مع المؤثرات البصرية والسياقية، وليس فقط عبر الأوامر الصوتية التقليدية. ويعتمد هذا التطوير على خدمة «جيميناي لايف» Gemini Live التي تسمح باستخدام الكاميرا لفهم محتوى الشاشة ومحيط المستخدم.

وتم استعراض نسخة تجريبية للمساعد الجديد، ظهر خلالها يتفاعل بسلاسة وطبيعية باستخدام اللغة البشرية، ويتحقق من المعلومات عبر الإنترنت بسرعة وكفاءة. ومن المقرر طرح «أسترا» على أنظمة التشغيل «آندرويد» و«iOS»، ما يتيح لملايين المستخدمين الاستفادة من خصائصه في المهام اليومية، مثل البحث، التلخيص، والتحليل.

«أندرويد إكس آر».. نحو مستقبل الواقع الممتد

كما كشفت «جوجل» عن تقدمها في مجال الواقع الممتد XR عبر منصة Android XR، حيث استعرضت نظارات ذكية تدعم النظام الجديد.وتتيح هذه النظارات ميزات مثل:

- ترجمة النصوص المباشرة في المؤتمرات

- عرض الخرائط والمعلومات السياحية على العدسة

- قراءة الرسائل دون تعطيل الرؤية

ويُعد هذا التوجه خطوة نحو تعزيز مفهوم الحوسبة المكانية وجعل التقنية أكثر انغماسًا وتفاعلية في حياتنا اليومية.

تحديثات ضخمة لنماذج «جيميناي»

واصلت «جوجل» تطوير نماذج «جيميناي» متعددة المهام، حيث أصبحت متاحة الآن على أنظمة «آندرويد» و«iOS»، لتوفير تجربة ذكاء اصطناعي أوسع وأكثر تفاعلاً. وتُركز هذه النماذج على:

- تحسين معالجة اللغة الطبيعية

- توليد المحتوى الذكي

- فهم السياق بدقة

كما أعلنت الشركة عن دمج «جيميناي» في متصفح كروم، مما يسمح بفهم المحتوى المعروض على الصفحات وتقديم تلخيصات فورية وإجابات دقيقة دون الحاجة إلى مغادرة الصفحة أو البحث اليدوي.

تكامل «جيميناي» مع تطبيقات «جوجل»

ومن خلال تكامل «جيميناي» مع خدمات «غوغل» مثل Gmail، وGoogle Calendar، وGoogle Maps، أصبح المساعد قادرًا على تقديم اقتراحات استباقية ذكية وتنبيهات مخصصة بناءً على سلوك المستخدم، مثل:

- التذكير بالمواعيد

- اقتراح مسارات السفر

- صياغة رسائل البريد الإلكتروني تلقائيًا

كما شهد تطبيق Google Meet تحديثات مهمة تشمل الترجمة الفورية بين اللغات (الإنجليزية والإسبانية حاليًا) مع الحفاظ على نبرة الصوت الأصلية، في خطوة تهدف لتعزيز التواصل العابر للغات والثقافات.

مستقبل رقمي أكثر ذكاء وتكاملًا

تُؤكد «جوجل» عبر هذه الإعلانات رؤيتها لعصر جديد من الذكاء الاصطناعي، يتميز بـ:

- التفاعل الاستباقي

- السهولة في الاستخدام

- الاندماج الكامل في الحياة الرقمية

وتشير هذه التحولات إلى أن التقنية لم تعد مجرد أدوات، بل أصبحت شركاء أذكياء في العمل والتعلم والاتصال، مما يبشر بمستقبل تكون فيه الحياة الرقمية أكثر سلاسة وذكاءً وتكاملاً.

اقرأ أيضاًجوجل تدفع 1.4 مليار دولار لتسوية مزاعم جمعها بيانات المستخدمين دون إذن.. ما القصة؟

المكسيك تقاضي جوجل بشأن تسمية «خليج أمريكا»

جوجل تتعاون مع «إليمنتل باور» في 3 مواقع مشاريع للطاقة النووية المتقدمة

مقالات مشابهة

  • في أول بحث أكاديمي من نوعه:مها الحكيمي تستشرف مستقبل الصحافة اليمنية في عصر الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي واقـــع لا مفـــرّ منـــه
  • «الذكاء الاصطناعي» أداة مهمة في صناعة الأفلام
  • مسلسل "بايبر كي دنيا" المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي يُعيد تعريف صناعة الترفيه للأطفال
  • إيكونوميست: الذكاء الاصطناعي يُسرّع العمل ولن يقصي البشر
  • قمة الإعلام العربي: الذكاء الاصطناعي واقع لا مفر من إجادته والتدريب عليه
  • الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.. من يحمي من؟
  • بيت التحميص: رحلة سعودية مُتمكنة تستثمر الذكاء الاصطناعي لتحقيق ريادة عالمية في صناعة القهوة المختصة
  • شراكة بين تشينجر وبتغريت لتعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي عبر البلوك تشين في أبوظبي
  • جوجل تكشف عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مؤتمر Google I/O 2025