ورطة البرهان، وتحوّل المراوغة إلى مازق سياسي
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
حسب الرسول العوض إبراهيم
منذ أن برز اسم عبد الفتاح البرهان إلى واجهة المشهد السياسي عقب سقوط نظام البشير في أبريل 2019 ظلت مواقفه تتسم بالتقلب والتناقض ، مما جعله يبدو كقائد يعيش في ارتباك سياسي دائم. فقد بدأ مشواره متحالفاً مع قوى الثورة ، ثم تراجع بعد فض اعتصام القيادة العامة ، ليعود بعدها ويوقع على ماعرف بالوثيقة الدستورية قبل أن ينقلب عليها لاحققاً في أكتوبر 2021 بمشاركة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومع كل محطة وحدث كان البرهان يظهر بمواقف متبدلة لا تعكس رؤية سياسية واضحة .
وجد البرهان نفسه لاحقاً محاصرا من الإسلاميين داخل الجيش وخارجه، فحاول التغلب عليهم بتحالف مؤقت مع قوات الدعم السريع وقدّم مقابل ذلك ثمناً باهظاً دفعته البلاد من خلال الحرب الدامية التي اندلعت لاحقاً. لكن مكر الإسلاميين كان أعمق مما تخيل إذ دفعوه إلى أتون مواجهة عسكرية مفتوحة مع الدعم السريع، ثم تركوه يواجه العزلة السياسية والعسكرية بعد خسارته للتحالف.
ومنذ ذلك الوقت ظل البرهان يسعى للفكاك من هيمنتهم، فأرسل وفودا سر ية إلى عواصم عدة في محاولة لفتح قنوات تفاوض غير معلنة مع الدعم السريع، غير أن تلك المساعي كانت تُجهض في كل مرة بتدخل الإسلاميين، فيما يلتزم البرهان الصمت وكأنه يدور في حلقةٍ مفرغة لا يملك كسرها.
في المقابل عملت القوى المدنية المناهضة للحرب على توحيد صفوفها داخلياً وخارجياً وسعت إلى كسب الدعم الإقليمي والدولي لوقف الحرب وشرح مأساة السودانيين ونجحت في نقل المشهد للعالم ،ومع تصاعد الجهود الدولية برزت مبادرة الرباعية التي ضمّت دولاً صديقة للسودان وهو ما أثار ذعر الإسلاميين ودفعهم إلى توجيه تحذيرات سرية ومعلنة للبرهان بعدم قبولها. إلا أن البرهان نفسه كان مدركًا لتعقيدات المشهد الدولي وموقف المجتمع الدولي من التيارات الإسلامية المرتبطة بالإرهاب ، اضطر إلى الموافقة على الرباعية بعد تلقيه رسائل حازمة عبر النظام المصري تؤكد أن الوقت لا يحتمل المراوغة أو الالتفاف.
ورغم قبوله بالمبادرة، فإن البرهان لا يزال يفتقر إلى رؤية واضحة للتخلص من عبء الإسلاميين، إذ يوازن بينهم وبين الخارج بخطابٍ مزدوج ، يرسل تطمينات للداخل ويصعد خطاب الحرب في العلن، في محاولة يائسة لإرضاء الجميع دون أن ينجح في كسب أحد. وهكذا يجد الرجل نفسه اليوم بين مطرقة الإسلاميين وسندان الضغوط الدولية، محاصرا في ورطةٍ سياسية وعسكرية جعلت من أزمته عنواناً لانسداد الأفق في السودان.
يبدو أن مستقبل عبد الفتاح البرهان أصبح أكثر غموضاً من أي وقتٍ مضى. فالرجل الذي بدأ رحلته بعد سقوط البشير وهو يمسك بخيوط السلطة، بات اليوم محاصراً بالعزلة السياسية والتحديات العسكرية. الحرب التي راهن عليها لم تمنحه القوة، بل استنزفته داخلياً وخارجياً بينما تتقدّم القوى المدنية في بناء تحالفاتها وطرح بدائلها.
وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية الرافضة لاستمرار نفوذ التيارات الإسلامية، يجد البرهان نفسه أمام خيارين أحلاهما مر ، إما أن يواجه مصيره منفردا إذا أصر على الارتهان للإسلاميين، أو أن يغامر بتفكيك تلك المنظومة التي تحيط به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبله السياسي. إن ورطة البرهان اليوم ليست في خصومه فحسب، بل في غياب الرؤية والقدرة على اتخاذ القرار، وهو ما يجعل من بقائه في المشهد رهيناً بموازين القوى القادمة، لا بإرادته أو وعوده.
في نهاية المطاف، لم يعد السؤال عن خيارات البرهان بقدر ما أصبح عن قدرته على البقاء. فاستمراره في دوامة المراوغات والولاءات المزدوجة جعله أسيراً للإسلاميين من جهة، وللضغوط الدولية من جهة أخرى، بلا إرادةٍ حرة أو رؤيةٍ واضحة. وإذا أصر على الرهان على الحرب كوسيلة للبقاء، فلن يحصد سوى مزيدٍ من الخراب والعزلة. لقد أرهقت الحرب السودان وأبناءه، ولم يبق فيها ما يبرر الصمت أو التردد. والبرهان إن لم يواجه الحقيقة الآن، فسيجد نفسه خارج المشهد قريباً تماما كما خرج الذين ظنوا من قبله أن السلطة يمكن أن تُحمى بالخداع والمناورة.
* كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
الوسومحسب الرسول العوض إبراهيمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
«الدعم السريع».. انتهاكات مستمرة في مدينة النهود بكردفان
مسلحون بقوات الدعم السريع مارسوا انتهاكات عديدة في القرى المجاورة لمدينة النهود، حيث شكا السكان من عمليات نهب واسعة شملت المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية..
التغيير: الخرطوم
شكا مواطنو الريف الجنوبي لمدينة النهود بولاية غرب كردفان، من استمرار انتهاكات قوات الدعم السريع ضد السكان متمثلة في النهب تحت تهديد السلاح.
وسيطرت قوات الدعم السريع في مايو الماضي على النهود، بينما غرقت المدينة منذ ذلك الوقت في الفوضى والنهب للأسواق ومنازل المواطنين لتشهد المدينة أكبر عملية نزوح في تاريخها.
وقالت مواطنة رفضت الإشارة لاسمها لدواع أمنية، لـ”دارفور24″ إن سكان قرى “جغب وقريود” جنوب النهود، تعرضوا خلال الفترة الماضية لعمليات نهب متكررة بواسطة مسلحين من قوات الدعم السريع.
وحسب متابعات “دارفور24” فإن مسلحين بقوات الدعم السريع مارسوا انتهاكات عديدة في القرى المجاورة لمدينة النهود، حيث شكا السكان من عمليات نهب واسعة شملت المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.
وطالت الانتهاكات عدد من القرى بالريف الجنوبي لمدينة النهود منها “أم سمرة وأم قطن وكلدونقة وقريود وجغب”. حيث تم نهب مخازن الذرة والدخن بجانب أسقف المنازل.
من جهته أشار المواطن (أ. ج) إلى أنواع من القهر والانتهاكات التي تعرض لها السكان من قبل قوات الدعم السريع. وأضاف بالقول: “تعرض منزلي للنهب تحت قوة السلاح حيث قاموا بتهديدي تفكيك سقف المنزل كما نهبوا كل مقتنياتي الخاصة”.
وأضاف أن “عمليات النهب ظلت مستمرة ليلا الأمر الذي أدى لتوقف حركة السير بين القرى المجاورة”.
ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة النهود في بداية مايو الماضي، انفرط عقد الأمن في المدينة، حيث نزح الكثير من سكانها إلى القرى والمناطق المحيطة بها، إلا أن انعدام الخدمات وتدهور الوضع الأمني أجبرهم أيضًا على النزوح مرة أخرى إلى مناطق شرق وشمال البلاد.
وأعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للأمم المتحدة، في وقت سابق، نزوح أكثر من 46 ألف شخص من مدينتي النهود والخوي بولاية غرب كردفان، نتيجة المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع في المنطقة.
واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع إثر خلافات على السلطة ودمج القوات، وسرعان ما امتدت إلى مختلف الولايات، خصوصًا دارفور وكردفان.
وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين داخل البلاد وخارجها، وسط اتهامات واسعة للطرفين بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، ما جعل السودان يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
المصدر: درافور 24
الوسومانتهاكات الدعم السريع حرب الجيش والدعم السريع كردفان مدينة النهود