هل يتحول شات جي بي تي إلى تطبيق خارق في المستقبل؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
كانت الشهور الماضية حافلة بالأحداث الهامة في مسيرة "شات جي بي تي" وشركة "أوبن إيه آي" بشكل عام، إذ تضمنت مجموعة من اللحظات الفارقة التي ترسم مستقبل الشركة كما يراها سام ألتمان مديرها التنفيذي.
وبدأت هذه المسيرة من طرح الشركة لميزة التطبيقات المبنية داخل "شات جي بي تي"، وهي تتيح للنموذج التفاعل مع التطبيقات المختلفة واستخدامها دون الخروج من واجهة الدردشة معه.
واستمر ألتمان في طرح التحديثات مرورا بنموذج "سورا 2" لتوليد مقاطع الفيديو الذي أحدث ضجة عالمية وحتى صفقات الشرائح مع كبرى شركات التقنية سواء كانت "إنفيديا" أو "إيه إم دي" أو حتى "برودكوم" التي ستصنع شرائح "أوبن إيه آي" الخاصة.
ثم أطلق ألتمان متصفح "أطلس" الذي يعد أولى محاولات الشركة لطرح متصفح معزز بنموذج "شات جي بي تي"، وبينما يبدو أن الشركة تسير في خطى متباعدة وتطرح العديد من المزايا من كافة الجهات في وقت قصير، فإنها تقترب من الرؤية التي يسعى لها ألتمان.
ورغم أن ألتمان لم يعلنها صراحة، فإنه يسعى بكل جهده لتحويل "شات جي بي تي" إلى منظومة متكاملة وتطبيق خارق يمكنه القيام بالعديد من الأشياء، وهو جزء من رؤية ألتمان لمستقبل الإنترنت الجديد.
خدمة ذكاء اصطناعي واحدة تقوم بكل شيءيقول سام ألتمان، في حديثه مع بن تومبسون من مواقع "ستراتيتشري" التقني، إن معظم المستخدمين يبحثون عن خدمة ذكاء اصطناعي واحدة تقدم لهم كل شيء من خلال واجهة واحدة.
ويضيف ألتمان: "أشعر بأن هذه فرصة تأتي مرة واحدة في العمر"، واصفا مساعيه لتحويل "شات جي بي تي" إلى هذه الخدمة الخارقة.
ويستمد ألتمان ثقته في "شات جي بي تي" وطموحه المستقبلي من حجم المستخدمين المهول الذي تحظى به الأداة، إذ وصل عدد المستخدمين النشط أسبوعيا فيها إلى 800 مليون مستخدم.
ومن المنطقي أن يشعر ألتمان عندما ينظر إلى عدد المستخدمين الموجودين في منصته، بالنشوة والرغبة في تقديم المزيد من الخدمات التي تبقيهم داخل المنصة.
إعلانوسواء كانت هذه الخدمات تأتي عبر بناء مزايا جديدة في نظام "شات جي بي تي" أو التعاون مع شركات خارجية لتقديم خدماتها داخل النموذج، فإن ألتمان ليس مستعدا لترك أي مستخدم يغادر منصته.
لذلك، يصف تومبسون ألتمان بأنه "يحاكي بيل غيتس" وذلك لتحويل "شات جي بي تي" إلى نظام تشغيل متكامل ومهيمن على هذا العصر وخدماته.
بناء نظام تشغيل متكامل دون وجود نظام تشغيل فعلييصر تومبسون أن "شات جي بي تي" سيصبح نظام "ويندوز" لخدمات الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن يثير هذا التشبيه الارتباك بين المستخدمين الذين سيعتقدون أن "شات جي بي تي" سيطرح نظام تشغيل فعليا.
ولكن المستقبل ليس في نظام التشغيل الذي يتم تثبيته على الأجهزة، بل في تقديم مجموعة من الخدمات التي تجبر المستخدم على الدخول إلى "شات جي بي تي" والبقاء به طوال اليوم سواء اعتمد على هاتف محمول أو حتى حاسوب مكتبي.
وهذا ما يسعى ألتمان لتحقيقه، فعبر تقديم واجهة برمجية وحزمة تطوير خاصة ومتوافقة مع "شات جي بي تي" للمطورين، أصبح من السهل ربط أي خدمة أو منصة خارجية به واستخدامها من داخل نافذته دون الخروج منها.
فيمكنك التسوق من متاجر "شوبيفاي" (Shopify) باستخدام بضعة أوامر مكتوبة للنموذج تطلب منه العثور على قطعة ملابس بلون محدد ومقاس محدد ثم شراءها، أو بناء قائمة تشغيل موسيقية والتعديل عليها كما ترغب في "سبوتيفاي" دون فتح التطبيق والبحث عن كافة المقاطع التي ترغب بها.
ويمكن التوقع بأن "شات جي بي تي" تقتطع نسبة أرباح من كل ما يحدث داخل "المنصة" الخاصة بها، وهو ما يمثل مصدرا لدخل إضافي للشركة.
لذلك فإن وصف "شات جي بي تي" بكونه فقط محرك بحث يواجه "غوغل" وينافسه هو وصف مخل لقدرات النموذج المهولة التي تخطت الاستخدامات الأولية للذكاء الاصطناعي.
وربما نرى "شات جي بي تي" يتحول في أحد الأيام إلى منصة تواصل اجتماعي، كما حدث مع "سورا 2" وأتاح مشاركة مقاطع الفيديو التي يتم توليدها داخله مع المستخدمين.
وفي النهاية، قد يتحول "شات جي بي تي" إلى منصة متكاملة وتطبيق خارق يحاكي مزايا "وي تشات" الشهير في الصين، وهي بالمناسبة الخطة نفسها التي يحلم بها إيلون ماسك الذي كان جزءا من مجلس إدارة "أوبن إيه آي".
ليست إلا الخطوة الأولىلا يمكن القول إن تحويل "شات جي بي تي" أو خدمات "أوبن إيه آي" للذكاء الاصطناعي بشكل عام إلى تطبيق خارق يجمع العديد من جوانب الحياة ويخدمها هو الهدف الرئيسي الذي يسعى له ألتمان.
بل هو أقرب إلى خطوة أولى للوصول إلى هدفه الأسمى، وهو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام القادر على محاكاة ذكاء البشر والتفوق عليه.
وبينما تشتعل المناقشات في الإنترنت عن الشركة التي تصل إلى هذه التقنية في البداية، فإن ألتمان ينظر إليها بعين تحليلية باحثا عن سبل تحقيقها.
وتتجسد هذه السبل في جمع البيانات التي يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي عليها، إذ إن غالبية البيانات المتاحة عبر الإنترنت استخدمت بالفعل في تدريب النماذج المختلفة بما فيها "شات جي بي تي".
ولكن الآن يسعى ألتمان لجمع بيانات جديدة وحقيقية مباشرة من المستخدمين دون وجود وسيط مثل منصات التواصل الاجتماعي، وبدلا من أن يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات المستخدمين ويراقب تفاعلاتهم عن بُعد، أصبح قادرا على تحليل ومراقبة هذه التفاعلات بشكل مباشر، وهي التفاعلات التي تحدث بينه وبين المستخدمين.
إعلانوعبر تحليل هذه البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتطور حتى يحاكي ذكاء البشر محققا نبوء الذكاء الاصطناعي العام التي طالما سعى لها ألتمان.
ويشير تقرير نشرته "تايمز" حول مستقبل "شات جي بي تي" إلى أن من يصل لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام أولا سينجو من فقاعة الذكاء الاصطناعي وسيخرج منها منتصرا.
لذلك اشتعل السباق بين كافة شركات الذكاء الاصطناعي في محاولة منهم لتحقيق نبوءة الذكاء الاصطناعي العام والوصول إلى النتيجة النهائية.
وفي النهاية، لا يوجد ما يعبر عن رؤية سام ألتمان أكثر من كلماته نفسها، إذ أوضح سابقا أنه يرى الذكاء الاصطناعي محاكيا لتقنية الترانزستور، وهي التقنية التي تحولت إلى لبنة البناء للحياة الحديثة.
ويضيف: "أؤمن أن الذكاء الاصطناعي سيتخلل كل منتج استهلاكي ومؤسسي تقريبا"، وهو يسعى لأن يكون "ترانزستور" الحياة المستقبلية، وذلك وفق تقرير "تايمز".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الذکاء الاصطناعی العام شات جی بی تی أوبن إیه آی نظام تشغیل
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي المشترك هو التعددية الجديدة
جاكوب تايلور ـ جوشوا تان
مؤخرًا، أنجز تحالف دولي من مختبرات الذكاء الاصطناعي ومزودي الخدمات السحابية شيئًا عمليًا إلى حد مثير للحماس: فقد جمع أعضاء التحالف مواردهم الحاسوبية لكي يقدموا لنا Apertus، وهو نموذج لغوي ضخم مفتوح المصدر (LLM) سويسري الصنع، متاح بالمجان للمستخدمين في مختلف أنحاء العالم. والاستفسارات التي يتلقاها Apertus من الممكن أن تُـعالَج في سويسرا، أو في النمسا، أو سنغافورة، أو النرويج، أو المركز الوطني السويسري للحوسبة الفائقة، أو البنية الأساسية الحاسوبية الوطنية في أستراليا. تُـرى هل يشير هذا المشروع إلى التقدم في مجال التعاون الدولي؟
في القرن العشرين، أصبح التعاون الدولي مرادفًا عمليًا للنظام المتعدد الأطراف القائم على القواعد، والذي تدعمه مؤسسات قائمة على معاهدات مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. لكن منافسات القوى العظمى وفجوات التفاوت البنيوية تسببت في تآكل أداء هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ حالة الشلل وتسهيل إكراه الضعفاء من جانب الأقوياء. كما يشهد تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية انحدارًا متواصلًا، حيث أصبحت مبادئ أساسية مثل التسوية، والمعاملة بالمثل، والسعي إلى تحقيق نتائج ترسخ المنفعة المتبادلة موضع تساؤل وتشكك. لقد أفضى تراجع التعاون من جانب الحكومات الوطنية إلى زيادة الحيز المتاح لقوى فاعلة أخرى ـ بما في ذلك المدن، والشركات، والمؤسسات الخيرية، وهيئات تحديد المعاييرـ لتشكيل النتائج. في قطاع الذكاء الاصطناعي، تتسابق حفنة من الشركات الخاصة في شينزين ووادي السيليكون لتعزيز هيمنتها على البنية الأساسية وأنظمة التشغيل التي ستشكل أسس اقتصاد الغد. إذا سُمح لهذه الشركات بالنجاح دون ضابط أو رابط، فسوف يُترَك الجميع غيرها تقريبا للاختيار بين التبعية وانعدام الأهمية. لن تكون الحكومات وغيرها من الجهات التي تعمل من أجل المصلحة العامة معرضة بشدة للتسلط الجيوسياسي والاضطرار إلى الاعتماد الشديد على بائعين بعينهم فحسب، بل ستكون الخيارات المتاحة لها أيضا قليلة عندما يتعلق الأمر بالانتفاع من فوائد الذكاء الاصطناعي وإعادة توزيعها، أو إدارة العوامل الخارجية البيئية والاجتماعية السلبية المرتبطة بالتكنولوجيا. ولكن كما أظهر التحالف الذي يقف وراء النموذج اللغوي الضخم Apertus، فإن نوعًا جديدًا من التعاون الدولي أصبح في حكم الممكن، وهو لا يستند إلى مفاوضات مضنية ومعاهدات معقدة، بل إلى بنية أساسية مشتركة لحل المشكلات. وبصرف النظر عن سيناريو الذكاء الاصطناعي الذي قد يحدث في السنوات القادمة ــ الهضبة التكنولوجية، أو الانتشار البطيء، أو الذكاء الاصطناعي العام، أو الفقاعة المنهارة ــ فإن أفضل فرصة لتمكين القوى المتوسطة من مواكبة الولايات المتحدة والصين، وزيادة استقلاليتها ومرونتها، تكمن في التعاون. يشكل تحسين توزيع منتجات الذكاء الاصطناعي ضرورة أساسية. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي للقوى المتوسطة ومختبرات وشركات الذكاء الاصطناعي التابعة لها أن تعمل على توسيع نطاق مبادرات مثل «أداة استدلال الذكاء الاصطناعي المشترك»، وهي منظمة غير ربحية مسؤولة عن توفير الوصول العالمي عبر الإنترنت إلى النموذج Apertus وغيره من النماذج المفتوحة المصدر. ولكن من الأهمية بمكان أن تعمل هذه الدول أيضا على سد الفجوة في القدرات مع النماذج الرائدة مثل GPT-5 أو DeepSeek-V3.1 ــ وهذا يتطلب تحركًا أكثر جرأة. لن يتسنى للقوى المتوسطة أن تشارك في تطوير حزمة من الذكاء الاصطناعي عالمية المستوى إلا من خلال التنسيق بين الطاقة، والحوسبة، وخطوط أنابيب البيانات، والمواهب.
هذا النمط من التعاون ليس بلا سابقة. ففي سبعينيات القرن الماضي، عملت الحكومات الأوروبية على تجميع رؤوس أموالها ومواهبها، وتنسيق سياساتها الصناعية، لإنشاء شركة تصنيع طائرات قادرة على منافسة شركة بوينج الأمريكية. قد تستلزم استراتيجية «الذكاء الاصطناعي على غرار مشروع إيرباص» إنشاء مختبر دولي مشترك بين القطاعين العام والخاص مكرس للتدريب المسبق لطائفة من النماذج الأساسية المفتوحة المصدر وإتاحتها مجانا كبنية أساسية على مستوى المرافق. لن تكون النتيجة عملاقًا آخر موحدًا من عمالقة الذكاء الاصطناعي، بل بنية أساسية مفتوحة من الممكن أن تشارك قوى فاعلة عديدة في البناء عليها.
هذا النهج من شأنه أن يدفع الابتكار من خلال السماح للمختبرات الوطنية، والجامعات، والشركات المشاركة القريبة من حدود الإبداع (مثل Mistral وCohere) بإعادة تخصيص ما يصل إلى 70% من تمويلها المخصص لمرحلة ما قبل التدريب على النماذج لاستغلاله في مرحلة ما بعد التدريب (النماذج المتخصصة أو الاستدلالية)، والتوزيع، وحالات الاستخدام المدفوعة بالطلب. علاوة على ذلك، سيساعد هذا في تمكين الحكومات والشركات من السيطرة على الأنظمة البيئية التي تحكم عمل الذكاء الاصطناعي والتي تعتمد عليها على نحو متزايد، بدلًا من أن تظل رهينة انعدام اليقين الجيوسياسي وقرارات الشركات، بما في ذلك تلك التي تؤدي إلى «تدهور الجودة والانحدار تدريجيا». لكن الفوائد المحتملة تمتد إلى أبعد من ذلك؛ فمن الممكن إعادة استخدام هذه البنية الأساسية المفتوحة ــ وخطوط أنابيب البيانات المبنية عليها ــ لمواجهة تحديات مشتركة أخرى، مثل خفض تكاليف معاملات التجارة العالمية في الطاقة الخضراء أو تطوير إطار عمل دولي للمفاوضة الجماعية لصالح العاملين في الوظائف المؤقتة. لإظهار كامل إمكانات هذا الإطار التعاوني الجديد، ينبغي للقوى المتوسطة أن تستهدف المشكلات التي وُجِـدَت أنظمة البيانات البيئية والتكنولوجيات الناضجة بالفعل من أجل حلها؛ وأن تحرص على تقديم مصلحة المشاركين الذاتية في الأهمية على تكاليف المعاملات المرتبطة بالتعاون؛ وأن تجعل قيمة العمل المشترك واضحة للمواطنين والقادة السياسيين. في غضون سنوات قليلة، عندما تبلغ دورة إبداع ورأسمال الذكاء الاصطناعي الحالية منتهاها، سيكون أمام القوى المتوسطة إما أن تتحسر على زوال النظام القائم على القواعد وتشاهد كيانات الذكاء الاصطناعي العملاقة وهي ترسخ خطوط الصدع الجيوسياسية أو تجني فوائد أطر الإبداع الجديدة في تعزيز أواصر التعاون.
جاكوب تايلور زميل في مركز التنمية المستدامة التابع لمؤسسة بروكينجز وزميل الذكاء الاصطناعي العام.
جوشوا تان المؤسس المشارك ومدير الأبحاث في ميتاجوف.
خدمة بروجيكت سنديكيت