تونس- تعقد، صباح غد الاثنين، بمحكمة الاستئناف في تونس العاصمة جلسة جديدة في واحدة من أكبر المحاكمات السياسية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وتعرف إعلاميا باسم "قضية التآمر على أمن الدولة 1″.

وتشمل القضية عشرات المعارضين الذين أودعوا السجن منذ فبراير/شباط 2023، وقد صدرت بحقهم في الطور الابتدائي أحكام ثقيلة تراوحت بين 4 و66 سنة سجنا، وسط انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وهيئات دفاع تعتبر المحاكمة سياسية بامتياز.

وتعود جذور القضية إلى بلاغ موجز ورد من الشرطة إلى وزارة العدل في 10 فبراير/شباط 2023، تحدث عن نية مجموعة من الأشخاص "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

وعلى أساس ذلك، أصدر القضاء مذكرات توقيف شملت سياسيين وحقوقيين ورجال أعمال ومسؤولين سابقين تم اعتقالهم من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل دون تلبُّس، وفق محاميهم.

الاحتجاجات ضد محاكمة المعتقلين في قضية التآمر بتونس رافقت معظم جلسات المحاكمة (الجزيرة)دون تهم

وبين الموقوفين قياديون من حركة النهضة مثل نور الدين البحيري والقيادي السابق بالحركة عبد الحميد الجلاصي وقياديون من جبهة الخلاص المعارضة مثل جوهر بن مبارك ورضا بالحاج.

كما تشمل أيضا أمناء عامين لأحزاب، بينهم عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي.

كما يتم محاكمة بعض الرموز السياسية من المعارضة في هذه القضية بحالة سراح وأبرزهم زعيم جبهة الخلاص المعارضة نجيب الشابي.

وتُلاحق جميع المتهمين تهم تتعلق بتكوين تنظيم إرهابي والتجسس والإضرار بالأمن القومي والغذائي، وهي تهم تنفيها هيئة الدفاع جملة وتفصيلا وتصفها بأنها وسيلة لإقصاء المعارضة.

ومن المقرر أن تُعقد جلسة الاستئناف غدا عن بعد، دون حضور المتهمين إلى قاعة المحكمة، وهو ما أثار اعتراض هيئة الدفاع التي اعتبرت أن غيابهم يُمثِّل خرقا لحقهم في المحاكمة العلنية.

إعلان

وقال محامون إن المتهمين لم يمثلوا أمام أي قاض منذ اعتقالهم، كما لم يُسمح لهم بالرد على التهم أو مواجهة الشهود الذين تم الاعتماد على شهاداتهم رغم الجدل القائم حول مصداقيتهم.

أما هيئة الدفاع فرأت أن هذا النمط من التسيير القضائي ينسف استقلالية القضاء ويؤكد الطابع السياسي للقضية بهدف تصفية معارضي الرئيس وإزاحتهم من الساحة وترهيب المجتمع من النظام القائم.

محاكمة سياسية

تقول المحامية دليلة بن مبارك مصدق، وهي عضو في هيئة الدفاع وشقيقة القيادي بجبهة الخلاص جوهر بن مبارك الموقوف في هذه القضية، إن تحديد جلسة الغد تم بطريقة مفاجئة وغير اعتيادية.

وأوضحت للجزيرة نت، أن القرار صدر عشية أمس الأول الجمعة، قبل إغلاق المحكمة بلحظات، "دون إشعار مسبق لهيئة الدفاع، وكأن الهدف كان تمرير الجلسة في غياب المحامين".

وأضافت أن فريق الدفاع اكتشف موعد الجلسة مصادفة أثناء تفقد دفاتر التعيينات اليومية، مما يُثير تساؤلات حول نية السلطات القضائية في تسريع المحاكمة بعيدا عن الأنظار، مشيرة إلى أن "هذا الأسلوب ليس جديدا في إدارة الملف، بل ينسجم مع نمط الإجراءات الذي طبع القضية منذ بدايتها".

فقد تم -حسب قولها- رفض جميع طلبات السماع والمواجهة التي تقدم بها الدفاع، كما مُنع المتهمون من المثول أمام القاضي أو تقديم دفوعهم بشأن الاختبارات الفنية التي استُند إليها في الاتهام.

وترى المحامية مصدق، أن ذلك يكشف عن إرادة ممنهجة لإقصاء المتهمين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم، معتبرة أن ما يحدث ليس مجرد تجاوزات إجرائية، بل خرق جسيم لمبدأ المحاكمة العادلة، إذ لم تضمن المحكمة الابتدائية -ولا حتى محكمة الاستئناف- الحد الأدنى من الضمانات القانونية.

وتقول إن من بين المتهمين رموزا معارضة من توجهات مختلفة، مما يؤكد -في نظرها- الطابع السياسي البحت للقضية، مضيفة أن الغاية من استمرار احتجازهم هي إسكات الأصوات المنتقدة وإبعادهم عن الساحة العامة.

وتصف الأحكام الصادرة في الطور الابتدائي بأنها قاسية وتعسفية، وأن الهدف منها ترهيب كل من يعارض سياسات السلطة الحالية.

ومع ذلك، تؤكد مصدق، أن هيئة الدفاع متمسكة بواجبها في الدفاع عن المتهمين وإيصال أصواتهم للرأي العام، رغم إدراكها أن الملف يتجاوز الإطار القضائي ويدخل في حسابات سياسية معقدة.

وتتحدث عن ظروف الاحتجاز الصعبة التي يعيشها الموقوفون داخل السجون التونسية، مؤكدة أنهم يتحملون المعاناة بعزيمة ويعتبرون ما يواجهونه "جزءا من نضالهم ضد الاستبداد".

وتقول إنهم يدركون أن "هذه المرحلة مؤقتة وأنهم سيخرجون يوما ما مرفوعي الرؤوس، في حين سيحاسب التاريخ من تسبب في سجنهم ظلما".

الجهات الحقوقية وصفت المحاكمة للمتهمين بالسياسية وهدفها إقصاء المعارضة (الجزيرة)رسائل تهديد

من جانبه، يرى القيادي في حركة النهضة وأحد المحاكمين بحالة سراح في القضية نفسها، رياض الشعيبي، أن إجراءات المحاكمة شابتها خروقات عديدة منذ بدايتها.

ويؤكد أن الاعتقالات تمت دون حالة تلبُّس، وأن المتهمين أوقفوا من منازلهم بطريقة استثنائية، كما تجاوزت فترة الإيقاف التحفظي المدة القانونية.

إعلان

ويضيف للجزيرة نت، أن تحديد جلسة الاستئناف بهذه السرعة ودون إعلام مسبق، يعكس إصرارا من السلطة على إدارة الملف خارج الأطر القضائية العادية.

ويعتقد الشعيبي أن تحديد جلسة الاستئناف على نحو مفاجئ في نهاية الأسبوع يحمل بعدا سياسيا واضحا، ويهدف إلى بث الخوف في صفوف المعارضين، مضيفا "ما يجري ليس مجرد قضية جزائية بل مسار سياسي هدفه إخضاع القضاء للسلطة التنفيذية".

ويرى أن القضاء لم يعد مستقلا بل أصبح وظيفة تدور في فلك قرارات الرئاسة، وأن الأحكام القاسية الصادرة في قضية التآمر 1 دليل على أن المحاكم تحولت إلى أداة لتصفية الخصوم السياسيين.

ويضيف الشعيبي أن السلطة ماضية في تشديد الأحكام وإرسال رسائل تهديد إلى كل معارض، مستشهدا بخطابات الرئيس الأخيرة التي تضمنت لهجة حادة تجاه خصومه.

ويشير إلى أن المتهمين سيواصلون مقاطعة المحاكمة عن بعد، كما فعلوا في الطور الابتدائي، لأنهم لا يرون جدوى في محاكمة تفتقر إلى شروط العدالة.

ويرى القيادي في "النهضة" أن هذه الخطوة احتجاج ضد ما وصفه بانحراف القضاء عن دوره الطبيعي، مؤكدا أن القضية أصبحت عنوانا للأزمة السياسية العميقة التي تمر بها تونس منذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات قضیة التآمر هیئة الدفاع

إقرأ أيضاً:

عائلات معتقلي التآمر 1 تراسل منظمات حقوقية لرفع المظلمة قبل جلسة الاستئناف

طالبت عائلات معتقلي ما يعرف بملف"التآمر1"بتونس، بتأجيل جلسة الاستئناف التي تم تحديدها الاثنين القادم، مع ضرورة أن تكون علنية وبحضور المعتقلين حتى يتسنى لهم الدفاع عن أنفسهم أمام القاضي، معلنين مراسلتهم لمنظمات دولية لإعلامهم بالمظلمة التي يتعرض لها المعتقلون وضرورة التدخل لأجل سراحهم.

واعتبرت العائلات أن التسريع في إعلان موعد جلسة الاستئناف ودون إعلام المعتقلين يعد دليلا قاطعا على سياسة التنكيل والمخاتلة التي تعتمدها السلطة لأجل التشفي من خصومها السياسيين.

وستعقد الاثنين القادم، جلسة الاستئناف في ملف"التآمر1" وستكون عن بعد أي دون حضور المتهمين، وبالتزامن مع الجلسة أعلنت العائلات وهيئة الدفاع عن تحرك احتجاجي أمام المحكمة.

إلهاء ومخاتلة
وقال الناطق الرسمي باسم الحزب "الجمهوري" وسام الصغير إن: "التطورات الأخيرة في ملف "التآمر" عبر تحديد جلسة الاستئناف وبالسرعة القصوى يؤكد جملة المهازل التي تنضاف للتلاعب بالإجراءات والمخاتلة التي تعتمدها هذه السلطة، فكل ما حصل في الطور الابتدائي وما رافقه خلال الساعات الأخيرة في التعامل مع الملف استئنافيا يؤكد صبغته السياسية".

واعتبر الصغير في تصريح خاص لـ "عربي21" أن، "الإسراع بتحديد الجلسة الاستئنافية الغاية منه إلهاء الرأي العام عن ما يحصل بالبلاد في ظل القضايا الكبرى التي تعرفها البلاد وخاصة ما يحدث بمحافظة قابس(احتجاجات شعبية تطالب بغلق مجمع كيميائي)، فالحل الوحيد أمام السلطة لمجابهة الحراك الاجتماعي والتدهور الاقتصادي والصفر إنجازات يكون عبر القبضة الأمنية بالتضييق على كل الفاعلين والحقوق والحريات".


يشار إلى أن هيئة الدّفاع عن القادة السّياسيّين المعتقلين في ما يُعرف بقضيّة " التّآمر 1"،قد أكدت أن تلاعبا بالإجراءات قد بدأ قبل تعهّد هيئة المحكمة، ففي سعي للتّعتيم على المتّهمين و محاميهم لم يتمّ ترسيم موعد الجلسة بدفتر الجلسات إلا على الساعة الثانية من بعد زوال الجمعة 24 تشرين الأول 2025، ممّا فوّت على المحامين الذين زاروا منوّبيهم يومها إمكانيّة إعلامهم بموعد الجلسة.

وشددت على أن التلاعب يعد مؤشّرا على مواصلة الهروب إلى الأمام و استعادة الخروقات و الانتهاكات و المهازل التي شهدها الطّور الابتدائي خاصّة بتغييب المتّهمين عن المحاكمة بتعلاّت واهية و كاذبة و التّضييق على العائلات و الصحفيّين و الملاحظين و انتهاك حقوق الدَفاع.



فحوى الرسائل
وكشف وسام الصغير "قامت العائلات ببعث رسائل لمنظمات حقوقية دولية تذكر فيها بتعرض عدد من القادة السياسيين لمظلمة كبرى وأن جلسة استئنافية حددت لهم بسرعة وستكون خلال ساعات ولذلك لابد على هذه المنظمات أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عنهم وعن الحقوق والحريات".

وبدورها أوضحت فائزة الشابي زوجة المحامي المعتقل عصام الشابي "فحوى الرسائل التي وجّهناها إلى المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية يتمحور حول الوضع المقلق للمعتقلين السياسيين في ما يُسمّى بـ"قضية التآمر على أمن الدولة"، وما رافق هذه القضية من خروقات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاك واضح لمبادئ المحاكمة العادلة".

وفسرت في تصريح خاص لـ "عربي21"،نحن كعائلات، عبّرنا عن رفضنا الشديد للأحكام القاسية والغيابية التي صدرت دون احترام لحقوق الدفاع، وندّدنا بمنع الصحفيين من تغطية الجلسات وبتوجّه السلطات نحو محاكمات صورية عن بعد، في ظل قضاء مسيس يفتقر إلى الاستقلالية" مؤكدة أن "الرسائل تضمّنت دعوة عاجلة للمنظمات الدولية من بينها منظمة العفو الدولية، والمفوضية السامية إلى مراقبة ومتابعة القضية عن قرب، وإرسال بعثات ميدانية لتوثيق الخروقات".

وتابعت "تضمنت أيضا الرسائل التنديد بالمحاكمات غير العادلة، والمطالبة بمحاكمة علنية، حضورية، ومستقلة تحترم المبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وشددنا على أن هذه القضية ذات طابع سياسي بحت، تُستعمل لتصفية الحسابات واستهداف الأصوات المعارضة".



وأضافت "طالبنا بدعم دولي ومجتمعي واسع من أجل رفع المظلمة وضمان الحرية والكرامة والعدالة لجميع المعتقلين السياسيين في تونس".

وكانت محكمة تونسية قد أصدرت في أبريل/نيسان من العام الماضي، أحكامها في ما يعرف بملف"التآمر1" وشملت 40 اسما، أبرزهم رجل الأعمال كمال اللطيف (السجن 66 سنة)، والأمين العام السابق لحزب "التكتل الديمقراطي" خيام التركي (السجن 48 سنة)، والقيادي بحزب "حركة النهضة" نور الدين البحيري (السجن 43 سنة).

كذلك، شملت رئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج ، وأمين عام "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي، عبد الحميد الجلاصي، جوهر بن مبارك، شيماء عيسى وأسماء أخرى محسوبة على "جبهة الخلاص الوطني بينهم رئيسها أحمد نجيب الشابي ولكل واحد منهم 18 سنة سجنا.

مقالات مشابهة

  • عائلات معتقلي التآمر 1 تراسل منظمات حقوقية لرفع المظلمة قبل جلسة الاستئناف
  • محاكمة المتهمين فى قضية مقتل شاب بالغردقة.. الأربعاء
  • نظر جلسة محاكمة المتهمين في قضية رشوة التموين
  • تأجيل محاكمة المتهمين فى قضية مقتل شاب بالغردقة إلى 29 أكتوبر للمرافعة
  • اليوم.. محاكمة المتهمين في «قضية الدارك ويب» أمام محكمة جنايات الإرهاب والاتجار بالبشر
  • اليوم .. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية  “طفل الدارك ويب ”
  • أولى جلسات محاكمة المتهمين فى قضية الدارك ويب.. اليوم
  • الجنايات تنظر محاكمة المتهمين فى قضية الدارك ويب بتهمة الإتجار فى البشر
  • الجنايات تنظر محاكمة المتهمين فى قضية الدرك ويب بتهمة الإتجار فى البشر