لجريدة عمان:
2025-11-15@19:08:27 GMT

استراتيجيات المحافظات: التوقيت والغاية

تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT

مكَّنت الخمسية الأولى من عُمر «رؤية عُمان 2040» من بروز اتجاه جديد أكثر وضوحًا في نموذج التنمية في عُمان؛ وهو الانتقال المتدرج نحو عدم المركزية وتنمية المحافظات، في سياق يتناسب وطبيعة النظام السياسي القائم في الدولة، ويراعي البنية المؤسساتية والاقتصادية والبشرية في السياق المحلي، مع دعم فني وتمويلي مباشر من المركز -على الأقل في المرحلة الأولى- وهو ما مكّن هذا الملف من تحقيق خمسة مكتسبات مهمة -حسب تقديرنا- أولها: التسريع في حصر متطلبات الخدمات الأساسية واستكمال ذات الأولوية منها على مستوى المحافظات، وبما يمكن من وضع أحد أساسات الانطلاق الاقتصادي في تمكين المحافظات لتحقيق التنمية الاقتصادية.

وثانيها: تجريب أنماط جديدة أولوية من الأنشطة الاقتصادية المنسجمة من النموذج الاقتصادي المحدد لكل محافظة، بما في ذلك المهرجانات السياحية، وتطوير بعض المناطق الاقتصادية والإنتاجية، ووضع أساسات لمشروعات الطاقة المتجددة اعتمادًا على مزايا بعض المحافظات، وتفعيل بعض أنشطة وبرامج الابتكار في محافظات أخرى.

ثالث تلك المكتسبات: هو وضع أسس للتواصل الفعال مع المجتمع المحلي ـ وإن لم تتبلور حتى الآن آليات واضحة ومستديمة لذلك ـ لكن شهدنا حراكًا موسعًا من قيادات الإدارة المحلية لخلق أنماط مختلفة من التواصل يمكن البناء عليها في المرحلة التالية من هذا التحول.

رابع المكتسبات: هو توازن المركز في دعمه للاتجاه نحو عدم المركزية، سواء من الناحية التمويلية، أو من ناحية المساهمة في بناء القدرات، أو من ناحية استكمال البنى الأساسية الملحة في بعض المحافظات، وبين قدرته على تفويض بعض الصلاحيات خارج المركز، وهو ما يحقق سلاسة الانتقال وعدم القفز على أبجديات التحول نحو عدم المركزية.

أما خامس المكتسبات: فكان، في تقديرنا، قدرة الدولة بشكل عام على حشد الاهتمام والمعرفة العامة بهذا النموذج، والذي لم تعد مفاهيمه ومظاهره لغة مختصة في السياسات العامة وصانعيها، بل أصبح المفهوم ذاته يتردد على لسان كافة أفراد المجتمع، وبمختلف مستوياتهم الثقافية والمعرفية، وأصبحوا يتحدثون عن أدوارٍ محددة منوطة بالقيادات المحلية وبمؤسسات الإدارة المحلية، وعن توقعات مطلوبة من خلال فاعلية هذا النموذج وقدرته على تحقيق الأثر التنموي الحقيقي.

هذا الاهتمام مهم جدًا لتحديد الأدوار والمسؤوليات التي يمكن أن يضطلع بها المجتمع لتسريع هذا التحول وجني ثماره. السؤال الآن: كيف يمكن البناء على هذه المكتسبات، والحفاظ على زخمها من ناحية تتوازن مع تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، والتي يستوجب أن تنعكس بشكل مباشر على جودة الحياة بالنسبة لساكني المحافظات، وعلى أنشطتهم الإنتاجية، وتحول المحافظات إلى (مراكز اقتصادية)، و(بيئات مكانية جاذبة للعيش والإقامة)؟ وهل الشروع في إعداد استراتيجيات المحافظات يمكن أن يشكل الأداة الأمثل التي تساعد على حشد الموارد وتوجيهها لتحقيق ذلك؟

في الواقع لاحظنا خلال الأشهر الأخيرة بعض المحافظات التي شرعت في إعداد استراتيجياتها؛ وهو حراك جيدٌ في مستوى أن تكون هناك غايات واتجاه محدد تسير إليه عملية التنمية المكانية. ولكن لضمان التصميم الناجح لهذه الاستراتيجيات، ولضمان فاعليتها مستقبلًا، فإن أدبيات عدم المركزية تتحدث عن الأسئلة الستة الرئيسية التي يستوجب على الإدارة المحلية طرحها قبل الشروع في إعداد أي استراتيجية للتنمية المكانية، وأولها: ما هي الاختصاصات والمهام المحددة التي تم تفويضها لامركزيًا أو نقلها بوضوح إلى المحافظة؟

وهنا يستوجب تحديد مصفوفة الصلاحيات بشكل دقيق من رسم السياسات والاستراتيجيات إلى المستوى التفصيلي في الأوامر والإجراءات، وهذا العنصر مهم جدًا لمعرفة إلى أين يمكن أن تذهب المحافظة في حدود صلاحياتها.

السؤال الثاني: هل الموازنات المخصصة كافية وتتناسب مع تحقيق الطموح الاستراتيجي؟

يجب أن تكون غاية الاستراتيجيات هو خلق نقلة جديدة على مستوى دور المحافظة في التنمية الوطنية وليس مجرد تنظيم للإجراءات والوضع الراهن؛ وعليه فالسؤال هل ستكون الموارد المتاحة تتناسب مع خلق هذه النقلة؟

السؤال التالي: يتمحور حول مدى الاستقلالية المالية الممنوح للمحافظة وماهية المساحة التي تتحرك فيها لخلق مصادر جديدة، وماهية الموارد المالية التي تذهب إلى المركز مقابل تلك التي تتاح لاستغلال المحافظة، وكيف يمكن للاستراتيجية تنويع مصادر دخل المحافظة؟

أما السؤال الرابع، وهو محور الحالة العُمانية، ويستوجب إجابات دقيقة قبل الشروع في العمل الاستراتيجي فهو: هل تمتلك المحافظة القدرات الإدارية والفنية والاستراتيجية الكافية لتنفيذ الاستراتيجية ومتابعتها، وهو ما يحدد عنصر التوقيت الأمثل لوضع استراتيجية ما.

ما نريد قوله هنا إن العديد من الدراسات التي ناقشت موضوع التحول نحو عدم المركزية، وخاصة في وجهها الاقتصادي، تؤكد أنه ليس هناك وقت (أنسب) لوضع استراتيجيات لامركزية للتنمية المحلية، وأن الأساس هو الارتكان لعنصر الجاهزية التي أشرنا إليها في إطارها (الإداري والفني والاستراتيجي). أما السؤال الخامس فيتعلق بتوافر آليات واضحة ومحددة وعملية تضمن التنسيق والتعاون عبر (المحافظات) وعبر مستويات الحكومة المختلفة.

فالمحافظات لا يمكن أن تبني سياقًا استراتيجيًا معزولًا جغرافيًا ومكانيًا واقتصاديًا دونما محيطها من المحافظات، ودون اتصال مباشر بالمركز؛ ومن هنا فإن عنصر آليات التنسيق والتكامل مهم وضروري للإجابة على سؤال الجاهزية.

هذا يقودنا للسؤال الأخير، والذي هو محوري أيضًا، هل النطاق الجغرافي للاستراتيجية مناسب لتحقيق الأهداف التنموية المرجوة؟ ففي بعض الأحيان قد يكون الخيار الأمثل هو الاستراتيجيات التكاملية، أو الاكتفاء باستراتيجية التنمية العمرانية على المستوى الوطني، كونها تحدد موجهات وتفاصيل العمل التنموي وفق النموذج العمراني والاقتصادي المحدد لكل محافظة.

ما نريد التأكيد عليه كذلك أن هناك أربعة اعتبارات نرى بضرورتها في تصميم ووضع أي استراتيجية للتنمية المحلية وهي: وضوح التوجه، ووضوح النموذج، ووضوح التركيز، وآليات حشد الموارد. وهذه الاعتبارات تجيب على أسئلة (على ماذا نركز؟ ماذا سنعمل فعليًا؟ لأجل ماذا سنقوم بذلك؟ وكيف سنقوم به؟).

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع، والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان  

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

محافظ دمياط يُهنئ وحدة السكان بالمحافظة لتكريمها من وزارة التنمية المحلية

تقدم  الدكتور أيمن الشهابى محافظ دمياط، بالتهنئة إلى وحدة السكان بالمحافظة، بقيادة  شيرين عكاشة ، لتكريم الوحدة من وزارة التنمية المحلية تقديرًا لاسهامات الوحدة الإيجابية والجهود المتميزة التى قدمتها لدعم القضية السكانية وتنمية المجتمع، وذلك فى إطار استراتيجية الوزارة لتسريع الاستجابة المحلية للقضية السكانية .

وقد  كرمت الدكتورة فاطمة الزهراء جيل رئيس الإدارة المركزية للسكان بوزارة التنمية المحلية،  مدير الوحدة بالمحافظة.

وأعرب " الدكتور أيمن الشهابى " عن خالص تقديره لجهود الوحدة بالمحافظة لتعزيز الوعي بالقضية السكانية وتحسين الخصائص السكانية والذى ساهم فى تحقيق تطور كبير وملحوظ بمؤشرات الأداء وتحقيق أثر ايجابى على أرض الواقع

جاء ذلك على هامش الجلسة التى شارك بها محافظ دمياط " الحوكمة المحلية على أرض الواقع " ضمن فاعليات المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية البشرية

طباعة شارك دمياط محافظ دمياط السكان وزاره التنميه ايمن الشهابي

مقالات مشابهة

  • لأول مرة في مصر.. وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل بصناعة محلية بالكامل
  • محافظ دمياط يُهنئ وحدة السكان بالمحافظة لتكريمها من وزارة التنمية المحلية
  • طفرة في الخدمات العامة وجودة الحياة.. إشادة برلمانية ببرنامج التنمية المحلية بالصعيد والتعاون مع البنك الدولي
  • التنمية المحلية: تعزيز قدرات المحافظات في مجالات التخطيط والتنفيذ والمساءلة
  • التنمية المحلية: إعداد المخططات التفصيلية للمدن والقرى ينظم العمران وعملية البناء
  • التنمية المحلية: اعتماد المخططات التفصيلية لـ100 قرية و14 مدينة بـ9 محافظات
  • وزيرة التنمية المحلية تبحث التنسيق مع المالية لتنمية الموارد الذاتية للمحافظات
  • «التنمية المحلية» تعقد اجتماعًا مع وزير المالية لمتابعة جهود تنمية الموارد الذاتية للمحافظات
  • وزيرة التنمية المحلية: اللامركزية وتعظيم موارد المحافظات أساس تحسين الخدمات للمواطنين|صور