الغزيون في الخارج أعصابٌ متوترة وقلوبٌ مضطربة
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “13”
#الغزيون في الخارج أعصابٌ متوترة وقلوبٌ مضطربة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
أجزم أن عشرات آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، ومنهم أنا وزوجتي وبناتي، الذين يعيشون في المنافي والشتات، وفي دول الخليج العربية والسعودية، وفي مصر ودول أوروبا ودول القارتين الأمريكيتين، وفي مخيمات اللجوء في سوريا والأردن ولبنان، وفي تركيا التي يقيم فيها آلاف الغزيين الذين لجأوا إليها في السنوات الأخيرة، طلباً للرزق وسعياً للعمل أو محاولةً للهجرة، وجُل هؤلاء لهم أهلٌ وعوائلٌ وأسرٌ في قطاع غزة، وبعضهم يعيش في الشتات وحده طلباً للعلم أو سعياً للرزق، تاركاً أولاده وحدهم في غزة، أو في كنف أسرهم وعائلاتهم.
أجزم أنهم جميعاً لم يناموا ليلة أمس الأول السبت، ولم تغمض عيونهم، ولم ترتح أجسادهم، ولم تهدأ نفوسهم، ولم يهنأوا بطعامٍ أو يستمتعوا بشرابٍ، وقد قضوا ساعات الليل الطويلة حتى بزوغ الفجر، أمام شاشات الفضائيات العربية والأجنبية، التي تتابع مجريات العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وتسلط الضوء على جرائمه، وتظهر غاراته الوحشية وقصفه المستمر المنافي لكل قواعد الحرب، بعد أن توقفت مختلف وسائل التواصل مع أهلهم وعائلاتهم، حيث قام العدو الإسرائيلي بقطع الاتصالات السلكية وتعطيل الشبكات الخلوية، ووقف كافة خدمات الانترنت، ولم يعد ممكناً التواصل مع أحدٍ منهم أو الاطمئنان عليهم.
لم يكن هذا حالهم ليلة السبت فقط، وإنما هذه هي حالتهم العامة منذ اليوم الأول للعدوان، وإن كانت ليلة السبت هي الأصعب والأشد وطأةً عليهم، بسبب انقطاع التواصل بينهم وبين أهلهم في غزة، وعجزهم التام عن معرفة ما يجري فيها، وتساؤلاتهم الكثيرة دون إجاباتٍ شافيةٍ، أين يقصف العدو ومن يستهدف، وهل سقط شهداء، ومن هم، وكم عددهم، ومن أي عائلةٍ هم، وهل تم استخراج جميع من كانوا في المبنى الذي تعرض للقصف، أم ما زال هناك أحدٌ مفقودٌ أو تحت الركام، خاصةً أنهم كانوا يشاهدون صور القصف المهول والمرعب الذي تنقله بعض الشاشات الفضائية.
قبل ليلة السبت الدامية، وعلى مدى ثلاثة أسابيع متوالية، كان الغزيون في الشتات يتابعون بقلقٍ، ويتصلون بحذرٍ، ويتجنبون الاتصالات المباشرة، ويعمدون إلى برامج المراسلة، ويتجنبون ذكر الأسماء أياً كانت، أو السؤال عن أشخاصٍ بعينهم، مخافة أن ينتبه إليهم العدو، ويحدد مكانهم ويقصفهم، علماً أن جيشه يقصف كل مكانٍ، ولا يميز بين فلسطينيٍ وآخر، ولا يعنيه من يقتل، طفلاً أو امرأة، رجلاً أو شيخاً عجوزاً طاعناً في السن أو مريضاً.
ولعلهم على حقٍ في هذا، لحسٍ أمنيٍ عندهم، أو لتجربةٍ وخبرةٍ ومعرفةٍ بوحدات “السايبر” الإسرائيلية، أو الوحدة 8200 الاستخبارية التي يعمل فيها آلاف الطلاب والمتطوعون الإسرائيليون، الذين يراقبون الاتصالات الهاتفية، ويتابعون وسائل التواصل الاجتماعي، ويحللون كل معلومةٍ أو خبرٍ فيها، وينقلونها إلى جهات الاختصاص الاستخبارية، وغالباً ما ينتحل العاملون فيها، ممن يتقنون اللغة العربية ولهجاتها، أسماءً فلسطينية وأخرى عربية، ويتحدثون أو يتراسلون مع غيرهم من جنسياتٍ فلسطينية وعربية مختلفة.
يوصي الفلسطينيون في قطاع غزة أبناءهم في الخارج أن ينتبهوا على أنفسهم، وألا يقلقوا عليهم، ويطمئنونهم أنهم بخير ولا خطر عليهم، وكأنهم ليسوا تحت الحصار، ولا يواجهون عدواً يقصفهم ليل نهار، ولا يقتلون يومياً بالمئات، ولا تسقط عليهم البنايات، ولا تنهار فوق رؤوسهم سقوف منازلهم والجدران، ولا تتزايد أعداد جرحاهم بالآلاف، ولا يجدون مكاناً لشهدائهم تحت الأرض يدفنون فيه، ولا لجرحاهم مستشفياتٍ وأسرةٍ فيها يعالجون ويتلقون الرعاية الطبية المناسبة.
الحقيقة أن حياة الغزيين في الخارج قد توقفت عند أهلهم في غزة التي سكنت جوارحهم وتمكنت، وارتبطت أرواحهم بها وتشبثت، ولم يعد في استطاعتهم القيام بأي عملٍ يشغلهم عنها، وكثيرٌ منهم توترت أعصابهم، واضطربت حياتهم، وانتابتهم نوباتٌ من التشنج والغضب، وفقدوا شهية الطعام والرغبة في العمل، وعافوا البسمة وحرموا على أنفسهم الضحك، وآثروا الصمت والانكفاء، وانعزلوا في بيوتهم مع أسرهم وعائلاتهم، ورفضوا تقبل سريان الحياة بصورةٍ طبيعيةٍ في البلاد التي يقيمون فيها، فغزة بالنسبة لهم هي القلب والوتين، وهي الشريان والحياة، وهي الروح والأمل، وهي البيت والوطن.
بيروت في 29/10/2023
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى لأولي الألباب فی الخارج قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
رد السلام .. علي جمعة: «واجب» إلا على 21 شخصًا | تعرّف عليهم
لاشك أن رد السلام يعد أحد الوصايا النبوية التي قد يغفل عنها الكثيرون ، والتي لها من الفضل الكبير في الدنيا والآخرة ، حيث إن السلام هو من أسماء الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فإن رد السلام يعد من الذكر ، لكن يظل السؤال مطروحًا هل يجب رد السلام على كل حال؟.
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه لا يجب رد السلام إذا سمعها الإنسان من المتحدث في المذياع أو التلفاز أو في كتابوما نحوها من الوسائل التي تمنع وصول السلام للمقابل، منوهًا بأنه يجوز.
وأوضح «جمعة» في إجابته عن سؤال : ( هل يجب رد السلام إذا سمعها الإنسان من المتحدث في المذياع أو التلفاز أو في كتاب؟)، أنه لا يجب وإنما يجوز ، لأنه ذكر لله عز وجل، وعد الإمام السيوطي رحمه الله واحد وعشرين حالة لا يجب فيها رد السلام، وبعض هذه الحالات كان عدم مقابلة من ألقى السلام مثل التليفزيون والكتاب والصحيفة وما نحوها.
وأضاف أن رد السلام واجب إلا على من بصلاة أو بأكل شغل أو ذكر أو تلاوة أو أدعية أو حج أو قراءة أو تلبية ، أو في قضاء حاجة إنسان أو في الإقامة أو الأذان أو سلم الطفل أو السكران .
وتابع: أو شابة يخشى بها افتتان أو نائم أو فاقد الوعي أو كان في الحمام أو مجنونا فواحد من بعده عشرون ، المجنون فاقد العقل فلن يحدث التواصل الذي أمرنا الله به لوجوب رد السلام.
ونبّه إلى أن رد السلام واجب إلا على الواحد وعشرين حالة المذكورة ، ومنها عدم وصول سلامك للمقابل ، فرد السلام ليس واجبًا ولكنه جائز يثاب فاعله ، فليس كل ما لا يجب لا يجوز فصلاة السنة ليست واجبة لكن لها ثواب.
وأردف: وكذلك صيام الست من شوال ليست واجبة ولها ثواب، أما التليفون فلا يقاس على التليفزيون والراديو ، لأن هناك على الطرف الثاني يوجد رد ، لأن المقابل مدرك، وعليه يجب رد السلام في التليفزيون ومواقع التواصل.
آداب رد السلامورد أن لرد السلام آداب بيّنها العلماء، منها:
بسط الوجه وانشراح الصدر أثناء ردّ السلام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ)، وإدخال السرور على المسلمين من الأمور المُستحبة التي يؤجر عليها المسلم.أن يكون الرد على التحية بمثلها أو بأحسن منها قال الله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).أن يُسلّم الصغير على الكبير، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ).أن يكون السلام بصوتٍ مسموعٍ وواضح وغير مزعج.الأماكن التي يكره فيها السلامورد أن هناك حالات يُكره فيها إلقاء السلام، ومنها:
السلام على من يؤذّن أو يقيم الصلاة.السلام على المُنشغل بالقراءة والذكر والتلبية.السلام على المُنشغل بالأكل.السلام على من يقضي حاجته أو في مكان قضاء الحاجة -أي بيت الخلاء-.السلام في حال خُطبة الجمعة.حكم إلقاء السلام والرد عليهيجدر بالذكر أنّه يُشترط في ابتداء السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاستماع، (فعن ابنِ عمرَ: إذا سلَّمْتَ فأسمعْ فإنها تحيةٌ من عندِ اللهِ)، ويختلف حكم إلقاء السّلام عن حكم ردّ السلام عند العلماء.
حكم إلقاء السلامورد أنّ حكم إلقاء السلام عند جمهور العلماء سُنّة، وهو سنة عين على المنفرد، وسنة كفاية على الجماعة، والأفضل السلام من جميعهم لتحصيل الأجر، ودليل الاستحباب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).
حكم رد السلاموجاء أنّ حكم رد السلام فرضٌ بالإجماع، فإن كان السلام على واحد فهو: فرض عينٍ في حقه، وإن كان على الجميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحدٌ منهم أجزأ عن البقيّة، وسقط الحرج عن جميعهم، ودليل الوجوب قوله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).
فضل إفشاء السلاموجاء أن لإفشاء السلام بين الناس فضائل وثمرات كثيرة، منها:
إفشاء السلام سبيلٌ لنشر معاني المحبة والتوادِّ والألفة بين المسلمين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).إفشاء السلام سببٌ لنيل الأجر الكبير الذي وعد به النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (أنَّ رجلًا مرَّ علَى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ- وَهوَ في مجلسٍ فقالَ: السَّلامُ عليكم فقالَ عشرُ حسَناتٍ فمرَّ رجلٌ آخرُ فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ فقالَ عِشرونَ حسنةً فمرَّ رجلٌ آخرُ فقالَ السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبرَكاتُهُ فقالَ ثلاثونَ حسنةً).إفشاء السلام سببٌ لسلامة الصدر من الأحقاد والضغائن قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفشو السَّلامَ تَسلَمُوا).إفشاء السلام خير الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله -تعالى- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).إفشاء السلام سببٌ لمغفرة الذنوب لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّ مِن موجِباتِ المَغفرةِ بذلُ السَّلامِ، وحُسْنُ الكلامِ).إفشاء السلام سببٌ لدخول الجنة لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناسُ أَفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ؛ تدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ).