- إن الفن الراقى هو واجهة الأمة، يعبر عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويعبر عن آمالها والامها، إن الفن كنهر متدفق تصب فيه ثقافة الامة، وتتجلى أهمية الفن فى بناء مجتمع أفضل وذلك من خلال دوره فى تعميق مشاعر الفخر والاعتزاز لدى الأفراد فيما يتعلق بتاريخ الأمة وثقافتها ومكانتها.
- إن الفن يؤثر على المجتمع بصورة كبيرة، وهناك ترابط كبير بين الفن والحياة الاجتماعية، ويقوم الفن بعمل هذا عن طريق غرس مجموعة من القيم والأراء التى تؤثر بدورها على إحساس الشخص الذاتى، والفن يحافظ على ذاكرة الأمة حيث يوثق التاريخ المبنى على الحقائق فى أى زمان ومكان.
- إن الفن رسالة إنسانية لها أثر عميق على النفس البشرية وهذه الرسالة الفنية لها أيضا مغزى فى الحياة، فالفن هو الإبداع والتميز والأصالة والتفرد وهو أيضا وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس، ويحتل الفن فى الدول المتقدمة مرتبة هامة فى الحياة اليومية محققا ما تخططة هذه الدول من أهداف تربوية أو أخلاقية أو أمنية أو سياسية، وبالتالى فإن الفن هو أحد أهم الوسائل الإعلامية التى ترتقى بفكر المتلقى والمتذوق، حيث يساعد على ترسيخ الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية.
- إن الفن يسهم فى تهذيب الذوق العام وصقله لدى الإنسان المتلقى لأن الفن هو الجمال والإقبال عليه يسمو بالإنسان إلى القيم الإنسانية الايجابية، كما أنه يسهم فى التعرف على قضايا المجتمع وطريقة معالجة تلك القضايا بطريقة محببة للنفس وجذابة لترسخ فى النفس القيم الإنسانية النبيلة، والفن يمكن أن يقرب وجهات النظر بين شعوب العالم المختلفة ويؤدى إلى تبادل التراث الاجتماعى.
- إن الفن وليد الإبداع والحرية مهد الإبداع فلا إبداع بدون حرية، والحرية ليست مطلقة أن يفعل الإنسان ما يشاء أنى يشاء لكنها مقيدة بعدم تهديد سلامة النظام العام وعدم إلحاق الضرر بالآخرين، فأنت حر مالم تضر، والحرية الحقيقية كالنهر الذى ينساب إلى الأمام يسقى الزرع والضرع والإنسان، ولكن هذا النهر محدود بشاطئيه فإن لم يكن كذلك تسرب الماءعلى جانبيه فتظهرت المستنقعات فتجف الضرع ويذبل الزرع ويظما الانسان، ولاشك أن شاطئى النهر بالنسبة للإبداع هما القيم الأخلاقية النبيلة التى يتحلى بها الإبداع وبالتالى يولد الفن الراقى.
- فى ظل هذا المناخ المنضبط من الحرية المنضبطة تنطلق العقول من مخادعها والطاقات من كنانتها فينبت الفن الراقى الذى هو واجهة الأمة، فيعبر عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويجعل المجتمع قويا متماسكا لا يهتز أمام الشدائد والمحن، ولا تضعف لحمته أمام أية محاولة لإضعافه، هذا هو الفن الراقى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ثقافة الامة الإنسانية الايجابية إن الفن
إقرأ أيضاً:
منير الشعراني يستعيد مسيرة الحرف العربي ويؤكد أن الإبداع لا يُبنى على فراغ
أقام النادي الثقافي أمس محاضرة بعنوان "من الجذور إلى الحداثة" في ختام سلسلة الفعاليات التي استضاف من خلالها الخطاط السوري منير الشعراني، بعد معرضه "إيقاعات خطية" وحلقات العمل التي قدمها حول الخط الكوفي، وأدارت الجلسة الكاتبة أزهار أحمد مستعرضة في تقديمها مسيرة الفنان وتجربته الممتدة لأكثر من خمسة عقود في عالم الخط العربي، مشيرة إلى أن هذا اللقاء يأتي ليكشف كيف تتحول الجذور إلى منبع للابتكار، وكيف يمكن للتجربة الشخصية أن تبني جسورا بين أصالة الحرف العربي وآفاقه الإبداعية المعاصرة.
وفي بداية حديثه رحّب الخطاط منير الشعراني بالحضور، معربا عن امتنانه للنادي الثقافي على ما أتاحه من فضاء للحوار والتأمل في جماليات الحرف، مشيرا إلى أن ما يقدمه ليس محاضرة تقليدية بقدر ما هو حوار مفتوح حول رحلة تمتد لأكثر من خمسة وخمسين عاما من العمل والبحث في تاريخ الخط العربي وجمالياته.
وأوضح أن بدايات الكتابة العربية تعود إلى النقوش النبطية المكتشفة في جنوب سوريا وشمال الأردن، التي مثلت النواة الأولى لتطور الحرف العربي قبل الإسلام بستة قرون، قبل أن تتبلور ملامحه الفنية في العصور الإسلامية الأولى مع تعريب الدواوين في عهد عبد الملك بن مروان، حيث بدأ الحرف يتحول من أداة توصيل إلى فن بصري قائم على الجمال والنظام والروح.
وعرّج "الشعراني" على التحولات التي شهدها الخط العربي في العصور اللاحقة، مؤكدا أن العصر العباسي شكّل ذروة الازدهار الفني والنظري للحرف العربي، قبل أن يدخل في مرحلة ركود طويلة خلال العهد العثماني الذي غلبت عليه الوظيفة الإدارية والتقليد الحرفي على حساب الابتكار الفني، وهو ما أدى إلى انحسار الخطوط الكوفية والمغربية وصعود الخطوط الوظيفية كالنسخ والديواني والرقعة. ومن هذا الوعي بالتاريخ، وانطلقت محاولاته لإحياء الخطوط المهملة واستعادة طاقتها الجمالية والفكرية، عبر العمل على خطوط مثل الكوفي النيسابوري وغيره، التي تعامل معها كمساحات تجريبية تعيد للحرف حيويته وتؤكد انتماءه إلى الفنون التشكيلية الحديثة، مؤكدا أن الخط العربي فن تشكيلي تجريدي في جوهره، وأن الحرف العربي قادر على أن يعبّر عن الإنسان والفكر حتى لمن لا يعرف لغته، لأنه يحمل في هندسته وإيقاعه طاقة بصرية قادرة على التواصل الإنساني العابر للغات، مضيفا أنه سعى في تجربته إلى تجاوز القوالب المغلقة والتكوينات المكررة التي حصرت الحرف في زخارف شكلية، ليقدمه في رؤية حرة تستند إلى القواعد لكنها تنفتح على التجريب والمعنى.
كما تطرق "الشعراني" إلى تجربته في تصميم الكتب والمطبوعات التي تجاوزت ألفي غلاف، واصفا إياها بأنها كانت مختبرا عمليا لتطوير الخطوط والتعامل مع الحرف كونه عنصرا تصميميا معاصرا، مؤكدا أن التصميم الجيد هو الذي يمنح الحرف حضوره الجمالي داخل الكتاب دون أن يفقد أصالته.
وفي حديثه عن القيم التي تشكل مرجعيته الفكرية، أوضح أنه ينطلق من منظومة إنسانية تقوم على مفاهيم الحرية والحق والجمال والحب، وأن هذه المفاهيم هي ما يمنح العمل الفني روحه العميقة، لأن الفن في نظره لا يمكن أن يزدهر في غياب الحرية، وأن التضييق الفكري الذي عرفته بعض الحقب التاريخية أوقف مسيرة الإبداع وأحال الخط إلى تكرار دون روح.
وفي رده على أسئلة الحضور حول تعليم الخط ومدارسه، أوضح "الشعراني" أن سوريا تفتقر اليوم إلى مؤسسات متخصصة تهتم بتعليم الخط العربي وفق مناهج حديثة، على عكس التجربة الإيرانية التي تضم آلاف المدارس المكرسة لهذا الفن، مشيرا إلى أن غياب الكوادر المؤهلة وضعف الاهتمام المؤسسي حال دون ظهور مدارس فكرية جديدة في العالم العربي، مؤكدا في الوقت نفسه أن الأمل لا يزال قائما بوجود طلاب وفنانين يسعون إلى التعلم والإضافة رغم صعوبة الظروف.
وفي ختام الجلسة، عبّر الخطاط السوري منير الشعراني عن سعادته بالحوار وتفاعل الجمهور، مؤكدا أن الخط العربي ما زال قادرا على أن يكون جسرا بين التراث والحداثة، وأن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يبنى على فراغ، بل على معرفة عميقة بالجذور واستيعاب للتاريخ كمصدر وعي واستمرار.