الخليج الجديد:
2025-12-05@06:14:59 GMT

إيكواس وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

إيكواس وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

"إيكواس" وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

هل الصراع بين "الديمقراطيات" و"النظم الشمولية" الذي ترفع شعاره إدارة بايدن قد بدأ فعليًا في أفريقيا؟

دان القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي (أديس أبابا 2022)، ما اعتبروها "موجة" انقلابات عسكرية في القارّة.

انتقال روسيا والصين إلى السعي الخشن لتأمين بعض مصالحهما في العالم برعاية انقلابات عسكرية، يشكّل تحديًا خطيرًا لخطاب إدارة بايدن.

تغيّر مهم تصرّ عواصم عربية على التعامل معه بخليط من التجاهل والإنكار جادّ، ومن المحتمل أن يعيد "هندسة" اللعبة السياسية في أفريقيا.

عندما تعلن عدة دول مجاورة للنيجر، جميعها، تحكُمها سلطات انقلابية، أنها ستعدّ أي تدخل عسكري في النيجر عدوانًا عليها، فهذا اصطفافٌ بين النظم الانقلابية.

قرار إيكواس علامة على توجّه عالمي جديد فيما يتصل بـ"عسكرة السلطة" والاختباء وراء "سيادة الدولة" لتمرير سياساتٍ ستصبح بنهاية المطاف "محرّمات سياسية".

كانت "طلقة البداية" لمسار استحداث آلية تدخّل عسكري في دولة بمظلة إقليمية اقتراح إيغاد بالتدخّل العسكري في السودان لوقف الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع.

فكرة أن الانقلابات العسكرية لم تعد وسيلة مشروعة للوصول إلى السلطة، وأن النظم الديمقراطية أرقى من النظم الشمولية، إحدى المقولات الرئيسة في "الحرب الباردة الجديدة".

* * *

"إيكواس" هي "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا". أصبحت فجأة نجمًا في سماء السياسة العالمية، إطارًا لمواجهة الانقلاب العسكري في النيجر. والقرار (غير المتوقّع) بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المنتخب إلى السلطة، حتى لو لم يُنفَّذ، فإنه يرقى إلى أن يكون سابقة تاريخية. ومن الحكمة أن يكون التفاؤل به حذرًا!

والتدخل العسكري في شؤون دولة "ذات سيادة" قضية تثير جدلًا وغبارًا كثيريْن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وحقبة تسعينيات القرن الماضي وحدها شهدت من المنعطفات المتّصلة بهذا الجدل أكثر من أية حقبة أخرى.

وبدأت الوقائع التي جعلت "سيادة الدولة" موضع جدل كبير بكوارث الحرب الأهلية في البلقان، حيث أدّى تَـفَـكُّـك يوغوسلافيا السابقة إلى حرب أهلية مروّعة استمرّت حتى قرب نهاية التسعينيات، وتذرّعت دول عديدة برفض "حقّ التدخل" رفضًا تامًا، ما ساعد صربيا على أن تحتمي بالسيادة، وهي تبيد مسلمي البوسنة. وفي النهاية، قاد تحالف أميركي/ بريطاني ضربة عسكرية أطلسية لوقف الحلقة الأخيرة من الحرب الأهلية في كوسوفو.

وخلال هذه السنوات العصيبة، بدأ مسار تدافع دولي حول "سيادة الدولة"، والسعي لوضع قيود عليها في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان (فيينا 1993)، حيث سعت دول غربية، بقيادة أميركا، لإنشاء منصب "مفوضٍ سامٍ" لحقوق الإنسان، يملك سلطة تعلو على "سيادة الدولة".

ورغم أن تحالفًا من الأنظمة الشمولية، ضمنه كل الدول العربية تقريبًا، كان يملك أغلبيةً أجهضت الاقتراح الغربي، إلا أن العام التالي (1994) شهد صراعًا أهليًا مذهلًا في رواندا قُتِل فيه ثمانمائة ألف من المدنيين، فضلًا عن جرائم اغتصاب جماعي واسعة.

وفتحت هذه المذبحة باب نقاش واسع بشأن الدور الذي لعبه رفض "حقّ التدخل" في منع العالم من إنقاذ ضحايا "الهولوكوست الرواندي". وقبل نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان نظام صدّام حسين قد استُهدَف بضربة عسكرية أميركية بريطانية (عملية "ثعلب الصحراء" 1998)، وبعدها فرضت الدولتان حظرًا جويًا في شمال العراق وجنوبه، كان سابقة تاريخية في العلاقات الدولية.

وبديهي أن "حقّ التدخّل" ليس فكرة رومانسية مثالية يمكن أن تحدُث بشكل "مُعَـقَّم" ملائكي، بل سيظلّ خاضعًا، ولو جزئيًا، لحسابات المصالح وتوازنات القوى. لكنه، رغم ذلك، يظلّ متغيرًا عالميًا، يمكن أن يُعيد تعريف الدولة وحدود سيادتها.

وفكرة التدخّل (تحت مظلة إقليمية ومن دون تفويض من الأمم المتحدة) لإعادة رئيسٍ مُنتخَب إلى السلطة في مواجهة انقلاب عسكري سيكون جزءًا من آليات الصراع بين الغرب والثنائي الروسي/الصيني.

وفكرة أن الانقلابات العسكرية لم تعد وسيلة مشروعة للوصول إلى السلطة، وأن النظم الديمقراطية أرقى من النظم الشمولية (عسكرية أو أيديولوجية)، إحدى المقولات الرئيسة في "الحرب الباردة الجديدة".

وفي تفاصيل ما حدث، في الوسع تقديم قائمة "مبرّرات" تتصل بمصالح قوى كبرى تبرّر قرار "إيكواس" باستخدام القوة العسكرية في مواجهة الانقلاب، كالنفوذ الفرنسي، والوجود الروسي، وخطر الإرهاب، ... وغيرها.

لكن القرار يظلّ علامة على توجّه عالمي جديد في ما يتصل بـ "عسكرة السلطة"، والاختباء وراء "سيادة الدولة" لتمرير سياساتٍ ستصبح، في نهاية المطاف "محرّمات سياسية".

ولن يحدُث التحول سريعًا، لكن انتقال روسيا والصين من التذرّع بـ "السيادة"، لحماية مصالحهما المباشرة، إلى السعي الخشن لتأمين بعض مصالحهما في العالم برعاية انقلابات عسكرية، يشكّل تحديًا خطيرًا لخطاب إدارة الرئيس الأميركي، بايدن، عن ضرورة حماية الديمقراطية في العالم.

كانت "طلقة البداية" في مسار استحداث آلية تدخّل عسكري في دولة تحت مظلة إقليمية اقتراح الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) بالتدخّل العسكري في السودان لوقف الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، وقد دان القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي (أديس أبابا 2022)، ما اعتبروها "موجة" انقلابات عسكرية في القارّة.

وهذا التغيّر الذي تصرّ عواصم عربية على التعامل معه بخليط من التجاهل والإنكار جادّ، ومن المحتمل أن يعيد "هندسة" اللعبة السياسية في أفريقيا.

وعندما تعلن عدة دول مجاورة للنيجر، جميعها، تحكُمها سلطات انقلابية، أنها ستعدّ أي تدخل عسكري في النيجر عدوانًا عليها، فهذا اصطفافٌ بين النظم الانقلابية، يشير إلى أن الصراع بين "الديمقراطيات" و"النظم الشمولية" الذي ترفع شعاره إدارة بايدن قد يكون بدأ فعليًا في أفريقيا.

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أفريقيا روسيا الصين إيغاد إيكواس النيجر انقلاب الديمقراطيات الحرب الأهلية إدارة بايدن الحرب الباردة الجديدة سیادة الدولة فی أفریقیا العسکری فی إلى السلطة ل عسکری فی ل العسکری

إقرأ أيضاً:

تغيير علم السودان.. هروبٌ إلى الأمام

أحمد عثمان جبريل

في لحظة يترنح فيها السودان بين الحرب والانهيار، ويحاول قادته إشغال الرأي العام بقضايا رمزية لا علاقة لها بجوهر الأزمة، يبرز طرح تغيير العلم كقضية تكشف عمق الأزمة أكثر مما تخفيها.. فحين تنشغل السلطة بالرموز بينما المدن تتساقط، يصبح السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة أم محاولة لإعادة تشكيلها؟

حين تعجز السلطة عن معالجة الواقع، تبدأ في العبث بالرموز

نيتشه

(1)

في ظل سقوط مدينة تلو أخرى، وامتداد الخراب من الوسط إلى الأطراف، يخرج عبد الفتاح البرهان ليطرح فكرة تغيير علم السودان والعودة إلى علم الاستقلال.. إنها ليست مجرد فكرة رمزية عابرة، بل خطوة تُقرأ في سياق سياسي مشحون، حيث تحاول السلطة حرف النقاش العام بعيدًا عن السؤال الجوهري: (كيف تنتهي الحرب؟).. إن طرح هذا الموضوع في ذروة الانهيار الأمني والخدماتي يشبه فتح نافذة للهواء، بينما الجدران كلها تتداعى. وفي الواقع، ليس المهم أي علم يُرفع على سارية الدولة، بل أي دولة تبقى لتُرفَع فوقها الراية.

(2)

المعضلة ليست في ألوان العلم ولا في شكل رايته، بل في (التوقيت – ودلالاته).. فالتوقيت في السياسة هو المعنى نفسه، ولا يمكن تجاهل حقيقة أن البرهان اختار هذه اللحظة تحديدًا ليطلق مبادرة رمزية تحاول استعادة المخزون العاطفي لمرحلة الاستقلال.. لكن كيف يمكن لرمز أن يُصلح واقعًا يتشظى؟ وكيف يمكن لعلمٍ (جديد – قديم) أن يعالج انعدام الأمن، وغياب الدولة، وانقسام الجيش، وتآكل المؤسسات؟.. إن الحديث عن تغيير العلم اليوم يبدو أقرب إلى محاولة لإعادة صياغة المسرح الوطني على نحو يجمّل الحدث، لا يعالجه.

(3)

ثم إن مسألة تغيير العلم ليست حقًا لقائد عسكري، ولا قرارًا يُتخذ من فوق منصات الحشود؛ إنها “قضية تشريعية خالصة” من اختصاص برلمان منتخب.. فالعلم رمز سيادي، يُعبّر عن الأمة لا عن السلطة، وعن الشعب لا عن القادة.. ولا يحق لأي مسؤول، مهما يعلو موقعه، أن يقرر هوية الدولة البصرية دون تفويض شعبي أو مؤسسي.. والسؤال هنا يصبح أكثر إلحاحًا:”أي برلمان يملك البرهان شرعيته؟ وأي تفويض شعبي يتيح له تغيير رمز الدولة، بينما الشعب نفسه مشرّد في المنافي الداخلية والخارجية؟”.. غياب الشرعية يجعل الطرح كله يبدو كأنّه محاولة لخلق مشهد وطني بديل، لا لتمثيل الإرادة الوطنية الحقيقية.

(4)

المفارقة أن البرهان يطرح قضية العلم بالتزامن مع موقفه الرافض لأي حل سياسي لا يتضمن تفكيك قوات الدعم السريع، ومع دعوته لمن يريد حمل السلاح للانضمام إلى القتال. هذه اللغة تعبّر عن عقلية تعبئة مفتوحة، وتحوّل الحرب إلى مشروع دائم. وفي هذا السياق، يصبح تغيير العلم جزءًا من استراتيجية توظيف الرموز لتغليف الصراع بطابع وطني، وكأنه استمرار لمعركة التحرر الوطني. وهذا خطأ تاريخي وسياسي؛ فالحرب الحالية ليست معركة استقلال جديدة، بل نتيجة مباشرة لانهيار الدولة وانقلاب سياسي عطّل مسار الانتقال.

(5)

والصحيح أن ما يحتاجه السودان ليس تبديل العلم، بل (تبديل الأولويات: وقف الحرب، إعادة بناء المؤسسات، حماية المدنيين، وإيجاد صيغة سياسية تُعيد للدولة وجودها).. أما اختلاق معارك جانبية حول رموز الدولة، فليس إلا شكلاً من أشكال الهروب للأمام.. فكيف يمكن لشعب محاصر بالجوع والنزوح وانعدام الخدمات أن يضع قضية العلم ضمن أولوياته؟ وما جدوى رمزٍ جديد إذا كانت الأرض نفسها التي يُرفع فوقها مهددة بالتشظي؟

(6)

إن السؤال الأهم هنا هو: ما الحكمة السياسية الحقيقية من طرح تغيير العلم الآن؟

من الواضح أن البرهان يحاول استعادة قدر من الشرعية عبر استدعاء رمزية الاستقلال، وربط نفسه بتاريخ الدولة الأولى، في مواجهة خصوم يصفهم بالتمرد.. إنه صراع على احتكار الوطنية، أكثر منه نقاش حول هوية العلم.. كما أن الطرح قد يكون محاولة لإرباك المشهد الإعلامي، وإشغال الرأي العام بنقاشات جانبية تُخفي حقيقة الانهيار العسكري والسياسي الذي تعيشه البلاد.

(7)

بقي أن نقول:” تغيير العلم يبقى مشروعًا لا يكتسب شرعية إلا حين يكون جزءًا من عملية سياسية جامعة، يقودها برلمان منتخب ودولة مستقرة، لا سلطة انتقالية تترنح وسط الحرب. وقضية بهذا الحجم لا تُعالج بقرارات فوقية، بل بإرادة شعبية حقيقية.. أما طرحها الآن، في قلب الخراب، فلن يغيّر شيئًا من الواقع، ولن يعيد المدن التي سقطت، ولن يوقف النزيف.. ولن تكون لنا ملهاة عن قول رصد مؤامرات الحركة الإسلامية.. كل ما سيفعله هو إضافة طبقة جديدة من الضباب فوق المشهد.. والسودان اليوم لا يحتاج مزيدًا من الضباب، بل يحتاج إلى وضوح الرؤية، ومسؤولية ومسار يعيد الدولة إلى الناس، لا علمًا جديدًا يوضع فوق دولة تتفكك.. إنا لله ياخ.. الله غالب.

الوسومأحمد عثمان جبريل

مقالات مشابهة

  • هل أدّى اغتيال الطبطبائي إلى تأجيل عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في لبنان؟
  • المجلس الاجتماعي سوق الجمعة يستنكر الخيانة الوطنية التي تمثلت في تفريط حكومة الدبيبة في سيادة ليبيا وقضائها
  • وول ستريت تنتعش بحذر وسط ترقب لقرار الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة
  • أحزاب القائمة الوطنية: انتخابات النواب تعكس جدية الدولة في ترسيخ مسار ديمقراطي قائم على سيادة القانون
  • دعوة «البرهان» للعودة إلى علم الاستقلال: انقسام أم بحث عن انتصار متخيل؟
  • تغيير علم السودان.. هروبٌ إلى الأمام
  • سلطة حضرموت تتحرك لاحتواء أزمة بن حبريش.. والرئاسي يعلن دعمه الكامل
  • حضرموت.. الرئيس يلتزم الصمت والبحسني يبرر لمليشيات الإنتقالي ويتهم قبائل حضرموت بالإرهاب
  • الأسهم الأوروبية تتحرك بحذر مع ترقب قرارات نقدية حاسمة في الشهر الأخير من 2025
  • محادثات لوفد إيكواس في غينيا بيساو بعد الانقلاب