لماذا يثير التلويح بالعمليات الاستشهادية ذعرا إسرائيليا؟
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
يشكل تلويح المقاومة الفلسطينية بعودة العمليات الاستشهادية في العمق الإسرائيلي ذعرا كبيرا في دائرة صنع القرار بتل أبيب، وهو ما من شأنه أن يحدث انعطافة حادة خلال الحرب الحالية على غزة، وفق محللين.
ويعتقد الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية سعيد زياد أن العمليات الاستشهادية قد تعود بشكل أكبر بعد المجازر غير المسبوقة التي ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب.
وأمس الأحد، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن وقوع تفجير بتل أبيب، في حين تبنت العملية كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالاشتراك مع سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي-، مؤكدة أن العمليات الاستشهادية بالداخل المحتل ستعود ما دامت مجازر الاحتلال وسياسة الاغتيالات متواصلة.
وأوضح زياد -خلال حديثه لبرنامج "غزة.. ماذا بعد؟"- أن العمليات الاستشهادية كانت قد انطلقت مع انتفاضة الأقصى ردا على المجازر في غزة والضفة الغربية، مضيفا أن عربدة إسرائيل أفضت إلى هذا الصدام الكبير.
ووفق المتحدث، فإن ما فعلته إسرائيل خلال الحرب بتدمير المشروع الفلسطيني من شأنه أن يواجه بأقصى رد ممكن، وقد يكون هناك قرار جدي بعودة العمليات الاستشهادية.
وشدد على أن حالة الاحتقان والثأر في صدور الفلسطينيين لا يمكن إلا أن تؤول إلى صدام حقيقي، لافتا إلى أن المقاومة تتشدد بموقفها بسبب إجرام الإسرائيليين.
ونبه إلى أن المجتمع الغزي دفع فاتورة ضخمة من الدماء "لذلك فإن المقاومة مدينة له بمواصلة القتال في الميدان وعلى طاولة التفاوض حتى يحقق الشعب الفلسطيني ما يريد".
وبشأن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإسرائيل، قال زياد إن واشنطن لا يمكن أن تظهر بمظهر وسيط حيادي وضامن حيث تواصل الكذب بعدما نسف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق المقترح، كما يواصل اللعب بمختلف الأطراف.
وتساءل في هذا الإطار "كيف يفاوض الأميركي طرفا واحدا ويطلب من الطرف الآخر الالتزام؟"، قبل أن يؤكد أن حماس غير مخولة بأي اتفاق لا يضمن خطوطها الحمراء بالانسحاب الكامل من القطاع وعودة النازحين وعمليات الإغاثة والإعمار، إلى جانب صفقة تبادل أسرى حقيقية.
وخلص إلى أن واشنطن تدرك أن نذر الحرب الإقليمية تزداد، حيث تحاول لجم هذا التصعيد لكنها تذكي نيران الحرب بتزويد إسرائيل بالسلاح والشرعية والوقت، والضغط على حماس سياسيا.
تهديد حقيقيبدوره، قال الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إن إسرائيل كانت تحاول الهروب من وضع تجد فيه نفسها بحالة استنزاف مثلما حدث في الضفة الغربية بين عامي 2000 و2006.
وأشار جبارين إلى أن العمليات الفلسطينية بين عامي 2006 و2023 كانت محصورة بنطاق الضفة الغربية، مؤكدا أن إسرائيل تتعامل الآن مع تهديد حقيقي ومباشر لتل أبيب وهو ما يؤرقها.
وأكد أن الاحتلال يؤدي إلى الاضطهاد ومن ثم فإن الطرف الآخر يقاوم هذا الاضطهاد والاحتلال "لذلك سارع رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي للتأكيد بأن الجيش لا يريد البقاء داخل غزة".
ويعتقد أن ما يجري منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي "حرب إسرائيلية انتقامية"، منبها إلى حساسية الظرف الحالي حيث تسعى واشنطن لإدارة المرحلة بدقة تحسبا للانتخابات الأميركية المقبلة.
لكن نتنياهو -وفق جبارين- يعتاش على حالات الفوضى، إذ لم يكن يفاوض على شروط الدخول إلى صفقة وقف إطلاق النار وإنما الخروج منها، مضيفا أنه يحاول البحث عن الذرائع وتحميل الطرف الآخر المسؤولية والتنصل منها.
وخلص إلى أن نتنياهو غير معني بأي أطروحات للحل وإنما يريد العيش بحالة فوضى لا إستراتيجية في هذه المرحلة بهدف استمرار الحالة وحتى وإن دخل في المرحلة الأولى من الصفقة، حيث باتت أميركا تخشى ما بعد ذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العملیات الاستشهادیة أن العملیات إلى أن
إقرأ أيضاً:
حول السلاح في لبنان.. والكلام عن نزعه
إن افتراض وجود سلاح كاسر للتوازن هو منافٍ لما ذكره الكيان الصهيوني ومن يتلاقون معه في لبنان بعيد انتهاء معركة "أولي البأس". بعض أولاء كتبوا حينها عن تشييع حزب الله وليس فقط نصر الله، متجاوزين حتى مقولات العدو وتقييمه كتعبير عن حقد واغر على مكون المقاومة في لبنان والموقف الأخلاقي والإنساني من القضية الفلسطينية، وما انفكوا يرددون أن المقاومة انتهت وأن الزمن الأمريكي بدأ. فما عدا مما بدا حتى عادوا ليفتحوا الملف طالما أن المقاومة قُضي عليها؟! إن ما نسمعه من استدراج عروض من قبل هؤلاء لضرب المقاومة؛ يشير إلى أننا أمام قوى وزعماء لا يصح ائتمانهم لا على دولة ولا على مؤسسات ولا حتى على شراكة على مستقبل وطن وشعب وأسرة لبنانية، لأنهم بفعلتهم هذه يهددون الصيغة اللبنانية.
أما إذا كان الواقع يفيد بأن المقاومة لا تزال حية ولديها عناصر قوة عديدة ومع فرض وجود سلاح يهدد إسرائيل بالفعل، فهذه ورقة قوة للبنان ولفلسطين ولا يجب التفريط بها قبل إنجاز رؤية أمن وطني شامل تضع خطة واقعية لحماية لبنان. وأي كلام آخر يعني خدمة إسرائيل، وهو ما يجب التصدي له، لأن قضايا الأمن لا تخضع للمساومة مع العدو ولا تنعقد مبانيها بالإذعان للخارج واسترضائه، ولأن المقاومة لا تعيق احتكار الدولة لسيادتها في الداخل. ورغم الخضة التي تلقتها في معركة أولي البأس لكنها حافظت على مستوى غير مسبوق من الثبات الميداني. ليس هذا فحسب، بل إن المقاومة لا تنافس أو تزاحم الدولة على قرار الحرب والسلم، بل تراها عوّضت غياب القرار في الدولة إزاء أبرز تحد (الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الدائم على لبنان).
إن قرار الحرب والسلم ليس شعارا بل قرار دولة مستقلة وسلطات متحررة من إرغامات الخارج وتهديداته، لمصلحة شعبها والإنسان فعلا لا ادعاء. وليس نقاش قرار الحرب والسلام كلاما للتورية دون تحديد معنى ومضمون مصالح لبنان بعقلانية، أو السير بما تفترضه أمريكا للبنان من دور وتتصوره له من أمن.
ولما كان جزء كبير من قوى وأحزاب لبنان لم يخرج بعد من عقلانية وواقعية معينة معقولة، فالمنطق والمصلحة يقولان إنه لن يكون هناك سبيل في مواجهة التحديات لا سيما الوجودية إلا بالحوار والتوافق بما يحقق حماية لبنان، وتأكيد حرية قراره واستقلاله ويحفظ دوره، ومن يريد أن يتخلى عن مسار الحوار في قضية محورية وكيانية بهذا الحجم فهو عمليا يُسهم أو يرتضي التغيير في أمور أساسية أخرى تمس البنية اللبنانية، وكما هو معلوم فإن الصيغة اللبنانية حساسة للغاية.
وعليه، ما الذي يمكن أن تكون عليه الخيارات، لا سيما للأمريكي المستعجل لإنجاز والإسرائيلي الذي يبدو أن معاركه وحروبه تسير بلا أفق سياسي واستراتيجي واضح؟
- أولا: الخيار الإسرائيلي بتوسيع الاحتلال البري للبنان. هذا يعني أن العدو سيكون من الناحية القانونية والدستورية في مواجهة الجيش اللبناني المعني بالدفاع عن أرضه في وجه عدو لبنان، ووفق ما وافقت عليه السلطة بعيد الحرب من بنود. لكن هذا العمل فيما لو حصل سيزيد من مبررات نظرية المقاومة ومسوغاتها وحقانية منطقها ومشروعيته، وسيعطيها دفعا كبيرا ويخلق لها فرصا في تطوير المواجهة البرية واستنزاف العدو، وسيكون ذلك بمثابة غرق إسرائيلي في الوحل اللبناني دون رؤية لنهاية الطريق.
كما أن ذلك لن يجلب الاستقرار للمنطقة بل سيجعلها مرشحة لاهتزازات وخضات كبيرة، لا سيما أنها حتى اللحظة لا تزال تعيش اضطرابا شديدا ولم تستقر توازناتها على وجهة واضحة. كما أن ترامب صار أكثر حذرا فيها بعد الخطوة الأمريكية-الإسرائيلية الناقصة وغير المحسوبة بما يكفي في الجولة الأخيرة مع إيران، حيث تعززت مكانة وموقع الأخيرة في الإقليم ودوليا، على عكس ما افترضت أمريكا.
ولا يجب أن ينسى أي محلل أن ثقافة المقاومة تقوم على الكرامة والحق والأخلاق والدين، بحيث لا ترضخ أو تستسلم بالتهديد بالقتل أو الحرمان، ليس هذا فحسب، بل إن للمقاومة حلفاء في المنطقة لن يتوانوا في نهاية الطريق عن مساعدتها بأشكال مختلفة، وهذا ما سيرشح المنطقة للانفجار مجددا وهو ما يهرب منه ترامب لأن تداعياته ستكون كارثية، ناهيك عن أن كيان العدو لا زال يعارك في غزة منذ سنتين دون أفق ولا نتيجة واضحة، وغزة أَولى له ولمصالحه والحسابات حكومته من لبنان وكذلك الضفة.
ليس هذا فحسب، بل إن وقف الحرب على غزة فيما لو مضى به ترامب سيؤدي استراتيجيا إلى فشل كل أهداف العدو الصهيوني التي وضعها منذ طوفان الأقصى وافترض أنه أمام فرصة عمْر لتحقيقها، وسيظهر عجزه رغم كل آلة القتل والإبادة. وفي حال حصول وقف الحرب على غزة فإن هذا سيؤكد أن الصمود والمقاومة هما الحل الوحيد للحفاظ على الحقوق، ولا خيار آخر للشعوب في مواجهة العدو الصهيوني العنصري والإبادي إلا المواجهة، وكل خيار آخر هو عبارة عن اغتيال الهوية والوجود الفعال لصالح قوى التسلط الدولية والغرب وأمريكا وإسرائيل.
وليس غريبا أن المقاومة أُخذت عبر ما حدث في أولي الباس، وأن خطوة إسرائيلية من هذا النوع ربما تعيد فرصة للمقاومة وقد تفاجئ العدو الصهيوني بقتال شديد ومكلف، ولا يجب أن نغفل أن خطوة إسرائيلية كهذه لن تحظى بإجماع دولي في بيئة دولية منقسمة ولا بإجماع عربي ولا إسلامي، أي أنها لا تمتلك أي عنصر من عناصر النجاح، بل قد تكون فرصة لجبهة المقاومة لتعزز الاصطفاف الدولي من جديد بين من يدافع عن القانون الدولي؛ ومن يضرب به عرض الحائط تاركا أسس النظام الدولي للتأويل والاستنساب والفوضى بل والتداعي التام.
بناء على كل ما تقدم يمكن استبعاد هذه الفرضية، أي محاولة الصهاينة القيام بعمل بري بتوسيع احتلالهم للبنان بدل الخروج منه نهائيا (أزمة الصهاينة أنه لو حصل تراجعهم في أي ساحة دون شروطهم، إن في غزة أو لبنان، فسيعني انتصار جبهة المقاومة وفشلا استراتيجيا لإسرائيل وسرعان ما تظهر تداعياته الداخلية عندهم، لذلك نتنياهو مضطر لأن يبقي كل الجبهات متوترة أو مشتعلة إلى حين أن ينضج تنازل مهم من خصمه. وهذا يبدو حلما وخيالا ليس أكثر؛ لأن قوى المقاومة لن تستسلم مهما كانت التضحيات).
- قد يتحدث البعض عن خطوة عسكرية من قبيل ضربة سريعة دون عمل بري واسع، وهذا دونه سؤال: ما الجديد الذي سيتحقق للكيان الصهيوني إلا إذا كان المقصود قتل المدنيين في لبنان؟ وهذا لا يبدو خيارا يحقق هدفا واقعيا بقدر ما يضعف موقف الاحتلال، وقد يقابَل حينها بردود فعل من كل الشعوب الحرة ومن المقاومة وحلفاء المقاومة، وسيضع الكيان مجددا على صفيح ساخن وتوتر إضافي دون هدف واضح ومحدد، ناهيك عن أن ما يقوم به اليوم قد يكون أفضل لحسابات الربح والخسارة الكلي مقارنة بما لو قام بجولة جوية كبيرة.
- يبقى هناك خيار قد يختلف عن ما سبق لجهة الغطاء القانوني؛ كأن تقوم السلطة اللبنانية كما في السبعينات بالطلب الرسمي من النظام السوري بضغط أمريكي أو عبر جهات وأنظمة عربية للتدخل لنزع سلاح المقاومة بالقوة، وهي فكرة راودت بعض الأنظمة في الخليج ذات يوم. هذا ممكن من الناحية القانونية، لكن تبعاته أنه سيطيح باتفاق الطائف أولا، وسيفتح المواجهة بين حلفاء المقاومة وبين الأنظمة العربية المتواطئة، لا سيما أن أي خطوة يمكن أن تبادر إليها السلطة في لبنان بهذا الاتجاه ستعني أنها جاءت بمساندة من بعض الأنظمة العربية ما سيجعل هذه الأنظمة جزءا من الصراع. (يتحدث الإعلام أن الحكومة المؤقتة في سوريا يمكن أن يطلب منها ذلك في سياق تثبيتها أمريكيا، لكن أظن أن الأمر فيه مبالغة، فلا زال الوضع هشا في سوريا، ولا تزال قوى إسلامية كبيرة في سوريا داعمة لفلسطين وتؤمن بالمقاومة ،ويصعب أن تجاري الحكم هناك إذا ما طلب منه ذلك، ولا أعتقد أن المزاج الشعبي والإسلامي في سوريا يرتضي التطبيع). كما أن هذا الخيار مستبعد لأنه لا الرئيس جوزيف عون ولا الجيش الوطني يمكن أن يفكر به.
- أما عن إمكانية استصدار قرارات دولية تحت الفصل السابع لمواجهة تيار المقاومة في لبنان، فهذا مستحيل في ظل الواقع الدولي، وبعد أن أوقع الغرب روسيا في كمين ناجح في سوريا، وبعد أن أصبحت موازين القوة في المنطقة متأرجحة، وحدود القوة الأمريكية معروفة أكثر من ذي قبل لخصومها وأعدائها.
- الخيار المرجح، أن يتقدّم الأمريكي بمبادرة شاملة لـ"السلام" كما يدعي، ويفترض أنها ستنجح ويعمل عليها بقوة، وترامب لا زال يتطلع لنيل جائزة نوبل للسلام فالفكرة تدغدغ نرجسيته. لكن نعود ونقول: "الله عُرف بالعقل والمنطق وبالشعور السليم"، وكذلك كل الحقائق والوقائع الكبرى تعرف بالدليل والاستقراء. إن السلام المزعوم فشل في ظروف أفضل للغرب وفي ظل أحادية أمريكا مطلع التسعينات، وفي ظل عروض "أسخى" أعطيت للعرب حينها ولو على الورق، وفي ظل ظروف هي أصعب على قوى المقاومة، فحينها كانت لا تزال غضة فضلا عن أن تكون جبهة! فإذا كانت صفقة السلام في التسعينات فشلت عن بلوغ مقاصدها بالسلام المزعوم، فكيف سينجح ترامب اليوم، وكل شيء في عالمنا تبدل حتى أمريكا نفسها صارت أمريكا أخرى؟
لذلك نفترض أن الطريق الوحيد الممكن هو الحوار بين اللبنانيين، وفقط الحوار، وعلى الأجندة والتوقيت اللبناني، فقط التوقيت الوطني وليس على أي توقيت آخر. ومهما بلغت الضغوط وبأي اتجاه ذهبت يبقى لأكثر من نصف الشعب اللبناني رأيه ومنطقه وقناعاته في تعريف الكرامة والعزة والاستقلال والسيادة وموقع لبنان من القضية الفلسطينية، وسيواجه مهما كانت الأثمان، ففي المواجهة إمكانية بقاء واستمرار، بينما في الاستسلام لشروط الغرب المتوحش والمخادع لن يكون إلا الموت بعينه، والحياة تحت هيمنة الظالمين ليست إلا موتا.. والسلام.