شمال سوريا ـ لم يكن الشاب السوري محمد عبد الرحمن مجو، يتوقّع أن تكون عودته إلى مدينته حلب هي آخر محطات حياته، بعد أن قضى تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز السرية بالعاصمة دمشق، التي تُدار من قِبل النظام السوري.

والشاب مجو الذي نزح من إحدى ضواحي حلب قبل سنوات، كان قد استقر في مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة الأتارب بريف حلب، جراء الاشتباكات والمعارك التي كانت تدور رحاها على خطوط التماس بين الفصائل المسلحة وقوات النظام.

وأخيرًا قرّر مجو العودة إلى مدينته حلب، وإجراء تسوية وضعه الأمني في مايو/أيار الماضي، وهي آلية يعمل عليها النظام السوري لمن يرغب بالعودة إلى مناطق سيطرته، يقول إنها تهدف إلى تبرئة العائدين والعودة إلى حياتهم بشكل طبيعي.

لكن الشاب العائد اعتُقل بعد قرابة شهر من عودته، وتحديدًا بتاريخ 15 يونيو/حزيران الماضي، على يد عناصر الأمن العسكري في حلب، لتنقطع أخباره منذ ذلك الوقت عن أسرته، ويصبح في عداد المفقودين السوريين.

وقال مصدر مقرّب من عائلة الشاب مجو، إنه اعتقل دون إبراز مذكرة رسمية، ومُنع ذووه من التواصل معه وتكليف محام لمتابعة قضيته، أو حتى معرفة مكان احتجازه، لأجل زيارته والاطمئنان عليه.

جثة وتعذيب

ويضيف المصدر المقرّب في حديث للجزيرة نت، أن أسرة الشاب مجو تلقّت اتصالًا في 3 أغسطس/آب الجاري، من أحد عناصر النظام السوري يؤكّد وفاته في أحد المعتقلات السورية بالعاصمة دمشق دون أي تفاصيل إضافية، ليتم بعدها بيومين تسليم الأسرة المنكوبة جثمانه في مدينة حلب.

ويشير المصدر إلى أن آثار التعذيب ظهرت على جثمان الشاب، في الوقت الذي فضّلت أسرته التّكتّم على قضيته وعدم فتح تحقيق، خشية الملاحقة الأمنية والمساءلة.

ويختم المصدر بأن الشاب محمد كان وحيدًا لوالديه، وفارق الحياة تاركًا خلفه طفليه وزوجته لمصير مجهول، بعد أن كان يحلم بالعودة الآمنة التي تحدّثت عنها وسائل إعلام موالية، قبل أن يصرّح أخيرًا رئيس النظام السوري بشار الأسد، بأنه حكومته لا تعتقل اللاجئين العائدين.

ورقة رابحة

ولا تبدو حادثة مقتل الشاب السوري مجو تحت التعذيب قصة فردية لتصفية العائدين من مناطق سيطرة المعارضة السورية أو دول الجوار واللجوء، إذ واجه العشرات من الشبان السوريين المصير ذاته، لتصبح العملية سياسة ممنهجة حذّرت منها منظمات حقوقية سورية ودولية.

وفي أبريل/نيسان الماضي، اعتقلت قوات النظام الشابين السوريين المنحدرين من محافظة السويداء (جنوب شرق دمشق)، نادر نادر وإيهاب نادر، بعد ترحليهما قسرًا من لبنان قبل نحو أسبوع.

وقال مدير شبكة السويداء 24 المحلية في حديث للجزيرة نت، إن الشابين اعتُقلا بتهمة التهرب من الخدمة الاحتياطية في قوات النظام السوري، ولن يتم الإفراج عنهما قبيل أداء الخدمة العسكرية.

وقبل الشابين المنحدرين من السويداء، اعتقلت السلطات الأمنية نازحين من بلدة مضايا بريف دمشق في أغسطس/آب 2022، في أثناء عودتهما من الأراضي التركية عبر معبر كسب الحدودي، رغم إجرائهما تسوية أمنية عن طريق ما تسمى لجان المصالحة.

ويصف عضو هيئة القانونيين السوريين المحامي عبد الناصر حوشان، المهجّرين السوريين قسرًا بورقة النظام الرابحة، "فهو لم يهجّرهم عن عبث، فهم بالنسبة له ليسوا من شعب سوريا المفيدة، أي أنهم خونة بنظره، فهم وسيلة للعقاب الجماعي لمعارضيه عبر الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب، للتخلّص منهم ومنع عودة أي لاجئين أو مهجّرين".

وقال حوشان، في حديث للجزيرة نت، إن عمليات الاعتقال لن تتوقّف، لأنها مصدر من مصادر تمويل النظام، عبر عمليات الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ، مما حوّل هذه الجرائم إلى جرائم مركّبة، حيث يُبتزّ أهالي الضحايا، لدفعهم إلى بيع ممتلكاتهم لهم، بغرض الحصول على خبر عن مصير المعتقلين.

أسباب تمنع العودة

وتقدّر الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين بنحو 5.5 ملايين لاجئ فرّوا إلى دول الجوار وأوروبا، معظمهم يرفضون العودة لأسباب أمنية تتعلّق بالموقف السياسي من الحكومة، وأخرى اقتصادية مرتبطة بالأوضاع المعيشية السيئة التي وصلت إليها سوريا، على وقع انهيار الاقتصاد والعملة.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت مقتل 15281 سوريًا تحت التعذيب منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2023، من بينهم 15039 شخصًا في معتقلات النظام السوري.

وتقول الشبكة السورية في تقرير، إن أعداد المعتقلين لدى النظام السوري تجاوزت 135 ألف شخص منذ 2011 حتى أغسطس/آب 2022، بينهم نحو 112 ألف حالة اختفاء قسري.

ووفق التقرير، فإن ممارسات التعذيب في سوريا مستمرة دون محاسبة المتورطين فيها، "وأن قيام بعض الدول العربية بإعادة علاقاتها مع النظام السوري، الذي لا يزال يمارس أبشع أساليب التعذيب بحقّ المعتقلين تعسفيًا لديه قبل إطلاق سراحهم- يعني ضوءًا أخضر لتصفيتهم".

رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أكّد أن حالة النازح مجو الذي قضى تحت التعذيب هي واحدة من الحالات المكتشفة، مؤكّدًا أن هناك العديد من الانتهاكات المماثلة التي حدثت على يد النظام السوري ولم تُكتشف، نتيجة الصعوبات التي تواجه توثيق هذه الحالات.

مصير مشابه

وقال عبد الغني في حديث للجزيرة نت، إن الأسباب التي تمنع النازحين واللاجئين من العودة إلى ديارهم وأماكن إقامتهم الأصلية، مرتبطة بما يمكن أن يتعرّضوا له من مصير مشابه لمصير الشاب مجو، وليس كما يدّعى رئيس النظام السوري بشار الأسد بأن اللاجئين لا يرجعون بسبب الوضع المعيشي السيئ وانقطاع الكهرباء والماء.

وأشار عبد الغني إلى أن الأسد يحاول ابتزاز الدول العربية، من خلال مطالبته بإعادة إعمار المدن التي دمّرتها قواته فوق رؤوس سكانها، وأجبرت الآخرين منهم على الرحيل القسري.

وحمَّل الحقوقي السوري، الدول التي تجبر اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا، كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الانتهاكات الفظيعة التي يتعرّضون لها حال عودتهم، التي تصل إلى حدّ فقدان الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النظام السوری تحت التعذیب العودة إلى

إقرأ أيضاً:

ماذا نعلم عن جماعتي جيش محمد ولشكر طيبة التي استهدفتهما الهند في باكستان؟

(CNN)-- الجماعتان المسلحتان اللتان أعلنت الهند استهدافهما في غاراتها على باكستان، الأربعاء، مصنفتان كمجموعتين إرهابيتين من قبل العديد من الدول، واتُّهمتا بشن عدة هجمات ضخمة وقاتلة على الهند المجاورة، جماعتا "عسكر طيبة" و"جيش محمد"، جماعتان متطرفتان متمركزتان في باكستان.

وقالت الهند إنها شنت الغارات ردًا على مذبحة استهدفت سياحًا في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، والتي ألقت باللوم فيها على باكستان، ونفت باكستان أي تورط لها، مؤكدةً أنها حاربت الجماعات الإرهابية منذ فترة طويلة.

إليكم ما يجب معرفته عن الجماعتين الإسلاميتين:

جماعة "جيش محمد"، جماعة متطرفة مقرها باكستان، تعمل في جميع أنحاء كشمير، وتسعى إلى توحيد الجزء الخاضع لإدارة الهند من الولاية المتنازع عليها مع باكستان، وقد أدرجت الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي جماعة "جيش محمد" على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2001، وأشار مجلس الأمن الدولي إلى أن جماعة جيش محمد "تتمركز في بيشاور ومظفر آباد، بباكستان"، وكانت مظفر آباد أحد المواقع التي ضربتها الضربات الهندية.

أسس زعيمها، مسعود أزهر، الجماعة بعد إطلاق سراحه من السجن في الهند عام 1999 مقابل 155 رهينة كانوا محتجزين على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية اختطفت إلى قندهار، أفغانستان، وفقًا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وشكّل جماعة "جيش محمد" بدعم من أسامة بن لادن وحركة طالبان والعديد من المنظمات المتطرفة الأخرى.

جماعة " لشكر طيبة"، التي تُترجم إلى "جيش الأطهار"، هي أيضًا منظمة مقرها باكستان، ولها نفس الهدف المتمثل في توحيد كشمير الخاضعة للإدارة الهندية مع باكستان.

ويقول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، وأنها "نفذت العديد من العمليات الإرهابية ضد أهداف عسكرية ومدنية منذ عام 1993، بما في ذلك هجمات نوفمبر 2008 في مومباي، الهند، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 164 شخصًا وإصابة المئات".

ويقيم زعيم "لشكر طيبة"، حافظ سعيد، في باكستان منذ سنوات، وكان يدخل ويخرج من الاحتجاز الباكستاني.

مقالات مشابهة

  • تأجيل محاكمة المتهمين بقتل شاب بالدقهلية أثناء دفاعه عن طفل من ذوي الهمم
  • الاتحاد والأهلي يدخلان سباق التعاقد مع ظهير الاتفاق
  • ‏«10 أيام حب في سيريلانكا».. مايان السيد تروي قصتها العاطفية ‏مع الشاب الهندي ‏
  • إرث الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم
  • معتقلو بدر يخاطبون السيسي بنداء حب للوطن.. هل يرد كناصر أم السادات؟
  • إعلان نتائج الأوزان الرسمية لبطولة “PFL MENA” التي تقام اليوم في جدة
  • محافظ اللاذقية يبحث مع نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية لتعزيز السلم الأهلي
  • إسرائيل تفرج عن 11 أسيرا فلسطينيا من غزة بعد شهور من التعذيب
  • د.الدرديري محمد احمد: ملحمة الصمود .. الهدية التي قدّمتها لنا الإمارات وهي لا تدري!!
  • ماذا نعلم عن جماعتي جيش محمد ولشكر طيبة التي استهدفتهما الهند في باكستان؟