لجريدة عمان:
2025-05-24@00:14:16 GMT

ما لم يفهمه الغرب... ولن يفهمه

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

تُعرف المقاومة لغة بأنها الممانعة وعدم الرضوخ لتغيّرات وقوى مفروضة من الخارج، وهي رد فعل طبيعي على الظلم والاستبداد والاحتلال، وتمثل الإرادة الجماعية للشعوب -بمختلف دياناتها وأعراقها- نحو الحرية والكرامة والعدالة. وعلى مر العصور منذ الإنسان البدائي، إلى عصرنا هذا، ظهرت المقاومة بأشكال مختلفة، متكيّفة مع الظروف المحيطة بها كرمز للتحدي والصمود.

وسواء كانت مقاومة مسلحة أو نضالًا سلميًّا فإنها تعبّر عن رفض الاستسلام والخنوع وتجسّد التطلع نحو الحرية والكرامة والعدالة. ففي العصور القديمة، بدأت المقاومة كرد فعل على الغزوات والاحتلالات، حيث قاومت الجماعات والشعوب الغزاة والديكتاتوريين بأساليب وطرق متنوعة. ومع مرور الزمن تطورت أشكال المقاومة لتشمل حركات التحرر الوطني في مواجهة الاستعمار والاحتلال، وكذلك حركات الحقوق المدنية التي ناضلت ضد التمييز العنصري والظلم الاجتماعي. وبعودة عابرة للتاريخ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال الاستعمار الإسباني للأمريكتين، الذي بدأ في ٢٤ سبتمبر ١٤٩٣م وانتهى في ١٣ يوليو ١٨٩٨م، نرى كيف أسهمت حركات المقاومة، وتحديدًا بقيادة الفنزويلي سيمون بوليفار الذي توفي في عام ١٨٣٠م، في استقلال بوليفيا وكولومبيا وإكوادور وبيرو وبنما وفنزويلا وإنهاء الاستعمار الإسباني لها، حتى استحق بحق لقب «الليبرتادور» أي «المحرر». وفي القارة الأوروبية أمثلة كثيرة على ذلك، منذ العصور الوسطى، حتى العصر الحديث والذي حاربت واحتلت القوات العسكرية لألمانيا النازية فيه، خلال الفترة من ١٩٣٩م إلى ١٩٤٤م كلا من بولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا ونيذرلاند ولوكسمبورج وفرنسا ويوغسلافيا واليونان وجزءا شاسعا من الاتحاد السوفييتي، والتي بدورها بالتعاون بالطبع مع بريطانيا وغيرها من الدول، قاومت هذا الاحتلال حتى استسلمت ألمانيا النازية في مايو من عام ١٩٤٥م. ولا يمكن الحديث عن مقاومة المحتل، دون الإشارة إلى ثورة التحرير الجزائرية التي انطلقت في الأول من نوفمبر ١٩٥٤م بعد ١٢٤ سنة من استعمار فرنسا للجزائر سنة ١٨٣٠م، وانتهت بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو ١٩٦٢م، متوّجة ٧ سنوات من الكفاح المسلح، استشهد خلالها أكثر من مليون ونصف مليون جزائري. ولا يمكن في هذا المقام، أن نغفل المقاومة الليبية للغزو الإيطالي لأراضيها في عام ١٩١١م، والذي أعلنت فيه روما في عام ١٩١٢م ليبيا مستعمرة إيطالية، والدور التاريخي لمقاومة هذا الاحتلال، الذي قاده المجاهد الكبير الشهيد عمر المختار لما يقارب ٢٠ عامًا، أوقع خلالها خسائر فادحة في صفوف الإيطاليين، حتى أعدِم بتاريخ ١٥ سبتمبر ١٩٣١م، والذي قال مقولاته الخالدة «نحن لن نستسلم.. ننتصر أو نموت» و«صاحب الحق يعلو وإن أسقطته منصة الإعدام». ولا يمكن أن نتجاوز المقاومة الفيتنامية للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٥٥م حتى تم سحب جميع القوات الأمريكية في ١٥ أغسطس ١٩٧٣م. وهذه الأمثلة تعد غيضًا من فيض فيما سجله التاريخ لحركة مقاومة المحتل، وبالتالي، تعد حركة المقاومة الفلسطينية إحدى أقوى حركات المقاومة في العالم؛ نظرًا لاستمرارها على مدى عقود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فشعوب ودول العالم تعلم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، أنه قبل ١٤ مايو ١٩٤٨م لا يوجد ما يسمى بإسرائيل. وأن هذا الكيان الهجين كان نتيجة للمؤتمر الأول للمنظمة الصهيونية، الذي عُقد برئاسة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا بتاريخ ٢٩ أغسطس ١٨٩٧م، بعد أن شعر هرتزل بالإحباط بسبب عدم حماس أغنياء اليهود بالمساعدة في تمويل مشروعه بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود، يكون، إما في فلسطين أو الأرجنتين أو أوغندا. وقد نجح هرتزل خلال هذا المؤتمر في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك. والذي أكده بعد ذلك وزير خارجية بريطانيا أرثر جيمس بلفور في ما يسمى وعد بلفور أو تصريح بلفور ”Balfour Declaration“، وهي الرسالة التي أرسلها بلفور بتاريخ ٢ نوفمبر ١٩١٧م إلى أحد أغنياء اليهود في بريطانيا، اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعدها تم تهجير عشرات الآلاف من اليهود من أوروبا الشرقية وغيرها من الدول وتجميعهم على مدى عقود في فلسطين؛ بهدف تغيير الطبيعة الديموغرافية لفلسطين العربية، وإقامة الكيان المزعوم في عام ١٩٤٨م. لذا، لم يكن هناك قبل هذا العام ما يسمى بدولة إسرائيل، لدرجة أن جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني خلال الفترة من ١٩٦٩م إلى ١٩٧٤م كانت تحمل الجنسية الفلسطينية، وأعلنتها مرارًا -خلال تلك الفترة- أنها فلسطينية الجنسية. فكيف تأتي اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب وتسوغ أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها في مواجهة المنظمات الفلسطينية الإرهابية -حسب قولها- ومنذ متى كان مقاومة الاحتلال إرهابا، خاصةً، وأن الكيان الصهيوني وعلى مدى أكثر من ٧٦ عامًا مارس كل أنواع الإجرام والقتل والتنكيل والإذلال تجاه أصحاب الأرض الأصليين وهم الفلسطينيون، وآخرها ما يحدث على مرأى العالم من مجازر وإبادة جماعية بحق المدنيين العزل في غزة، وبدعم عسكري واستخباراتي واقتصادي كامل ومعلن من قبل هذه الدول للكيان الصهيوني. لذا، فإن المقاومة فكرة وعقيدة لدى كل شعوب الأرض، تجاه المحتل، واستشهاد البطل الكبير المجاهد يحيى السنوار -والتهليل الغربي لذلك- وقبله القائد إسماعيل هنية وفي لبنان حسن نصر الله لن يوقف المقاومة بأي حال من الأحوال -وهذا ما أكدته الأحداث على الأرض بعد استشهادهم- وعلى الولايات المتحدة والدول الغربية أن تعي أن الفكرة لا تموت، وأن المقاومة عبر التاريخ لا يمكن في النهاية إلا أن تنتصر على من خالف طبيعة الكون وسنة الحياة في عيش الشعوب بحرية وكرامة وسيادة على أوطانها، وأن تتوقف عن الدعم الفاضح لهذا الكيان المجرم الغاصب والحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها أمام شعوب هذه المنطقة وشعوب العالم بمن فيها شعوبها... ولا أعتقد أنها ستعي ذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا یمکن فی عام

إقرأ أيضاً:

هل باع الغرب إسرائيل؟

شهد شهر مايو/ أيار 2025 تحوّلًا لافتًا في المواقف الرسمية الغربية تجاه الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، تمثّل في تبنّي لغة قانونية حادّة في توصيف الانتهاكات، وطرح علني لمراجعة العلاقات مع تل أبيب، وتزايد الدعوات إلى تقييد التعاون العسكري والاقتصادي.

ما بدا لسنوات وكأنه جدار دعم غربي مطلق بدأ يتصدّع، ليس فقط في دوائر الإعلام والنقابات، بل داخل البرلمانات والحكومات ذاتها.

لكن يبقى السؤال الجوهري: لماذا الآن؟ ما الذي جعل هذا التحوّل ممكنًا بعد عقود من التواطؤ أو التجاهل؟ وما السياقات والتطورات – الإقليمية، والحقوقية، والداخلية – التي أفضت إلى هذا المشهد الجديد؟

ثم، الأهم من ذلك: إلى أي مدى ستؤثر هذه المواقف والضغوط – رغم أنها لم ترقَ بعد إلى مستوى العقوبات الشاملة – على سلوك إسرائيل فعليًا؟ وهل يمكن الرهان عليها لإحداث اختراق في جدار الحصانة السياسية التي أحاطت بها نفسها لعقود؟

في هذا المقال، نحاول تقديم إجابات ممنهجة لهذه الأسئلة من خلال تتبّع أبرز ملامح المواقف الغربية الجديدة، وتحليل منطلقاتها، وتقييم حدودها وإمكاناتها المستقبلية:

هل نحن أمام بداية تحوّل بنيوي في علاقات الغرب مع إسرائيل، أم أمام جولة مؤقتة من الغضب الأخلاقي سرعان ما تنكفئ أمام ضرورات السياسة؟

إعلان أولًا: مواقف غربية رسمية غير مسبوقة

في الأسبوع الأول من مايو/ أيار 2025، شهد الخطاب الأوروبي تحولًا نوعيًا في التعامل مع إسرائيل، عبر مواقف رسمية اتسمت بصراحة قانونية حادّة وخطوات عملية غير معهودة، في دلالة على انكسار حاجز التحفّظ الدبلوماسي الذي طالما طغى على العلاقات الغربية- الإسرائيلية.

إدانة خطط إسرائيل.. ومكانة فلسطين القانونية

في 7-8 مايو/ أيار، أصدرت ست دول أوروبية: (أيرلندا، إسبانيا، سلوفينيا، لوكسمبورغ، النرويج، وآيسلندا) بيانًا مشتركًا اعتبرت فيه محاولات إسرائيل تغييرَ ديمغرافية غزة وتهجير سكانها، ترحيلًا قسريًا وجريمة بموجب القانون الدولي. كما شدد البيان على أن غزة "جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين"، في إقرار قانوني صريح بمكانة فلسطين، طالما تجنبت حكومات أوروبية النطق به بهذا الوضوح.

اتهام إسرائيل بسياسة الحصار والتجويع

البيان نفسه وصف الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2 مارس/ آذار بأنه "مانع شامل للمساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية"، وطالب برفعه الفوري دون تمييز أو شروط.

كما وثّقت منظمة الصحة العالمية في 12 مايو/ أيار، أن غزة تواجه إحدى أسوأ أزمات الجوع عالميًا، مع وفاة عشرات الأطفال، ووصفت ما يحدث بأنه نتيجة "حرمان متعمّد من الغذاء"، في توصيف يقارب التجويع كجريمة حرب أو حتى جريمة إبادة محتملة.

رفض الآلية الأميركية- الإسرائيلية لتوزيع المساعدات

في 19 مايو/ أيار، أصدرت 22 دولة، من بينها فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، وكندا، بيانًا مشتركًا أعربت فيه عن رفضها الآلية الجديدة التي اقترحتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة.

واعتبرت هذه الدول أن "النموذج الجديد" يفتقر للفاعلية، ويربط المساعدات بأهداف عسكرية وسياسية، ويقوّض حيادية الأمم المتحدة، ويُعرّض العاملين والمستفيدين للخطر. كما شددت على أن سكان قطاع غزة "يواجهون المجاعة وعليهم الحصول على المساعدات التي يحتاجون إليها بشدة".

إعلان دعوات لحظر التسليح ومراجعة الشراكات

أبدت هولندا تحولًا واضحًا في خطابها التقليدي تجاه إسرائيل. فقد صرّح وزير خارجيتها كاسبر فيلد كامب بوجوب "رسم خط أحمر" عبر مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، وأعلن تجميد أي دعم حكومي لتمديدها.

كما شددت السلطات الهولندية الرقابة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج منذ أبريل/ نيسان. وفي أيرلندا، صوّت مجلس الشيوخ بالإجماع أواخر أبريل/ نيسان لصالح فرض عقوبات على إسرائيل ومنع مرور الأسلحة الأميركية عبر الأجواء الأيرلندية، في خطوة رمزية، لكنها تعكس تغير المزاج التشريعي والمؤسساتي بوضوح.

تحركات نحو الاعتراف بدولة فلسطين

من أبرز مظاهر التحول أيضًا، تلويح عدد من الدول: (فرنسا، لوكسمبورغ، إسبانيا، أيرلندا، سلوفينيا)، باعتبار الاعتراف بدولة فلسطين ضرورة سياسية لحماية حل الدولتين.

وكان قد سبق ذلك اعتراف رسمي من أيرلندا، وإسبانيا، والنرويج بدولة فلسطين في مايو/ أيار 2024، ثم سلوفينيا في يونيو/ حزيران، ما رفع عدد دول الاتحاد الأوروبي المعترفة إلى عشر دول على الأقل، معظمها من أوروبا الغربية، بما يشكّل تحوّلًا غير مسبوق في بنية العلاقات الأوروبية- الإسرائيلية.

انضمام بريطانيا إلى دائرة التحوّل

وفي تطوّر نوعي، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، خلال جلسة البرلمان في 20 مايو/ أيار 2025، تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرض عقوبات على ثلاثة مستوطنين ومنظمتين إسرائيليتين متورطتين بأعمال عنف في الضفة الغربية.

كما وصف الحصار المفروض على غزة بأنه "غير أخلاقي ولا يمكن تبريره"، مطالبًا برفعه الفوري، بينما دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن "مستوى المعاناة في غزة لا يُحتمل".

ثانيًا: ضغط الشارع، وانكشاف الفظائع

ولكن: لماذا الآن؟ وهل التحوّل الغربي لحظة عابرة أم بداية تغير بنيوي؟

إعلان

لم يأتِ التحول في المواقف الغربية تجاه إسرائيل كنتيجة لقرار سياسي منفرد أو يقظة أخلاقية مفاجئة، بل جاء بفعل تراكم غير مسبوق لضغوط إعلامية، شعبية، حقوقية ودبلوماسية، تقاطعت كلها في لحظة انكشافٍ عالمي كامل لما يجري في غزة. السؤال عن "لماذا الآن؟" يجد إجابته في هذه اللحظة الكاشفة التي بات فيها التغاضي الغربي مرادفًا صريحًا للتواطؤ.

صور الأطفال المتوفين جوعًا، مشاهد الدمار الكلي، المقابر الجماعية والمجازر المتواصلة، فُرضت على الإعلام التقليدي والمنصات الرقمية رغم محاولات الحجب. حتى عالم الفن والثقافة انخرط في الإدانة، كما حصل عشية مهرجان "كان" حين وقّع أكثر من 350 فنانًا عالميًا على رسالة تصف ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية". بالتوازي، وثّقت منظمات كالعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، واليونيسيف تفاصيل الجرائم بدقة لا تُطاق.

في الولايات المتحدة، بدأت موجة الاحتجاجات الشعبية تتصاعد بقوة في أواخر عهد الرئيس السابق جو بايدن، وسط اتهامات علنية لإدارته بالتواطؤ في الجرائم المرتكبة في غزة، وتحوّل وسم "Genocide Joe" إلى رمز للاحتجاج الرقمي.

ومع وصول إدارة ترامب الثانية، استمرت التظاهرات، لا سيما في الأوساط الجامعية والنقابية؛ احتجاجًا على استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل، وإن اتخذت طابعًا أكثر تحديًا للخطاب الرسمي الصدامي.

أما في أوروبا، فقد شهدت عواصم كبرى كمدريد، دبلن، لاهاي، وأوسلو مظاهرات حاشدة طالبت بوقف فوري للحرب ومحاسبة إسرائيل. ومن أبرز التحركات المؤسسية، كان تصويت اتحاد النقابات النرويجي (LO) بنسبة 88% لصالح مقاطعة شاملة لإسرائيل، تشمل سحب صناديق التقاعد من الشركات الداعمة للاحتلال، وهي خطوة غير مسبوقة في أوروبا.

الضغط الشعبي ترافق مع تصدعات في الخطاب السياسي: أكثر من 53 ألف شهيد فلسطيني، منهم 15 ألف طفل؛ تدمير كامل للبنية التحتية: (الصحية، التعليمية، الزراعية…)؛ ومجاعة جماعية وثقتها الأمم المتحدة.

ورغم ذلك، يبقى السؤال قائمًا: هل نشهد تغيرًا بنيويًا في السياسات الغربية، أم مجرّد موجة غضب ظرفية سرعان ما تنكفئ؟

إعلان

التحذير من "النكوص" مشروع، لكن المؤشرات الإيجابية لا يمكن تجاهلها: دول مثل أيرلندا وإسبانيا، تبنّت مواقف كانت تُعتبر راديكالية، منها فرض قيود على العلاقات العسكرية والاعتراف بدولة فلسطين.

كما تشكّلت كتل أوروبية تنسق مواقفها بجرأة، كما في البيان السداسي لوزراء خارجية آيسلندا، أيرلندا، النرويج، سلوفينيا، إسبانيا ولوكسمبورغ. كذلك بدأنا نلمس تغيّرات داخل البرلمان الأوروبي نفسه، مع تصاعد أصوات تطالب بمحاسبة إسرائيل قانونيًا.

ثالثًا: دور إعادة التموضع الإقليمي

لا يمكن فهم هذا التحوّل من دون التوقف عند الترتيبات الجيوسياسية التي مهّدت له. فبالتزامن مع تصاعد الخطاب الأوروبي المنتقد لإسرائيل، نشطت إدارة ترامب على عدة جبهات إقليمية في مطلع مايو/أيار 2025.

ففي 7 مايو/ أيار، تدخّلت واشنطن لاحتواء تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بالتعاون مع مجموعة السبع (G7). وفي اليمن، رعت هدنة بحرية بين الحوثيين والتحالف السعودي- الإماراتي، بوساطة عُمانية، أفضت إلى خفض التوتر في البحر الأحمر.

هذه التهدئة الإقليمية سحبت من يد إسرائيل أوراق التهديد التي طالما استخدمتها لتبرير استمرار الحرب على غزة، خصوصًا ما يتعلق بـ"محور إيران- الحوثيين-حماس".

وتُرجِم ذلك دبلوماسيًا في تراجع الحرج الأوروبي من اتخاذ مواقف علنية حادة تجاه تل أبيب. بل تشير بعض التقديرات إلى دور خليجي غير معلن في هذه التهدئة، مقابل ضغوط أميركية على إسرائيل، ما سمح للغرب بإعادة التموضع من دون الدخول في صدام مباشر مع واشنطن.

هكذا، جاء التحوّل الغربي نتيجة "ترتيب سياسي هادئ" أكثر مما هو لحظة أخلاقية خالصة. لكنه، وعلى محدوديته، شكّل بيئة جديدة أكثر تحررًا للحكومات الأوروبية التي بادرت بتعليق اتفاقيات، فرض عقوبات، واستدعت سفراء، كما حدث في لندن، دبلن، وأوسلو.

إعلان رابعًا: إسرائيل وجنوب أفريقيا

والسؤال: هل سيكون الوضع كما جنوب أفريقيا؟ هل تقود الضغوط الغربية إلى تحوّل حقيقي في سلوك إسرائيل؟

رغم أن ما فُرض حتى الآن من عقوبات غربية لا يرقى بعد إلى مستوى الردع، فإن أثرها الواقعي بدأ يظهر على أكثر من صعيد. تعليق صفقات الأسلحة، خصوصًا من دول أوروبية، ووقف مرورها عبر الأجواء، كما فعلت أيرلندا، يعقّد التموين العسكري الإسرائيلي. حظر المواد ذات الاستخدام المزدوج يقيّد تصنيع بعض مكونات الأسلحة الدقيقة. تجميد اتفاقيات تجارية، وتلويح هولندا وفرنسا بإعادة تقييم الشراكة مع إسرائيل يضعان تل أبيب في مواجهة عزلة اقتصادية بدأت فعليًا.

الأثر السياسي لا يقل أهمية: انكشاف إسرائيل على المسرح الدولي، تصدّع صورتها كشريك غربي "طبيعي"، وعودة قضيتها إلى ساحات المحاكم والمنظمات الدولية، كلّها تطورات تُعيد تعريف الكلفة السياسية لجرائمها.

هذا الضغط لم يأتِ فقط من الحكومات، بل من البنية المجتمعية الغربية: النقابات، الجامعات، الأحزاب، ومن داخل برلمانات كانت حتى الأمس القريب تصمت أو تبرّر.

بهذا المعنى، فإن هذه الخطوات السياسية – رغم محدوديتها – تمثل كسرًا للإجماع الغربي التقليدي حول دعم إسرائيل المطلق، وتفتح الباب أمام الانتقال من الإدانة الخطابية إلى أدوات ضغط ملموسة، تشمل مراجعة الاتفاقيات، تعليق الشراكات، وتقييد العلاقات الدبلوماسية، بما قد يتطور لاحقًا إلى تدابير أكثر صرامة.

وهي لحظة تذكّر، من حيث الشكل والمناخ الدولي، بالبدايات التي سبقت فرض العقوبات الشاملة على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حين بدأت الدول الغربية بإجراءات تدريجية قبل أن تنهار شرعية النظام تحت وطأة الضغط المتراكم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • كيف يخطط الغرب؟!
  • إنقاذ الكيان من نتنياهو حاجة غربية
  • 13 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية خلال 24 ساعة
  • “انهيار التنسيق وفرار الجنود”.. جيش الاحتلال يُقرّ بفشله في “كيسوفيم”
  • وزير الأوقاف يُدين استهداف وفد دبلوماسي دولي بنيران "قوات الاحتلال "خلال زيارته إلى جنين
  • وزير الأوقاف يُدين استهداف وفد دبلوماسي دولي بنيران قوات الاحتلال خلال زيارته إلى جنين
  • للمرة الثانية خلال ساعات .. الحوثيون يستهدفون الكيان / فيديو
  • للمرة الثانية خلال ساعات .. الحثيون يستهدفون الكيان / فيديو
  • هل باع الغرب إسرائيل؟
  • ???? كامل إدريس ،الحكومة القادمة بلا ترف ولا ترهل