نشرت صحيفة "ال كونفيدينسيال" الإسبانية تقريرًا يسلط الضوء على فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحقيق هدفه بتقليص العجز التجاري رغم سياساته الجمركية الصارمة. ويكشف أن الرسوم المفروضة أرهقت الشركات الأمريكية نفسها بدلًا من تحسين الميزان التجاري، بينما بقيت آثارها على الاقتصاد العالمي محدودة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إنّه في الثاني من أبريل/ نيسان من هذا العام أعلن ترامب في حديقة الورود بالبيت الأبيض ما أسماه "يوم التحرير"، وسط أجواء احتفالية وضجيج إعلامي كبير.

وفرض ترامب رسوماً جمركية على نحو نصف دول العالم تقريبًا، حلفاءً وخصومًا، أصدقاءً وأعداءً ، بنسب متفاوتة. فما الذي تغيّر منذ ذلك الحين؟.

وأضافت الصحيفة أنّه رغم أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على نتائج هذه السياسة التجارية الجديدة، وهي الأشد منذ ثلاثينيات القرن الماضي حين أُقِرّ قانون "سموت-هاولي"، فإنّ هناك مؤشرات أولية واضحة. أولها أن العجز الضخم في السلع الأمريكية، الذي بلغ 1.2 تريليون دولار السنة الماضية، لم يتراجع. وثانيها أن التضخم لم يرتفع كما كان متوقعًا، إذ استوعبت الشركات زيادة التكاليف في حساباتها. وثالثها أن الولايات المتحدة تواجه مشكلة هيكلية في موقعها التجاري العالمي، إذ إن سلعها الصناعية، بعكس الخدمات، رغم تحسّن الإنتاجية، لا تزال غير تنافسية بما يكفي، ما يضطرها إلى استيراد كميات هائلة.

وبحسب بيانات حتى يوليو/ تموز، بلغت الواردات 2.09 تريليون دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات 1.25 تريليون دولار رغم انخفاض الدولار بنسبة 16 بالمئة أمام اليورو. وبذلك سجلت الولايات المتحدة خلال سبعة أشهر فقط عجزًا تجاريًا في السلع بقيمة 834.562 مليار دولار، بزيادة 23.8 بالمئة عن الفترة نفسها من العام السابق.

وعند احتساب العجز في السلع والخدمات معًا، يظهر ارتفاع بقيمة 154.3 مليار دولار، أي زيادة بنسبة 30.9 بالمئة مقارنة بعام 2024، حيث نمت الصادرات بنسبة 5.5 بالمئة في حين ارتفعت الواردات بنسبة 10.9 بالمئة.

خيبة أمل ترامب
وقالت الصحيفة إن تقريرًا صادرًا عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي خلص إلى استنتاج أولي مفاده: "قد تُخيب هذه النتائج آمال فريق ترامب التجاري، لكنها لن تفاجئ الاقتصاديين الكليين الذين يعتبرون التوازن بين الإنفاق والإنتاج المحلي المحدّد الرئيسي للعجز التجاري الخارجي".

ومع ذلك، تكشف الأرقام عن تحركات بارزة خلف المشهد العام. فالصين قلّصت مبيعاتها إلى الولايات المتحدة — وهو أحد أهداف ترامب الأساسية — في حين شهدت صادرات بريطانيا ارتفاعًا ملحوظًا بفضل علاقاتها التجارية المتميزة مع واشنطن.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد حافظ على قوة صادراته إلى السوق الأمريكية حتى أغسطس/آب 2025، حيث بلغت وفق يوروستات 385.498 مليار دولار، أي بزيادة 9.4 بالمئة، إلا أن هذا الزخم بدأ يتراجع، إذ هبطت الصادرات الأوروبية في أغسطس بنسبة 22.2 بالمئة، فيما انخفضت الواردات بنسبة 1.9 بالمئة.

وكانت إدارة ترامب قد برّرت فرض الرسوم الجمركية بهدفين: زيادة الإيرادات وحماية الصناعة المحلية، خصوصًا في مواجهة الصين. غير أن معهد بيترسون يشير إلى أن العائدات الجمركية من واردات الاتحاد الأوروبي لم تتجاوز 8.9 بالمئة من قيمتها، أي أقل من نسبة الـ15 بالمئة التي فرضتها واشنطن. ويؤكد أحد المعاهد الاقتصادية الكبرى أن "التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تتأثر فعليًا".

وينطبق نفس الواقع على العلاقات التجارية مع المكسيك وكندا؛ إذ لم ترتفع الإيرادات الجمركية من واردات المكسيك سوى بنسبة 4.7 بالمئة، ومن كندا بنسبة 2.9 بالمئة، فيما تظل التبادلات التجارية مع بقية الدول الخاضعة للتعريفة الموحدة البالغة 10 بالمئة مستقرة تقريبًا.

المنتجات منخفضة التكلفة
وذكرت الصحيفة أن التدقيق في تفاصيل المبادلات التجارية يكشف نتائج لافتة، فصادرات الولايات المتحدة من فول الصويا إلى الصين اختفت تمامًا، في حين تراجعت وارداتها من الطرود منخفضة القيمة، أو ما يُعرف بـ"دي مينيمس". وفي المقابل، ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 22 بالمئة، ويستنتج خبراء معهد بيترسون أن تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب يُلمس بوضوح في الدول المصدّرة أكثر مما ينعكس على الاقتصاد الأمريكي ككل.

وأضافت الصحيفة أن دي مينيمس، الذي أُنشئ عام 1938 لتقليل البيروقراطية على الواردات الصغيرة دون 800 دولار، أصبح شحن السلع الرخيصة فيه أكثر تكلفة من قيمتها. وتشير بيانات إي سي دي بي إلى أن الشركات استغلت هذا الإعفاء لشحن كميات صغيرة بالجملة لتقليل التكاليف، وهي الممارسة التي سعى ترامب إلى إنهائها عبر رسوم تستهدف التجارة الإلكترونية. وتتوقع الشركة انخفاض الإيرادات الجمركية من فئة دي مينيمس بنسبة 1.5 بالمئة في 2025 مقارنة بسيناريو خالٍ من الرسوم، مشيرة إلى أن المبيعات عبر الحدود تمثل 4.7 بالمئة فقط من إجمالي إيرادات التجارة الإلكترونية، ما يجعل تأثير ارتفاع أسعار السلع الأجنبية محدودًا.

وأفادت الصحيفة أن السبب يعود إلى أن إستراتيجية ترامب كانت متوقعة زمنياً، ما مكّن شركات صينية مثل "شي إن" و"تيمو"، المتخصصتين في السلع منخفضة السعر، من التكيف سريعًا مع إلغاء الإعفاء الجمركي وارتفاع الرسوم، مع الالتزام بالقوانين الأمريكية. بل إن "شي إن" بدأت التعاون مع تجار التجزئة الأمريكيين، ما وضعها و"تيمو" في موقع تنافسي متكافئ مع أمازون ووولمارت، اللتين تعتمدان أيضًا على بائعين دوليين.

الشركات تتحمل التكاليف
 وقالت الصحيفة إن بحث البروفيسور فيسنتي إستيف من جامعة فالنسيا يؤكد أن الشركات الأمريكية تتحمّل العبء الفعلي للرسوم الجمركية، بدلاً من المصدّرين الأجانب كما كان يسعى ترامب، ما قد يثير تحديات سياسية أمامه مع ناخبيه. وأوضح أن الأسعار المدفوعة على الواردات لم تتغير كثيرًا حتى يوليو/تموز 2025، في حين ارتفعت أسعار المستهلك بشكل طفيف، ما يعني أن الشركات امتصّت الجزء الأكبر من التكاليف دون تحميلها على البائعين الأجانب أو المستهلكين النهائيين.

وفي السياق ذاته، يفنّد بحث مركز السياسات الاقتصادية والبحثية (سي إي بي آر) هدف ترامب في زيادة الإيرادات لتمويل التخفيضات الضريبية، مشيرًا إلى أن هذه الرسوم المرتفعة "غير مسبوقة"، إذ تمثل عادةً 1.25 بالمئة فقط من قيمة الواردات وأقل من 2 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أن الباحثين كيمبرلي كلووسينغ وماوريسيو أوبستفيلد يرون أن هذه الرسوم، حتى لو تجاوزت العقبات القانونية، لن تولّد أكثر من تريليوني دولار خلال عشر سنوات، وهو مبلغ كبير لكنه غير كافٍ لتمويل التخفيضات الضريبية الموعودة البالغة 3.4 تريليونات دولار. ومع اعتماد الإدارة الأمريكية على العائدات الجمركية لتغطية العجز الهائل، سيكون من الصعب على خلفاء ترامب خفض الرسوم أو إلغاؤها، وتخلص الدراسة إلى أن أقصى رسوم ممكنة "لن تموّل سوى أقل من خُمس الإيرادات الحالية لضريبة الدخل الفيدرالية"، ما يدل بوضوح على أن ترامب بعيد عن تحقيق أهدافه الاقتصادية.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ترامب الولايات المتحدة الولايات المتحدة بايدن سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الصحیفة أن فی السلع بنسبة 1 فی حین إلى أن

إقرأ أيضاً:

ترامب يبدي استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل إذا أتيحت الظروف

ترامب يبدي استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل إذا أتيحت الظروف

مقالات مشابهة

  • قرار لـ ترامب برفع الرسوم الجمركية على كندا
  • لماذا فشل ترامب في تحقيق هدفه بتقليص العجز التجاري الأمريكي؟
  • وزير الخزانة الأمريكي: توصلنا لاتفاق مبدئي مع الصين بشأن الرسوم الجمركية
  • ترامب يعلن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الكندية
  • ترامب يعلن زيادة الرسوم الجمركية على كندا
  • ترامب يبدي استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل إذا أتيحت الظروف
  • الصين تدرس إعفاء الصادرات المصرية من الرسوم الجمركية
  • الذهب يرتفع قليلا قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية
  • استقرار الدولار مع ترقب بيانات التضخم الأمريكي