مسؤولية الكلمة في زمن الفضاء الرقمي
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
صالح بن سعيد الحمداني
في عالم اليوم حيث تزدحم الصفحات والمقالات والمدونات بالآلاف من الكلمات يوميًا يصبح اختيار ما نقرأ وما نثق به تحديًا حقيقيًا، فبينما نجد أقلامًا تقدم القليل من الحروف، لكنها تحتوي على معانٍ جليلة وتأملات عميقة، هناك أيضًا أقلام تطبق ما يمكن أن نصفه بمبدأ "خالف تُعرف"، دون أن تضيف قيمة حقيقية ولكنها أحيانًا على حساب وضوح الفكرة ومصلحة القارئ، فكم من مرة قرأنا مقالات أو أطروحات أبدع كاتبها في جمع كلمات بلا مضمون حقيقي وجعل القارئ يُرهق ذهنه في محاولة لفهم ما لا معنى له؟ إنه شعور محبط ومؤلم خصوصًا حين نعرف أنَّ هذا الكاتب قد تلقى علمًا ودرسًا ولم يستثمره في إثراء الآخرين.
الأقلام الراقية هي التي تدرك أن الكلمة ليست مجرد حروف متتابعة وإنما أداة تأثير ومسؤولية، الكاتب المبدع يكتب بما يجعل القارئ يتوقف عند كل جملة يستخلص منها فائدة ويعيد التفكير فيها مرات ومرات، ففي هذه الحالة ليس المهم طول المقال أو حجم الورق بل قوة المعنى ووضوح الرؤية، فالقراءة مع هذه الأقلام تجربة فريدة، فالقارئ يبحر في حروفها كما يبحر في بحر هادئ يجد لكل كلمة مكانها ولكل فكرة عمقها ويخرج منها بثروة معرفية ولو كان الفهم بسيطًا أو محدودًا بحسب ثقافته وخبرته، فمثل هذه الأقلام تجعل من كل حرف قيمة وتزرع في القارئ إحساسًا بالاحترام للكلمة وأهمية التعبير الهادف.
على الجانب الآخر توجد الأقلام التي تعتمد أسلوب الإثارة لمجرد الظهور أو التجاوب مع العاصفة الرقمية دون محتوى حقيقي، فهذه الأقلام تكتب أحيانًا لتُحدث الجدل أو لتميز نفسها عن الآخرين بخلافات سطحية، أو لتعطي انطباعًا بالمعرفة دون أي جوهر، وتكون النتيجة؟ فقدان الثقة في كثير من المنشورات وضياع الوقت والطاقة لدى القارئ وتشويش على أولئك الذين يسعون للمعرفة الحقيقية، وللأسف في الفضاء الرقمي المفتوح، يجد مثل هذا المحتوى جمهورًا يزداد من خلال التفاعل السطحي ما يمنح كاتبًا غير مسؤول منصة أكبر مما يستحق.
كمتابع، يكون للقارئ دور مُهم لا يكفي أن يكون ناقدًا وإنما يجب أن يكون واعيًا ومسؤولًا في اختياره لمن يتابع ومن ينشر له، ومتابعة الأقلام التي تعتمد الإثارة دون محتوى حقيقي أو نشر مقالات ضعيفة يعني تعزيز عجز الثقافة الرقمية وإعطاء المساحة لمن لا يستحقها، وهنا تظهر أهمية وعي المتابعين الذين يمكنهم دعم الأقلام الراقية والمساهمة في نشر المعرفة الحقيقية بعيدًا عن الإثارة السطحية أو الجدل المفتعل، وإن كل متابعة وكل إعادة نشر وكل إعجاب، كلها إشارات تعزز أو تضعف مكانة الكاتب في المجتمع الرقمي، المجتمعات التي تحتفي بالقيم الحقيقية للأقلام والتي تميز بين المعرفة الصادقة والسطحية تبني قاعدة ثقافية قوية، فالكاتب الذي يكتب بحكمة ووعي لا يكتفي بإثراء قارئ واحد وإنما يسهم في نشر ثقافة النقد البناء والفكر المستقل ويحفز الآخرين على الكتابة بجدية ومسؤولية، فمثل هذه الأقلام تتحول إلى مرجعية والمجتمع الذي يحتضنها يصبح أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على التمييز بين المضمون الحقيقي والمحتوى المُضلل ويصنع بيئة محفزة على الابتكار والبحث العلمي والأدبي الحقيقي.
ومن المهم أن نعترف بأنَّ لكل منَّا دورًا سواء ككاتب أو قارئ أو ناشر، فالقلم مسؤول والكلمة لها وزنها، في المقابل القارئ مسؤول عن اختياره لمن يتابع وعن دعمه للأقلام الراقية وعن رفض الانتشار لما يضر الثقافة والمجتمع، وإن متابعة الأقلام التي تعتمد "خالف تُعرف" دون مضمون حقيقي أو حتى نشر محتواها هي بمثابة دعم لضعف الفكر وإعاقة لنمو المجتمع، ومن ناحية أخرى دعم الأقلام الراقية استثمار في الثقافة والمعرفة والوعي الجمعي، وإني كقارئ متابع يمكنني القول لن نختصر الطريق إلا بالتمييز بين الصادق والمضلل بين الجوهر والمظهر، بين من يضيف قيمة حقيقية وبين من يستهلك وقتنا بلا فائدة، هذه مسؤوليتنا وهذه قيمتنا في زمن يزدحم فيه العالم بالكلمات، لكن قليل منها ما يحمل معنى حقيقيًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحديث Breach يمنح No Man’s Sky حياة جديدة في الفضاء
بعد رحلة طويلة من الصعود والهبوط، تواصل لعبة No Man’s Sky كتابة واحدة من أعظم قصص العودة في تاريخ ألعاب الفيديو. هذه اللعبة، التي كانت في بداياتها موضع جدل واسع بسبب الاتهامات بالتضليل الإعلاني، أصبحت اليوم نموذجاً يُحتذى به في الإصرار على التطوير المستمر والتفاعل مع اللاعبين، بفضل رؤية فريق Hello Games البريطاني.
أحدث فصول هذه الملحمة يأتي مع التحديث الجديد الذي يحمل اسم Breach، والذي يُعد امتداداً مباشراً لتوسعة Voyagers الضخمة التي أطلقتها الشركة في أغسطس الماضي. هذه التوسعة كانت قد أحدثت ضجة كبيرة في مجتمع اللاعبين، بعد أن سمحت للمرة الأولى ببناء سفن فضائية مأهولة بالكامل داخل اللعبة، وهو إنجاز طال انتظاره منذ سنوات.
أما تحديث Breach الجديد، فيرفع سقف الطموح مرة أخرى عبر إضافة حطام سفن فضائية قابلة للاستكشاف بالكامل، يمكن للاعبين انتشالها والتنقيب داخلها بحثاً عن الموارد النادرة. هذه الموارد ليست مجرد عناصر تجميعية، بل يمكن استخدامها فعلياً لتطوير وبناء أجزاء جديدة للسفن، ما يمنح التجربة طابعاً أكثر عمقاً وواقعية في استكشاف الفضاء.
التحديث لا يقتصر على الجوانب التقنية فحسب، بل يضيف أيضاً رحلة استكشافية جديدة ضمن أحداث اللعبة محدودة الوقت. في هذه المغامرة، سيواجه اللاعبون كوكباً مهجوراً مليئاً بالأسرار، حيث يتعين عليهم الكشف عن حقيقة سفينة فضائية مفقودة وغامضة. أولئك الذين ينجحون في خوض هذه الرحلة حتى نهايتها سيحصلون على مكافآت خاصة تشمل أجنحة متوهجة مستوحاة من أطلس، بالإضافة إلى أجزاء فريدة يمكن استخدامها في بناء سفنهم المخصصة.
ويبدو أن Hello Games لم تُضف هذه الرحلة عبثاً في هذا التوقيت، إذ تتزامن مع اقتراب موسم عيد الهالوين، مما يجعل أجواء الغموض والخوف في المهمة تتناسب تماماً مع روح المناسبة. كثير من اللاعبين وصفوا التجربة بأنها "مخيفة ومثيرة في الوقت ذاته"، خصوصاً عند خوضها بشكل جماعي مع الأصدقاء.
في تصريح سابق، وصف شون موراي، مؤسس Hello Games، عام 2025 بأنه "عام مجنون" لفريق التطوير، في إشارة إلى وتيرة التحديثات السريعة والمحتوى الضخم الذي تم طرحه. ويبدو أن تحديث Breach يمثل ختاماً مميزاً لعام ناجح بكل المقاييس، قبل أن تبدأ اللعبة عام 2026، الذي سيصادف الذكرى العاشرة لإطلاقها الأول.
ورغم أن الاستوديو لم يُعلن بعد عن خططه المستقبلية، إلا أن موراي لمح إلى أن تقنيات بناء السفن التي تم تطويرها في توسعة Voyagers قد تُستخدم مستقبلاً في مشروعهم الجديد Light No Fire، وهي لعبة بقاء في عالم مفتوح تعمل Hello Games على تطويرها حالياً. ورغم عدم وجود موعد إصدار محدد بعد، إلا أن التشابه في أساليب التصميم يوحي بأن الفريق يسعى لدمج خبراته في عالم No Man’s Sky في مشروعه القادم.
اللافت في قصة No Man’s Sky هو أن اللعبة التي وُصفت يومًا بأنها "خيبة أمل" عند إطلاقها عام 2016، أصبحت اليوم مثالاً يُدرّس في صناعة الألعاب حول كيفية تحويل الفشل إلى نجاح مدوٍ عبر الالتزام والتحديث المستمر. فبدلاً من التخلي عن المشروع، اختارت Hello Games الطريق الأصعب — إعادة بناء الثقة مع اللاعبين خطوة بخطوة، حتى أصبحت اللعبة من أكثر تجارب المحاكاة غنى وإبداعاً في جيلها.
مع اقتراب الذكرى العاشرة لإطلاق اللعبة، يبدو أن No Man’s Sky لم تكتفِ بالعودة فحسب، بل أصبحت تقود ثورة في تصميم ألعاب الفضاء المفتوح، مؤكدة أن الإصرار والشغف يمكن أن يعيدا الحياة إلى أي مشروع مهما كانت بدايته صعبة.