محمد بن سالم البطاشي

 

التنويع الاقتصادي لأي بلد كالنهر المتشعِّب، كلما تفرعت مجاريه، سقت أرضًا أوسع وأخصبت جدبًا مهلكًا، وأنبتت فرصًا أوفر؛ فهو المفتاح الذي يفتح أبواب الرزق المغلقة، والسراج الذي يبدد ظلام البطالة، وما قد تجره من تذمر وفقر وسلوك ذميم في بعض الأحيان، أو قد تتخطفهم منظمات السوء لتلقي بهم في مهاوي الردى.

فحينما توضع الكفاءات الوطنية في محلها الصحيح وتُوظَّف الأفكار الإبداعية وتنطلق الطموحات إلى رحاب أوسع وأشمل وتجند الطاقات المهدرة بشكل مدروس ودقيق ولا يُعلّق الأمل على مورد واحد، ولا تُحصر الطاقات في مسار ضيق، عندئذٍ تنبثق من رحم الاقتصاد مجالاتٌ وحلول جديدة، تُعانق الطموحات وتحتضن الكفاءات، فهو أشبه ببستان متنوع الثمار، يؤتي أكله كل حين، لا يُجاع ولا يُحرم فيه أحد من قطاف النجاح.

وفي ظل التنويع، لا يكون الشاب بين خيارين: إما انتظار وظيفة أو مغادرة وطن؛ بل سيجد أمامه خيارات شتى لا تُعد، ومسارات عديدة لا تُغلق؛ فالتنويع ليس فقط حنكة اقتصادية فحسب؛ بل عدالة اجتماعية، ورافعة حضارية، تُحوِّل التحديات إلى فرص ومواسم عمل، وتنسج من موارد الوطن خيوط ازدهار تتكاثر خيرًا عميمًا غير منقطع، ولا يحد أثره، ولا يحصى نفعه، وهو مفتاح بقاء واستدامة الاقتصادات النفطية والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي للأنظمة، وسبيل أكيد لتحقيق تنمية شاملة تحمي الدول من الصدمات وتؤمن مستقبلًا مزدهرًا.

وتتضح أهمية التنويع الاقتصادي للبلدان النفطية في مناح عديدة ومتشعبة يطول الحديث عنها ولكن يمكن إيجازها بما يلي:

تقليل الاعتماد على النفط والغاز: لأن التنويع الاقتصادي يعد ملاذا آمنا حيث يعمل على التقليل من المخاطر المرتبطة بتذبذب أسعار النفط التي تؤثر مباشرة على الميزانية العامة والدخل القومي. تحقيق الاستقرار الاقتصادي: فهو يساهم في استقرار الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل وتحقيق نمو متوازن في قطاعات متعددة. توسيع فرص العمل: تحقيق التنويع الاقتصادي يدعم النمو في قطاعات جديدة مثل الصناعة، السياحة، الزراعة، التكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، الأمر الذي يفتح مجالات توظيف واسعة للمواطنين. توطين التكنولوجيا والمعارف: وهذه ميزة مهمة للتنويع الاقتصادي حيث تدخل ميدان الخدمة معارف ومهارات شتى لم تكن قد عرقت من قبل وباستمرار الاستخدام والممارسة تصبح هذه الخبرات نمطا معرفيا سائدا. استغلال الخامات المحلية: عن طريق تعزيز القيمة للخامات المحلية بزيادة جودتها وتصنيعها لاشتقاق منتجات أخرى تدخل في سلاسل الإنتاج النهائي أو شبه النهائي. تكاملية سلاسل الإمداد: وهذه نتيجة طبيعية تفرضها الحاجة عند تنفيذ سياسات التنويع الاقتصادي. تشجيع الابتكار وريادة الأعمال: التنويع يدفع نحو تأسيس شركات جديدة تعتمد على البحث عن الأفكار الجريئة والمتجددة والابتكار والذكاء الاصطناعي والبحث العلمي والتطوير وتعظيم القيمة المضافة للموارد الطبيعية المتاحة. تحسين الميزان التجاري: وذلك من خلال دعم الصادرات غير النفطية وتقليل الواردات، ما يعزز قوة الاقتصاد الوطني. جذب الاستثمارات الأجنبية: التنويع الاقتصادي من شأنه جذب مستثمرين جدد ممن يبحثون عن فرص في قطاعات مختلفة، مما يزيد من تدفق رؤوس الأموال. ضمان الاستدامة للأجيال القادمة: إن تنمية قطاعات متجددة وغير ناضبة سيوفر مصادر دخل آمنة ومستدامة، بخلاف النفط والغاز اللذين هما موردان ناضبان. الاستجابة للتغيرات العالمية: حيث إنه مع التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، يصبح التنويع ضرورة لا خيارًا.

من هنا يتضح أن التنويع الاقتصادي التنويع الاقتصادي يُعد ضرورة استراتيجية للبلدان النفطية، خصوصًا في ظل التقلبات الحادة في أسعار النفط والاتجاه العالمي المتزايد نحو الطاقة النظيفة وتقليل البصمة الكربونية.

ويمكن توظيف التنويع الاقتصادي في توليد فرص عمل كثيرة في سلطنة عمان من خلال عدة آليات واستراتيجيات؛ أبرزها:

تنشيط القطاعات غير النفطية: مثل التعدين، والسياحة، والصناعة، والتجارة، والزراعة، والثروة السمكية، والقطاع اللوجستي، مما يفتح آفاقاً واسعة لتوظيف الكفاءات الوطنية في مجالات متنوعة. تحفيز ريادة الأعمال: عن طريق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال التمويل والتدريب والحاضنات، والدعم الفني بالمختبرات المتخصصة وتحديث البنية التحتية وغيرها مما يساهم في توفير وظائف جديدة للشباب. التوسع في الصناعات التحويلية: وذلك بتحويل المواد الخام المحلية منخفضة القيمة إلى منتجات نهائية أو شبه نهائية عالية القيمة وقابلة للتصدير مثل الصناعات المرتبطة بالتعدين (الجبس، الحجر الجيري، الدلوميت، البازلت والبريدوتيت، الرخام، النحاس، الكروم، المنجنيز، السليكا والكوارتيزيت... الخ)، مما سيتولد معه فرصاً عديدة في التصنيع، والنقل، والإدارة وعمليات الصيانة وعمليات الدعم الفني وغيرها الكثير. تنشيط السياحة المستدامة: من المؤكد أن توسيع الاستثمار في السياحة البيئية والثقافية والدينية، سيتيح فرص عمل في الإرشاد السياحي، الفندقة، النقل، والتسويق وتنشيط التجارة. تدوير البقايا والمخلفات الناجمة من الأنشطة الاقتصادية المختلفة: كالتعدين مثلا وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية عالية تساهم في توفير فرص عمل جديدة ومبتكرة واستبعاد تأثيراتها البيئية الضارة. مواكبة ثورة القرن والتحول الرقمي والتقني: وهو الأمر الذي سيساهم في تعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات والذكاء الاصطناعي الذي سيوفر وظائف في مجالات البرمجة، وتحليل البيانات، والخدمات الإلكترونية. وقد برز الذكاء الاصطناعي مؤخرا كمجال واعد يمكن من خلاله توفير الكثير من الوظائف. الأمن الغذائي وتوطين أساليب الزراعة الحديثة: وذلك عن طريق تطبيق أساليب الزراعة الذكية والبيوت المحمية الأمر الذي من شأنه توفير فرصاً للشباب في مجالات الزراعة والإنتاج والتوزيع. جذب الاستثمارات الأجنبية: إن اتباع مزيد من السياسات التشجيعية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، سيدفع الشركات إلى التوطين وتوظيف الكفاءات المحلية.

خلاصة القول.. إنَّ التنويع الاقتصادي هو الركيزة الأساسية لبناء اقتصاد قوي ومستدام، فهو لا يعتمد على مصدر واحد للدخل؛ بل يفتح آفاقًا جديدة في قطاعات متعددة ذكرنا بعضها آنفا، ومن خلال هذا التنوع، تطلق فرص عمل جديدة ومتنوعة، تستوعب المهارات المختلفة، وتقلل نسب البطالة، وتمنح الشباب آفاقًا واسعة للإبداع والمشاركة الفاعلة في بناء الاقتصاد الوطني، فكل قطاع جديد يُفتح، هو نافذة أمل لعامل جديد، وكل فرصة استثمارية تُنمى، هي خطوة نحو مجتمع أكثر استقرارًا وازدهارًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزارة العمل تعلن آلية جديدة لاعتماد المدربين

أعلن مركز ضمان الجودة والمعايرة المهنية بوزارة العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية، عن إطلاق خدمة اعتماد المدربين ومنح رخصة الكفاءة المهنية، في إطار جهوده للارتقاء بجودة التدريب في ليبيا وتعزيز مهنية الكوادر العاملة في هذا القطاع.

وأوضح المركز أن الخدمة الجديدة تعتمد على المستويين الأول والثاني الواردين في دليل اعتماد المدرب المعتمد رسميا من وزارة العمل والتأهيل، مؤكدا أن هذه المبادرة تهدف إلى تنظيم مهنة التدريب وتوحيد معايير الكفاءة لضمان جودة المخرجات التعليمية والتدريبية.

ودعا المركز جميع المدربين الراغبين في تطوير مسيرتهم المهنية إلى التقدّم للحصول على شهادة مدرب معتمد عبر الرابط التالي:
???? نموذج التسجيل للحصول على رخصة الكفاءة المهنية

كما أتاح المركز إمكانية الاطلاع على الأدلة التنظيمية المعتمدة عبر الروابط التالية:

???? دليل المدرب – المستوى الأول:
https://qacc.gov.ly/wp-content/uploads/2024/11/Trainer-of-Trainers-Level-1-1.pdf

???? دليل المدرب – المستوى الثاني:
https://qacc.gov.ly/wp-content/uploads/2024/11/Trainer-of-Trainers-Level-2.pdf

????️ دليل كتابة الأهداف التدريبية:
https://qacc.gov.ly/wp-content/uploads/2024/11/Training-Objectives-Writing-Guide.pdf

وأكد مركز ضمان الجودة والمعايرة المهنية أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية نحو تطوير قطاع التدريب المهني في ليبيا، من خلال تطبيق معايير تقييم حديثة تمنح المدربين رخصة الكفاءة المهنية وفق ضوابط الجودة والاعتماد المعتمدة.

مقالات مشابهة

  • سوريا تستعد لطرح فرص استثمارية جديدة في قطاعات النفط والغاز والمياه
  • 40 فرصة عمل جديدة بشركة تريكو بالجيزة
  • العمل: 185 فرصة عمل جديدة بشركة للخدمات البحرية بالسويس
  • وزارة العمل تعلن آلية جديدة لاعتماد المدربين
  • بأكثر من 100 ألف برميل .. ارتفاع صادرات العراق النفطية إلى أميركا
  • ديسكورد يطلق أدوات جديدة لمراقبة أنشطة المراهقين
  • برج الحوت حظك اليوم السبت 8 نوفمبر 2025.. ترغب في خوض مغامرات جديدة
  • أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة يكلّف الاقتصاد نحو 15 مليار دولار أسبوعيًا
  • نواب: صناعة السيارات ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي وفرص العمل في مصر