الإفتاء توضح حكم العمل في البنوك
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن العمل في البنوك جائزٌ شرعًا؛ لأن البنك هو مؤسسة استثمارية وشخصية اعتبارية، والبنك يمارس الاستثمار في صورة الإيداع ويمارس التمويل في صورة العطاء، فالعمل فيه يكون جائزًا.
حكم العمل في البنوكوأضافت دار الإفتاء: إيداع الأموال في البنوك من قبيل الاستثمار القائم على الرضا بين الأطراف، وتحكمه القوانين وتمنع عنه الضرر والغرر، فهو جائز شرعًا وليس في الشرع الشريف ما يمنعه، كما أن طرفه وهو البنك شخصية اعتبارية تختلف أحكامها عن الشخصيات الطبيعية والأفراد.
وأشارت دار الإفتاء: المختار في الفتوى أنها في جملتها تُعدُّ من العقود الجديدة التي لم تكن معروفة لدى الفقهاء بمعناها الفقهي الموروث؛ فهذه الحسابات عقود لها أحكامها الذاتية الخاصَّة التي لا تنطبق على العقود المسمَّاة المعروفة؛ فليس في الفقه الموروث ما يسمَّى بـ"الوديعة الاستثمارية أو غير الاستثمارية"؛ فهي وإن كانت تُشبهها لبعض الاعتبارات إلا أن لها وجوهًا تجعلها مختلفة عنها، بالإضافة إلى أنَّ عدَّها من العقود الجديد هو الأقل إشكالًا والأسلم إيرادًا.
وتابعت دار الإفتاء: فهي تشبه الوديعة باعتبار أن المودع يهدف من خلالها إلى حفظ ماله وصيانته، وأن المال المودع فيها مضمون على البنك مع ردِّ الفائدة القانونية المقررة؛ كلٌّ بحسب طبيعته وما يتماشى مع العرف المصرفي، بينما تخالف الوديعة بمعناها الفقهي، باعتبارها أمانة تُحفظ بعينها لتُرَد إلى أصحابها، ولا تُضْمَن إلا بالتعدي أو التقصير؛ فضلًا عن أن البنك يستهلك عين هذه المبالغ المالية ولا يبقيها كما هي.
وأردفت دار الإفتاء: كما أن الوديعة تبقى على ملك المودع (صاحب المال)، ولا يجوز للوديع (المؤتمن) التصرف فيها، وهو ما يتعارض مع طبيعة هذه الحسابات، فإن ملكية المال المودع في الحساب تنتقل للبنك وله التصرف فيه بتنميته واستثماره ضمن إدارته لسائر النقود والأموال.
وهذه العقود أيضًا تشبه القرض؛ باعتبار أنَّ ملكية المال في كلٍّ منهما تنتقل إلى المقترض، ويحق له التصرف فيه، ولكنها تفترق عن "القرض" بمعناه الشرعي من جهة أنَّ القرض تحظر فيه الزيادة، بل إن المنفعة المشروطة فيه محظورة مطلقًا؛ أمَّا الودائع البنكية فإن الزيادة فيها حاصلة وموجودة، والمنفعة فيها مقصودة من كِلَا الطرفين؛ حيث يقصدها كلُّ طرفٍ كأثرٍ من آثار العلاقة، ونتيجة مترتبة عليها بصورة تلقائية.
ويشهد واقع البنوك أنها تستقبل ودائع بصورة يومية وبمبالغ مالية متفاوتة، وتدمج بين هذه الودائع في سلة عامَّة أو حوضٍ واحدٍ أشبه بالنهر الجاري الذي تمول منه عقودًا وصورًا متنوعة، وهذه العمليات يتم خلط فيها أموال المودعين وأموال المساهمين خلطًا متداخلًا غير مميز لمال مُودِع عن آخر؛ فهي كالتيار المستمر لا يمكن معه تتبع العمليات المختصة بوديعة بعينها للوقوف على حصتها في الربح أو الخسارة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء دار الافتاء المصرية البنوك العمل حكم العمل إيداع الأموال دار الإفتاء فی البنوک
إقرأ أيضاً:
حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة.. الإفتاء توضح أقوال الفقهاء
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: هل يجوز للمرأة أن تخرج إلى المسجد مُتَعَطِّرة؟ حيث جاء في بعض الأحاديث أن المرأة إذا خرجت للمسجد متعطرة فإن الله لا يقبل منها الصلاة حتى تغتسل، فما معنى ذلك؟ وهل يجب عليها الغسل؟ وهل يقتضي ذلك بطلان صلاتها ووجوب الإعادة عليها؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة؛ حيث جاء القرآن الكريم بأخذ الزينة عند كل مسجد سواء للرجال أو النساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن.
وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك.
وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.
حكم وضع العطر للمرأة وضوابط ذلك
جاء الأمر الإلهي بأخذ الزينة عند الصلاة في المسجد؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وهو أمْرٌ عامٌّ لكل البشر يشمل الرجال والنساء.
ومن ذلك: التطيّبُ؛ فقد أكدت الشريعة على استحبابه في العبادات الجماعية، ومواطن الزحام وتجمع الناس؛ حتى لا يجدوا من بعضهم إلا الرائحة الطيبة؛ رجالًا كانوا أو نساءً، فإذا قصدوا مع ذلك امتثال الهدي النبوي قولًا وفعلًا فقد جمعوا بين محاسن الطِّبَاع وحسنات الاتباع.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 195، ط. دار الوفاء): [واستعمال الأرايج الطيبة من جميع وجوهها وأنواع الطيب، وذلك مندوب إليه فى الشريعة لمن قصد به مقاصده، من امتثال أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ليوم الجمعة، والأعياد، ومجامع الناس؛ ليدفع عن نفسه ما يُكْرَهُ من الروائح، وليدخل على المؤمنين راحة ويدفع عنهم مضرة، وما يوافق الملائكة من ذلك فى المساجد، ومظانّ حلق الذكر وغيرها.. ولتطيب رائحته عند أهله وإخوانه المؤمنين، وتظهر مروءته ونظافته، وقد بُنِي الإسلام على النظافة] اهـ.
وليسَ ذلك مقصورًا على الرجال دون النساء؛ بل هو في حقِّ النساء أولى وآكد؛ لِما جُبِلنَ عليه من حب الطيب والعطر؛ فقد أخبر الله تعالى أنه خلق المرأة مُحِبَّةً للزينة، مُنَشَّأَةً في الحلية؛ فقال سبحانه: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18]؛ ولم يكن الله تعالى لينشئهن في الحلية ثم يُحَرِّمُها عليهن بالكلية.
ولذلك كان نساءُ الصحابة رضي الله عنهنَّ يلبسن "السِّخاب" عند خروجهن للعيد، وهي قلادة فيها طِيبٌ، ولم يرد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهُنَّ عن ذلك؛ فهذه سُنّة نبوية تقريرية، وهذا يقتضي جواز خروجهن للمسجد متطيبات عند أمن الفتنة.
فبوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا سماه: (بابَ القَلائدِ والسِّخابِ لِلنِّساءِ؛ يَعْني: قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وسُكٍّ)، ثم روى فيه حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصلّ قبل ولا بعد، ثم أتى النساء، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها وسخابها".
أقوال الفقهاء في حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة ونصوصهم في ذلك
إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة للمسجد أو لغيره، وكانت تقصد بعطرها أو زينتها فتنةَ الرجال أو لفتَ الأنظار إليها أو الشهرةَ بذلك: صار تعطرها وتزينها حرامًا؛ لأجل سوء القصد والرياء، والمباهاة والخيلاء، لا لخصوص العطر والزينة، فالتحريم هنا منوط بنيتها لا بزينتها، وبقصدها لا بطيبها، وقد يُستَدَلُّ على سوء القصد: بالمبالغة في البهرجة والزينة والعطر؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المرأة التي كان ينفح عطرها ولذيلها إعصار.
فإذا سَلِمَ قصدُها، وانتفى خوفُ الأذى: فجمهور العلماء على أن خروجها للمسجد متعطرة ليس حرامًا، ثم منهم من رآه مكروهًا؛ سدًّا للذريعة، ومنهم من نص على الإباحة من غير كراهة.
فأما المالكية:
فقد قال العلامة ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (17/ 624): [سئل (أي: الإمام مالك) عما يجعله النساء في أرجلهن من الخلاخل، وهن إذا مشين بها سمعت قعقعتها، فرأى ترك ذلك أحب إليه من غير تحريم؛ لأن الذي يحرم عليهن: إنما هو ما جاء النهي فيه من أن يقصدن إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]. ومن هذا المعنى: ما رُوِيَ من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ»] اهـ.
والمشهور عند المالكية إباحة تطيب المعتكفة في المسجد، وهو الذي نقله صاحب كتاب "المجموعة" عن مذهب الإمام مالك، وهذا يقتضي جواز خروجها للمسجد متطيبةً بلا كراهة.
وأما الشافعية:
فنص فقهاء الشافعية على أنه يُستثنَى مِن الكراهة ما تضعه المرأة مِن الطيب لدفع الروائح الكريهة؛ فخروجها للمسجد متعطرة لهذا الغرض جائز شرعًا
وأما الحنابلة:
فبوب الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي [ت: 643هـ] في كتابه "السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام" بقوله (1/ 361، ط. دار ماجد): (باب في كراهية منع النساء المساجد وكراهية الطيب لهن إِذا خرجن إليها) اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (2/ 458، ط. مؤسسة الرسالة): [وذكر جماعة: يُكرَه تطيبها لحضور المسجد وغيره، وتحريمه أظهر؛ لما تقدم، وهو ظاهر كلام جماعة] اهـ.
وليس هذا اختلافا حقيقيًّا بقدر ما هو تحقيقٌ لمناط الفتنة بهن أو عليهن؛ فالتحريم عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو غلبة الظن بها، والكراهة عند خشية الفتنة، والإباحة عند أمن الفتنة، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 72، ط. دار الفكر): [تنبيه: عدُّ هذا (أي: من الكبائر) هو صريح هذه الأحاديث، وينبغي حملُهُ ليوافق قواعدنا على ما إذا تحققت الفتنة، أما مع مجرد خشيتها: فهو مكروه، أو مع ظنها: فهو حرام غير كبيرة، كما هو ظاهر] اهـ.
كما تنتفي الكراهة عند القائلين بها إن كان عطرُها لحاجة معتبرة؛ لما تقرر في قواعد الفقه: من أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله، فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهته؛ كما نصَّ عليه الإمامُ ابن مازه الحنفي [ت: 616هـ] في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة العبدري في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) وغيرُه عن الإمام مالك، والإمامُ النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة).
والفتنة هنا منوطة بمظنتها؛ حيث نصَّ العلماءُ على أنَّ نهي المرأة عن الخروج للمسجد متعطِّرةً ليس على إطلاقه، ولم يُقْصَدْ به كل الأوقات؛ بل هو محمولٌ على الأوقات التي لا تأمن المرأة فيها على نفسها من الفتنة؛ كأوقاتِ الظُّلَمِ التي تخلو فيه الطرق من المارَّة، ويشهد لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
ومقتضى هذا الحديث عند بعض العلماء: أن المرأة لو تبخرت في غير وقت الظلمة، مع أمنها من الفتنة وأمنها على نفسها، لم يمنعها ذلك من شهود الصلاة مع الناس جماعةً، والأمر في ذلك يختلف باختلاف الأزمان؛ قال الإمام الباجي في "المنتقى" (1/ 342، ط. دار السعادة): [لأن غالب ما يحضرن من الصلوات ما كان في أوقات الظلمات كالعشاء والصبح لأن ذلك أستر لهن وأخفى لأحوالهن] اهـ.
وقال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (4/ 1130): [خصها بالذكر؛ لأنها وقت الظُّلَمِ وخُلُوِّ الطُّرُق، والعطر مُهَيِّجٌ للشهوة، فلا يُؤْمَنُ مِن المرأة حينئذ من الفتنة، بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار؛ فحينئذ تنعكس القضية] اهـ.
وقال العلامة ابن ملك الكرماني الحنفي في "شرح المصابيح" (2/ 96، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [خصَّ العشاء الآخرة لأنها وقت انتشار الظلمة فتخلو الطرقات عن الناس، ويستولي الشيطان بوسوسة المنكرات، ويتمكَّن الفجار من قضاء الأوطار، بخلاف النهار؛ فإنه واضح فاضح] اهـ.
وقال العلامة علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" (2/ 35، ط. دار الفكر): [وشرط العلماء في خروجها أن تكون بليل، وقال بعضهم: لا يكون خروجهن ليلًا وإنما يكون نهارًا، ويمكن اختلاف ذلك باختلاف الأزمان] اهـ.