اتخذت الطالبة في دائرة الفنون الجميلة بجامعة القدس ميرا غنيم من حجرات منزل عائلتها في بلدة الخضر بمحافظة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية مرسما لها، وفي هذا المرسم تُحوّل هذه الشابة الألم والأمل إلى ألوان، وتعيد رسم الحكاية الفلسطينية بلمسات فرشاة لا تعرف الانكسار والاستسلام.

وقبل أشهر اخترقت إحدى لوحاتها التي أطلقت عليها اسم "حكاية مُنَمنَمَة" ضيق الجدران، وحلقت خارج الجغرافيا الفلسطينية لتفوز رغم التحديات بالمركز الثالث على مستوى جامعات العالم العربي.

ضمّت لوحتها عددا من الرموز الفلسطينية وتربعت على عرشها قبة الصخرة المشرفة التي حضرت في معظم لوحاتها، ومن بينها تلك التي أطلقت عليها اسم "وصية الزيتون" وفازت بها بالمركز الرابع على مستوى فلسطين ضمن مسابقة "باقون كجذور الزيتون".

من القدس إلى بلدة الخضر انطلقت الجزيرة نت للقاء الشابة ميرا غنيم، وسبر أغوار رحلتها الفنية التي انطلقت منذ كانت طفلة في الخامسة من عمرها.

وُلدت ميرا في مدينة بيت لحم يوم 13 فبراير/شباط من عام 2005، وترعرعت في بلدة الخضر التي تلقت تعليمها في مدارسها حتى تخرجت بتفوق في مرحلة الثانوية العامة.

وعن اكتشاف موهبتها مبكرا قالت إنها كانت تميل منذ نعومة أظفارها لقضاء معظم وقتها في الرسم، وكان لعمّها مأمون غنيم الفضل الأكبر في صقل موهبتها وتطويرها وهو الذي حرص على التحاقها بإحدى دورات الرسم الطويلة، لتتعلم الرسم بالرصاص حينها.

ميرا غنيم تضع اللمسات الأخيرة على لوحتها "الوطن بين يدي" (الجزيرة)القدس حاضرة رغم البعد القسري

وفي المرحلة الإعدادية طوّرت ميرا من مهاراتها أكثر، وبدأت ترسم وتلون بألوان "غواش" ثم بألوان "الأكريليك"، وأخيرا وجدت روحا استثنائية للوحاتها بالألوان الزيتية التي اعتمدت تزيين لوحاتها بها منذ سنوات.

طيلة فترة جلوسنا معها كانت ميرا تتنقل ببصرها بين لوحاتها وهي تشرح عن إحداها أو تتحدث عن مسيرتها، وكأنها تتفقدها أو تستلهم منها الكلمات، وشعرنا أن اللوحات هي من تُنطقها بالفعل وتدفعها للاسترسال.

إعلان

وبمجرد سؤالها عن مدينة القدس وما تمثله لها بعد ملاحظتنا أنها حاضرة في لوحاتها، سالت على لسانها عبارات تنمّ عن الحسرة تارة والارتباط العاطفي العميق بالمكان تارة أخرى.

"أنا محرومة من زيارة القدس كوني أحمل هوية الضفة الغربية الفلسطينية، واقتصرت زياراتي لها قبل اندلاع الحرب على شهر رمضان الذي كنا نزور خلاله المسجد الأقصى ونصلي فيه".

هناك في المسجد الأقصى كانت تطيل ميرا النظر إلى معالمه المهيبة، فطالما سرقت زخارف قبّة الصخرة المشرفة قلبها قبل نظرها، وبالتالي حضرت هي أو زخارفها في معظم لوحاتها.

مجموعة من لوحات الفنانة ميرا غنيم، والتي تحمل رموزا من التراث الفلسطيني (الجزيرة)رموز فلسطينية

لاحظنا أن شجرة الزيتون أو غصنها وخريطة فلسطين وطيور الحمام ومفتاح العودة وغيرها من الرموز حضرت في لوحات هذه الشابة، كما حضرت الأسلاك الشائكة والجدار العازل والصواريخ المرتبطة بالاحتلال في لوحاتها قسرا أيضا.

تقول ميرا إن الهبّة الشعبية التي اندلعت في حي الشيخ جراح بالقدس عام 2021 أثرت فيها كثيرا وكانت عنوانا لإحدى لوحاتها، مضيفة أن الفنان لا يحتاج لأن يكتب على منصات التواصل الاجتماعي ليعبر عن قهره وغضبه، ويكفيه أن يُفرغ مشاعره في لوحة تجمع كل ما يمكن أن يقال، وهذا ما فعلته حينها وما زالت تفعله.

تتلقى ميرا غنيم تعليمها الآن على مقاعد جامعة القدس للعام الثالث على التوالي.

عندما وصلت دعوة من الجامعة القاسمية في إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة إلى دائرة الفنون الجميلة بجامعة القدس، ليشارك طلبتها في مسابقة ومعرض "إشراقات فنية" لم تتردد ميرا بالمشاركة.

طُلب من المشاركين حينها تقديم لوحة عن الزخارف الإسلامية على أن تظهر الزخارف في العمارة والزيّ والأدوات، فرسمت ميرا لوحة زيتية دمجت فيها عدة عناصر واستوحت الزخرفة فيها من مصليات المسجد الأقصى ونوافذه الجصيّة.

استمر العمل على اللوحة 13 يوما قبل أن تُحلق بها هذه الشابة الفلسطينية نحو الشارقة وتفوز بالمركز الثالث، ثم عادت وشاركت بعد أشهر بمسابقة محلية في الرسم الحر بعنوان "باقون كجذور الزيتون".

وفي هذه اللوحة -التي حازت فيها على المركز الرابع على مستوى فلسطين- دمجت غنيم عددا من الرموز الفلسطينية التي تعبر عن الأصالة في لوحتها، وتربعت شجرة الزيتون وقبة الصخرة على عرشها.

وقبل يومين انطلقت ميرا برسم لوحة جديدة أطلقت عليها اسم "الوطن بين يديّ"، وتظهر فيها مسنة تلتف الكوفية الفلسطينية حول عنقها وتحمل بين يديها مصلى قبة الصخرة المشرفة، وتقول هذه الشابة إنها دمجت فيها الفن الواقعي بالسريالي.

ميرا غنيم مع لوحتيها اللتين فازتا بمسابقتين إحداهما تحمل عنوان "وصية الزيتون" والأخرى "حكاية مُنمنمة" (الجزيرة)لا مستحيل

تحمل فُرشاتها وتُحركها بانسيابية مذهلة على زوايا اللوحة، على وقع كلمات أغنية "بتنفس حريّة" للفنانة اللبنانية جوليا بطرس.

"صوت الحرية يبقى أعلى من كل الأصوات، مهما تعصف ريح الظلم وبيغطي الليل المسافات، ما فيك تلون هالكون على بعضه بذات اللون، وتبدل نظام الأرض وتغير مجرى الهوا".

إعلان

هذا المقطع من أغنية بطرس أغلق دائرة رسم اللوحة الجديدة، لكنه فتح شهيتنا لطرح آخر سؤالين على هذه الفنانة الواعدة، وكان الأول عن شعورها حيال فوزها بآخر مسابقتين.

أجابت "شعرتُ بسعادة غامرة.. طموحي أن أصل إلى العالمية.. أوقن أن لا شيء مستحيل".

وقبل أن نودعها سألناها عن أمنيتها فقالت "أغبط من يعيشون في مدينة القدس، وأتمنى أن أجلس يوما أمام معالمها وأرسمها مباشرة وأنا أتأملها، وأتمنى أيضا أن ألتقط صورا للوحاتي في أزقتها، وأعتقد أن حرماني من زيارتها يجعلها حاضرة في وجداني فأجسدها في لوحاتي دائما".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات هذه الشابة ة الصخرة

إقرأ أيضاً:

الزيتون الأردني في أزمة.. إنتاج محدود وأسعار قياسية

عمّان – مع انطلاق موسم عصر الزيتون في الأردن وبدء المعاصر في استقبال الثمار، سرعان ما اتضح أن المشهد هذا العام لا يشبه ما سبقه، فالإنتاج محدود، والأسعار ترتفع بوتيرة متسارعة، والضغوط المناخية تشتد عاما بعد آخر، حتى إن آلات العصر تتوقف أحيانا لندرة المحصول، في هذا السياق تبدو ملامح موسم يصفه العاملون بأنه "الأضعف منذ أكثر من عقدين".

وتشير تقديرات نقابة أصحاب المعاصر ومنتجي الزيتون إلى أن إنتاج الأردن من الزيت هذا العام لن يتجاوز 18 إلى 20 ألف طن، مقارنة بمتوسط إنتاج سنوي يتراوح عادة بين 25 و40 ألف طن، ويُرجع عضو مجلس إدارة جمعية أصحاب معاصر الزيتون الأردنية، محمود العمري، التراجع الكبير في الإنتاج هذا العام إلى شح الأمطار وموجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، خصوصا في مناطق الزراعة البعلية غرب البلاد.

ويشير العمري في حديثه للجزيرة نت إلى أن موسم الزيتون الحالي يعد الأضعف منذ فترة طويلة، ليضيف مستدركا إلى أن جودة زيت الزيتون هذا الموسم جاءت "ممتازة جدا"، نتيجة الحمل الخفيف على الأشجار الذي ساهم في إنتاج زيت ذي نقاء عال وقيمة غذائية مرتفعة.

ولفت العمري إلى أن نحو نصف الموسم قد انقضى حتى الآن، مع توقعات بأن تسهم مزارع "المرورية" (التي يبدأ قطافها متأخرا) في تعويض جزء من النقص في الكميات خلال الأسابيع المقبلة.

يعود تراجع إنتاج الزيتون في الأردن هذا العام لقلة الأمطار والجفاف وارتفاع درجات الحرارة (الجزيرة)أسعار تحلق عاليا

على الطرف الآخر من الأزمة، يقف المستهلكون أمام موجة أسعار غير معتادة، فبينما حددت النقابة سعرا استرشاديا يتراوح بين 100 و120 دينارا (140- 170 دولارا) للتنكة (16 كيلوغراما)، قفزت الأسعار في بعض الأسواق إلى 140 و150 دينارا (197-211 دولارا)، في سابقة لم تُسجل بهذا الاتساع، ومع ارتفاع الطلب التقليدي للموسم، ترتفع مخاوف المستهلكين من أن تصبح المادة الأساسية خارج متناول الكثيرين.

إعلان

وفي مواجهة هذه الموجة، أعلنت وزارة الزراعة وقف تصدير زيتون المائدة بشكل كامل، رغم وجود تعاقدات سنوية تقدر بـ4 آلاف طن، ويأتي القرار لإعطاء الأولوية للسوق المحلية وتوجيه الكميات للعصر، حفاظا على الحد الأدنى من توازن العرض والطلب.

لكن الأزمة أكبر من أن تُحل بوقف التصدير وحده بحسب خبراء؛ إذ تشير بيانات دائرة الإحصاءات إلى أن إنتاج زيت الزيتون حتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني بلغ 1419 طنا فقط، أي ما يعادل 55.8% من المعدل الموسمي، وهي أرقام تكشف حجم الانكماش الذي أصاب الإنتاج، وتفسر اضطرار بعض المعاصر إلى التوقف أياما لعدم توفر كميات كافية لتشغيلها بكامل طاقتها.

وزارة الزراعة تخطط لاستيراد زيت الزيتون لأول مرة منذ عقود لسد النقص وحماية السوق من ارتفاع الأسعار (الجزيرة)فتح باب الاستيراد

ومع تفاقم الأزمة وارتفاع الأسعار، أعلنت وزارة الزراعة نيتها فتح باب استيراد زيت الزيتون لأول مرة منذ عقود؛ في خطوة وصفتها بأنها "ضرورة لحماية السوق"، وتهدف الحكومة إلى سد النقص الكبير في المعروض المحلي ومنع مزيد من الارتفاع في الأسعار، مع تأكيده الالتزام بالمواصفات الأردنية وضوابط الجودة.

ولا يمكن فصل أزمة زيت الزيتون عن الأزمة الأكبر التي يخوضها القطاع الزراعي في الأردن، خصوصا في وادي الأردن، فالمزارعون هناك يواجهون انخفاض أسعار بيع المحاصيل إلى ما دون كلف الإنتاج، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع مياه الري، وتزايد ملوحة الآبار الجوفية مع تأخر الأمطار.

ويرى المزارعون أن الموسم الحالي ينذر بتراجع كبير في المساحات المزروعة العام المقبل، مع اضطرارهم لترك أراض بور بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع العوائد، ويؤكد معاوية الهواري، وهو تاجر زيت، أن الأزمة التي يشهدها قطاع الزيتون في الأردن هذا العام غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين، مرجعا السبب في حديثه للجزيرة نت إلى "تراجع الهطول المطري خلال الموسم الماضي، لا سيما في المناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية".

الهواري يصف أزمة الزيتون الحالية في الأردن بأنها الأشد منذ أكثر من عقدين (الجزيرة)منعطف حرج

ويوضح أن ضعف الأمطار كان "السبب الأول والأخير" في انخفاض إنتاج الزيتون وعدم توفر الكميات التي يحتاجها السوق المحلي.

ويؤكد الهواري أن الحل الوحيد أمام الحكومة يتمثل في استيراد زيت الزيتون من دول مجاورة، مشيرا إلى أن وزارة الزراعة بدأت فعليا إجراءات بهذا الاتجاه، لكنه دعا إلى تأجيل أي عمليات استيراد واسعة حتى نهاية الموسم الحالي تفاديا لإلحاق الضرر بالمزارعين المحليين.

ومع تراجع الإنتاج المحلي، وارتفاع الأسعار، وتفاقم آثار التغير المناخي، يبدو قطاع الزيتون أمام منعطف حساس، فالمؤشرات الحالية تدل على أن التحولات المناخية ليست أزمة عابرة، وأن مواسم الزيتون المقبلة قد تواجه واقعا أكثر تعقيدا ما لم تُعتمد حلول مستدامة تشمل إدارة المياه، وتنويع مصادر الري، وتطوير البنية الزراعية.

وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية، تبقى القدرة على تخفيف حدة الأزمة مرهونة بالوقت والموارد، في حين ينتظر المواطن الأردني موسما لا يشبه ما اعتاده، وزيتا قد يصبح أغلى من القدرة على اقتنائه.

إعلان

مقالات مشابهة

  • بالصور.. شاهدوا الخيمة التي سيلتقي فيها البابا مع شخصيات
  • نيفين مختار تكشف المواعيد التي تكره فيها الصلاة.. فيديو
  • اعتراف إسرائيلي: لم ننتصر بعد في الحرب التي أعادت القضية الفلسطينية للواجهة
  • من زيت الزيتون الى زياد المناصير
  • زيت الزيتون المستورد سيدخل المملكة في هذا الموعد
  • أحمد غنيم: هذه طريقة ردع المخالفين داخل المتحف المصري الكبير.. فيديو
  • رئيس وزراء العراق المقبل.. معايير وشروط معقدة ترسم ملامح المرشح مبكراً
  • المقاومة الفلسطينية تفجر عبوة ناسفة في آلية عسكرية للاحتلال الإسرائيلي
  • الزيتون الأردني في أزمة.. إنتاج محدود وأسعار قياسية